الأحد، 16 فبراير 2014

سيدي سليمان تستفيق "بين المابين" لتعانق في واحة احتفالية "صحراء جانوس" محمد صولة/ ذ. توفيق بوشاري

سيدي سليمان تستفيق "بين المابين" لتعانق في واحة احتفالية  "صحراء جانوس" محمد صولة
 Affichage de DSCN4070.JPG en cours...
توفيق بوشري
أقصى ما يمكن أن تطمح إليه في سيدي سليمان.. تفاصيل بسيطة لتتنفس هواء منعشا.. قبل أن تصدمك بموتها المأجور.. ولكنها أحيانا تتمرد.. لتميط اللثام عن مكنوناتها.. فتفتضحها للراغبين في الفضول الممتع.. هذا ما نجحت فيه "جمعية أفق للثقافة والإبداع" الوليدة بشراكة و"جمعية النبراس للتنمية والنهوض بالتمدرس".. عندما نظمتا يوم الجمعة 7 فبراير 2014 قراءات في رواية الكاتب الدكتور محمد صولة الجديدة: "صحراء جانوس.. بين المابين.." احتضنها فضاء دار الشباب بسيدي سليمان.. جهة الغرب الشراردة بني احسن..
بدأت الاحتفالية حوالي الساعة السادسة مساء.. بمشاركة كل من الأساتذة: عبد الهادي الزوهري، عماد أحيطور، عبد الحق الشنوفي، عبد السلام لعبيسي، مصطفى لمودن، خالد زروال.. نشطها ورأسها الأستاذ عبد الاله الأنصاري..
في كلمة التقديم تناول عبد الاله الأنصاري الفعل الثقافي عامة ليصل إليه خاصة في مدينة سيدي سليمان في شخص ابنها البار محمد صولة من خلال عمله الروائي الثاني.. معرجا على مساره الأدبي ومنجزاته الابداعية وكذا التعريف به، هو من مواليد 1960، حصل على إجازة في الأدب العربي بفاس 1986، ثم شهادة استكمال الدروس العليا المعمقة بفاس 1993، نال بعدها دكتوراه في الأدب العربي الحديث بفاس 2003.. عضو اتحاد كتاب المغرب، له العديد من الأعمال، منها:
في المسرح: أورفيوس في مماليك الظلام ـ حكاية صاحب الرأس المقطوع...
في الشعر: اشتعال الدم.
في الدراسات المسرحية: تمجيد المسرح.. دراسة تحليلية...
في الرواية: لهاث الذاكرة ـ تضاريس الهواء المر أول التيه...
في القصة: اللعب مع العمق، قصص قصيرة جدا...
بعد التقديم، أعطى المنشط الكلمة لكل من الجمعيتين المنظمتين للتظاهرة، فكانت فرصة ل"جمعية أفق للثقافة والإبداع" للتذكير بأهداف مثل هذه النشاطات والذي يتمثل في تنمية الفكر والثقافة والانتصار للإبداع سواء محليا، جهويا أو وطنيا وخلق التواصل الضروري مع القارئ والناقد لدعم هذا الهدف النبيل، وفي نفس المنحى كانت كلمة جمعية النبراس للتنمية والنهوض بالتمدرس، التي أثنت على المبادرة ونوهت بمحمد صولة كعلم من أعلام المدينة وتحدثت عن اختياره لعالم الكتابة ليخلد ويخلد أثره وكلمته مصداقا لقولة بلانشي: "اكتب لكي لا تموت..".
تفاعل الحاضرون بحماس واهتمام.. كما لو كانوا يتأهبون ويستعدون للقراءات النقدية والانطباعية الجمالية.. إنها لحظات متوقفة من زمن ضائع.. استغلها الأستاذ عبد الاله ليعطي الضوء الملون بالسحر للقراءات:
فكانت القراءة الأولى بقلم الأستاذ عبد الهادي الزوهري:
تناول فيها الأبعاد الدلالية في ثيمتي الغربة والمنفى والعودة إلى الوطن في صحراء جانوس.. ومن خلال تحليله لمقاطع من الرواية أكد هيمنة الثيمتين في الرواية وحضورهما بقوة في فضاءاتها.. وفي حيوات شخوصها..
أما القراءة الثانية والتي أنجزها الأستاذ عماد أحيطور، فقد جاءت جمالية بامتياز باعترافه، إنها قراءة عاشقة كمشروع للرؤية السردية المميزة في الرواية والمختلفة عن السرد التقليدي العادي..
القراءة الثالثة خصصها الأستاذ عبد الحق الشنوفي لعتبات النص الروائي.. بحيث تناول عنوان الرواية بالتحليل، فبين أنه جاء جملة اسمية: "صحراء جانوس.." مركب من أصل وفرع ويحيل على تفاعل حكيم ومتبصر، صحراء أتت نكرة دلالة على التعميم واللاتحديد لفضاء طبيعي ممتد وشاسع ورمز للقحط والجفاف ما يجعله مكانا مخيفا.. ثم "جانوس": وهو لفظ غريب مسمى لشخصية أسطورية خارقة عبارة عن إله مكلف بحراسة أبواب السماء.. وبالتالي فإن التوليف يحول الصحراء إلى مفهوم مجازي.. بمعنى صحراء ثقافية معرفية تعبيرا عن القيم والأبعاد المجتمعية..
