الخميس، 22 أكتوبر 2009

مطرح سيدي سليمان للنفايات المنزلية بؤرة للتلوث يمكن أن تكون مصدرا للثروة


 مطرح سيدي سليمان للنفايات المنزلية
بؤرة للتلوث يمكن أن تكون مصدرا للثروة
  
  يطرح مطرح جمع الأزبال بسيدي سليمان عدة إشكالات، من أهمها مشكل الأرض، والحيز المخصص، والمخلفات البيئية الخطيرة، وطريقة الجمع والمراكمة، والإمكانيات اللوجستيةالمتوفرة للبلدية، والتصورات الممكنة لإيجاد حل للنفايات المنزلية التي يمكن أن تتحول إلى مصدر غنى لعدد من الأطراف.
 ساهم في إعداد هذا الملف:
الحسين الإدريسي، دة. حياة الإدريسي، عبد المطلب منشح، مصطفى لمودن. (*)
 

فضاء أقبح من القبح: 
   قلة من يمكن أن يطلعوا على مطرح وضع النفايات بسيدي سليمان، ركامات هائلة مبعثرة كيفا اتفق، امتلأ المكان المخصص للجمع عن آخره"وفاض"، ليعم مناطق مجاورة، جوانب الطرق والممرات المتشعبة، جذران عالية من القاذورات المتعفنة، أكياس بلاستيكة ما تزال تحضن سمومها القاتلة، عجلات مطاطية، علب بلاستيك مختلفة الأحجام، روائح كريهة تزكم الأنوف لتدفع كل من في المكان إلى الهرب بعيدا، جحافل من الذباب بالآلاف، وحشرات تزحف وتتنقل من هنا وهناك، منظر تقشعر منه الأبدان، لكن رغم ذلك ستجد من ينقب بين نفايات سكان سيدي سليمان بحثا عن "أشياء" تصلح للبيع وإعادة تدويرها ضمن عجلة اقتصاد "تنمية الفقر"، هذا الاقتصاد المشوه الذي خلف ضحايا كثر من أهمهم مخاليو المزابل (جامعو بعض البقايا)، ذكر أحد الأطفال الذي وجدناه فوق كومة سوداء من النفايات وهو بلباسه الرث أن أهم ما يجمعون قنينات وعلب البلاستيك حيث تباع بدرهم واحد للكيلوغرام! من القراء من قد تثيره الشفقة على هذا الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنوات، لكن الشفقة لا معنى لها هنا أمام زحف الفقر على قطاعات واسعة من المجتمع دون خلق آليات تضامن تشارك فيها عدة أطراف وتتحمل فيها الدولة مسؤوليتها كاملة، كان من الممكن أن يكون هذا الطفل على مقعد الدراسة عوض استنشاق سموم قاتلة، على مبعدة منه مراهق أكثر منه سنا، لكنه جد نحيف، يملأ أكياسا بما جادت به عليه المزبلة، وبجانبه جحش وبضع شياه تلتهم بقايا أكل عفن من هنا وهناك، قال محاوري: "يؤم هذا المكان خلق كثير للرعي وجمع النفايات الصالحة لبيع"، انتهى تدخله، فقد كان استطلاعنا للمكان وقت الظهيرة حيث يغادر الغالبية المكان اتقاء حرارة الشمس والتي تزيد في تبخر الأزبال.   

كيف تتحول المزبلة إلى مصدر رزق!

ركام هائل يغلب عليه البلاستيك والنفايات المتعفنة، منها ما تحول في بعض الأماكن المتقادمة إلى ما يشبه التراب!


 
 صورة جوية تبين مكان تواجد المطرح باللون الرمادي 
   توجد هذه المزبلة بجانب الطريق الوطنية رقم 4 (أنظر الصور الجوية)، خلف المدينة بما يناهز 5 كيلومترات بسهب الفال، وقد مدخراتها العفنة إلى حدود الطريق، ولا تخفيها غير أشجار كثيفة من الكاليبتوس، في على بعد أمتار قليلة…
     ليس الخطير مما تخلفه هذه المزبلة مما يظهر منها وما تشعر به الحواس، لكن أخطر ما تسببه من مضار تأثيرها على الفرشة المائية كما قالت الباحثة الدكتورة حياة الإدريسي ضمن مساهمتها في هذا التحقيق، وهي قد قامت بدورها بمعاينة واقعة إفساد صحة البشر والحيوانات والبيئة بعين المكان. 
  

