بنصميم من قرية منسية إلى رمز للصمود
تفويت جزء من ماء عين القرية يثير احتجاجات السكان.
على خلاف ما تم تداوله قبل أسابيع من قرب انتهاء الخلاف المثار بين سكان قرية بنصميم بإقليم إفران (وسط المغرب) وأحد المقاولين الأجانب، الذي حصل على ترخيص من أجل إقامة معمل لتعبئة قنينات بماء العين المجاورة للقرية، غير أن المشكل مازال قائما كما انطلق قبل سنوات… الأعمال جارية لإتمام بناء المعمل، المتابعات القضائية ضد ثمانية أفراد من القرية لم يوضع لها حد، رغم الاحتجاجات المتوالية للسكان، وإثارة الموضوع من قبل عدد من المنابر الإعلامية، ودفاع بعض هيئات المجتمع المدني، كجمعية التعاقد العالمي للماء (أكمي ـ المغرب) من أجل إبقاء الماء لصالح السكان.
تعتبر قرية بنصميم المرتبطة بزاوية تحمل نفس الاسم من أقدم قرى الأطلس المتوسط حسب ما أكده عدد من السكان، فقضية خوصصة الماء وتفويته التي استفاق عليها أزيد من 3000 فرد من ساكني القرية جعلتهم يتكتلون ويصبحون بالرغم منهم مناضلين يكتبون العرائض وينظمون الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، ويدقون جميع الأبواب التي يمكن أن تساعدهم، مادام المشروع يتهددهم في معيشتهم واستقرارهم، غير أنهم يتأسفون بحسرة عن سد أبواب فروع الأحزاب المتواجدة محليا للباب في وجوههم، وعدم أخذ مناشداتهم لها بعين الاعتبار، رغم توصل مسؤولين وطنيين عن تلك الأحزاب بشكياتهم، ومنهم من كان يتحمل مسؤوليات حكومية كان لها علاقة بموضوع الماء. الأمر نفسه جعلهم ينفتحون على الانترنيت ومختلف وسائل الاتصال والتواصل، ويجمعون كل الوثائق التي تخص قضيتهم، فهذا السيد مصطفى الدغوغي من سكان القرية يحمل نسخا من ظهائر التوقير التي منحها لأجدادهم عدد من السلاطين مثل المولى إسماعيل وغيره، وقد نظمها وبوبها في كتاب، كما جمعوا في مجلد كبير كل الأوراق والوثائق التي تهم عين بنصميم وحوض الماء والمشكل منذ بدايته، من مراسلات وعقود وبيانات ودراسات… يطلعون عليها كل من يريد أن يعرف شيئا عن بنصميم. لكن ما أحز في نفوسهم هو ترويج بعض الجهات لمغالطات حسب السيد مصطفى الدغوغي والدكتور المهدي لحلو رئيس أكمي ـ المغرب، من مثل ما أوردته جريدتان مغربيتان عن عين بنصميم من صور ومعطيات لا أساس لها من الصحة، حيث أعتبر (كل من يروج المغالطات) أن صبيب الماء في عين بنصميم يصل إلى 80 لتر في الثانية، لكنه لا يتعدى حسب المصدرين المشار إليهما 15 لتر في الثانية، وهناك وثيقة صادرة عن المندوب الإقليمي للفلاحة تذكر أن الأرض التي يمكن أن تُسقى تحتاج إلى صبيب يصل إلى 180 لتر في الثانية خلال الموسم الفلاحي 2002/2003، وقد اقترح نفس المندوب إحداث بئر لإنقاذ المزروعات وسد الخصاص من الماء، اعتبر من جانبه د. المهدي لحلو أن وراء ذلك تكالب قوى انتهازية ورأسمال خاص أثناء حديثه في افتتاح اليوم الوطني للماء الذي نظمته جمعيته بإفران يومي 17 و 18 ماي 2008. في حين يقال أن المستثمر الأجنبي سيعبئ فقط 3 لترات في الثانية من 60% من المياه التي تعود ملكيتها للدولة، وسيشغل 70 عاملا، ويضيف المدافعون عن المشروع أن ذلك سينمي المنطقة، وهو ما يطعن في مصداقيته أغلب السكان وجمعويون مساندون لهم…
اطلعنا السيد مصطفى الدغوغي على ميثاق اتفاق حول مشروع تعبئة مياه بنصميم موقع في 30 مارس 2007 بين المستثمر الأجنبي وتسعة أفراد، وقع أحدُهم بصفته مستشارا جماعيا، وآخرون بصفات أخرى منها عضويتهم لجمعيات، من أجل منح تسهيلات للمشروع كما جاء في الوثيقة. لكن في نفس اليوم وقع أغلب سكان القرية على لائحة الطعن في توقيع الموافقة على مشروع تعبئة ماء عين بنصميم تطعن في الوثيقة السابقة أرسلت لعدد من المسؤولين وطنيا ومحليا.
