الاثنين، 5 نوفمبر 2007

أعمال شاقة وعائد هزيل أغرب معادلةاقتصادية: من يعمل أكثر ينال أقل !


    أعمال شاقة وعائد هزيل             
                      أغرب معادلةاقتصادية: من يعمل أكثر ينال أقل !         

    
                     
     ما أثقل الحمل….
                        وما أضيق العيش….
                        لولا فسحة الأمل.  
 
 تقوم المرأة في العالم القروي بأعمال مختلفة، سواء داخل المنزل وفي محيطه، أو خارجه بعيدا عنه، أغلب هذه الأعمال تكون شاقة، غير أنه ليست ذات قيمة مضافة مهمة، سواء لدخل الأسرة ـ وهو ما ينطبق كذلك على كثير من عمل الرجال بدورهم ـ أو بالنسبة للاقتصاد عامة، هذا القول ليس تنقيصا من الجهد المبذول، فهؤلاء يسعون بجد لتحسين وضعيتهم، لكنهم يصطدمون بعدة حقائق مقلقلة، تساهم في تخلف العالم القروي باستمرار، وهو ما يؤثر سلبيا على مستوى العيش، وعلى الاستقرار الأسري عامة، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يعانون وضعا صعبا، منه الانقطاع المبكر عن الدراسة ومزاولة أعمال شاقة ، سواء في الرعي ومختلف أنواع السخرة كجلب الماء والحطب…
    كثير من الأعمال المنجزة مضنية كما سبقت الإشارة، تغطي اليوم بكامله، لكن بعائد بسيط، بسبب عدم اندماجها في دورة اقتصادية تشمل مساهمين آخرين سواء على المستوى المحلي أو الوطني وحتى الدولي… بل بالكاد تحقق حدا أدنى من العيش، من خلال توفير حاجيات بسيطة وذات طابع بدائي بالنسبة للتراكم الاقتصادي، وذلك كتبليط منازل القش والطوب عند حلول كل فصل خريف، الاشتغال في فلاحة معاشية ليست لها عائدات في السوق المحلي بفعل الوسطاء والاحتكار والمنافسة القوية من منتوجات أجنبية كما هو حال القمح، والدجاج البلدي والحليب…. رغم أن هذه السلع قد يكون لها ثمن آخر في السوق، غير ما بيعت به في بداية العملية التجارية.
   أسباب ذلك مختلفة، أساسها غياب مستوى تعليمي وتكويني بالنسبة لغالبية سكان الأرياف، ضيق الاستغلاليات الزراعية وتفتتها باستمرار، ضعف الرأسمال المستثمر في مثل هذا القطاع، التأثير السلبي لسنوات الجفاف وتآكل المدخرات، غياب التأطير المناسب، تأخر الإصلاح الزراعي الموعود به قبل سنوات، ثم التخلي عنه، عدم تكتل المعنيين في تعاونيات فاعلة وقوية كما هو عليه الحال في إقليم الأندلس بجنوب اسبانيا مثلا،حيث تتحكم بعض التعاونيات في مجمل العملية من الانتاج إلى التسويق، أما التعاونيات الفلاحية بمنطقة الغرب مثلا فلم تعد تتعاون إلا في إعداد وجبة دسمة على " شرف" ممثل السلطة المحلية وممثل المركز الجهوي للإستثمار الفلاحي، مرة في السنة عند تجديد المكتب .
 يضاعف من المفعول السيئ لما ذكر، نتائج سياسات متبعة، غرضها تكريس دونية العالم القروي، والدفع بالحفاظ على وضعية اللاحركة به، من خلال تكالب عدة أطراف من أجل ذلك، وباعتماد آليات غاية في " المكر"، منها الحفاظ على أجور متدنية بالنسبة للعمال الزراعيين، والتي تقدر بين 30 و 50 درهما مقابل يوم عمل، إن وجد. استغلال بشع لإمكانيات العالم القروي من قبل عدد من الملاكين الكبار، من ذلك الاستحواذ على مياه السقي، وحفر آبار أعمق، واستمرارهم في عدم دفع المستحقات الضريبية بقرار إعفائي من الدولة، ولو حصلوا على الملايين من مداخيل فلاحتهم، كما هو عليه الحال بالنسبة للبرتقال مثلا ، رغم أن هناك من يثير شبهات حول تملّك البعض لضيعات واسعة مسترجعة من المعمرين كانوا قد استولوا عليها بدورهم بطرق ملتوية، أو مفوتة لهؤلاء الملاكيين مؤخرا اعتمادا على دفتر تحملات لم يراع البعض نصوصه، خاصة الحفاظ على العمال وتشغيل آخرين، وهناك من حصل على ضيعة كهبة… كما أن عدم دفع الملاكين الكبار للضرائب، يجعلهم في غنى عن أي مبادرة لتحسين الإنتاج، وقد رأينا كيف يعمل الإسبان في بعض الضيعات التي يكثرونها لمدة معينة، حيث يعتمدون تقنيات حديثة لرفع المنتوج وتصديره إلى الخارج، بينما ما تزال بعض ضيعات الخواص تستخدم كمنتزه لهم ولعائلاتهم!
 ليكون ضحية سوء التنظيم هذا إن لم نقل التواطوء هو العالم القروي بسكانه ومستقبله، فرغم أن نسبة منه زودت بالماء والكهرباء، فإن ذلك لا يشبع  حاجيات الأجيال الجديدة المتعطشة للعيش الكريم، إن سكان القرى يكملون مداخيلهم المالية بالاشتغال في أماكن أخرى بعيدا عن إقامة العائلة، خاصة الأبناء الذين يهاجرون إلى المدن، كطنجة والدار البيضاء للاشتغال في أعمال مختلفة كالبناء. بينما الفلاحة تفقد باستمرار العقول والسواعد المتجددة، بسبب غياب سياسة فلاحية واضحة، وغالبية الشباب الآن في العالم القرى يسعى يوميا إلى الهجرة إلى الخارج مستعملا جميع الطرق الممكنة، فمن يقبل الاشتغال في الأعمال الشاقة طول اليوم بثلاثين درهما أو ما يزيد عليها بالقليل؟ سوى الأطفال ضدا على القانون الذي يمنع ذلك وشابات ونساء مغلوبات على أمرهن، بينما الإقطاعيون الجدد يسعون بكل الوسائل لتعزيز مكانتهم ، منها السعي المستميت للدخول إلى مجلس النواب بغرفتيه، وتحقيق تراكم المال دون تضحية، وضد المعادلة الاقتصادية البسيطة التي تضمن الرواج والازدهار والاستقرار بحصول كافة المواطنين على دخل محترم، خاصة الذين يقومون بمجهود مضاعف، وخير مثال أصبح يتداوله المغاربة هو مدخول العمال الزراعيين بالجارة الشمالية الذين يتقاضون مما بين 500 أو 600 درهم في اليوم حسب الغالبية، وفي مقابل ذلك طبعا ارتفاع الأسعار هناك، لكن المعادلة الاقتصادية المقابلة عندنا تقول من يعمل أكثر ينال أقل، ومن يعمل أقل أو لا يعمل ينال الكثير كالبرلمانيين مثلا وكل الحاصلين على مختلف الرخص. فإلى متى سنسير ضد منطق الاقتصاد والسياسة؟؟؟ 
                          مصطفى لمودن