شركة "سامير" بسيدي قاسم على خطا معمل الشمندر بسيدي سليمان:
الإغلاق وإغراق المنطقة في التخلف
ممنوع تكرير النفط ممنوع تكرير الشمندر!
تتجاور سيدي سليمان وسيدي قاسم، كلاهما ضمن حضن سهل الغرب الفسيح، لا يفصل بينهما سوى عشرون كيلومتر، لكن ما يفرق بينهما أكثر مما يقربهما حتى يمكن لهماالدخول معا في شَراكة وتكامل وخلق مشاريع متكاملة بالتعاون مع مدن مجاورة كسيدي يحيى وبلقصيري وسوق الأربعاء… رغم قرب المدينتين سيدي قاسم وسيدي سليمان فكل واحدة في إقليم خاص بها، سيدي قاسمأصبحت عاصمة للإقليم منذ18/12/1981، وسيدي سليمان فضلت البقاء تابعة لإقليم القنيطرة، لكن استحداث الجهة جمعهما مرة أخرى، فجهة الغرب الشراردة بني أحسن الممتدة من وزان شمالا إلى سيدي الطيبي على مشارف سلا، ومن زكوطة ـ شرقاـ المطلة على تلال زرهون، إلى عرباوة في الجهة الشمالية الغربية على مساحة تقدر ب 8.805 كم2 أي حوالي 1,2% من مجموع مساحة المغرب،
بينما عدد السكان يمثل 6.22% من إجمالي سكان المغرب إذ بلغ عددهم 1.859.540 نسمة حسب إحصاء 2004.
يتقاسم الإقليمان معا المساحة بالتساوي! لإقليم القنيطرة حوالي 4.745 كلم2، ولإقليم سيدي قاسم حوالي 4.060 كلم2.
وفي الجهة 61جـماعة قروية و 12 جتماعة حضرية،تمثل سيدي قاسم وسيدي سليمان جزء مهما من هذا التكتل الجهوي الذي لم تـُهيئ له الشروط بعد من الوجهة الدستورية والقانونية لتتحمل الجهة مسؤوليتها في التنمية والتدبير الذاتي للموارد… حتى تكون الجهة أساس التنمية المجالية الشاملة والحافز على تكريس روح المواطنة.
لكن ما "يجمع" سيدي قاسم وسيدي سليمان هو انحدارهما نحو تخلف مريع، وتقهر إلى الوراء، بسبب الإغلاق المتوالي للوحدات الإنتاجية بهما، كانت أول ضربة تلقتها سيدي قاسم في بداية ثمانينات القرن الماضي هي إغلاق معمل " بشكيطو" بالموازاة مع توقيت احتضانها مقر العمالة، فما أن اشترى المعمل أحد أغنياء الفلاحة من أصحابه الفرنسيين الذين كانوا يحسنون تسييره حتى طرد العمال وتحول المكان إلى عمارة… لتنطلق بعد ذلك شرارة الإغلاق بسيدي سليمان للوحدات التحويلية الخاصة بالمنتوجات الفلاحية، حيث فاق عددها التسع حسب نقابيين من نفس المدينة، كان آخرها وأهمها معمل تكرير الشمندر"سونابيل"، ليتم حرمان أزيد من 700 عامل مباشر دائم أو مؤقت من العمل حسب نفس الأوساط النقابية… وقد نقّلت "كوزيمار" الشركة التابعة ل" أونا" بقية العمال والمستخدمين إلى معامل أخرى تابعة لها، سواء في بلقصيري أو القصرالكبير… وهي الشركة التي اقتنت جميع وحدات إنتاج السكر في المغرب، وأغلقت بعضها فيما تقول أنه يدخل في أمور تدبيرية قصد الاستعداد للمنافسة الخارجية القوية في زمن منظور حين الانفتاح الكامل للسوق الداخلي أمام المنتوجات المستوردة، بينما الشركة الآن تستفيد من الاحتكار الشامل لإنتاج وتسويق السكر بأصنافه، وهو إجراء غير مقبول في جميع الدول التي تحترم شروط التنافس، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية متزعمة "الليبرالية واقتصاد السوق" تمنع بالقانون الاحتكار وتُغرّم القيام به ولو امتلك صاحبه براءات اختراع لا يـجاريه فيها أحد كشركة "مايكروسوفت" للبرمجيات لصاحبها "بيل كيت"، بينما في المغرب هناك منطق آخر جار به العمل، يكون ضحيته هو المستهلك.
