بعدما كان قد اقترح بعض الكتاب الشباب المبادرة باحتجاج غير مسبوق، وذلك بإلقاء كتبهم التي أصدروها أمام بوابة وزارة الثقافة بالرباط، احتجاجا على غياب أي دعم فعلي وعملي لنشر الكتاب والرفع من مستوى المقروئية.. حتى أن الكتـّاب أنفسهم من يتكلف بنفقات الطبع، ليجدوا أمامهم معضلة التوزيع وقلة الإقبال على القراءة، مما يعني انحدار المجتمع نحو هاوية يغيب عنها الفكر والفن والإبداع والمسؤولية، وهو موقف سريالي غريب ومفزع.. دخل خط موقع الفايسبوك حيث كان النقاش جاريا، أحد أبرز مثقفي المغرب والمهتم بالثقافة والنشر والمقروئية، وهو الذي له دراسة قيمة في هذا الشأن، ولا يبخل بآرائه، إنه الأستاذ أحمد الرضاوني أستاذ باحث بمعهد علوم الإعلام بالرباط.. وقد ذكر في نقاشه أن "قضية الثقافة" عموما أكبر من وزارة صغيرة ومهمشة اسمها وزارة الثقافة، وبالتالي فالمسؤول عن ذلك هي الدولة برمتها.. واقترح الانفتاح على مختلف المهتمين بالموضوع في أفق تشكيل "قوة اقتراحية وضاغطة" للنهوض الفعلي بالثقافة.. ومن آليات التواصل الفعالة الآن الانترنيت.. وبعدما تشرف المشرف على "مدونة سيدي سليمان" باللقاء المباشر بالأستاذ الرضاوني، اقترح هذا الأخير إنشاء مجموعة فايسبوكية لذلك، في الأسفل رابطها بالنسبة لمن يتوفرون على حساب بالفايسبوك.. وكتب الأستاذ الرضاوني نفسه بطاقة تعريفية ووصفية للمجموعة، نعرضها في المدونة مع صورة الواجهة.
وضعية المكتبات والقراءة العمومية بالمغرب
تحديد الإشكالية: الوزارة بين حلقتي الكتاب والقراءة العمومية
ذ. أحمد الرضاوني
في ظل غياب المعطيات العددية الضرورية لتدبير القطاعات التابعة لوزارة الثقافة بشكل رشيد، نلاحظ خلطا كبيرا ينسحب على مختلف الحقول، وخاصة منها ما يتعلق بالكتاب والمكتبات والمقروئية بوجه عام. ومرد هذه الوضعية راجع لندرة الدراسات الميدانية، ولسوء تدبير هذه المؤسسات باعتبارها مكلفة بخدمات القراءة، كما يرجع لغياب إرادة سياسية تستهدف التغلب على مجموع القضايا والعراقيل التي تعوق السير الطبيعي للقطاع. ورغم الاتفاق المشهود بين جميع المعنيين، حول موضوع "المقروئية ومعضلاتها " في سياقاتها الوطنية، تربويا واجتماعيا وسياسيا، إلا أن الدراسات الأكاديمية، في المنابر المكلفة ( السوسيولوجيا – علم النفس – الأدب – القانون – علوم الإعلام – ومدارس التكوين التجاري والاقتصادي – الخ ) تتجنب الخوض فيه نظرا لعدم جاذبيته التجارية، وللخلط في المفاهيم وغياب المعطيات الرقمية والإحصائية. حيث يجد أي راغب في دراسة القطاع نفسه مضطرا للاجتهاد في مجالات كثيرة، ثقافية وتجارية، واجتماعية ، كما يكون عليه أن يتسلح بشجاعة كبيرة ليستطيع وضع حدود فاصلة بين مختلف الميادين التي تشكل النسق العام المتعلق بالمقروئية وترويج المعلومات والمعارف والخدمات الثقافية.
