«حوار» مع أحمد حرزني:أوحلقة الاستفزازات المتتالية والمواقف المتحاملة بامتياز
بقلم:عبد المجيد أيتحسين (*)
توصل بريد مدونة سيدي سليمان بقراءة في ما راج في برنامج «حوار»، الحلقة التي استضافت السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وقد وقف صاحب القراءة عبد المجيد أيتحسين حول جملة مما اعتبره«استفزازات»، وقد اعتبر أنه من «المفروض في المسؤول عن مؤسسة حقوقية وطنية- بالنظر للطبيعة النبيلة لموضوع حقوق الإنسان- بأن يكون أبا أو أخا أو صديقا لكل المواطنين والفرقاء والفاعلين، مهما كان مختلفا معهم في الرأي »، مطالبا إياه بأن « يلتزم (…) الحياد المطلوب تجاه الخلافات والصراعات والإشكالات الحقوقية أو الإعلامية الدائرة رحاها في المجتمع »، وأن « يلعب المجلس حقيقة دوره المفترض كمؤسسة وطنية وسيطة في مجال حقوق الإنسان تكون في خدمة جميع الحساسيات والفرقاء والمواطنين»، وأن « يعفينا (الرئيس) من ظهوره الإعلامي المجاني وخرجاته المتكررة التي لا تحمل قيمة مضافة معينة »، بينما « تخلف وراءها زوبعة وغبارا كبيرين، وتخلق خصومات إضافية ومواقف سلبية جديدة تجاه المؤسسة كاملة بفعل العلاقة المتوترة والمتشنجة للسيد حرزني مع أغلب الحساسيات والأطراف»، متسائلا عن دور بقية أعضاء المجلس،« وهل يرضون لأنفسهم ولمؤسستهم بأن تتقهقر صورتها لدى الرأي العام، ويتراجع موقعها الاعتباري لدى أوساط عديدة في المجتمع؟؟.»
مدخل وتمهيد: مما لا شك فيه أن أي متتبع موضوعي أو مشاهد نبيه كتب له أن يتابع الحلقة الأخيرة من البرنامج التلفزيوني نصف الشهري«حوار» ليلة الثلاثاء 16دجنبر الجاري(ومختلف الإعادات الأرضية والفضائية التي كان أخرها ليلة الأحد الأخير)، والذي استضاف السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سيكون قد خرج لا محالة بجملة ملاحظات يتخللها الشعور بالامتعاض والأسف للمستوى الهزيل للحلقة سواء من حيث طبيعة المضامين الفارغة والسجالات العقيمة التي ميزت أغلب أطوارها، والتي هيأت لها الأرضية الملائمة طبيعة الصحافيين الحاضرين الذين كانوا يلقون على الضيف تارة أسئلة ناعمة أو تحت الطلب كان هذا الأخير يجد فيها ضالته لخلوها من الطابع المفاجئ والمستفز – بالمعنى الإيجابي للكلمة- والمطلوبين في البرامج الحوارية المباشرة الحقيقية ، وتارة أخرى أسئلة- أو لنقل مداخلات- متحاملة وخارجة عن اللياقة وأصول التقدير والاحترام، والتي أفرغت كل النقاشات الحقوقية الجادة من مضمونها، وخذلت انتظارات المشاهدين والمهتمين خصوصا في ظل تزامن الحلقة مع إحياء المنتظم الحقوقي الدولي والوطني للذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تحمله من آمال وتطلعات للقطع مع ماضي الانتهاكات بعد فهمها وقراءتها ومعالجة آثارها كمدخل حقيقي للانكباب على أسئلة الحاضر والمستقبل…
* حوار تلفزيوني مسؤول أم حلقة للاستفزازات المتوالية المقصودة؟؟!
