الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

تشكيل التشكيلي زكرياء القفز أو القفز عاليا فوق حدود البنيات المسكوكة للممارسة التشكيلية


تشكيل
التشكيلي زكرياء القفز أو القفز عاليا فوق حدود البنيات المسكوكة للممارسة التشكيلية
 

حاوره  مولاي علي أفردو السجلماسي *
 

زكريا القفز فنان من طينة مغايرة ومعدن نفيس، يروم التصدي ويأبى الصدأ ويخلق في كل تجربة صداه. ينطلق هذا التشكيلي الشاب من خلفية ثقافية وجمالية رصينة، وأعماله تتمنع في إباء إزاء توصيفها بالفطرية أو الأكاديمية ولا حتى العصامية. استطاع في غفلة عن العيون أن يخلق عوالمه البصرية الفريدة، داخل محاريب سرية، لا يعلم خريطة سراديبها وسبر أغوار دهاليزها غيره. فبشخصية الشاعر الذي يلهو بنثر البهاء بين ثنايا القماش الأبيض، ومهندس الألوان، الذي يتسلى بفك المعادلات اللونية والضوئية المعقدة، بحس خيميائي متمرس، على صفحات الحواملsupports، قماشا كانت أو ورقا أو سبورات…لايهم.
  انتبه له النقاد أخيرا، فأجمعوا على فرادة تجربته ومغامراتة الفنية المائزة. وكما كان الشعراء يفعلون قديما، نهل زكرياء من كل التجارب والرؤى والاتجاهات، ليتعمد تجاهلها الواعي ويتعدى حدود القوالب النمطية، فينحت بثقة هوية جديدة لإبداعه، ينصهر في بوتقتها التسجيلي والتشخيصي والرمزي والانطباعي والتجريدي، في تلاؤم. حساسيات متعددة ، في حضن اللوحة المفردة…تتجاور، تتحاور، وحتما تتجاوز بعضها البعض.
 فإذا كان بوفون يقول بأن "الرجل هو الأسلوب"، فإبداع القفز يؤكد أن هذا المنطق ينسحب بامتياز على الفنان، بقوة الفعل والضرورة.
 في أحد معارض العاصمة التقينا هذا الفنان المكتوي بنار الفن المقدسة، فكانت لنا معه هذه الدردشة.
 

°  كيف ابتدأت رحلة الألوان؟

  زمنيا لا أذكر متى أصبت بمس التشكيل. ما أذكره فقط، أني كنت دائما مسكونا بملاحظة وتأمل الألوان والتشكيلات وتصارع الظل والضوء ولانهائية الكتل والأحجام. لأتذكر كذلك أني منذ طفولة بعيدة قد ربطت علاقة صداقة حميمة مع قلم الرصاص. فانتبه الوسط العائلي لموهبتي، لأجدني أشارك في كل مسابقات الرسم في المدرسة. وفي المرحلة الإعدادية والثانوية، كان الأساتذة يستعينون بي في رسم الأشكال والمواضيع التي تهم خصوصا مادتي التكنولوجيا والعلوم الطبيعية، وحين كان التلاميذ يجدون صعوبة في إدراك المفاهيم المجردة، في مادة الهندسة الفضائية، كنت أقوم برسم تقاطعات المستويات على السبورة. ولعل اشتغالي فيما بعد في مجال الهندسة المعمارية، قد صقل هذا الاهتمام، إضافة إلى تكليفي بتقديم دروس في مجال التربية التشكيلية لفائدة مجموعة من الجمعيات والمؤسسات، ومنها إعدادية جون دارك الفرنسية.


