الحركات النضالية في زوبعة الفيضانات
وقفة احتجاجية أثناء فيضانات 2010
الحسين الإدريسي
ملاحظات بصيغة الحاضر لابد منها في واقع سمته الهشاشة والإهمال
وإن كانت قد رصدت ماضيا صعبا بمدينتنا وضواحيها
تعرضت مدينة سيدي سليمان إلى فيضانات واد بهت ابتداء من ليلة 22 فبراير بعد أن غمرت مياه سبو ورضوم وورغة غالبية أراضي سهل الغرب مخلفة أضرارا بالغة بالمجال القروي بشريا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. مدينتنا وإن تعرضت للفيضانات متأخرة تحاول التصدي لمخلفات الكارثة بالإمكانيات الذاتية الضعيفة في غياب أو تأخر المسؤولين المباشرين والمتدخلين المختلفين والإطارات التي أبانت عن تحركات واسعة النطاق والمبادرات المتنوعة السنة الماضية، والتي لا تخلو من أثار على المتضررين على مستوى الحضور والدعم المعنوي والمادي. هذه السنة ربما انتفت أجواء الانتخابات ليختفي معها قناصو الأصوات لتبقى الساحة للمدافعي عن مبادئ التضامن وحقوق الإنسان. كانت الساحة الجماهيرية تستقبل أشكالا رائعة من المبادرات الحية التي تعكس عمق معاناة المواطنين من البطالة والفقر بالأحياء المسماة مهمشة. كيف تعاملت الجماهير الشعبية المستضعفة مع تهديدات مياه واد بهت؟
نموذج منزل متضرر
1ـ الوقفات والاحتجاجات
بشكل شبه عفوي خرجت عدة مسيرات للسكان المتضررين من الفيضانات الأخيرة من أولاد الغازي والسوق القديم وغيرهما، ما مميزاتها؟
تستند التحركات الجماهيرية إلى ما راكمته من تنفيذ الوقفات والاحتجاجات أمام مقر الباشاوية في السنة الماضية (فيضانات 2009) إلى درجة أن أصبحت الأسلوب الأوحد للفت انتباه السلطات إلى التهديدات التي يتعرضون لها جراء الفيضانات. هذه السنة أيضا لم تتردد ساكنة الأحياء المتضررة من الخروج في مسيرات سلمية في اتجاه مقر العمالة هذه المرة (مع بداية الفيضانات لا زالت الأشغال قائمة بها لتتخذ مع ذلك مقرا لخلية اليقظة المحدثة بمناسبة فيضانات 2010 )
ما ميز هذه المسيرات والاحتجاجات هذه السنة ( ستة في المجموع نظمت في أوقات مختلفة) هو أنها كلها تستهدف الدخول في مفاوضات مع السلطات المحلية عبر لجنة منبثقة من الساكنة، وغالبا ما تكون مختلطة نوعا وعمرا: المطلب الوحيد، فتح ملجأ للمتضررين على غرار ما جرى في السنة الماضية للاستفادة من التغذية والغطاء، باعتبار أنهم فقدوا كل شيء بانهيار دورهم الهشة بحي أولاد الغازي أو السوق القديم أو دوار الوركة.
المسيرات إذا كانت هادفة، لكن لماذا الانتظار حتى الاستماع إلى هذا المطلب المشروع؟ الم تستفد السلطات من تجربة 2009؟ أم أنها تصرف الدرس بالشكل المناسب. مفارقة لا تجد الجواب إلا في منطق الحسابات والاستهتار بحقوق المواطنين في المسكن والغذاء والأمن، حقوق تتحول لا محالة إلي الاستعطاف من موقع التسول. تسول المستضعفين للقوي وهنا تنتفي الحقوق وقيم التضامن: انتهاز الأوضاع الاجتماعية المزرية وحتى الطبيعية الصعبة لتكريس منطق السلطة النافدة والمنقذة.
