الأحد، 14 أغسطس 2011

اكتظاظ الشوارع واختناقها ومنع المرور بسيدي سليمان


 اكتظاظ الشوارع واختناقها ومنع المرور

هل هي فوضى؟
أم ذلك تعبير عن أزمة خانقة تمس السلوك العام والخاص؟  
أم الأمر دليل قاطع عن فشل كل المقاربات الرسمية في تدبير الفضاءات العمومية؟
أم هو حراك شعبي للتعبير عن المطالب والتطلع لحرية تعبير حقيقية؟
ما الأمر وما حصل؟
منذ دخول رمضان وحتى قبله بأيام أصبح يستحيل المرور ببعض شوارع سيدي سليمان.
الباعة بسلعهم المختلفة، يفرشون لها أو على عربات أو صناديق في غالبية شارع محمد الخامس وفي شوارع أخرى متفرعة عنه، من حائط المباني إلى وسط الطريق…
لم تعد أي سلطة تعبر عن تواجدها في المكان، يقال إن هناك أوامر أعطيت على المستوى الوطني لتجنب الاحتكاك بالباعة، حتى لا تتكرر مآسي إحراق الذات..
ولكن الجواب الصحيح، هو عدم قدرة السلطات العمومية على وضع سياسات تنموية لإيجاد شغل للعاطلين.
هو غياب الجماعات المحلية عن الخوض في أي تنمية محلية للرفع من مستوى عيش الساكنة وتوفير التشغيل.
طبعا من حق جميع المواطنين العيش الكريم، ومن حقهم ضمان لقمة العيش، ومن حقهم الاحتجاج من أجل ذلك.
لكن في نفس الوقت، من واجب الجميع ضمان واحترام حقوق الآخرين. وأهم هذا الحق الحرية في التنقل.
أن يقف ثلة من المعطلين يقولون إنهم مجازون وبالتالي على درجة من الوعي والمسؤولية وسط الشارع العام معرقلين السير، فهذا أمر لا معنى له، وهو ما حدث ليلة السبت 13 غشت بشارع الحسن الثاني، حيث أن هذا الشارع هو مقطع من الطريق الوطنية رقم 4، وكل من يعبر المدينة متوجها شرقا أو غربا ليس له من منفذ سوى هذا الشارع.. فكيف يحق لهؤلاء المعطلين أن يعطلوا بقية الناس عن أشغالهم؟ وأن يقطعوا عنهم الطريق كي يصلوا إلى وجهاتهم؟ وأن يجعلوهم تائهين في دروب وأزقة المدينة باحثين عن متنفس يجعلهم يغادرون مدينة بلى معنى ولا مسؤولية؟ هل ذلك كفيل بإيجاد شغل في الغد لهؤلاء المعطلين؟
يمكن أن توجه نفس التهمة كذلك لمسيرات "حركة 20 فبراير"، وهي عرقلة حرية المرور.. لكن هذه الحركة تحاول تفادي ذلك ما أمكن، عبر ترك جزء من الشارع فارغ كي يقع انسياب عادي للعربات، ثم أن هذه المسيرات لا تتعدى في الغالب من انطلاقتها إلى نهايتها الساعتين.. لكن الاحتلال القصدي من طرف بعض الجهات التي لا تفصح عن هويتها لساحة غزة ووضعها هناك مكبرات الصوت، يجعل مسيرة "حركة 20 فبراير" تتوقف لحظة بالشارع حتى إلقاء كلمة ختامية وبعدها ينفض كل لحال سبيله..
هل نحن فعلا أمام منعطف من سيماته حرية التعبير؟
إن ممارسة حرية التعبير لها عدة أشكال، تكون عبر الإعلام، عبر ممثلي السكان الحقيقيين، وعبر المسيرات والاحتجاجات السلمية والمنظمة، وعبر الانخراط الطوعي في تنظيمات المجتمع المدني، وعبر حوارات علنية وشفافة وذات معنى ونتيجة..