وصلت الأزبال لتطل على الطريق الوطنية (مدخل الشاحنات)
وأي مكان، بعدما عجزت البلدية في زمن مضى عن إيجاد مكان تضع فيه نفايات المدينة، وبعدما تم البحث في كل الأمكنة القريبة والبعيدة ـ كما قال أحد المستشارين القدماء بالمجلس البلدي ـ تفضلت شركة "الصوديا"(شركة عمومية تابعة للدولة)  بتخصيص 5 هكتارات من أرض تابعة لها، رقمها هو 6505، وقد أحيط الهكتار بسور، لكن سرعان ما امتلأت هذه البقعة، ليتم الإفراغ في خارجها وكيفما اتفق، المهم هو التخلص من الأزبال ورميها بعيدا.
 
امتلأت منذ زمن بعيد المساحة المخصصة للمطرح التي يحيط بها سور  

    مرة سئل رئيس المجلس البلدي السابق قدور المشروحي عن كيفية معالجة الأزبال بمطرح النفايات، فقال كلما امتلأ المكان تدفعه جرافة وتكومه… انتهى جواب المسؤول، ليظهر بذلك الكيفية التي  يعالج بها المشكل من قبل كافة المسؤولين، فليس المجلس البلدي وحده المعني بالأمر على كل حال، لكنه هو المعني الأول.  
 عوائق وآفاق:
    أثناء جمعنا للمعطيات من أجل نشر هذا الموضوع، علمنا أن المجلس البلدي قد أعد من قبل أحد مسؤوليه المختصين مشروعا على الورق، يتضمن عدة احتمالات لمعالجة مشكل المطرح، لكن بقية التفاصيل لم نتوفر عليها، سوى صعوبة إيجاد أرض مناسبة، فالمالك الجديد للمكان هو مستثمر حصل على تفويت ضيعة الصوديا، وقد علمنا بقدوم الدرك الملكي في تاريخ سابق للمكان ربما لمعاينة واقعة احتلال "ملك خاص"، لهذا يرى البعض أن الحل يجب أن يكون تشاركيا بين جماعات متقاربة مثل سيدي قاسم التي لها مشكل مماثل مع مطرحها، وأن الحل كذلك يجب أن تشارك فيه وتدعمه على الأقل وزارة الداخلية، غير أنه في نفس الوقت هناك مسعى لخوصصة قطاع التطهير الصلب بالمدية، وفي هذا الإطار قدم أحد المستثمرين الإيطاليين مشروعه الخاص أمام أعضاء المجلس البلدي وبعض المدعويين يوم الجمعة 16 أكتوبر 2009 بإحدى قاعات الأعراس الخاصة، ولعل المجلس البلدي الحالي قد يسير في منحى تفويت هذا القطاع، ليوضع تساؤل عريض مفاده غياب المقاولة المغربية عن هكذا مشروع، بل ولمَ التفويت أصلا؟ ألا يمكن للمجلس البلدي أن يقوم بالأمر بنفسه؟ وما هو التأثير الذي يمكن أن يقع سلبا على الضريبة المحلية الخاصة بالنظافة التي قد ترتفع لتضرب هي الأخرى القدرة الشرائية للساكنة، فينضاف إلى ذلك ما وقع مع تفويت التطهير السائل إلى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، ليظهر بوضوح الشلل التام الذي يصيب مجالسنا المنتخبة وعدم قدرتها على تحمل مسؤوليتها كاملة في عدد من المدن المغربية، فلا تجد من حل غير تفويت عدد من الخدمات في إطار التدبير المفوض لصالح شركات أجنبية وعلى حساب جيوب ساكنتها، بل وحتى على حساب جودة الخدمات كما حاصل في الرباط والدار البيضاء، لكن في نفس الوقت يجب كذلك تقدير الخسائر البيئية الفادحة الناتجة عن إلقاء النفايات في الهواء الطلق، وقد تقدم المستثمر الذي أشرنا إليه بخطة لفرز النفايات وإعادة استعمالها، وطمر البقية بطريقة قد لا تؤذي البيئة.
   إلى الآن بلدية سيدي سليمان تدبر مسألة النفايات المنزلية بشكل عشوائي، كما هو واضح  للجميع، (لا أحد يعرف كيف تعالج النفايات الطبية) شاحناتها تجوب الأحياء مرتين أو ثلاث في الأسبوع، تبقى بعض البؤر بالمدينة تحتضن أزبالا متراكمة لأيام، رغم كل المجهودات التي تقام، مما يجعلنا نتحفظ على بعض المعطيات المدلى بها من قبل أحد المسؤولين عن الإمكانيات المتوفرة للمجلس البلدي، من ذلك توفره على 14 شاحنة تجمع فقط 5 أطنان في اليوم من النفايات كما جاء على لسانه! (أنظر الورقة التقنية)، أما ما ذكره عن دور عمال النظافة في إطار الإنعاش الوطني فيثير الاستغراب والدهشة، أولا من حيث ضعف الأجور المقدمة لهم، ثانيا من حيث قلة النظافة في المدينة كما نرى كل يوم، عدم توظيف عمال نظافة كافيين لمختلف الأحياء والشوارع.
    لمعالجة مشاكل النظافة عامة لا بد من تضافر جهود كافة المتدخيلن، من مجلس بلدي وقطاعات حكومية ومواطنين وجمعيات… لأن الهدف هو سلامة البيئة وصحة الناس كافة.
ــــــــــــــــــــــــــ
  أجرينا مع الباحثة في مجال البيئة حياة الإدريسي حوارا حول تأثيرات المطارح على البيئة، والطرق المناسبة لجمع النفايات ومعالجتها، وكيفية تحويل هذه النفايات من بؤرة للمخاطر إلى مصر ثروة.

