البكاء خلف الميت…!
رهانات الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
مصطفى لمودن
ككل انتخابات لابد أن تكون وراءها رهانات عدة أطراف، لكن في المغرب تختلف الرهانات وتتنوع ما بين عدة فاعلين، فإذا كانت السلطة حسب المفهوم المغربي ممثلة في وزارة الداخلية همها الأساسي هو ارتفاع نسبة المشاركة، حتى لا تتكرر واقعة الانتخابات التشريعية الأخيرة، وحتى لا تذهب قراءة العزوف عن الانتخابات إلى استنتاجات متعددة، أهمها الول بعدم رضى الناس، وإذا كانت كل الأطراف الحزبية المشاركة في الانتخابات تدعو إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع، غير أن لها جميعها هدفا واحدا وهو أن تنال حظا وافرا من نوايا التصويت، وهناك فئة ثالثة تعلن صراحة عن المقاطعة، وهي تنقسم إلى من يدعو علانية المواطنين إلى ذلك كما يفعل "النهج الديمقراطي"، وهناك من يتفرج مترقبا الوضع عن كتب كما هو عليه الحال بالنسبة لأكبر جماعة دينية منظمة وهي "العدل والإحسان"، فما هي أهم تمفصلات الفرقاء السياسيين الفاعلين بالمغرب وأرباحهم المنتظرة من دخول غمار الانتخابات والدعوة لها أو مقاطعتها؟
أهم فاعل في البلد هي الملكية، ومنذ اعتلاء محمد السادس الحكم في صيف 1999، وهو ما فتئ يرسل الإشارات إلى الحرص على إتباع نهج الديمقراطية، لاختيار أعضاء البرلمان والمجالس المنتخبة، في ظل ملكية تنفيذية كما ذكر في أحد خطبه، لكن عدم توجه الناخبين بكثافة إلى صناديق الاقتراع قد يعني عدم اكتراث بالشأن العام، أو عدم الاقتناع بكل هذا "الزخم" الحزبي، أو أي شيء آخر قد يكون عدم الرضى كما ذكرنا…
ليس بالضرورة أن يكون "الزخم" الحزبي عاملا إيجابيا في كل عملية انتخابية، فقد تقدم ل"استحقاق" 12 يونيو ثلاثون حزبا، وهو رقم ضخم بالنسبة ل30 مليون مغربي، في ظل انحصار الاهتمام بالسياسة عامة فبالأحرى أن يفرق المواطن بين كل حزب وآخر، ويلتمس العذر لكل هذا "التنوع" غير السليم.
ويمكن أن نشطات قليلا ونقسم الفسيفساء الحزبي إلى ثلاث فصائل أساسية:
1ـ أحزاب اليمين بكل تلاوينه، وهؤلاء يمثلون الرقم الغالب، تسير توجهاتهم دائما نحو المهادنة وخدمة مصالح الفئات المنتمية لها على مستوى القيادات أساسا، لكن فيما بينهم كذلك اختلافات طفيفة، ويمكن في أي لحظة أن يعقدوا تحالفات فيما بينهم على مستوى الجماعات المحلية والبرلمان، من أبرزهم حزب الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والأصالة والمعاصرة رغم محاولته التميز عن البقية… بالإضافة إلى أحزاب أخرى صغيرة، وجميعهم في حمأة لا برد ولا سلام فيها من أجل تأكيد الحضور، في ظل هاجس تعديل حكومي مرتقب يراعي نتائج 12 يونيو، خاصة بعد ضعف المساندة العددية للحكومة على مستوى البرلمان.