سأركز هنا على خمس ملاحظات استفزتني وشعرت معها بالامتعاض ، الذي ولا شك كان شعورا مشتركا لدى اغلب المشاهدين والحقوقيين الغيورين والمتتبعين، وسأحاول هنا أن أستعرضها وأعلق عليها تباعا على الشكل التالي:
1- الاستفزاز الأول والرئيسي: كان عندما انبرى «الصحافي» الذي كان يتوسط المحاورين الآخرين لكي يبدأ في كيل الإطار الحقوقي الديمقراطي المناضل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بكل أنواع التحامل والسباب والشتائم متهما إياها بأنها تعمل وفق أجندة سياسية وحزبية ملحقا إياها بحزب يساري متطرف، وبأنها من دعاة الانفصال..الخ من النعوت الحاقدة التي لم تقتصر على الجمعية بل تجاوزتها لتمتد إلى حزب يساري تقدمي هو النهج الديمقراطي، وذلك خارج كل سياق موضوعي أو مبرر إعلامي لهذه اللخبطة الإعلامية غير المفهومة المقاصد والأهداف.. والتي تجعلنا نتساءل لمصلحة من يا ترى أو نيابة عن من بالضبط ألقيت هذه المداخلة/السؤال، ولماذا سمح للصحافي المعني بالتوغل في سؤاله إلى النهاية رغم وضوح معالم الحقد والخروج عن الأهداف النبيلة للمحاورة التلفزيونية المسؤولة، وهل يحق استغلال منبر إعلامي عمومي يمول من أموال الشعب لتصفية حسابات ضيقة دفينة ونفث السموم الإعلامية الخطيرة والمزيفة داخل المشهد العام، وإلى متى سنظل سجناء برامج حوارية في ظاهرها مباشرة ولكنها لم تتحرر بعد من سلطة الرقيب بشكل أو بآخر، ولا يستدعى إليها صحافيون حقيقيون مجتهدون ومشاكسون..وما رأي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري«الهاكا» في هذا الخرق السافر لأخلاقيات المهنة، وهل ستمنح حق الرد للطرفين المتضررين- الجمعية والنهج كل على حدة- إذا ما تقدما بطلب أو شكاية في هذا الإطار؟؟؟هذا علما أن حزب النهج الديمقراطي لا زال ممنوعا ومقصيا من حقه في الولوج إلى الإعلام العمومي أسوة بباقي التنظيمات السياسية..
ونعتقد جازمين بأن المعني بالأمر ربما لم يكفه«الجلد الأمني» والتعنيف الميداني الشرس الذي سبق وأن تعرضت له الجمعية في شخص قيادييها ومناضليها- إضافة إلى مناضلي بعض الإطارات الأخرى- أمام البرلمان في 15 يونيو من السنة الماضية2007 على أيدي قوات«العنيكري» في مشهد رهيب لا زال يتذكره الجميع؛ فأراد أن يجلدها إعلاميا كذلك من خلال التشكيك في نضاليتها ووطنيتها والنيل من سمعتها أمام ملايين المشاهدين.. وربما يكون أيضا قد اختلطت عليه المفاهيم فأضحى لا يميز بين الأجندة الحزبية والحقوقية، هذه الأجندة الأخيرة التي يعرف جميع المتتبعين الموضوعيين بأن الجمعية ملتزمة بها – على الأقل بالمعنى الزمني البسيط للأجندة- سنويا منذ تأسيسها سنة 1979 بدليل التزامها بإحياء كل الذكريات والمناسبات الحقوقية الوطنية والعالمية في إبانها على امتداد السنة، ونصرتها للمظلومين وكل من ترتكب في حقهم الانتهاكات، ثم حضورها ومساهمتها - إلى جانب كل الديمقراطيين والشرفاء من كل المنابر والمواقع- في كل المحطات النضالية الصعبة أو الحقوقية المشرقة التي عرفها المغرب المعاصر، دون إغفال كونها قد تعاقب على قيادتها مناضلون صادقون وحقوقيون ديمقراطيون أكفاء بارزون إلى الآن( علي أومليل، محمد الحيحي، عبد الرحمان بنعمرو، عبد الحميد أمين وصولا إلى السيدة خديجة رياضي..)، هذا علاوة على أن لا أحد ينكر بأن الجمعية شكلت مرجعا نضاليا وحقوقيا وشريكا وازنا لا محيد عنه – في جوانب كثيرة- بالنسبة لكل المؤسسات أو التجارب اللاحقة التي تأسست سواء في نهاية الثمانينيات أو بدايات ونهاية التسعينيات من القرن الماضي أو بدايات الألفية الثالثة..