(ت: م.لموذن)
(ت: م.لموذن)
معمل السكر بسيدي سليمان المغلق ابتداءً من سنة 2005 وهو عرضة للتآكل البطيء…
ارتبطت سيدي قاسم بمصفاة النفط التي تأسست في 29 أبريل سنة 1929، وقد شجع على ذلك اكتشاف النفط بجبل "سلفات" المطل من الجهة الشرقية على المدينة سنة 1919، ثم ب"العين الحمراء" سنة 1929، والمصفاة توجد بعيدا عن البحر لأنها خصصت أصلا لتكرير النفط المستخرج من محيطه، وقد تعرضت الآبار المستكشفة بسلفات لحرائق مهولة حسب شهود عايشوا الفترة الاستعمارية أتت على كل المدخرات الباطنية، بينما بقي حقل جبل "احصاين" أو العين الحمراء ينتج كمية قليلة إلى سنوات متأخرة، لتكرر المصفاة النفط المستورد أساسا.
كانت المصفاة تسمى ب"الشركة الشريفة للبترول"، ليتم دمجها ضمن شركة "سامير" سنة 1999، وقد سبق ذلك خوصصة "سامير" سنة 1997، بتحويل 67%من أسهما إلى مجموعة "كورال" السعودية، بينما شركة " سامير " كانت قد تأسست سنة 1959 بشراكة بين الدولة المغربية وإيطاليين، ليتم بعد عقدين تملكها من قبل الحكومة، إلى أن أتت الخوصصة على كل شيء، وقد فوتت "سامير" بثمن لم يتعد 700 مليون درهم، وقد أعتبر ذلك من طرف بعض الأوساط بالصفقة غير المناسبة(…)
من المنتظر أن تغلق مصفاة سيدي قاسم أبوابها ابتداء من فاتح يناير 2009، وتقول الشركة أن مصفاة جديدة بمواصفاة حديثة ستفتح في نفس الوقت بمدينة المحمدية.
كانت مصفاة سيدي قاسم مهددة بالإغلاق قبل هذه الفترة، لكن الحريق الذي تعرضت له مصفاة "سمير" بالمحمدية في شتاء 2001 أجل ذلك، فبقيت تعمل إلى أجل مسمى… تنتج محطة التكرير بسيدي قاسم ما يفوق 400 ألف طن سنويا من الوقود الصناعي، وتساهم بنسبة 60% من الطاقة الكهربائية ذات الأصل البترولي، ولم تعد تتوفر الآن سوى على 210 من العمال، واستقر ربح الشركة في حدود 435 مليون درهم سنة 2007، متراجعا بنسبة 40%عن السنة التي قبلها.
من سلبيات محطة التكرير المتواجدة بسيدي قاسم نفث التلوث في أرجاء المدينة، حتى ليخيل للمرء أنه بجانب مصفاة أصفهان أو أمستردام أو بأحد دول الخليج، خاصة بالنسبة للمتوجهين إلى الشمال عبر "طريق طنجة" كما يسميها القاسميون، أو العابرين للسكة الحديدية حيث يمكنكهم سماع هدير المراجل وهي تغلي، بينما يعلم الجميع ان المغرب دولة غير نفطية تستورد أغلب جاجياتها من الخارج، أما من يسكن في محيط الشركة فليس له من ورائها سوى مسببات الأمراض! !
الأحياء الجديدة المستحدثة شرق المصفاة هي التي أصبحت أكثر عرضةللتلوث، وقد بُنيت دون مراعاة أدنى شروط متطلبات العمران، حيث توجد باستمرار في مجرى التيار الهوائي الحامل للأدخنة والروائح الكريهة، ويتحمل مسؤولية ذلك كل السلطات التي وافقت على إقامة تلك التجزيئات السكنيةفي تلك المنطقة.
جانب من مصفاة سيدي قاسم، تجهيزات ضخمة وتلوث ملحوظ.
أما إيجابيات مصفاة التكرير المذكورة فتتمثل في استيعابها ليد عاملة مهمة من حيث العدد، وقد عُرف العمال والمستخدمون في سيدي قاسم بالقوة الشرائية التي يتوفرون عليها، بالمقارنة مع بقية السكان والوظائف والمهن الأخرى، حتى أنهم اعتبروا "طبقة" مميزة واعتبر العمل بالشركة الشريفة للبترول (الاسم السابق)امتيازا لا يحصل عليه سوى المحظوظون، فبالإضافة إلى الارتفاع النسبي للأجور كانت هناك خدمات مهمة تقدمها الشركة من حيث المساعدة الاجتماعية على الإسكان وتقديم منح الدخول المدرسي وعيد الأضحى… وتتكفل الشركة بتخييم أسر العمال على دفعات لمدة خمسة عشر يوما لكل مجموعة بمدينة أصيلا أو غيرها ، وقد شاهدنا إلى تاريخ متأخر كيف تنقل كل أمتعة الأسر في شاحنة من الحجم الكبير، وأحيانا كانت توفر الشركة حافلة لنقل الأسر بالتناوب كذلك إلى رحالات ترفيهية خاصة إلى مدينة مولاي إدريس زرهون (ربما للتبرك)، وكانت رموز المخزن والأعيان تعرف كيف تستفيد من الشركة عبر تشغيل وتوظيف المقربين إما بشكل رسمي أو مؤقت، تتوفر الشركة على مركب اجتماعي موروث عن العهد الاستعماري به مستوصف صحي ومسبح وملاعب المضرب وكرة السلة وقاعة للعروض… كان يسمح لبقية المواطنين دخول المركب الاجتماعي أثناء حفلات عيد العرش التي كانت توافق الثالث من مارس كل سنة، وقد كانت الشركة تتنافس بدورها مع المتنافسين لتظهر في أبهى الحلل، ولتبرز زينتها وبذخها كاملا، وتحضر أشهر فرق الفلكلور في المغرب، فالمال على ما يظهر كان جد متوفر لهذا الغرض، كما كانت تساهم الشركة في رعاية فريق الإتحاد القاسمي لكرة القدم، سواء بتقديم المنح أو تشغيل اللاعبين، ووضع حافلة رهن إشارة الفريق، وتوفير أجواء التداريب في مركبها الاجتماعي، أماالغذاء الجماعي سواء للفريق بعد الانتصار أو للضيوف فيتم عند الشركة التي كانت شبه ملزمة بتوفير كل شيء وتلبية أوامر رئيس الفريق حينذاك الحاج لحسن الدليمي حيث لم يكن أحد يستطيع معارضة أوامره بما فيهم حكام المباراة!