يبدو أن مشاكل هذه القرية لا تريد أن تنتهي، فقد شرعت يوم السبت 17 ماي 2008 آلة حفر في ثقب بئر بجانب العين المتنازع عليها، وذلك لفائدة وزارة الشبيبة والرياضة التي تتوفر على مخيم صيفي ومسابح هناك، كما صرح لنا السيد مولاي علي الطاهري من سكان قرية بنصميم، غير أن عملية الحفر تم توقيفها في الحين.
جانب من المسيرة الاجتجاجية التي نظمها السكان إلى عين الماء في 20 يناير 2008
عن تحرك سكان القرية ومساندتهم من قبل بعض وسائل الإعلام المكتوب، وجمعيات المجتمع المدني جعل السلطة المحلية تغير من أسلوب تدخلها، فقد تراجعت عن سلوكها الضاغط تجاه السكان كما كان في البداية، وتعاملت بحياد مع المسيرة الاحتجاجية التي نظمها السكان يوم الأحد 20 يناير 2008 من قريتهم إلى العين، بمشاركة أكمي ـ المغرب و أطاك ـ المغرب… وقد كنا شهودا على ذلك. كما أن عامل إقليم إفران حضر إلى القرية رفقة عدد من مساعديه يوم السبت 26 أبريل المنصرم، وعقد لقاء مطولا مع السكان، وحسب ما أكده لنا أحدهم فقد أخبرهم بأن الملك محمد السادس قد تلقى رسالتهم، ووعدهم العامل بإنجاز مشاريع بالقرية كتعبيد الطريق، وفي اجتماعه بعدد من نساء القرية طلب منهم تحديد عدد من المنازل المحتاجة للمساعدة والترميم، لكنهن رفضن كل ذلك، وطالبن فقط بالإبقاء على الماء للقرية حسب نفس محدثنا، وبعض السكان يعتقدون بأن الملك محمد السادس سيزور قريتهم.
ممثل سكان قرية بنصميم يلقي كلمته في اختتام اليوم الوطني للماء
أثناء الاحتفال باليوم الوطني للماء بإفران أعطيت الكلمة لأحد السكان نيابة عن قرية بنصميم، شكر في البداية كل من ساندهم وأضاف قائلا: لقد اغتصبنا في ثروتنا المائية من طرف مستثمر متعاون مع جماعة انتهازية، ألم يجد هذا المستثمر ضالته في فرنسا أو في أي دولة أو مكان آخر حتى يأتي إلى المغرب ليسلبنا مياهنا…؟ وتوجه بخطابه إلى الجميع: نحن نستغيث بكم… انصروا إخوانكم في بنصميم، إننا مظلومون، والمستثمر يريد تجويعنا وترحيلنا عن الأرض التي ورثناها عن أجدادنا. وقد طالب قبل ذلك بدوره د. المهدي لحلو السلطات العليا في المغرب بالتدخل لإيجاد حل للمشكل، حيث قال: إن عددا من القرارات الأسمى تؤخذ في القصر الملكي.
صنبوري ماء في عين بنصميم
ممثلي سكان قرية بنصميم يمنحون تذكارا للدكتور المهدي لحلو رئيس أكمي المغرب، وفي الصورة كذلك عضو مكتب أكمي فرنسا
من سينتصر في معركة الماء المصغرة هذه؟ المستثمر الذي سيدر عليه ملء القنينات بماء جار الملايين، أم سكان القرية الهادئة الذين ألفوا عبر التاريخ استغلال الماء للشرب والري واستمرار الحياة؟ إنه صراع غير متكافئ بين رأسمال يريد استغلال كل شيء للربح، وبين سكان عزل إلا من عزيمتهم.
مصطفى لمودن