2- الاستفزاز الثاني: كان أيضا عندما تحدث نفس «الصحافي» ولو بالغمز واللمز عن الصحافة المستقلة بلغة متحاملة حينا ومسفهة ومحقرة لدورها الفاعل المشهود في الحقل الإعلامي تارة أخرى، وقد سايره إلى حد ما ضيف الحلقة في لحظة من لحظات البرنامج عندما حصل بينهما شبه اتفاق في المقاربة والرأي- يا للصدفة العجيبة- وشرعا معا على التوالي في إعطاء الدروس والنصائح للصحافيين وحملة القلم في مجال أخلاقيات المهنة والفرق بين الخبر المقدس والتعليق الحر.. وفي نوعية الأسلوب الناعم الأمثل الذي يجب أن ينهجوه في الممارسة الصحفية الوديعة..إلخ - حتى يرضى عنهم حرزني طبعا ومواليوه-. وهما في ذلك قد تناسيا من حيث يدريان أو لا يدريان بأن «الصحافي» المعني كان أول من خرق تلك الأخلاقيات في بداية البرنامج وفي أغلب أطواره متجاهلا هويته الأساس- كصحافي- التي قدم بصفتها في البرنامج..أما بالنسبة لحرزني ورأيه في الصحافة المستقلة فلم يكن بالشيء الجديد أو مما يدعو للاستغراب، إذ لم يحد عن مكنون آرائه السلبية والمتعالية السابقة التي سبق وأن عبر عنها في أكثر من مناسبة لعل اشهرها تلك التي كان قد اتهم فيها الصحافة المستقلة بأنها تنشر التيئيس في المجتمع، دون أن ننسى جره لمنبرين مستقلين يومية وأسبوعية إلى ردهات المحاكم صيف هذه السنة، ونعني صحيفتي«الجريدة الأولى» و«الحياة الجديدة»..
3- الاستفزاز الثالث: كان عندما عبر حرزني في جوابه عن إحدى الأسئلة حول تمثلات ومدى فهم المواطنين لدور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث جاء جوابه في شقه الثاني عبارة عن استهزاء وتحقير وازدراء بذكاء ومستوى الفهم لدى المغاربة، بقوله بأن بعض المواطنين و بعض ضحايا الانتهاكات يعتبرون المجلس مثل«وكالة أو شركة تأمين» يجب أن تحل مشاكلهم المتواترة..، متناسيا بذلك بأن المجلس ما أسس إلا ليكون ملاذا لكل المظلومين والمشتكين ولو كانوا سيخطئون العنوان، وبأنه كمؤسسة من هذا القبيل هو من تقع عليه بالضرورة والمنطق مسؤولية التعريف الواسع والمستفيض في صفوف أوساط المجتمع العالمة وغير العالمة، بالأدوار والمهمات المنوطة به بنوع من التواصل البيداغوجي المهذب الرفيع مع الجميع، والأخذ بيد من يجهلون هذه الأدوار ممن يلجؤون إليه باعتباره ملاذا حقوقيا عموميا يجب أن يفتح بابه في وجه جميع المشتكين، وإحالة ما لا يدخل في الاختصاص من الشكايات والمظالم على المسؤولين المختصين في إطار من الدعم المعنوي للذين يقصدونه والإرشاد والتوجيه لهم بأساليب محترمة وبعيدة عن التعالي أو القدح والتجريح في كرامة الناس ومستوياتهم الثقافية والعلمية أو السخرية من همومم المعيشية ونوعية مشاكلهم البسيطة أو المستعصية..
هذا علما أن المفروض في المسؤول عن مؤسسة حقوقية وطنية- بالنظر للطبيعة النبيلة لموضوع حقوق الإنسان- بأن يكون أبا أو أخا أو صديقا لكل المواطنين والفرقاء والفاعلين، مهما كان مختلفا معهم في الرأي..ولعل هذه الخصلة الحميدة هي التي أبان السيد حرزني عن افتقادها لديه،عندما لم يكلف نفسه حتى عناء ذكر اسم أو صفة الفاعل الحقوقي والنقابي عبد الحميد أمين، عندما كان بصدد الإجابة عن سؤال حول الموقف الإنتقادي المشروع لهذا الفاعل تجاه تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وكان يشير إليه فقط بضمير الغائب وبعبارة تخلو من اللياقة للمخالفين في الرأي(مثل عبارة «هاذاك» أو«ذلك الشخص»). وهو بهذا الأسلوب سقط في تناقض غريب في نفس الحلقة – من حيث لم يشعر- إذ بمثل هكذا حساسية مفرطة تجاه المخالفين لمواقفه والمعارضين لتوجهاته، أضحى هو من يرغب في أن يكون الفاعلون والمنظمات الحقوقية نسخة مكرورة منه، وتكون مواقفهم وعملهم صورة طبق الأصل لعمل المجلس الذي يرأسه وليس العكس كما حاول الترويج لذلك..فيا للمفارقة ويا للتناقض؟؟!