تأثيرات المطارح بصفة عامة على الصحة والبيئة
المطرح العشوائي أو غير الهيكل يشكل خطرا حقيقيا على صحة المواطنين وعلى سلامة البيئة عموما، حيث إن تجميع الأزبال في مكان معين والتي تتكون من 56% من المادة القابلة للتحلل من طرف البكتيريا منتجة لمادة سائلة سامة  تسمى عصارة الأزبال تتسبب في  تلويث المياه الجوفية والمياه السطحية  والتربة، تستوعبها مكونات البيئة والتي بدورها تنقل هذه الملوثات والمكروبات إلى النباتات والحيوانات وفي نهاية المطاف إلى  الإنسان ( عن طريق الشرب أو السقي  من مياه الآبار والمياه السطحية أو عن طريق امتصاص هذه المواد من طرف النباتات) ولذا فهي تتسبب في أمراض وتسممات  تقل أو تزداد خطورتها مع نسبة تمركز المواد الملوثة المرتبطة بالا زبال و بالمطارح.
إذن فاستعمال للمياه الملوثة بعصارة الأزبال في الإنتاج الفلاحي  قرب المطارح أو المسقي بمياه ملوثة يتسبب في أمراض، كتلبك معوي وتوقف نشاط المخ، وأمراض تعفنية وتنفسية بكتيرية وسرطانية متنوعة وتسممات، مما قد يؤدي إلى حدوث وفيات.
 من ناحية أخرى وعلاوة على ذلك تتسبب المطارح في تشويه للمنظر العام للمجال وانبعاث روائح كريهة منه ناتجة عن عملية تحلل الأزبال والمساهمة في الاحتباس الحراري، بإنتاج غازات بيلوجية، كثاني أكسيد الكربون والميثان والأزوت وغازات أخرى تساهم في الرفع من درجة حرارةالأرض.