من المعلوم أن السلطات لم تسمح أبدا بأي مسيرة، سوى في فاتح ماي، وعند انطلاق "حركة 20 فبراير" تقدم مناضلون باسمهم الشخصي في ثلاث مناسبات إشعارا للسلطة المحلية بتنظيم مسيرات… لكن الرد كان مخيبا، وهو المنع المكتوب! ورغم ذلك تمت المسيرات، وبذلك وضعت السلطة نفسها في موقف من هو غير جدير بالاحترام، لأنها لم تفهم الإشارة والمستدجات الوطنية والعالمية، وتنخرط بذكاء في معمعان التغيير وتحافظ على علاقة ود مع المحتجين من أجل أي تفاوض أو حوار أو تنسيق مستقبلي (ولم لا؟) فالجميع يقول إنه يخدم المغرب ولرقيه.. لكن للأسف، المؤكد هو أن السلطة في المغرب ما تزال غير واعية بهذه المعطيات..
وقد استمرت في نفس سلوكاتها الماضوية عبر بعث رسائل تمنع مناضلين من المشاركة في المسيرات، وفي نفس الوقت تغض الطرف عن مناوئي هذه المسيرات، سواء من يستعملوا العنف البدني، أو من يأتون بمكبرات صوت لإثارة الضجيج عنوة، بل ولم تتخذ أي إجراء تجاه من ضربوا وجرحوا وأفزعو وارهبوا المشاركين في مسيرة "حركة 20 فبراير" في خميس 30 يونيو الماضي (ليلة الاستفتاء)… مما يعني أن السلطة ليست لحماية الجميع وفي خدمة الجميع، بل حتى أن كثيرين يعتقدون أنها خصما، وهذا يكرس فقدان الثقة…
تأكد أن السطلة لا تبرع إلا في استعمال العنف، رغم أن هناك من يرى بأنه "عنف مشروع" أحيانا، لاستتباب الأمن والدفاع عن الأشخاص والممتلكات…لكن قبل ذلك هناك ما هو أهم، أي الأمن الاستباقي، وهو خلق وإعطاء الفرص المتساوية للجميع، وتنظيم الفضاء العام، ودفع المجتمع ومساعدته على التنظيم الذاتي، وليس منع ذلك واحتكاره من قبل السلطة والمتقربين منها، والقصد به الجمعيات والنقابات والأحزاب، وتوفير الفضاء العمومية المناسبة لعقد الاجتماعات والندوات وتأطير المواطنين. (أحيانا تمنع تنظيمات حزبية وشبيبية من استعمال الخزانة البلدية بدون مبرر مقبول). وهناك من يوعز أو يشارك قدحا وتجريحا في هيئات مناضلة، لا لشيء سوى لأن لها رؤية مخالفة ومختلفة عن السائد..
إن السلطة الآن حسب ما يبدو عاجزة تماما عن تنظيم فضاء المدينة أو على الأقل تنظيم حركة المرور بشارع محمد الخامس..
إن السلطة لا يمكنها الآن إقناع الباعة حسب ما يبدو كي يتخلوا عن عرض سلعهم بالشارع. 
إن السلطة الآن ليس لها أي بديل تعرضه على هؤلاء الباعة كي ينقلوا سلعهم إلى مكان آخر يناسبهم.
ولا توجد أي هيئة تستطيع التحدث إلى الباعة لتقنعهم على الأقل كي يسمحوا بمرور العربات والراجلين بكامل الحرية.
لا يستطيع المجلس البلدي مثلا التفاوض لو رغب وكانت له الإرادة مع الباعة المتجولين ويعرض عليهم مكانا آخر مناسبا، أو يوجده إذا لم يكن موجودا. والسبب معروف، هو أن هذا المجلس لن يستمع إليه أحد(…)
فهل سنتمر في نفس الفوضى العارمة؟ هل علينا انتظار مرور رمضان كي يقع انفراج؟ هل سيتنبه الباعة المتجولون للمشاكل التي خلقوها بأنسهم ويساهموا في تنظيم المجال؟
أسئلة تبقى معلقة مع استمرار الوضع كما هو عليه.