أمام هذا المشهد الملتبس، فإن المناظرات والملتقيات الوطنية والجهوية التي تنظمها وزارة الثقافة بين حين وحين، تظل هي المناسبة المثلى أمام المهتمين والعاملين في القطاع، لمحاولة تسليط بعض الضوء على عدد من الحلقات التي يتطلبها عمل الوزارة. وفي هذا الصدد، توصل آخر يوم دراسي جرى تنظيمه بتاريخ 27 نوفمبر 2008 بالرباط، تحت عنوان "راهن وآفاق الكتاب والقراءة العمومية بالمغرب" لوضع مجموعة من الخلاصات كان من بينها التساؤلات التالية:
ـ هل التشخيصات المستخرجة منذ 1986، وربما حتى قبل هذا التاريخ، لم تكن صحيحة؟ هل فعلا، تم استدعاء جميع المتدخلين والفاعلين والمعنيين (لأن ممثلي القراء والمستعملين غابوا عن جميع اللقاءات)، وبالتالي وقع التغاضي عن جوانب هامة لا بد من استحضارها للقيام بتحليل موضوعي وهادف ؟
ـ لماذا لم تأخذ الحكومات المتتالية بعين الاعتبار توصيات الملتقيات السابقة ؟
ـ هل يتعين علينا أن نستنتج أن التوصيات لم تخلف الأثر المنتظر لدى المسؤولين ، لكونهم لم يعيروها أي اهتمام، وبالتالي لم ينتج عنها أي أثر ملموس ينعكس على السياسات المتبعة منذ الاستقلال إلى اليوم؟
ـ هل يتعين علينا أن نستنتج أن التوصيات لم تخلف الأثر المنتظر لدى المسؤولين ، لكونهم لم يعيروها أي اهتمام، وبالتالي لم ينتج عنها أي أثر ملموس ينعكس على السياسات المتبعة منذ الاستقلال إلى اليوم؟
- لماذا لم تهتم الاختيارات المتبعة في ميداني التربية والثقافة بالقراءة العمومية وبدورها في تنمية الإنسان المغربي وتوسيع آفاقه وقدراته ؟
وقد اتضح أنه إذا كانت الوزارة تتحكم وتتحمل مسؤولياتها كاملة فيما يتعلق بالحلقة الثانية من خلال "الخزانات والقراءة العمومية"، فإنها على العكس من ذلك، لا تجد ولا تتوفر على نفس السلاسة في تعاملها مع الحلقة المتعلقة بالكتاب، رغم أنه يدخل بموجب الاختصاصات في نطاق المهام الموكولة للوزارة. فهي لا تتحكم في مشاكله لأنها عاجزة تجاريا واقتصاديا وتربويا عن التأثير والمواكبة لمختلف حلقات السلسلة التي تهم الكتاب.
وعليه، إن كانت الحكومة تحرص فعلا على حل قضايا ومشاكل الكتاب، فإن من المفروض عليها أن تطرح موضوعه للنقاش على أوسع نطاق، مستعينة بحضور وزارات وإدارات أخرى، أقرب وأكثر تحكما في الكتاب من وزارة الثقافة. وأهمها: وزارة التجارة والصناعة ، ووزارة النقل، والجمارك، ووزارة المالية، ووزارة الاتصال( قوائم الاستيراد ) ، واتحاد الباطرونا بالمغرب، والجماعات المحلية، ووزارة الداخلية ، ووزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الشبيبة والرياضة ومكاتب الاستثمار، وعدد من الجمعيات كاتحاد كتاب المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيره من المؤسسات التي لها دخل في تصنيع وتسويق وتأليف الكتاب وبضمان حرية التعبير وحرية رواج المعلومات . لأن كل واحد من هذه الأطراف معني حاضرا ومستقبلا بموضوع الكتاب . هذا في الوقت الذي نجد فيه الوزارة وحدها على وجه التقريب، معنية بمشاكل المكتبات التابعة لها، وقضايا القراءة العمومية، وذلك بفعل مسؤوليتها الواضحة والمباشرة عن الخزانات والمؤسسات المكلفة بتقديم خدمات معرفية وثقافية لعموم المواطنين.
إن الخلاصة الأولى التي يمكن الخروج بها من هذا الرصد السريع، هي أن الوزارة لا تستطيع لحد الآن التحكم والتدخل في مجالات اختصاصها بشكل فعال. فهي غير قادرة على السيطرة على ما يتعلق بالخدمات التي تقدمها المكتبات ( 39 منها فقط، من مجموع 231 خزانة، تقع تحت وصايتها التامة ) ولا تستطيع أن تحرك ساكنا فيما يتعلق بتدبير القطاع ( تأهيل العاملين، ضمان إصدار نظام خاص بالعاملين، توفير الاقتناءات المطلوبة، مراقبة السير الحسن وتدبير تداول الأرصدة.. الخ ) كما أنها في نفس الوقت لا تملك أي وسيلة تفاهم وتنسيق أو وسيلة ضغط على مختلف الأطراف التي تحيط بموضوع الكتاب.
من هنا، يتضح أن الوزارة ليست سوى كبش فداء. وهي تلعب دورا واقيات الحرارة، لتلقي الانتقادات وتحريف الغضب عن مقاصده. فالأمر الثقافي، وخاصة في مجال القراءة العمومية والنشر، هو بالضرورة أمر تنموي يمس الشخصية المغربية ويمس الهوية من حيث الإمكانيات العديدة التي يستطيع أن يقوم بها. ولا يعقل والحالة هذه أن يبقى مطروحا في يد وزارة لا تسمن ولا تغني. هو بالضرورة شأن حكومي يجب أن يشكل مشروعا أفقيا تتداخل فيه عدة اختصاصات وزارية. كما هو ضروري أن يفتح في شأنه نقاش وطني شامل يشارك فيه الجميع لإحداث الطفرة اللازمة من أجل تشكيل وعي وطني قادر على استصدار الإرادة السياسية.
والأمر موكول للمجتمع المدني. أما الجهة الوحيدة المعنية فهي الحكومة برمتها في شخص رئيسها.
———-
المقصود هنا بالمسؤولين، إضافة للوزارة الوصية، كل من وزارة التربية ووزارة الاقتصاد والمالية والأمانة العامة للحكومة والوزارة الأولى والبرلمان بغرفتيه والجماعات المحلية والمؤسسات المهنية..
———-