الدراما في التلفزيون
المغربي
إن العمل الفني هو أولا
وقبل كل شيء مسؤولية واجتهاد وعمل متواصل ومكثف وليس ارتجالا ونزهة و وحبا في
الظهور وكسب الرزق.
ذ. العباس جدة(*)
لا يمكننا إنكار المجهود الذي تضطلع به التلفزة المغربية، سواء
الأولى أو الثانية والمتمثل أساسا في محاولة تشجيع الفنانين المغاربة على إبراز
مواهبهم والإفصاح عن ذواتهم وقدراتهم، من خلال إنتاج وترويج أعمالهم الفنية، سواء
كانت أفلاما أو مسلسلات أو مسرحيات. لا يمكن إلا أن نثمن هذا الفعل الجليل، إذ في
ظرف ست سنوات، تعرف المغاربة على العديد من الفنانين والمخرجين الشباب وعلى
انتاجات درامية مغربية متنوعة بعد أن كنا مثقلين ومتخمين حد الغثيان بالإنتاجات
المصرية السخيفة.
رغم أني أشجع المنتوج الوطني وأتلهف إلى مشاهدة أفلام مغربية، إلا أن
غيرتي على الفن دفعتني إلى التساؤل حول قيمة ومدى جودة الإنتاجات الدرامية:
هل تعبر بشكل عميق وجوهري عن الواقع المعيش؟ وما هي القيمة الفنية والجمالية
للأعمال التي تعرض علينا تقريبا كل ليلة؟ هل تسهم فعلا في بلورة ذوق الناس
والرقي بمشاعرهم وأفكارهم؟
لقد سررنا وفرحنا للمنتوج الدرامي المغربي في
السنوات الأولى من ظهوره على الشاشة الصغيرة، لكن سرعان ما أخذ عدم الرضا بل الملل
يتسرب إلى قلوبنا والذي تبلور إلى خيبة أمل قاسية. لماذا؟
لأن جل الإنتاجات الدرامية باهتة، شاحبة، لا لون ولا
ذوق لها. فإذا كان الفن أداة للتعبير عن الحقيقة ومجالا للبوح وطرح الأسئلة
الجوهرية، وإذا كان الفن أيضا نظرة عميقة، أصيلة وخاصة للعالم وللأشياء، فإن
أعمالنا التلفزيونية لا تعدو أن تكون نظرة سطحية، ساذجة واختزالية للواقع الاجتماعي
المعقد والمركب. وإذا كان الفن هو خلق لواقع جديد أو على الأقل صياغة تركيبة مكثفة
للواقع بكل مستوياته وبمختلف تناقضاته، فان الإنتاج الدرامي المغربي ليس سوى تقليد
باهت ومحاكاة خادعة له.
وإذا كان الفن هو إنتاج للجمال ويسعى إلى تحقيق
المتعة الفنية والجمالية الخالصة، كما يسهم في الرفع من مشاعر الإنسان وتطوير ذوقه
وتهذيب سلوكه، فان الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عندنا، تفتقد عنصر الجمال
وتفتقر للفرجة الفنية النبيلة. إنها مملة ورديئة، تخلو من الإبداع والخلق وبالتالي
لا علاقة لها بفن الصورة ( سينما، تلفزيون). فالحوارات في الغالب ما تقوم على
التهريج، سطحية ومبتذلة، التركيز على النكت واللعب بالكلمات السوقية من أجل إضحاك
المتلفي، أحداث غير متماسكة، سلوكات الشخصيات غير مبررة وغير مقنعة، تشخيص عتيق
تقليدي ومتجاوز. بل هناك من الممثلين الذين لا تتوفر لديهم حتى الشروط الأولية
والضرورية لفن التشخيص، فلا يملكون طبقات صوتية سليمة، يتعثرون في كلامهم، لا
يجيدون النطق ومخارج الحروف، فتخرج الألفاظ من أفواههم بصعوبة وبشكل مقيت. كما
يبدو أنهم لا يدركون حواراتهم جيدا ولم يتمرنوا بما فيه الكفاية، فينساقون إلى الارتجال
البغيض والاستخفاف من المتلقي. إن العمل الفني هو أولا وقبل كل شيء مسؤولية
واجتهاد وعمل متواصل ومكثف وليس ارتجالا ونزهة و وحبا في الظهور وكسب الرزق.
ختاما، أقول، إن هذه الأعمال الدرامية تسئ للفن
وللممارسة الفنية وتستخف بذوق الجمهور وتطعن في ذكائه. وفي هذا الإطار، أحمل
المسؤولية، في إشاعة الرداءة وتكريس النمطية والسوقية إلى المسؤولين على التلفزة
المغربية، كما أحمل المسؤولية إلى بعض الفنانين المرتزقة، الذين لا يهمهم سوى حب
الظهور والاسترزاق على حساب الفن وعلى حساب المغاربة.
-------------------------------------
ذ. العباس جدة مدرس
الفلسفة مخرج وكاتب مسرحي.. وقد خص مدونة سيدي سليمان بهذه المقالة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق