الأربعاء، 30 أبريل 2014

لا مسرح بدون مسرحيين/ ذ.عباس جدة

لا مسرح بدون مسرحيين
ذ.عباس جدة

يصرح "بيتربروك" المسرحي الانجليزي في كتابه (أربعون سنة من المسرح) : "يكفي أن تكون هناك خشبة وجمهور وأن يمر ممثل من يمين إلى يسار الخشبة، حتى يكون هناك حدث مسرحي." وقد شاهدت عرض "هامليت" لبيتر بروك بوسائل وإمكانيات جد بسيطة - وهي المسرحية الطويلة والمعقدة لشكسبير والتي تفترض إمكانيات مادية وبشرية هائلة- ومع ذلك كان العرض مؤثرا وجذابا، كل ذلك بفضل حنكة ومهارة  وكفاءة بروك التي لا تناقش. كما كان المخرج الفرنسي المميز " جون فيلار" يرفع شعار: الاقتصاد، والابتعاد عن الزخرفة. فكان في عروضه المسرحية، يستغني عن الديكور ولا يبالي بالمؤثرات الصوتية والبصرية الهائلة والمدهشة، ويركز فقط على الملابس وعلى قوة تشخيص الممثل ومهاراته، وبطبيعة الحال الإستيناد إلى نصوص مسرحية جيدة، في أفق خدمتها وتبليغها بفنية وبحس جمالي بليغ، للمتلقي.
...أما مسرحيونا فلازالوا يشترطون إمكانيات مادية ومنحا مالية ضخمة لإنتاج عروضهم، ولازالوا يطالبون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة ووزارة الثقافة، ببناء مسارح كبيرة أو على الأقل صالحة للعرض بكل المقاييس... وكأن الإقلاع الفني والثقافي رهين بدولة الحق والقانون وبالديموقراطية والإمكانيات المادية والمعنوية. لكن ما الفائدة من توفر قاعات للعرض ومن أموال وإمكانيات في غياب رجال مسرح حقيقيين؟ وماذا يمكن أن نقول بشأن بلدان تحكمها أنظمة ديكتاتورية وشمولية قاهرة ومع ذلك تشق مختلف الألوان التعبيرية طريقها للناس، بفضل شعراء ومسرحيين وسينمائيين وروائيين؟ وكيف نفسر تألق الأدب والفن في أمريكا اللاتينية في الستينات والسبعينات؟ وفي الصين حاليا رغم الاستبداد؟ وازدهار السينما في إيران رغم  حكم الملالي اللاهوتي؟
    إن رجال المسرح لا يكفون عن التأسف والتباكي على أطلال مسرح مغربي، في الستينات والسبعينات. فهل كان المسرح بالفعل متطورا، قويا وفاعلا؟ لا أظن ذلك، فالمسرح في بلادنا ، كان ولا زال ضعيفا ومهمشا والإنتاجات المسرحية لم ترق بعد إلى المستوى الفني المطلوب. كنا ولا زلنا بصدد نشاط مسرحي هزيل ومحاولات فنية فردية خجولة ومتواضعة. والواقع لا يمكن الحديث عن حركة مسرحية نشيطة وعن إبداع فني مسرحي بالمعنى الدقيق للكلمة.
ما السبيل إذن للنهوض بالمسرح؟
إن جوهر المشكل لا يكمن في الإمكانيات ولا يرجع بشكل حاسم إلى العوامل الخارجية، وإنما هو مشكل ذاتي، يرتبط بالمسرحيين أنفسهم . فالمسرح في بلادنا بحاجة ملحة، آنية لمسرحيين حقيقيين. من هو المسرحي الحقيقيي؟
أولا: هو الذي يمتلك موهبة فنية وحسا فنيا عميقا واستعدادا طبيعيا وفطريا للتعبير والتواصل بشكل تلقائي. فيشعر بالحاجة الملحة والفورية إلى التعبير عن مشاعره وانطباعاته، دون قيد أو شرط، منذ الطفولة أو على الأقل ابتداء من سن المراهقة. وإذا كان الممثل أو المخرج أو المؤلف المسرحي لا يأنس في نفسه هذه الملكة وهذه الرغبة الملحة في التشخيص أو الكتابة المسرحية أو الإخراج، فيستحسن له أن يبتعد عن التمثيل والمسرح. والمؤسف عندنا هو أن عددا منهم يفرضون أنفسهم على هذا الميدان وهو بريء منهم تماما.
ثانيا: أن يخضع المسرحي لتكوين فني، علمي ومسرحي حقيقي. فالموهبة كما نعلم، غير كافية لإنجاب مسرحيين يتقنون مهنتهم. هذا فضلا عن الرصيد الثقافي والفكري الذي يتعين على كل فنان أن يتوافر لديه لكي يتسنى له الإستيناد إلى خلفيات فلسفية وعمق فكري وأن يتبنى مشروعا فنيا ومسرحيا على المدى الطويل، أخص بالذكر هنا المخرج والكاتب المسرحيين. غير أن ما نلاحظه في الساحة المسرحية الوطنية، نقص في التكوين الفني والتقني المحض وفقر مهول على مستوى الفكر والثقافة. إن غالبية المسرحيين لا يقرؤون. فإذا أخذنا على سبيل المثال المخرجين، نجدهم لا يدركون تاريخ المسرح جيدا وغير ملمين بالكتاب المسرحيين العالميين ويجهلون التيارات الفنية والمسرحية الأساسية، أما الممثلين فان الكثير منهم لا يقرأ النصوص المسرحية ولا يولي أهمية لتكوينه الفني والفكري.
ثالثا : أن يراكم الفنان تجارب مسرحية وأن يحرص على الانخراط في ممارسة مسرحية منتظمة، شاقة وطويلة، كي يتسنى له بلورة قدراته الفنية وتطوير تجربته وخبراته الإبداعية. لقد كان المخرج والممثل الفرنسي الشهير "لويس جوفي" ينبه الممثل بأنه لا يمكن أن يقر لنفسه بأنه أصبح ممثلا فعلا ، إلا بعد أن يختبر خشبة المسرح وأن يلعب أدوارا ويتقمص شخصيات مسرحية لمدة عشرين سنة ونيف. فالممارسة المسرحية المنتظمة والطويلة هي التي تخلق المسرحي الحقيقي.

رابعا: المسرحي المبدع هو الذي يتحلى بأخلاقيات المهنة ويتشبع بأدبيات الفنان وعلى رأسها الجرأة والشجاعة في طرح القضايا الكبرى للإنسان والمجتمع وشجاعة التجريب، تجريب أساليب فنية جديدة وغير مألوفة؛ الإحساس بالمسؤولية والالتزام بالعمل الجماعي واحترام الزملاء  والجدية والقابلية للتطور والتواضع الفني والمراجعة الذاتية المتواصلة وتفادي الإدعاء والغرور والعجرفة والغطرسة والنرجيسية المفرطة، إلى غير ذلك من المسلكيات المذمومة التي تنخر الجسم المسرحي ببلادنا. وفي كلمة لا مسرح بدون مسرحيين.

ليست هناك تعليقات: