مــحـــنـــة الـــفـــلــســــفـة
نظيرة رفيق الدين (*)
منذ أن تم إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا، واعتماد تعميم الفلسفة على جميع الشعب والتخصصات والمستويات، والفلسفة تعيش وضعا مأساويا، فكلما تعلق الأمر بنقص في الأطر المؤهلة للتدريس يكون الحل هو حرمان مستويات الجذوع المشتركة من المادة. وللأسف هذا الحل أصبح عرفا معمولا به منذ سنوات، وهنا نتساءل عن الجدوى من تعميمها في غياب إستراتيجية واضحة المعالم تقوم على توفير أطر التدريس وتستجيب لمبدأ تكافؤ الفرص الذي ينص عليه الميثاق الوطني للتربية و التكوين. إن اللجوء إلى هذا الحل يتجاهل ما ينص عليه منهاج المادة، فقد ورد في شقه النظري المتعلق بالمرتكزات ما يلي:
الحفاظ على وحدة البرامج وتماسكها:
"…فإذا كان برنامج المادة بالجذوع المشتركة يشكل بمجزوءتيه مرحلة تمهيدية تسعى إلى تمكين المتعلمين من تعرف هذه المادة، سواء من خلال اكتشاف خصائصها ومميزاتها، أو من خلال القيام بممارسة أولية للتفكير قي الإنسان استنادا إلى انتاجاته الثقافية داخل عالم الطبيعة، فإن برنامج السنة الأولى من سلك البكالوريا يشكل بمجزوءتيه امتدادا نوعيا لسابقه، فهذا البرنامج يرمي إلى تمكين المتعلم من استثمار رصيده المعرفي والمنهجي المكتسب من جديد لموضوع الإنسان في مختلف أبعاده … كما إن برنامج السنة الثانية من سلك الباكلوريا، يرتبط بدوره، بعلاقة وطيدة مع سابقيه، من حيث إنه يتوخى تمكين المتعلمين من ممارسة التفكير الفلسفي المستقل.."
نستشف من خلال هذه الفقرة أن برنامج مادة الفلسفة في مستوى الجذوع المشتركة وسلك البكالوريا، يتأسس على الوحدة التي تعد نقطة ارتكاز في وضع برامج المادة بالتعليم الثانوي التاهيلي. وهي التي تضمن تماسك البرامج في كل المستويات، إنها "اشبه بصورة مساحة دائرية… تزداد عمقا و ثراءا في كل لحظة من لحظات بناء المفاهيم الفلسفية في الدرس الفلسفي…"، وهنا نتساءل ما الفائدة البداغوجية والتربوية من هذه الوحدة والتماسك في برامج مادة الفلسفة بمستوى الجذوع المشتركة والسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا؟
لقد ورد الجواب عن هذا السؤال في وثيقة المنهاج في الفقرة التالية:
"هذه الوحدة من شانها أن تخول للأستاذ(ة) والتلميذ(ة) إمكانية اقتصاد الجهد، وتجنب التكرار غير المفيد، واستعمال الوقت على أحسن وجه، عن طريق توظيف المكتسبات السابقة في تناول المفاهيم اللاحقة، هذا فضلا عن إنها تتيح إمكانية القيام بتقويم تركيبي، أي تقويم المجزوءة ككل وليس فقط المفاهيم المكونة لها."
نستخلص إذن أن حرمان الجذوع المشتركة من الفلسفة يعني وبكل بساطة هدم الوحدة التي تقوم عليها برامج المادة في مختلف المستويات، الشيء الذي سيترتب عنه ارتباك واضح في تدريس المادة بسلك البكالوريا، لأن تدريس الفلسفة بالجذوع المشتركة " يمثل لحظة بداية تعلم التلميذ(ة) التفكير الفلسفي والتعرف على مبادئه وآلياته وشروطه". وتبعا لذلك فإن تدريس الفلسفة ليس تدريسا مجانيا بقدر ما إنه "ينحو… إلى التجديد على مستوى الممارسة وخاصة باعتماد المقاربة بالكفايات، و المقاربة الفاعلة والتفاعلية والعلاقة التكاملية بين المواد الدراسية واعتماد المجزوءة كوحدة للمنهاج وصيغة لتدبير التعلم".
بعد كل ما أسلفناه سابقا نتساءل من جديد؛ هل تعميم الفلسفة وتدريسها بالجذوع المشتركة كان وليد لحظة أو نزوة لا نعلم مبررها، أم نابع من قناعات تبتغي إكساب المتعلم مبادئ التفكير النقدي المستقل؟ هل فعلا نريد مجتمعا حداثيا، يؤمن فيه الأشخاص بحرية التعبير والتفكير، وبثقافة الحوار، والقبول بالأخر؟ أليس حرمان الجذوع المشتركة هو من قبيل الحلول التي تنم عن الارتجالية والعشوائية التي أضحت تطبع السياسة التعليمية ببلادنا.؟ فمن المسؤول عن هذا الخلل الذي يرافق مقتضيات الوثائق الرسمية وما يتم تنزيله على أرض الواقع؟ وكيف نحقق الجودة في غياب حكامة جيدة لا تراعي توفير الشروط التربوية الملائمة لتحقيق أهداف مدرسة مواطنة؟ ألم يحن الأوان كي نقول كفى للحلول الترقيعية ونتحلى بالصدق مع النفس ونرفع حالة الوصاية التي تفرض على العقل ونفضح مزاعم الشعارات الزائفة التي تعج بها الوثائق التربوية الرسمية ببلادنا؟
المرجع المعتمد:
التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي التاهيلي، نونبر 2007
الكتابة العامة، مديرية المناهج، ملحقة لالة عائشة، حسان الرباط، ص 7 ( من الحفاظ على إلى التفكير الفلسفي المستقل)
———————
(*) أستاذة الفلسفة