4- الاستفزاز الرابع: وله ارتباط بالاستفزاز السابق، حيث نهج الضيف- في اعتقادي المتواضع- مقاربة غير سليمة في إحدى أجوبته لما قال بأن المجلس في اشتغاله فقط على ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة، يكون عمله مقتصرا على خدمة 30أو 40الف فردا من الضحايا والمعنيين بالملف، مما ينتج عنه تجاهل وضعية وحقوق ما مجموعه 30مليون من المغاربة..وهذه تخريجة غير سوية على الإطلاق، وتنطوي على نوع من الفرز غير المنطقي بين الفئة المعنية وباقي المواطنين، بينما هم جزء أساسي من باقي المغاربة، وتفرض الضرورة التكفل بضمان مواطنتهم الكاملة غير المنقوصة - إلى جانب كل المواطنين- عبر الحرص على إعادة الاعتبار إليهم وتمكينهم من كافة حقوقهم على شتى المستويات..
والحقيقة التي لا مراء فيها أن ملفات الانتهاكات الجسيمة، ولو أنها تحمل في ظاهرها طابعا فرديا يخص كل ضحية وعائلته على حدة، لكنها في العمق تختزل ذاكرة جماعية مجتمعية لدى جميع المغاربة وجب حفظها واستحضارها في عملية البناء للحاضر والمستقبل..وهو ما لن يتأتى دون إنصاف هذا الجزء المهم والكبير من الضحايا وعائلاتهم كمدخل لإنصاف المجتمع والوطن في شموليته..فمثلا إذا أخذنا قضية الشهيد المهدي بن بركة أو غيرها من قضايا الاختفاء القسري وباقي القضايا الحقوقية الكبرى العالقة، سنجد أن ملف المهدي ليس شأنا شخصيا أو ملكا خاصا للعائلة والأقرباء والأصدقاء، وإنما هو شهيد للشعب المغربي، وقضيته مثل قضايا أخرى كثيرة محتضنة من قبل عموم المواطنين..وبالتالي فإن المقاربة السليمة في نظرنا ليست هي سياسة الهروب إلى الأمام، بل هي المقاربة المندمجة لكافة الملفات والقضايا الحقوقية، بما يعني الاشتغال على تصفية ملفات الماضي المرتبطة أساسا بالحقوق المدنية والسياسية، والعمل على إنصاف المعنيين بها وجبر أضرار عموم الوطن، وذلك بالموازاة مع الإنكباب على قضايا الحاضر والمستقبل أيضا وما يحبلان به من تحديات ومستلزمات للنهوض بأجيال أخرى من الحقوق من حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية…الخ. دون الإغفال التام لما بقي من أوراش ورهانات في مجال التقعيد الكلي والإرساء الهيكلي لأسس ومقومات الحقوق السياسية والمدنية التي لا زالت لم تكتمل بعد، وتستجد معالم خرقها أو الدوس عليها أو تجاهلها أو إدعاء اكتمال إرسائها بين الفينة والأخرى..