السمة الثانية للمسيرات هو تواجد العنصر النسوي بكثافة بجانب الشباب واليافعين (أبناء المتضررين ) بل يمكن القول إن المبادرة لمواجهة أثار الفيضان، هذه السنة كانت نسائية بامتياز، ربما يرجع ذلك لاشتغال الأزواج بالبحث عن لقمة العيش خارج المنازل الآيلة للسقوط في أية لحظة. ففي ليلة صعود مياه بهت – 20 مارس – لم تترد 5 نساء محملات بالرضع إلى طلب إغاثة السلطات وهي في حالة استنفار بعد الساعة الثانية عشرة بقليل، لمعاينة الخطر المحدق بالدور المطلة على واد بهت. مبادرة جرت السلطات إلى عين المكان واتخاذ قرار المغادرة، نفس روح المبادرة أطرت التحركات الجماهيرية، حيث شكلت النساء طلائع المسيرات والوقفات: إنهن تعلمن التفاعل مع واقع الشارع بالدفاع عن قضاياهن في مجال الحقوق، بصياغة الشعارات وترديدها بشكل جماعي من قبيل "هذا عار هذا عار السكان في خطر" أو "الساكنة ها هي والحقوق فين هيا"، وغيرها من الشعارات المعبرة عن عمق الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب حلولا مستعجلة:السكن اللائق أولا.
الميزة الثالثة هي تحركها بصعوبة في أعقاب الإنزال المكثف لقوى الأمن، التي لا تترد في استعمال العنف والكلمات النابية في حق المتظاهرين، بل تتجرأ بإسقاط مسن على الأرض وسيدة حامل، لينالا قسطهما من القمع والضرب المبرح سعيا لإيقاف المسيرة بشارع محمد الخامس، القمع و التهديد لم يحول دون وصول الجماهير الغاضبة إلى العمالة لإقناع السلطات المحلية بخطورة الأوضاع، وما يتطلب تدخلا عاجلا ومسؤولا. محاصرة وقفة احتجاجية
ومن سمات كل هذه الوقفات والمسيرات مشاركة بعض الفعاليات والإطارات الجمعوية - ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان - والنقابية والحزبية التي تنتصر للحرية والحقوق المشروعة للمواطنين في التظاهر والتعبير عن المطالب المتعلقة بالعيش الكريم في الظروف العادية، فبالأحرى ظروف الفيضانات وظروف الأزمة الخانقة في هذه الأيام.
2ـ إضراب عن الطعام لإسماع الصوت
دخلت مجموعة من ساكنة السوق القديم 104 بسيدي سليمان في إضراب عن الطعام منذ يوم السبت (6-03-2010 ) بعد زيارة رئيس المجلس البلدي وفي أعقاب التقاط تناقض في التصريحات، التي مفادها أن مشكل السوق القديم سيجد حله في إطار القضاء على مدن الصفيح، الشيء الذي شكك فيه قائد المقاطعة الأولى حسب المضربين عن الطعام. ويظهر أن السلطات رأت في تصريح رئيس المجلس البلدي محاولة انتخابية متسترة تسعى إلى الاقتراب من المتضررين عبر كارثة الفيضانات، التي ألحقت أضرارا بالغة بالدور والممتلكات، حتى أصبحت تشكل خطرا على الأرواح، وحسب تصريحات المضربين وعددهم يتجاوز الخمسين، تفيد أن التشكيك في المشروع لا يعني سوى التماطل وربح الوقت لإقناع الكثير منهم لمغادرة مأوى "كوريال" (مؤسسة صناعية تستعمل كملجأ جماعي)حتى لا يستفيدوا من البقع وتعويض مقداره 30000 درهم، لكل مستفيد على غرار تجربة السنة الماضية حيت استفاد 204 مواطن ومواطنة, والحال أن تقديرات السلطات بالنسبة للمستحقين للبقع لا تتجاوز 15 عائلة ضمن 56 عائلة متضررة، الشيء الذي جعل المقيمين يفطنون إلى أن شيئا ما يطبخ في الخفاء، خاصة وأنهم سمعوا أن السلطات اختارت أشخاصا من خارج "كوريال" للتحاور حول المستفيدين الفعليين، وهذا ما دفع بالمقيمين في "كوريال" إلى المطالبة بالاستفادة من البقع المزمع توزيعها في "مشروع الخير"(تشرف عليه وزارة السكنى والتعمير والتنمية المجالية)، وأمام التشكيك والتحركات المشبوهة قرر المتضررون المقيمون "بكوريال" الدخول في إضراب عن الطعام مطالبين إسماع مطالبهم إلى كل من يهم الأمر.
