واقع التعليم بوزان على هامش زيارة كاتبة الدولة لطيفة العابدة
ضرورة تشريح الواقع التعليمي لعلاجه
وزان: محمد حمضي(*)
كلام لا بد منه
قامت السيدة لطيفة العابدة، كاتبة الدولة على قطاع التعليم المدرسي يوم السبت 15 ماي2010 بزيارة عمل لمدينة وزان، زيارة تزامنت مع حلول الذكرى السابعة للأحداث الرهيبة التي سبق أن كانت بلادنا مسرحا لها سنة 2003، مما يضاعف من مسؤولية المدرسة العمومية المغربية لمواجهة هذا التيار الظلامي الجارف الذي "يجاهد"من أجل التسرب إلى فضاءات مدارسنا التي من المفروض ترقيتها إلى مشاتل لإنبات قيم الحداثة والمواطنة والسلوك المدني، وهذا لن يتأتى إلا بتحصين جيل مدرسة النجاح بحقنه بالجرعات النوعية والكافية من ثقافة التسامح والحداثة والاعتدال، والمواطنة، جيل ينظر نحو المستقبل، ولا يغرف من الماضي إلا الجوانب المشرقة من مكونات هويتنا.
الزيارة
كاتبة الدولة اختارت في جولتها التربوية هذه زيارة مجموعة من المؤسسات التعليمية بالعالم القروي كما بالمدينة، حتى تقف عن كثب على واقع المدرسة العمومية بالمنطقة، وتلامس مدى الترجمة على أرض الواقع لمضمون البرنامج الاستعجالي ودرجة انخراط كل المتدخلين من أجل إنجاح هذا الورش الكبير. وهكذا حطت الرحال بإعدادية عبد الخالق الطريس بالجماعة القروية مصمودة حيث يدرس أزيد من 700 تلميذ وتلميذة، واضطلعت على سير الدراسة بها ولمست عن قرب مكامن قوة الأداء التربوي، واستمعت إلى الشروحات الدقيقة عن الظروف الصعبة التي تقف وراء الهذر المدرسي في ضفوف التلميذات الذي تعاني منه المؤسسة، بحيث يرجع سببه إلى البعد(أزيد من 10كلم)، غياب القسم الداخلي ودار الطالبة. أما بمركزية مجموعة مدارس بني مالك الواقعة بنفس الجماعة القروية، فقد أثنت على الطاقم التربوي الذي جعل المؤسسة ينبض قلبها بالحياة رغم أنها لا تتوفر على مواصفات المدرسة العصرية. فحسب معطيات مستقاة من عين المكان فإن البناية يعود تاريخها إلى بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت بمثابة مطعم ومراقد للنوم تابعة لإدارة المطار العسكري المجاور لها، لكنها منذ بداية الاستقلال لعبت دورا رياديا في مقاومة الأمية ومدت الإدارة المغربية بثلة من الأطر ومن كل المستويات، أما بمدرسة موسى الأشعري التي تستقر بحي من أفقر أحياء المدينة فقد تركت الزيارة انطباعا إيجابيا لدى السيدة كاتبة الدولة، خصوصا وأن المدرسة التي كانت قبل سنوات عبارة عن دمار، عادت الحركة إلى كل مفاصلها بفضل الانخراط الجماعي لكل الأطراف لإنقاذها، ويمكن الجزم بأنها أصبحت أرقى مؤسسة على مستوى المدينة، وهي التي يتجاوز عمرها ستة عقود. أما بالثانوية التأهيلية مولاي عبد الله الشريف، فقد اتخذت الزيارة طابعا خاصا، حيث امتزج الرسمي منها بمشاعر الحنين التي سيطرت على كاتبة الدولة باعتبار هذه المؤسسة كان لها الفضل في تكوينها واحتضن شغبها الطفو لي، ولا شك بأنها قد تألمت وهي تستعرض رواق أنشطة المؤسسة لعقود وصور الزميلات والزملاء الذين شاركوها الفصول الدراسية (تألمت) لواقع المؤسسة التي شوهها الإسمنت وأتى على كل جميل فيها.
ما خفي أعظم
خيرا فعلت السيدة كاتبة الدولة عندما اختارت أن تحاور عموميا مساء نفس اليوم المجتمع المدني وكل الفعاليات التي توجد في علاقة تماس بالمدرسة العمومية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بإقليم يجتاز مرحلة انتقالية استثنائية، فهو حديث النشأة، والنائب الجديد لم يتعد التحاقه بالنيابة ثلاثة أسابيع، والإقليم تم جبر ضرره بفصله عن جهة الغرب ليلحق بفضائه الطبيعي الذي هو الشمال.