5- الاستفزاز الخامس: وله ارتباط أيضا بالإستفزازين الأخيرين، حيث عمد الضيف من جديد إلى احتقار وتبخيس فهم وإدراك الحقوقيين، من خلال ترويج مغالطة مفادها أن بعض الجمعيات الحقوقية تريد من المجلس بأن يكون نسخة منها وأن يصدر بدوره البيانات ويسلك أساليب الاحتجاج، وذلك عند جوابه عن سؤال حول التداعيات الحقوقية لقضية الأحداث الأليمة بسيدي إيفني خلال الصيف الماضي، وهو بذلك إنما كان يلمح- في اعتقادي- إلى منظمة حقوقية ديمقراطية مستقلة هي المركز المغربي لحقوق الإنسان، بما أن هذا الأخير هو من أعتقل أغلب مناضليه وأعضائه على هامش تلك الأحداث- إضافة طبعا إلى أعضاء فعاليات إطارات مدنية أخرى-، ثم لأن هذا المركز الحقوقي هو من راسل مؤخرا رئيس المجلس يطالبه –من ضمن مطالب أخرى- بتحمل هذه المؤسسة لمسؤوليتها في إثارة الانتباه إلى الانتهاكات والاعتداءات الجسدية والنفسية التي صاحبت التدخل الأمني ليوم السبت الأسود07يونيو2008، وما استتبعها من اعتقالات في صفوف الحقوقيين والنشطاء الجمعويين.. ولم يثبت قط- حسب معلوماتي- أن المركز المذكور أو أية جمعية من الجمعيات المكونة للجنة التقصي الحقوقية المشتركة – التي كان ضمنها المركز نفسه- والتي انتقلت إلى إيفني وصاغت تقريرا حول الأحداث، قد سبق لها أن طلبت من المجلس بأن يصدر بيانا أو ما شابهه في هذا الموضوع أو أخر غيره..
وبالرجوع إلى التمحيص اللغوي لعبارة«إثارة الانتباه» إلى قضية حقوقية أو خرق معين، فلعلم السيد حرزني بأنه ليس بالضرورة بأن تكون أو تمر هذه الإثارة عبر بيان كما فهم هو لوحده ذلك، وإنما قد تكون بأسلوب مراسلة المجلس للمسؤولين،أو بإعداد تقارير موازية بعد الانتقال إلى عين المكان أو بإطلاق مناشدات، أو بالجلوس مع مختلف الأطراف المعنية إلى مائدة الحوار أو بالاستماع إلى المعنيين بالخرق أو لعائلاتهم ولمختلف الفرقاء والتنظيمات، أو القيام بمساعي حميدة ووساطات إيجابية في اتجاه تطويق مختلف أوجه التوتر الذي قد يكتنف بعض القضايا ذات الصلة بمجال حقوق الإنسان أو إيجاد حلول عادلة ومرضية لبعض الملفات العالقة…الخ من وسائل العمل التي يمكن اللجوء إليها والاستعانة بها وتصريفها على أرضية الممارسة الإدارية والميدانية للعمل اليومي والاعتيادي للمجلس..
وفي حقيقة الأمر، فأي حقوقي واع ونبيه لا يمكنه أن ينتظر من المجلس لا هذا الأسلوب ولا ذاك، بالنظر لطبيعته عمله ودوره الاستشاري أولا، وحدود اختصاصاته التي تجعله غير متوفر أصلا على آليات وصلاحيات القرار السياسي أو الحقوقي المبادر والمؤثر والفاعل، وبالتالي فأقصى ما يمكن أن يطلب من المجلس في الوقت الراهن- مع احترامنا لكل أطره وموظفيه وكافة الخبرات والكفاءات التي تتألف منها هذه المؤسسة- هو أن ، وأن يعمل على أن يلعب المجلس حقيقة دوره المفترض كمؤسسة وطنية وسيطة في مجال حقوق الإنسان تكون في خدمة جميع الحساسيات والفرقاء والمواطنين، بشكل لا يجعله يتماهى كليا مع توجهات وخطاب الدولة وتقمص دور المدافع الأمين عن كل الأطروحات الرسمية في كل الميادين ذات الصلة، وبشكل يجعل المجلس أيضا بالموازاة لا يخسر شركاءه في صفوف المجتمع وقواه الحية، بأن يبقى في علاقة حيادية توفيقية تجعله مترفعا عن كل هوامش الصراع الصغيرة والثانوية، وتحافظ له على المسافة الضرورية الصعبة تجاه مختلف الأطراف والمكونات والقضايا المجتمعية المختلفة والمتباينة..