يوم الثلاثاء 9-3-2010 أوقف المضربون إضرابهم بعد الزوال وبشكل مفاجئ. حينما استفسرناهم، كان الجواب، أنهم لم يتحملوا العيش في ظل اختلاف بين المقيمين "بكوريل"، البعض في إضراب والبعض الآخر يتناول الوجبات، المهم أن حركة الإضراب عن الطعام التي دامت 3 أيام ولم تحرك ساكنا لدى السلطات، لم تحقق شيئا، اللهم التشكيك في راهنيتها كآلية ضغطية مناسبة، الحركة العفوية إذا وصلت إلى الباب المسدود، لأنها تفتقد إلى الآلية التنظيمية وإلى البوصلة، الشيء الذي غاب عن ذهن المضربين عن الطعام، وأخطر من ذلك كله، أن الجميع فقد الثقة في الشكل النضالي… هذا ما طبلت له السلطات على الخصوص تعزيزا لأطروحاتها: مصدر الحلول هو السلطات، شكلا ومضمونا وبدون ضغوطات من فضلكم…
3- كيف انتهت تحركات المتضررين من الفيضانات
أعطى إعلان محمد بلعوشي بتحسن الحالة الجوية الضوء الأخضر للشروع في الاستعدادات لتسليم ملجأ "كوريال" لأصحابه، وأمر المواطنين المقيمين بالمغادرة. ظهر ارتباك وسط المتضررين من الفيضانات، الطريقة التي لجأت إليها السلطات، هي عدم تسليم الوجبات الغذائية للقاطنين بدءا بوجبة الفطور، إنها وسيلة ضغط "مقنعة" خاصة وأن الصغار من الرضع والتلاميذ يشكلون عددا لا يستهان به. قرر الكبار التشبث بالملجأ في انتظار تنفيذ الوعد ( البقعة +30000 د. ) وإن اقتضى الأمر إحضار الوجبات الغذائية من أي مكان للأبناء. رد فعل مناسب بدون شك، لكنه هش وقابل للاحتواء، خاصة وأن 26 عائلة من دوار أولاد الغازي قد غادرت المكان بقناعة، وبالنتيجة أصبحت 56 عائلة من السوق القديم معزولة وفي حالة صعبة، بادر البعض إلى التشكي للعامل، مما أدى إلى تكوين لجنة تدبر الوضع مع ممثلي السلطة في عين المكان، والخروج بلائحة متفق حولها للمستفيدين، تسلم لهم شهادة الإقامة "بكوريال" يدلى بها للحصول على البقعة المأمولة. مخرج حظي بالقبول، ما دام أن الأسماء قد انبثت على اللوائح الرسمية مدعمة بشهادة إقامة كبديل عن مصداقية تكاد تكون مفقودة. غادر المقيمون ملجأ كوريا في اتجاه دورهم الآيلة للسقوط، أو في اتجاه جار يقبل مزيدا من السكان والازدحام في انتظار تسليم البقعة المنتظرة" بمشروع الخير". في انتظار كل ذلك تستمر المعاناة ربما بشكل أصعب، أين رياح التغيير يا ترى؟