الجميع كان يذكر أن الشركة تدفع كل سنة منحة جد سمينة للمدينة، بما في ذلك تعويضات عن التلوث، لكن لا أحد يعرف مقدار ومصير تلك المنح والتعويضات، حتى أن المدينة ظلت عاجزة حتى على توفير مستشفى مناسب لساكنتها، أما المستشفى الحالي فقد شرع في بنائه منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبقي أطلالا لما يفوق عقدين من الزمن، إلى أن تكاتفت جهود عدة مصالح لإتمامه والاكتفاء بالطابق الأرضي، دون أية إضافة حسب ما كان عليه التصميم الأول من ثلاث طوابق وفق ما ذكره مطلعون.
(ت: م.لموذن)
أحد شوارع سيدي قاسم وتظهر في عمق الصورة بناية تمثل إدارة المكتب الوطني للكهرباء، بينما هي في الأصل كانت مصحة خاصة أيام الاستعمار! ()نننك
(ت: م.لموذن)
المدخل الرئيسي لمستشفى سيدي قاسم، وعلى أي فهو يقوم بتقديم خدماته للمواطنين رغم عدد من النواقص.
على العموم يُلاحظ أن هناك إهمال واضح من طرف الدولة لجهة الغرب الشراردة بني أحسن، فهذه الجهة لا توضع بها " منجزات كبرى" ولا مشاريع مهمة، وهي تعرف حركة هجرة معاكسة في اتجاه مناطق أخرى، سواء إلى ضواحي بركان اوالعرائش… للعمل في المجال الفلاحي، أو إلى قمم "الريف" للاشتغال في جني "الكيف"، أو إلى طنجة وتطوان… وهناك من يفضل الخارج عبر الهجرة السرية، أو الهجرة المقننة حيث بدأت تعرف المنطقة ترحيل العاملات الأمهات خصوصا للعمل في حقوق إسبانيا.
إن جهة الغرب الشراردة بني أحسن تتوفر على إمكانيات هائلة خاصة في المجال الفلاحي؛ الزراعة، تربية المواشي، الغابة…لكن ذلك يعاني من قلة التأطير وضعف التمويل وبؤس التجهيز وسوء التدبير. لقد كان من الأجدر أن تحتضن أحد مدن الجهة مشروعا مهما، كان يمكن أن يكون بها أهم معرض للقطاع الفلاحي، كان من اللازم تهيء وإنجاز مشروع الري المتكامل في سهل الغرب منذ فترة طويلة، كان يجب أن يُشيد للجهة ميناؤها حيث عرف ذلك تعثرا ملحوظا…
وفي نفس الوقت يحق أن نسائل نخبة الجهة، ونتساءل عن غيابها من واجهة صناعة الحدث والدفاع عن مصالح الجهة، ونفس الملاحظة نخص بها أغلب المنتخبين محليا وجهويا ووطنيا الذين يتفرغون لمصالحهم الخاصة قبل أي شيء آخر. ونفس الشيء يقال عن بقية الإدارات الوطنية والجهوية التي تكتفي بتدبير ما هو كائن فقط، دون السعي لما يضمن قيمة مضافة على مختلف المستويات. أما الإهمال وترك الحبل على الغارب وإغلاق الوحدات الإنتاجية والإكتفاء بالتفرج فإن ذلك لن يؤدي سوى إلى الكوارث الاقتصادية والاجتماعية…والتي غالبا ما يكون ثمنها غاليا.
ففي أي زمن كان المغربي يرخص لزوجته كي تغادر أرض الوطن للعمل ويبقى هو يراقب الأطفال ويداري عطالته ونخوته المهدورة؟! لنتأمل مستجدات الواقع بعنفه على مختلف الأسر ونستنتج من الآن العواقب المحتملة.
مصطفى لمودن