*على سبيل الختم:
- لقد أثبتت حلقة «حوار» الأخيرة التي استضافت السيد أحمد حرزني فشلها على كافة المستويات، حيث حضر فيها كل شيء إلا النقاش الحقوقي الرفيع والمثمر، إذ طغت عليها التبسيطية المغلفة بالحقد الدفين للأشخاص والتنظيمات الحقوقية المخالفة لرأي الضيف ومحاوريه، وتميزت بالهزال المفضوح من كل الجوانب، حيث أخلفت الحلقة موعدها مع التاريخ خصوصا في الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ كان بالإمكان إنجاح البرنامج لو استضاف وجوها وإعلاميين قادرين على إتحاف المشاهد بكم نظري أو أكاديمي حول الإعلان وحول التجارب الحقوقية التي راكمتها الشعوب والدول طيلة المدة الفاصلة بين صدور الإعلان إلى اليوم، مع استحضار البعد الوطني بكل تجلياته ومضامينه الحقوقية المتنوعة بهذه المناسبة..مما كان سيجعل المشاهد والمتتبع أمام شبه محاضرة غنية أو ندوة مفيدة وممتعة تفي بكل إنتظاراتهم وتشبع فضول المعرفة والفكر والتثقيف لديهم، وتكون بالتالي حلقة تستجيب لأصول وقواعد المحاورة السياسية الهادفة والوازنة كما هي متعارف عليها في الديمقراطيات العريقة… أما والحالة تلك التي خرج في صورتها البرنامج فلم يكن أكثر من مونولوج سخيف حاور فيه المحاورون(بكسر الواو)أنفسهم بإلقائهم مداخلات عوض أسئلة، وحاور الضيف نفسه أيضا وكان في شبه راحة من الأسئلة المقلقة والحرجة أو المفاجئة، بينما لم يدر مقدم البرنامج الجلسة بما يكفي من الحزم المطلوب لمنع بعض الإنفلاتات «الحوارية» وإيقاف بعض المداخلات المتحاملة في الوقت المناسب، أو لحث المحاورين لطرح أسئلة جدية وحقيقية..
*نصائح أخيرة لحرزني: إننا ننصح - أخويا- في ختام هذه القراءة/المقال السيد أحمد حرزني إن لم يكن في أقصى الاحتمالات قادرا على الاضطلاع بدوره الحقيقي في تحقيق الحياد الصعب والمعادلة التوفيقية اللذان تحدثنا عنهما في فقرة سابقة أعلاه- والتي نجح فيهما إلى حد ما سلفه الراحل الفقيد إدريس بنزكري- فإنه من المستحسن بالنسبة إليه ، بأن يغيب عن الأضواء أكثر ما يمكن من الوقت، ويعفينا من ظهوره الإعلامي المجاني وخرجاته المتكررة التي لا تحمل قيمة مضافة معينةوتحمل بالمقابل تصريحات متحاملة ومستفزة ؛ مع ضرورة أن يعمل على تحسين وإجادة التواصل مع الجميع بعيدا عن لغة التعالي أو التحقير وتبخيس مجهودات وعمل باقي الفرقاء والمكونات والأشخاص..وبأن يعمل في صمت ولا يطل علينا مستقبلا إلا لكي يعطينا – هو والطاقم المساعد له- منتوجا حقوقيا إيجابيا وغنيا وحقيقيا يمكن للمجلس الاعتداد به في هذه المرحلة وما يليها..فلطالما كان الصمت حكمة العظماء وملهما لحسن العطاء..
إن من شأن العمل بهكذا مقاربة، أن يعيد للمجلس بعضا من مصداقيته المطلوبة وصورته الاعتيادية المقبولة، التي اهتزت وخدشت نتيجة الانطباع السلبي التي طالما خلقته وتخلقه كل الخرجات الإعلامية والتصريحات المتواترة غير المسؤولة لرئيس المجلس التي لا تأتي إلا لكي تخلف وراءها زوبعة وغبارا كبيرين، وتخلق خصومات إضافية ومواقف سلبية جديدة تجاه المؤسسة كاملة بفعل العلاقة المتوترة والمتشنجة للسيد حرزني مع أغلب الحساسيات والأطراف، أو لوجهات نظره المتعالية تجاه جملة من القضايا الحقوقية أو تجاه مواقف وأنشطة بعض الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين هنا وهناك..
فما رأي السيد أمين عام المجلس وباقي الأعضاء في خرجات رئيسهم غير المحسوبة؟ وهل يرضون لأنفسهم ولمؤسستهم بأن تتقهقر صورتها لدى الرأي العام، ويتراجع موقعها الاعتباري لدى أوساط عديدة في المجتمع؟؟.
الرباط في: 22 دجنبر2008
(*) فاعل حقوقي ومتتبع غيور
—————————--
ملحوظة: تتقبل المدونة نشر أي رأي مخالف