فـرط الثـرثرة السياسـية
أمــــيـــن جـــوطــي
Aminmoon20@yahoo.fr
الثرثرة هي كثرة الكلام دون معنى، فهي ضجيج من الألفاظ دون حمولة فكرية أو معرفية. وهي مرض يتضخم عند صاحبه فيعاني من فرط الثرثرة hyperphrasie، وهو مرض خطير لكن خطورته تشتد عندما يكون المصاب به فاعلا قياديا في الساحة السياسية. إذ نصبح أمام مصاب بفرط الثرثرة السياسية hyperphrasie politique.
ويظهر هذا المرض عندما تغيب الكفاءة السياسية وتنعدم القدرة على إعمال التفكير المنهجي العلمي السليم، ويطغى بدلا عن ذلك التبرير غير المنطقي والتسويف والوعود المدغدغة للعواطف…الخ.
يسود العالم العربي هذا المرض وتشتد حدته مع اقتراب كل مرحلة انتخابية، فمع غياب برامج عملية وواقعية عند أغلب الأحزاب، حتى لا نعمم، يقفز علينا بعض الساسة من خلال بعض الديكورات الإعلامية ليطيلوا في الخطب ويغدقوا علينا من تسويفاتهم التي نادرا ما تدخل حيز الفعل، ويزايد البعض منهم على البعض الآخر، ليصل الأمر إلى حد البغبغة (اضطراب نفسي يجعل المصاب به يهذي من غير أن يعرف معنى كلامه).
فتحت ضغط إغراء المناصب والتسابق المحموم للوصول إلى الكراسي يلوح"السياسي" بكلامه شرقا وغربا، دون انسجام مع معطيات الواقع المعيش وبعيدا عن جادة الصواب، ويتمظهر ذلك أيضا خلال المساجلات التي تدور بين "الساسة"حيث تغيب المنهجية وتدافع الحجة بالحجة، وتغلف الحقيقة بتدفقات كلامية هي أقرب إلى الهلوسة، ويبقى الكلام في مواجهة الكلام ليكون فقاعة كبيرة لا ينجم عنها إلا الفراغ.
وعلى هؤلاء أن يعلموا بأن السياسة هي فن الممكن وليست فنا للكذب أو إسهالا لفظيا، كما عليهم أن يعملوا على علاج أنفسهم من هذا المرض الذي يفتك بالحياة السياسية ويشوه المعنى النبيل للسياسة.
والعلاج قد يكمن في:
* العلاج بالعمل ergothérapie وذلك من خلال الانكباب على هموم المواطنين ومشاكلهم ومحاولة إيجاد أفضل الحلول لها.
* اكتساب معرفة سياسية واسعة مما يؤدي إلى امتلاك رؤية شاملة للأمور.
* توظيف صحيح للخطاب السياسي المنهجي والعلمي والمتماسك، المبني على الوعي السياسي ومعالجة القضايا وفق معايير التفكير السليم التي تتجاوز الهلوسة الكلامية الموجهة للعموم وبلغة قد تكون طنانة ورنانة وتخاطب المشاعر ولكنها زبد يذهب جفاء.
* وضع مخططات و برامج طموحة وقابلة للتحقيق دون استغلال سياسوي ضيق لا يخدم إلا المصالح الذاتية أو الحزبية الضيقة.
* التحلي بالجرأة السياسية وامتلاك القدرة على الصدق مع الموطنين، لأن الثرثرة السياسية وإن حققت بعض المكاسب الآنية فإنها ستؤدي إلى انعدام الثقة بين السياسي والمواطنين مع مرور الوقت.