انتخابات: اللائحة الوطنية للنساء
بين مبررات أسباب النزول وضعف فاعلية الإجراء
ابتدأ العمل باللائحة الوطنية للنساء في انتخابات 2002، بواسطتها التحقت لأول مرة ثلاثون امرأة إلى مجلس النواب / الغرفة الأولى، وبذلك تمثلت النساء بنسبة 10% من أعضاء المجلس المذكور، طُبق الإجراء المشار إليه نتيجة توافق وطني بين الفرقاء السياسيين، حتى تكون هناك تمثيلية، ولو نسبية لنصف المجتمع، النساء اللواتي لم يتعد انتخابهن في الانتدابات السابقة عدد أصابع اليد، منذ استئناف "المسلسل الانتخابي" سنة 1977، لعدة أسباب، منها غلبة النزعة الذكورية داخل المجتمع عامة والأحزاب خاصة، وبهذا يمكن تفسير غياب المرأة من عضوية مجلس المستشارين.
لكن، هل كل الفئات الاجتماعية ممثلة في المجلس التشريعي، لو اعتمدنا منطق ومبررات نزول اللائحة الوطنية للنساء؟ هناك تغييب وغياب شبه تام للشباب، وهؤلاء يشعرون أنهم خارج "اللعبة السياسية"، مما يضعف لديهم أي اهتمام بالميدان السياسي وبالمشاركة الانتخابية، ويظهر بوضوح هيمنة فئة الأغنياء بمختلف مشاربهم الاجتماعية والاقتصادية ( الملاكون ـ التجار ـ كبار الموظفين ) سواء على مستوى الترشيح، أو الوصول إلى موقع " التمثيلية"، ويعتبر مجلس المستشارين التأكيد الساطع لما ذكر، حيث يتكتل هؤلاء للدفاع عن مصالحهم المشتركة، ونستحضر هنا كيف واجهوا في شبه إجماع مشروع قانون "التصريح بالممتلكات"، رغم أن المبررات التي أدلي بها حينها، كمعارضة استثناء الوزراء وموظفين آخرين مجرد غطاء.
يتفق غالبية المهتمين على أن اللائحة الوطنية للنساء أصبحت مكسبا، لا يمكن التفريط فيه، وبذلك احتل المغرب الرتبة الثانية عربيا في سنة 2002 من حيث حضور النساء في المجلس التشريعي، أما الآن فق أصبح يوجد في المرتبة السادسة في نفس المجموعة، وهناك من يدعو إلى توسيع النسبة إلى ما فوق 10% الجاري بها العمل، ويضربون لذلك مثلا بعدد من الدول، فالجارة موريتانيا وقد أصبحت "مرجعا" في الديمقراطية بعد انتخاباتها الرئاسية الأخيرة، تخصص 17% للنساء داخل مجلسها التشريع…في الحقيقة يجب أن نركز الاهتمام حول عدم الإقصاء، وليس حول الرتب التي تصلح للمباهاة!.. وقد ظهر إلى الوجود تكتل جمعوي سمي: "الحركة من أجل الثلث"، يضم 27 جمعية وطنية، يهدف إلى الضغط من أجل توسيع حضور النساء في مجلس النواب إلى الثلث، كما أكدت ذلك السيدة خديجة رباح عضو التكتل وناشطة بالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في حوار إذاعي.
لكن، يجب استحضار وجود حالة تنافي مع الدستور، الذي يعتبر أسمى قانون في البلد، إذ أن هناك تنصيص في عدد من البنود على المساواة بين الجنسين، بينما اللائحة الوطنية تمنح امتيازا لجنس دون آخر. فهل سيبقى اعتماد اللائحة الوطنية ساري المفعول إلى ما لانهاية؟ أم أن هناك إمكانية تعويضه بإجراءات أخرى مستقبلا ؟ من ذلك فرض إجبارية ترشيح نسبة معينة من النساء والشباب على رأس اللوائح الانتخابية المحلية، مع إمكانية توسيع اللائحة والدائرة معا.