°- خلال اشتغالك بالدار البيضاء، استطعت اختراق المشهد الفني، لتربط علاقات هامة مع مجموعة من الأسماء الكبيرة. كيف تقيم هذه التجربة؟

   لعلها محطة هامة، أفادت كثيرا تجربتي. فاحتكاكي بالوسط الفني البيضاوي، جعلني أخبر المشهد التشكيلي، وأفهم ميكانيزماته. ففي هذه الفترة، اطلعت على تجليات الممارسة التشكيلية بالمغرب وكواليسها، من خلال تجارب كبار التشكيليين. كما سبرت أغوار الاتجاهات والمدارس والنزعات الفنية، التي تزخر بها الساحة. فتعاملت مع أسماء وقامات وازنة، من قبيل عبد اللطيف الزين، رحول زويتينة، حجي الحريري، الملاخ، جريد  وغيرهم. كما تأثرت بأساليب وطرق اشتغال كثير منهم. وقد ساهمت، آنذاك في الإشراف على تنظيم مجموعة من المعارض الجماعية، منها معرض نيابة عين السبع الحي المحمدي، ومعرض 
المركب الثقافي عقبة بن نافع، والملتقى الثاني لمنتدى الإبداع والتشكيل للدار البيضاء الكبرى، بكاتدرائية القلب المقدس سنة 2007. كما كنت عضو لجنة الفرز في انتخابات تعاضدية الفنانين المغاربة، وشاركت في عدة معارض جماعية.


°- ثم اختفيت مدة، لتظهر أخيرا على صفحات كبريات الجرائد الوطنية. لماذا هذا الغياب؟

    في اعتقادي، يجب أن يضع الفنان، بين الفينة والأخرى، مسافة  على آخر تجاربه، لتتوضح الرؤية أمامه. اعتفكت على الاشتغال على المدارس الفنية الكبرى،  موازاة مع النهل من التراث البصري والمكتوب حول مختلف مراحل تطور الممارسة الفنية كونيا. وأنجزت عدة أعمال في إطار هذه الحساسيات. ثم كرست كل جهدي للتجريب الفني. ونبراسي كان دائما إيماني بان الفنان الحقيقي يجب أن يمثل قيمة مضافة، ويخلق أسلوبه الخاص. فالتصوير التقريري والتسجيلية الكارطبوستالية، والهلامية في التجريد لم تكن أربي. فكان لابد من التوفيق بين هذه الاتجاهات في عمل ينتقل فيه بصر المتلقي بين المدرك والقابل للإدراك، بين المرئي واللا مرئي، بين الواقعي والتخييلي، بسلاسة.

°- وماذا عن احتكاكك بالوسط الفني بالرباط وعلاقتك مع المرحوم الدواح؟

    عند عودتي إلى الرباط، أعدت اكتشاف الاوداية، التي أعشقها من خلال تجربة الفنان النويكة، وربطت علاقات قوية مع مجموعة من الأسماء الفنية، منهم قرمانوالسكوني. ولعل ملازمتي للفنان الراحل ألبير بيلو، قد أعطت نفسا جديدا لتجربتي.
  أما علاقتي بالراحل الدواح، فكانت إضافة للجانب الفني، تكتسب بعدا إنسانيا. فقد كونا، رفقة الراحل الشكيروالتشكيلي الصواب رباعيا فنيا. واشتغلنا طويلا في ورشة المرحوم الشكير.

°- يتفق النقاد على فرادة تجربة القفز. كيف تأتت هذه الخصوصية؟

 اشتغالي على مختلف المدارس الفنية، قادني إلى قناعة ألا تكون أعمالي مجرد محاكاة، أو تمارين تطبيقية. فكان لابد من استثمار مكتسباتي ومرجعياتي لإبداع منجز أصيل. وبمعنى آخر، كان لابد من نحت وسيلة لنقل إحساسي بالحياة لفضاء اللوحة، برؤية وأسلوب خاصين. فلا مناص في تصوري أن تكتسب اللوحة كارزميتها وهويتها الخاصتين بها.

°-  وماذا عن مشاريع المستقبل؟
 
   بعد عدة معارض جماعية شاركت فيها هذه السنة، وبعد تجربة تحويل اللوحات المتلاشية إلى حوامل إبداع، التي نظمتها نيابة سلا، والتي شارك فيها مجموعة من الفنانين الكبار، أمثال عبد الكبير البحتوري، أعد للموسم الثقافي المقبل مجموعة من المعارض الشخصية، والتي ستبرز فيها ملامح المحطة الجديدة في مساري الفني.

——–                                                          * صحفي وناقد جمالي