2- أحزاب اليسار بكل أطيافه، ولعل "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" هو أقدمهم، (إذا استثنينا أي امتداد شرعي للحزب الشيوعي المغربي)، وقد أصبح بدوره متمرسا على خوض الانتخابات وسلك أقرب الطرق لتحقيق الفوز، ولو على حساب المبادئ المؤسسة للحزب في بداياته، بالإضافة إلى "التقدم والاشتراكية" الذي يخوض "معركه" بشق الأنفس ولو تطلب منه الأمر اللجوء الاضطراري إلى الأعيان، وفي نفس المجموعة نجد "تحالف اليسار الديمقراطي"، المكون من ثلاث أحزاب، هي "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، و"الحزب الاشتراكي الموحد"، و"حزب المؤتمر الوطني الاتحادي"، دون أن ننسى "جبهة القوى الديمقراطية"، و"الحزب العمالي"، و"الحزب الاشتراكي"… علما أننا ندرجها تجاوزا ضمن خانة "اليسار" باعتبار "الجذر التاريخي المشترك" لبعضها، ولعل أغلب هذه الأحزاب رغم حضورها على المستوى " النقابي" و"الجمعوي" "تناضل" من أجل البقاء.
3- المجموعة الثالثة وهي الأحزاب ذات التوجه الديني، أبرزها "العدالة والتنمية"، الذي يدخل هذه المرة الانتخابات دون أن تكون قد أثقلت كاهله "أوزار" أو حوادث طارئة، تكدر عليه صفو دخوله "كافة الدوائر الانتخابية"، أو تجعله يتلقى صاغرا الأوامر من أجل ذلك، باستثناء "قضية" عمدة مكناس، وقد ظهر أنه كباقي الأحزاب بالكاد غطى جزءا من الدوار الانتخابية، بينما "الوافد الجديد" احتل الرتبة الأولى بتغطيته 53% من المناصب المتنافس حولها، ويمكن إضافة "حزب النهضة والفضيلة" إلى القائمة باعتبار أدبياته ونوع سلالته. والحزب "الإسلامي" الأول يسعى إلى "التطبيع النهائي"، ومحو المخاوف التي تكتنف البعض تجاهه، خاصة بعد انتخاب أمين عام جديد مستعد لك التسويات.
فهل سنصبح على مغرب آخر أكثر تقدما وديمقراطية بعد 12 يونيو؟
مما لا جدال فيه أن المغرب قد حق تراكما على مستوى التعددية الحزبية، واكتسب خبرة في إدارة الانتخابات، واعتاد الناس على التنافس الانتخابي، وأصبح يرافق ذلك حوادث عادية لا تتعدى مناوشات هنا وهناك، لكن هل حصل فعلا "إشباع ديمقراطي"؟ وهل تؤدي الانتخابات إلى ظهور مؤسسات تمثيلية في المستوى؟ تعنى فعلا بالشأن التنموي المحلي بالنسبة للجماعات المحلية ومجالس المقاطعات ومجالس المدن؟ الجواب عن ذلك نجده عند المواطنين وما مدى حماسهم للمشاركة بدون دوافع ضيقة، ويجيب عنه الشعور بأن الجميع ممثل داخل "المؤسسات".
وعلى ضوء هذه الانتخابات يمكن أن نطرح أسئلة مشروعة، من قبيل: ما المانع في أن تكون للمغرب جماعات محلية وازنة؟ ما المانع من أن يكون للمغرب "حكم جهوي" قائم بذاته؟ يمكن أن يشبه التجربة الاسبانية الناجحة…ما المانع من انتخاب رؤساء المجالس البلدية والحضرية مباشرة من قبل المواطنين؟ ما المانع من أن تكون الانتخابات على دورتين؟ ما المانع في تكتل كل هذا العدد الغفير من الأحزاب في "أقطاب" معروفة وتجهاتها محددة؟ ما المانع من أن يختار الناس رئيسا لجهتهم يكون مسؤولا حقيقيا وآمرا بالصرف؟
إن من مقاصد الديمقراطية الحق هو ممارسة الحلم في غد أفضل، ومن حقنا أن نحلم للمغرب والأجيال القادمة ببلد أفضل، ينشد الكرامة والتنمية لكافة المواطنين، وذلك لن يخرج عن تحمل الجميع لمسؤوليته، ولهذا لا ينفع البكاء خلف الميت شيئا وتحميل المسؤولية للآخرين.
——————————-
نشر بجريدة “الشعاع القاسمي“، العدد 24 ، يونيو2009.