الطريقة البيئة السليمة لمعالجة الأزبال   
  هي تدبيرها من نقطة البداية، أي من نقطة تجميع الأزبال، حيث يتم تجميع كل مادة على حدة (أوراق، بلاستيك، مادة معدنية، زجاج ، قشور الفواكه و الخضر …) ليتم تدويرها وإعادة تصنيعها واستعمالها مما يؤدي لخفض نسبة الأزبال إلى 100% بالنسبة للأزبال المنزلية وشبه المنزلية، وإعادة هذه المواد لعجلة الصناعة، مما يؤدي للحفاظ على مواردنا الطبيعية مساهمة في التنمية  المستدامة، هذه الطريقة تستلزم ضمن ما تستلزم تنظيم حملات  تحسيسية في صفوف المواطنين،  ليصبحوا بذلك   فاعلين وواعين بضرورة الانخراط في مواجهة  أحد مشاكل الشأن المحلي في إطار التدبير المواطَـن والتشاركي.
  هناك طرق أخرى للتخلص من الأزبال كالحرق المباشر (طريقة غير سليمة من المنظور البيئي ) أو التجميع في مطرح مهيكل يحترم المعايير البيئية (معالجة عصارة الأزبال بشكل بيلوجي أو كيميائي بعد عملية الفرز للنفايات)
 فيما يخص المطرح المهيكل، فالمغرب أحدث عدة قوانين تنص على إلزامية الجماعات المحلية باختيار شكل سليم لتدبير الأزبال وإنشاء مطارح مهيكلة، إلا أنه لحد الآن عدد قليل من المدن تتوفر على مطارح مهيكلة بإشراف من شركات أجنبية (تدبير مفوض) مما يبين قصور الجماعات المحلية في تدبير هذه المشكلة.

المطرح مصدر ثروة
المطرح مكان يجمع فيه مواد مختلفة؛ أوراق، بلاستيك، مادة معدنية،زجاج، قشور الفواكه و الخضر .. التي  نسميها عادة بالأزبال، كل هذه المواد يمكن تدويرها بإعادة تصنيعها واستعمالها. فالمطرح  يمكن من الحصول على مصدر: 
ـ للمواد الأولية قابلة للتدوير.
ـ للسماد البيولوجي التي تستعمل بدل السماد الكيميائي.

ـ للطاقة.                
 ـ للشغل المهيكل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
يلقى في المطرح كل شيء غير صالح!

ورقة تقنية حول جمع الأزبال بسيدي سليمان
 
الوسائل اللوجستيكية
ـ  14 شاحنة من النوع الكبير لجمع الأزبال منها5  جديدة ( 2008)
-1 جرافة.
-1 شاحنة خاصة بالنقط السوداء.
-1 شاحنة  مكشوفة خاصة بالأحياء المهمشة.
-1 شاحنة لنقل الحاويات التي توضع في بعض الأماكن( 1 بالمجزرة، 1بالمستشفى، 3بزهانة، 1بالسوق الأسبوعي 1 بالسوق المركزي، 2بالسويقة السليمانية )
 

التجميع
-كل يوم  ابتداء من السادسة صباحا باستثناء يوم الأحد
-الاثنين والثلاثاء جولتان لجمع الأزبال بالمدينة لتعويض الأحد
-يوميا يتم جمع 5 أطان من الأزبال بواسطة الشاحنات المستعملة، وهي تستهلك ما بين 60 و68 ليتر من البنزين للشاحنة الواحدة في الأسبوع

اليدالعاملة
-3عمال  دائمين لكل شاحنة مكلفون بجمع الأزبال بمختلف الأحياء بالإضافة إلى سائق الشاحنة
- 12 عاملا مؤقتا بأجر 300 درهم لأسبوعين.
-18 عاملا رسميا مكلفا بنظافة الشوارع

المطرح البلدي
- يوجد على بعد 5 كلمترات من المدينة بالجهة اليمنى للطريق الرابط بين القنيطرة و سيدي سليمان.
- احدث منذ 16 سنة خلت بسهب الفال على أرض تابعة لشركة صوديا، رقمها 6505
- يحتل المطرح مساحة تقدر ب 5 هكتارات وهو محاط بسور في طور التلاشي.
-هو حاليا غير قادر على استيعاب أزبال المدينة التي تفرغ خارج المطرح لتشكل ركامات يتجاوز علوها مترين
- إمكانية البحث عن مطرح آخر مطروحة والاستعداد لتفويت قطاع النظافة عبر التدبير  المفوض (مشروع  قيد الدرس وقد قطع أشواطا مهمة على مستوى التحضير )
                                                 
                          تنسيق الموضوع مصطفى لمودن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
( أنجز ضمن عمل متكامل تشرف عليه مجموعة أكمي سيدي سليمان حول الماء والبيئة)