فأين تتجلى النقط السوداء التي تم التلميح إليها بالغمز في هذا اللقاء؟ ومن المسؤول عن التردي الذي عرفه القطاع في السنوات الأخيرة؟
المغاربة سواسية أمام القانون؛ هكذا يتحدث الدستور المغربي، فلماذا حرم النائب السابق تلاميذ فرعية اجلاولاوة التابعة لمجموعة مدارس بني مالك من الدراسة إلى اليوم رغم الشكايات المتكررة؟ وحتى لا يجابهنا البعض بقلة الموارد البشرية، نتحدى هؤلاء بأن منطقة مصمودة كانت تعج بالفائض من المدرسين، هذا الفائض تصرف فيه النائب السابق بشكل عشوائي، وبعيدا عن مصلحة الموارد البشرية بالنيابة، وهو التدبير الذي لا يخلو من علامات استفهام؟
أيام قليلة قبل تعيين نائب جديد على رأس نيابة وزان، سارع النائب السابق إلى تنظيم حركة "انتقالية"غامضة، ومشبوهة، وغريبة نعتها المتضررون ب "عملية تهجير وإفراغ العالم القروي من الموارد البشرية"، والرفع من عدد الفائضين بالمدينة، واستفاد منها بعض الحديثات العهد بالتعليم على حساب مدرسين أفنوا عمرهم بالبادية. أما غرابة هذه الحركة فتتجلى في تنظيم حركة انتقالية للمواسم الدراسية 2007و2008و2009في مايو 2010, وأن المستفيدين لن يلتحقوا بأقسامهم إلا في الدخول المدرسي المقبل. فهل لا يتطلب هذا الموضوع وحده فتح تحقيق، مع إلغاء كل ما ترتب عن هذه المسرحية.
الحركة الانتقالية الإدارية حق من حقوق الشغيلة التعليمية، وتنظمها مذكرات واضحة؛ فلماذا اختار النائب السابق عدم إدراج إدارة مجموعتين مدرسيتين (م/مالمصامدة ، وم/م سيدي رضوان) ضمن المؤسسات الشاغرة مناصبها حتى يتبارى عليها المديرون على الصعيد الوطني، وخصوصا أبناء المنطقة العاملين في أقاليم أخرى، وقد كانوا يتطلعون إلى الالتحاق بهاتين المؤسستين ليعود الدفء والحميمية إلى بيوتهم وأسرهم؟
تقارير كثيرة رفعت إلى النيابة السابقة عن الواقع المأسوي الذي توجد عليه الثانوية التأهيلية القرطبي، دون أن تحرك شعرة في المسؤول السابق… قسم داخلي عبارة عن إسطبل… مرافق صحية تبكي من مر بجانبها، فبالأحرى من ولجها وكأن المؤسسة لم تتوصل بمواد النظافة، بينما الوثائق تثبت العكس… داخليون يفترشون الأرض… إطعام لا يحمل من التغذية إلا الاسم… حرمان التلاميذ الممنوحين من الالتحاق بالقسم الداخلي لأسابيع، مما فوت عليهم الدراسة وتخلى البعض منهم عن هذه المنحة… والسبب ابحثوا عنه عند إدارة المؤسسة، وعند النائب الإقليمي السابق.
أما بثانوية مولاي عبد الله الشريف، حيث درست السيدة كاتبة الدولة، فإن الزائر الموضوعي وبعد جولة قصيرة بمرافق القسم الداخلي، سيتملكه شعور بالتقزز، وهو يعاين تلك الأسرة الرثة التي ترقد عليها التلميذات، وسينزعج من الترتيب… الهندسي الذي وضعت عليه، شكل يخدش الحياء، ويشجع على السلوكات الشاذة بصفوف بناتنا المراهقات. أما المطبخ فحالته كارثية، وكم من مرة حرمت التلميذات من وجباتهن أو تناولن وجبات خفيفة لاستحالة استعمال المطبخ. وغير بعيد عن هذا المرفق توجد حجرات دراسية تطل على شارع المسيرة معطلة، ولم تبادر النيابة بإصلاحها، الشيء الذي انعكس سلبا على سعة الفصول الدراسية الأخرى التي تكدس بها التلاميذ.
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض ارتأينا أن نطرحه بكل تجرد أمام السيدة كاتبة الدولة، آملين أن تفتح تحقيقا في التدبير السيئ الذي طال القطاع في السنوات الأخيرة، وأن تضع النيابة الجديدة نصب أعينها حتى تحضى بالدعم الكافي ليلحق القطاع إقليميا بركب أقاليم الشمال وليكون الدخول المدرسي المقبل ناصع البياض.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم(ك-د- ش)