الجزيرة ترجع كثرة الطلاق بالمغرب إلى المدونة!
في تقريره أثناء نشرة "المغرب العربي" التي تقدمها قناة "الجزيرة" ذكر الصحفي محمد الفقيه أن كثرة الطلاق في المغرب ترجع حسبه إلى "مدونة الأسرة" الجديدة، التي تتيح للمرأة إمكانية رفع دعوى طلب الطلاق لدى المحكمة، فتجد الاستجابة، وأضاف أن سبب الطلاق غالبا ما يكون بسيطا… ورد ذلك ليلة السبت 8 غشت 2009 عندما أثارت قناة "الجزيرة" القطرية موضوع ارتفاع نسبة الطلاق بالمغرب العربي، وقد ركزت على تونس، بحيث ذكرت أن الإحصائيات تقول بأن 9000 حالة طلاق سجلت في السنة الأخيرة، من 16000 حالة زواج، وهي بذلك تحتل الرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في ظاهرة الطلاق، وسمح المشرف على النشرة الإخبارية المذكورة لسيدة من تونس لتعلق على ما جاء في التقرير، بحيث أنها شككت في أرقام الطلاق، وأضافت أسبابا أخرى لذلك من وجهة نظرها، ولم يتم التعليق عما ورد حول المغرب من قبل أي متدخل، كما أن عبد الصمد ناصر مقدم النشرة لم يتطرق للأمر… وهكذا مر خطاب الصحفي المقدم للتقرير موردا رأيا شخصيا له كأنه حقيقة مطلقة، وربما ذلك يتماشى مع معارضي "مدونة الأسرة" التي أقرها المغرب وبدأ العمل بها ابتداء من 5 فبراير 2005، بينما كان قد صادق عليها البرلمان في فبراير 2004، بعدما كانت قد عرفت حول نسختها الأولى جدالا واسعا في المجتمع المغربي، بين تيارين مختلفين يمكن نعتهما ب (حداثي /إسلامي)، حين اقترحت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة خطة "إدماج المرأة في التنمية" سنة1999 في عهد حكومة ذ. عبد الرحمان اليوسفي الأولى، كانت المدونة جزء فقط من "خطة" أوسع للنهوض بالمرأة في شتى المجالات، وقد أزيحت "الخطة" بكاملها جانبا وأقيل محمد سعيد السعدي الوزيرالذي قدم المقترحات في أول تعديل حكومي… وقد تطورت الأحداث إلى حدوث الانقسام المجتمعي المشار إليه، عكسته مظاهرتان مختلفتان، الأولى نظمت بالرباط من قبل النساء المدافعات عن "الخطة" وتجديد قانون الأسرة (مدونة الأحوال الشخصية)، وقد نظمن مظاهرة اتخذن لها شعار:"المساواة"، بينما المظاهرة الثانية التي جرت بالدار البيضاء كان شعارها: "النساء شقائق الرجال" من قبل الإسلاميين. وقد ظهر فيما بعد بأن مجمل "الصراع" كان على خلفية سياسية ذي رسالة مبطنة تسعى لتأكيد الوجود والتواجد.
وقد عين الملك محمد السادس لجنة استشارية لمراجعة المدونة في 22 يناير 2003، برئاسة محمد بوستة، خلفا لإدريس الضحاك الذي كان وقتها قد وصل إلى الباب المسدود…
لتصدر "مدونة الأسرة" وهي تتضمن الكثير مما كان قد اقترح في وقت سابق، لكن هذه المرة بدون معارضة واضحة من طرف أحد، ولعل أغلب الأطياف السياسية قد وجدت فيها "ضالتها"، وعند مراجعة موادها نجدها تحمل جوانب إيجابية للأسرة عموما، وليس للمرأة والطفل فقط، من ذلك الإشارة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،(المادة 22 ـ المادة 52)، ومنه كذلك تحمل المرأة بدورها لمسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت، وتشاور الزوجان في اتخاذ القرارات (م.51)، تحديد سن الزواج في 18 سنة للزوجين معا(م19)، إلا في حالات خاصة يرجع للقاضي وحده البث فيها (م.20)جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء، حق ولاية الراشدة على نفسها أو تفوض ذلك (م. 24 و 25)، وتقييد التعدد بشروط وحده القاضي من يحدد ذلك، أو ما ينص عليه عقد الزواج بين الزوجين (م. 78 وما بعدها)، كما دعت المدونة إلى نهج كل السبل لحيلولة دون وقوع "أبغض حلال عند الله"(الطلاق)، بحيث أن "للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين· وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما·" (م82)…الخ.
بعد كل هذا المخاض يأتي من يعطي للمغاربة دروسا في قضاياهم الاجتماعية، كأن هناك من تفزعه "الاجتهادات" المغربية التي تسعى إلى مواكبة تطورات العصر، والحفاظ على الهوية، وفق "المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف·" (م.400)
بل ربما هناك من يخاف من الاعتراف بحقوق المرأة خصوصا، وبدورها المهم إلى جانب الرجل في القيام بمسؤوليتها لصالح المجتمع والأسرة، بينما في دول أخرى ما تزال المرأة "حريما" تعيش في غرفة معتمة، ولا يحق لها حتى قيادة سيارة!
نقر بأن النصوص القانونية وحدها ليست كافية لإحداث طفرة نوعية في المجمتع، في غياب مواكبة تعليمية وتثقيفية بالحقوق والواجبات في المجتمع ككل، لنفس الأسباب قد تجد حتى بعض النساء يتخذن قرارات ضد مصالحهن، كما تطبيق مثل هذه النصوص تعترضها بعض المشاكل، من مثل قلة الأطر القضائية، تأخر وضع صندوق الأسرة للتكافل العائلي في حالة احتياج الأبناء للرعاية بعد الطلاق، كما لا يغفل أي نبيه الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع وتأثير ذلك سلبا أو إيجابا على مؤسسة الزواج والإقبال على عقد زيجات جديدة وعدم اللجوء إلى الطلاق.
وفي الخير لابد أن أشير إلى أن قناة " الجزيرة" ليست شرا كله، بل كم من مرة كانت الملاذ لمعرفة أخبار البلاد والعباد في ظل تدني مستوى إعلامنا المرئي.
مصطفى لمودن