قبل ذلك، من اللائق تقييم عمل النساء داخل الانتداب السابق ـ ضمن تقييم شامل لعمل المكلفين بالتشريع ومراقبة الحكومة ـ فقد كان عملهن على الأرجح عاد جدا، إن لم نقل أنه دون المؤمل، فهو لا يختلف عما قام به زملاؤهن من الرجال، مع غيابات واضحة، وعدم اكتراث لقضايا حساسة، مست في بعض جوانبها حقوق الإنسان، والقدرة الشرائية للمواطنين…وانحصارا داخل الخيارات الحزبية الضيقة، باستثناء بعض الحالات الفردية القليلة
تضم كل لائحة ثلاثين مرشحة، تتبارى على المستوى الوطني، وتحضر بكل مكاتب التصويت، إذ يمكن للمصوت/ة حسب اختياره أن يضع في نفس ورقة التصويت الفريدة علامة أو إشارة في خانة اللائحة المحلية، وعلامة أخرى في خانة اللائحة الوطنية التي يختارها، وفي مثل هذه الحال، يعتقد البعض أن اللائحة الوطنية للنساء تستفيد من "إشعاع"مفترض لحزب سياسي معين، أو من "حظوة" لدى وكيل لائحة محلية تجاه ناخبيه، لتستفيد من ذلك اللائحة الوطنية، دون أن يكلف هؤلاء النسوة ذلك مجهودا قبليا على مستوى التواصل والإقناع المباشر للناخبين والناخبات، خاصة بالنسبة للمحتلات الصفوف الأولى ضمن القائمة، وحتى إذا ما نجحن يبقين طيلة الانتداب كالممتنات لمن كان سببا في ولوجهن قبة البرلمان، وهو ما يؤثر على استقلاليتهن ومبادرتهن، خاصة بالنسبة للفرق والمجموعات النيابية التي لا تعمل ضمن خطة أو مشروع مجتمعي.
لقد أعقب الإعلان عن الأسماء "المحظوظة" ضمن اللوائح الوطنية الخاصة بالنساء، أعقب ذلك لدى بعض الأحزاب مشاكل متنوعة، أبرزها عدم رضى بعضهن، كما فعلت السيدة نزهة الصقلي من حزب التقدم والاشتراكية، الرئيسة السابقة لفريق الحزب بالبرلمان ( المتحالف مع حزب العهد )، احتجاجا على وضع وافدة جديدة من الحركة الشعبية على رأس اللائحة، ونفس الشيء بالنسبة لقائمة الإتحاد الاشتراكي، حيث انسحبت بشكل جماعي عدد من الغاضبات، خاصة بالنسبة للمنتميات للحزب الاشتراكي الديمقراطي الملتحق بالإتحاد الاشتراكي، بعدما انفصل سابقا عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، من أبرزهن المحامية عائشة لخماس، بينما فاطمة الجبابدي،رئيسة "اتحاد العمل النسائي"، الجمعية التي كانت تؤطرهن جميعا، فقد تخلى لها السيد محمد اليازغي عن دائرة المحيط بالرباط، ويبدو أن بقية اللوائح قد اقتنعت فيها "المناضلات" بما وزع عليهن سواء بالتراضي، أو باعتماد "ديمقراطية" داخلية، تبارى بواسطتها المرشحات كما وقع في حزب الاستقلال…في هذا الصدد يرى البعض أنه من الصائب إعادة ترشيح بعض النساء لما أبدين عنه من كفاءة، ويرى آخرون أن هذه اللوائح ليست امتيازا، بل يجب أن تعطى فيها الفرصة لأخريات لم يسبق لهن الترشح، أما من كسبن "تجربة" فمن الأجدر بهن الترشح في الدوائر المحلية، ليدخلن في مبارزة مباشرة لنيل رضى الناخبين. وتجدر الإشارة إلى أن أية لائحة لم تحصل على نسبة 6% من الأصوات المعبر عنها، لا يحق لها توزيع المقاعد، وهو ما اعتبرته بعض "الأحزاب الصغرى"إقصاء مقصودا من أحزاب الأغلبية الحكومية، التي تعتقد ربما أنها ستفوز في انتخابات 7 شتنبر2007 ، وتفسر ذلك أطراف أخرى بالتقليل من البلقنة الحزبية، وضم النساء في أقل مجموعات ممكنة داخل البرلمان… إذا ما استمر العمل باللائحة الوطنية للنساء، ألا يحق التفكير في لائحة مماثلة للشباب، فيما بين سن 18 و 25، بعد مراجعة القوانين الحالية التي تمنع الترشيح قبل بلوغ 23 سنة قصد الوصول لمجلس النواب، و30 سنة لمجلس المستشارين! لما في ذلك من فوائد عديدة، منها عدم تهميش هذه الفئة العمرية، وتحفيزها على المشاركة، وتجديد النخب من مواقع المسؤولية، رغم أن ذلك بعيد المنال، لأن هذه الفئة لا تستطيع القيام بضغوطات من أجل ذلك الآن أو في أمد منظور، كما فعلت الحركة النسائية، سوى بعد تدخل من طرف المشرع، أو باقتراح من المسؤولين.
مصطفى لمودن
سيدي سليمان في 18 ـ 08 ـ 2007
نشرت بأسبوعية " اليسار الموحد" عدد 201 بتاريخ 25 غشت 2007