الأربعاء، 23 مايو 2012

مــقــطــع مــن روايـــة


   مــقــطــع مــن روايـــة 

رغم صعوبات الكتابة وقلة الوقت ثم ما يلي ذلك من طبع ونشر وتوزيع وضعف المقروئية في المغرب وقلة الإقبال على الكتاب وغياب كل دعم في ذلك، بحيث يعتبر في "عداد" الحمقى كل مقبل على إصدار كتاب أدبي في المغرب،  وبعد إصدار المجموعة القصصية "نزيل في تراب"، في أفق قريب قد تظهر رواية مطولة تدور أحداثها بين فضاء القرية والمدينة.. النص التالي جزء من وسط الرواية.
مصفطى لمودن 
بعد انتهاء شيخ الزاوية من قراءته وشرحه، شرع مرافقوه في إنشاد أذكار وأمداح تطرب الحاضرين، تجعلهم ينشرحون ويتمايلون برؤوسهم طربا، يستفيق من كان قد غلبهم النوم، أغلب الحاضرين يرددون بعض الأبيات الشعرية البسيطة، تكون كلازمة الهدف منها إشراك الحضور، وإتاحة فرصة للمنشدين كي يستعيدوا أنفاسهم ليستأنفوا بقية الإنشاد، وقد أعجب المستمعون كافة ببراعة الأطفال الأربعة في الإنشاد، كلهم لهم أصوات رخيمة، ومقدرة كبيرة على التذكر، ويحلو الاستماع لهم أكثر عندما يتلو كل واحد منهم على حدة آيات من القرآن. 
وقف شيخ الزاوية، أراد أن يخرج، سارع الفقير لحسن لمده ببلغتيه وهو جد منشرح لذلك، ينتظر دائما أدنى إشارة من الشيخ لينفذها عن حذافيرها، جره الشيخ جانبا، اعتقد الفقير لحسن أن الشيخ يريد قضاء حاجته كبقية البشر، كان ينتظر منه أن يطلب منه ماء ساخنا ونعلا بلاستيكيا يغسل فيه قدميه، وفي باله الغلاية الجديدة، فهو يريد أن يكون أول مستعمل لها الشيخ. لكن حينما أخذه من يده وجره مبعدا إياه عن مكان الإنشاد، فقد تأكد للفقير لحسن أن في الأمر شيءً آخر. توقفا بجانب السور الخارجي للمسجد، مسح الشيخ لحيته بيده اليسرى، بينما اليد الأخرى ما تزال قابضة بيد الفقير لحسن، وهو ما استطابه هذا الخير وتمنى أن يتوقف الزمن على هذه الحالة، رفع الشيخ رأسه ونظر في وجه الفقير لحسن وهو مستضاء بشعاع ضوء متسرب من باب المسجد، ازدادت حيرة وارتياب هذا الأخير، يقول في نفسه ودقات قلبه بدأت تتسارع هل أخطأ في شيء، هل وقع مكروه، هل غضب الشيخ من شيء حصل، ينتظر ما سيقوله الشيخ بفارغ الصبر والوجل. 
أعيى الانتظار الفقير لحسن، رغم أن ذلك لم يكن ضمن زمن طويل، مقدار المشي البطيء من باب المسجد إلى محاذاة جدار مقابل، لا يجرؤ على وضع السؤال على الشيخ، هو ينتظره أن يتكلم، بدأ يفقد التحكم في هدوئه، سرت رعشة في كامل جسده. 
قال الشيخ بصوت هادئ: 
ـ أين عبد الرحمان ابنك؟ لم أره اليوم. 
الشيخ يعرف جميع سكان القرية واحدا واحدا، يسأل عن كل واحد، عندما يسلمون عليه يذكر أسماءهم، وإن نسي اسم أحد، خاصة بالنسبة للأولاد الذين يكبرون وتتغير ملامحهم، يتدخل أحدهم ليذكره بالاسم والنسب واسم الأب والجد، كأنه بذلك يتأكد من ولاء الجميع للزاوية، بينما يعتبر أغلبُ سكان القرية ذلك ودّا وعطفا من الشيخ لا مثيل له 
نزل السؤال كالصاعقة على الفقير لحسن، فعلا بدوره لم يلاحظ غياب عبد الرحمان، لكن كيف لم ينتبه للأمر وهو يتساءل مع نفسه، لم يستطع رفع عينيه لينظر في وجه الشيخ، أحس ببرودة تغزو جسده، وتصبب عرق بارد على أسفل ظهره، كيف لا يمكن لابنه، فلذة كبده ألا يحضر مثل هذه المناسبة، بينما يحضرها كل سكان القرية، وكل من يعرف بركة شرفاء الزاوية ونفعهم للقرية، ودعاءهم بالمن والسلوى، بفضل الله وبفضل هؤلاء وبفضل الصبية والدواب يسقط المطر، وتحيى الأرض بعد موتها، ونجني نحن الثمار، ونعيش في ود وسلام… هذا ما يظل يردده باستمرار الفقير لحسن على أفراد أسرته وكل من يحدثه عن الزاوية.
رد على الشيخ قائلا: 
ـ سأبحث عنه وأحضره حالا. 
واستأذن الشيخ في الذهاب، لكن الشيخ استوقفه قائلا: 
ـ والحسين؟ بدوره لم أره 
كأن الفقير لحسن تلقى صفعة قوية، أو استفاق مذعورا على صوت رعد مجلجل، فعلا لم يأت أخوه الحسين للحفل، رغم أنه أخبر بذلك منذ عودته قبل أسبوع، وهو شديد الحرص على الحضور، ويعتبر مثل هذه المناسبة فرصة لملاقاة كافة الأهل والأحباب ورفاق الطفولة… لإحياء الرحم كما يقول والتبرك من الشرفاء قبل الرجوع إلى المهجر، في الحقيقة يعتبر الحفلة التي يقيمها أخوه الفقير لحسن مناسبة يلاقي فيها الجميع وذلك يغنيه عن زيارتهم كلهم في منازلهم، وتوزيع كم هائل من الهدايا، حيث أن كل دار يدخلها يجب أن يحمل لكل فرد من أفرادها هدية، وهو ما أصبح يجده جد مكلف له. 
ـ لقد أخبرته بالموعد وكان من المقرر أن يحضر، الغائب حجته معه يا مولانا، له سيارته قد يحضر بين الفينة والأخرى. 
سمح له أخيرا الشيخ بالانصراف للبحث عن عبد الرحمان.