فيم عادت القراءة الرابعة للأستاذ عبد السلام لعبيسي.. لمناولة أبعاد الاغتراب في "صحراء جانوس.."، فتحدث عن تجليات ومرجعيات الكتابة والاغتراب وهيمنتها كثيمة أساس في الرواية، وركز في طرحه على كون هذه الثيمة مستفزة للقراءات وتفتح أفق المتلقي على البحث عن الأجوبة والتفاعل والتجربة..
القراءة الخامسة كانت بقلم الأستاذ مصطفى لمودن، عنونها بـ: "الرواية المشكلنة"، ورصد من خلالها تنوعات الأنا وتشكلاتها وتعددها داخل النص، وأبرز في متن النص بعض مظاهر تداخلات السارد بين الأنا والذات والآخر.. وسماها باللعبة الفكرية السردية التي تحدث لدى القارئ زوبعات وجودية وتفكيرية إيجابية.. وتتشعب هذه اللعبة بحضور لافت لشخصيات حقيقية من كتاب وشعراء وشخصيات سياسية وعناوين كتب ومسرحيات وفيلم سينمائي... تتمازج وتبادل الأدوار بين الشخصيات وذواتها والآخر... لتحقق متعة عقلية إلى المتعة السردية.. كما أشار إلى أن هذا الحضور المتنوع يبين أن الرواية غنية وتمتح من جميع أشكال الفن واللغة والأدب وغيرها..
أما القراءة الأخيرة فرصدت موضوعة مهمة تمثلت في المثقف في الرواية وشخصيته، إذ بين الأستاذ خالد زروال أن النص الروائي ركز على الشخصيتين المحوريتين في النص كمثقفين أحدهما يساري مغربي والآخر مثقف عراقي.. ورصد الصور التي تتجلي من خلالهما شخصية المثقف والمثقف العربي وكيف يفعل ويتحرك من أجل المواجهة عامة ومواجهة الأنظمة خاصة.. وخلص إلى أن مثقف الرواية إيجابي معارض ويرنو إلى الانعتاق وتحقيق الحرية والسعادة والحلم..
بعد القراءات الشيقة التي فتحت شهية الحضور لتصفح الرواية والاستمتاع بها.. أعطى المنشط الكلمة للروائي محمد صولة ليتفاعل ويعبر عن موقفه مما سبق وإبداء رؤيته الخاصة.. فتحدث عن منظوره للكتابة الروائية بصفة عامة والتي تندرج ضمنها "صحراء جانوس" فوصفها بالمختبر الكيميائي المفعم بالأشياء التي نجربها لننتج النص وهذا التجريب الدائم يعتمد على السؤال بعيدا عن جاهزية الجواب، تماما كالدخول إلى المطبخ، الذي لا نفعل فيه أكثر من ترتيب المواد واستعمال أدوات معينة لإنتاج شيء جميل مفتوح ولا يدعي أنه يتضمن أجوبة بل يعبر عن اللامتوقع، اللامحتمل والمتخيل.. ثم تحدث عن تجربته في الكتابة والتي بدأت منذ السبعينات، وتكللت خلال الثمانينات بكتابة أول نص يمثل سيرواية أو سيرة ذاتية تمثلت في: "لهاث الذاكرة".. تلاه نص: "تضاريس الهواء المر".. ثم النص المحتفى به: "صحراء جانوس.." مرورا بكتاباته المنوعة بين الشعر والقصة والنقد والمسرح...
بعد ذلك جاءت التدخلات والشهادات في حق الكاتب والرواية من أصدقاء وزملاء وتلاميذ محمد صولة، فتدخل كل من الأستاذ مصطفى كليتي، القاص والكاتب رئيس فرع اتحاد كتاب المغرب بالقنيطرة، معبرا عن الصداقة العميقة التي جمعته به وعرفته بكتاباته وأعماله كما إنسانيته ومبادئه. فيما وصف الأستاذ القاص محمد الشايب الروائي بسندباد الإبداع، من خلال أنه انخرط في أعمال متنوعة الجنس من مسرح وشعر ورواية ودراسات نقدية وعن جدارة ومهارة.. وما الرواية إلا شاهد ناطق عن الأمر.. أما الأستاذ حسن حلي فصرح أن علاقته بالكاتب بينت له أمرا هاما يتمثل في تمازج محمد صولة الانسان والكاتب مما يجعله متوازنا صادقا.. وفي نفس النهج جاءت شهادة زميله الأستاذ مصطفى بورشاشن.. وتلت شهادته شهادة بعض تلاميذ الروائي الذين عبروا عن سرورهم بأستاذهم وامتنانهم لما قدمه لهم طيلة أيام الدرس..
وعلى إيقاع همس توقيع الرواية من طرف الكاتب محمد صولة والتقاط صور والقراء والحاضرين.. اختتمت الاحتفالية على أمل ألا تغفو سيدي سليمان من جديد طويلا.. حتى لا تفترق الصحراء وجانوس.. الواحة اللائحة حلما في الأفق البعيد المشتهى..


ليست هناك تعليقات: