من سجنه في وجدة، حيث يقبع الصديق كبوري مع عدد من رفاقه من بوعرفة، كتب يوضح حول نقله إلى بوعرفة وقد كان ذلك مطلبه من أجل أن يبقى قرب عائلته، وإعادة ترحيله في نفس اليوم لسجن وجدة في ظروف قاسية..
الإبـــعـــاد
الصديق كبوري
أيقظني رئيس المعتقل بالسجن المحلي بوجدة يوم الجمعة 26 غشت 2011 باكرا وامرني بجمع أمتعتي وإخراجي على أساس انه سيتم ترحيلي إلى السجن المحلي ببوعرفة بالقرب من العائلة.جمعت حاجياتي ولوازمي على عجل وودعت كل المعتقلين الدين كانوا يتقاسمون معي الزنزانة رقم 01 بحي الهداية بسجن وجدة وتمنى الجميع أن نلتقي في زمن أخر وفي ظروف مختلفة .
توجهت إلى قاعة التفتيش وبعد التحقق من هويتي بما فيها اسمي الكامل ورقم اعتقالي واسم والدي ووالدتي وتاريخ ومكان ازديادي ومهنتي ورقم بطاقتي الوطنية وحالتي العائلية ونوع ومدة عقوبتي تم تفتيشي كما هي العادة تفتيشا دقيقا ولم تستثنى أية منطقة من الجسم وبين ثنايا الملابس والأغطية.
امتطينا حافلة زرقاء اللون تابعة للمندوبية السامية للسجون وإعادة الإدماج ذات نوافذ مسيجة. كان مجموعنا 23 معتقلا عقوباتهم مختلفة كنا مقيدين بالأصفاد مثنى مثنى.
اغلب المرحلين غير راضين على هدا الترحيل نظرا لتمثلاتهم التي نسجوها عن سجن بوعرفة من حكايات زملائهم أو لان اغلبهم أبناء وجدة والمدن المجاورة وسيحرمون من القفة والمؤونة بانتظام وكذلك الزيارات المنتظمة لإفراد الأسرة أو لان سجن بوعرفة معروف في أوساط السجناء بالصرامة والانضباط وزجر كل وقوع في المحظور كإدخال هاتف نقال أو ترويج مواد ممنوعة كأقراص الهلوسة والمخدرات أو ممارسة الشذوذ الذي يعاقب فاعله والمفعول فيه بالكاشو-السجن الانفرادي-.
في الطريق إلى بوعرفة والتي استغرقت خمس ساعات بالتمام والكمال خيم صمت رهيب لم يعكر صفوه غير هدير المحرك والزفرات المتقطعة لبعض المعتقلين بين الفينة والأخرى والتي تنم عن هم دفين.
انشغلت خلال الرحلة بالنبش في الذاكرة واسترجاع شريط الأحداث من أقدم حدث اذكره حتى حدث دخولي السجن معرجا بمرحلة الصبا والمراهقة والمرحلة التلاميدية والطلابية والحياة المهنية والمسار النضالي والحياة الزوجية والارتباط بالأبناء …الخ.كان همي هو استرجاع اكبر عدد من الذكريات .ولما أخد مني الجهد والتعب مبلغا استسلمت للتفكير.وصلنا السجن المحلي ببوعرفة على الساعة الثانية بعد الزوال.تكلف كل موظف باصطحاب سجين والانزواء في أركان المكاتب لتفتيشهم تفتيشا دقيقا فالمهنة لا تسمح بأي مجال للتساهل أو الخجل أو اللا مبالاة. بعد التفتيش وزعنا الحراس على الغرف.فاخترت الزنزانة 02 بحي السلام بشكل مؤقت حتى يتسنى لي اقتسام نفس الزنزانة مع ابن خالي المدان بسبع سنوات في جريمة من جرائم الحق العام.
فور ولوجي الزنزانة وبعد السلام على من فيها والسؤال عن الأحوال اخدت حماما باردا للتخلص من من نتانة العرق وتعب الرحلة..بعد الاستحمام توجهت نحو مخدع الهاتف فاتصلت بأفراد أسرتي لقد أحسست بالفرحة العارمة تشمل عناصرها فردا فردا .فكم ابتهجوا لعودتي الميمونة ومعانقتي والحديث إلى في اقرب زيارة ممكنة..
لا أخفيكم أنني كنت نشوانا من فرط الفرح أدركت الترفانا وفي حالة لا يدركها إلا المتصوفة وأهل الطريقة .كنت كطفل مزهو بلعبة العيد أو كفراشة ترنو لبلوغ اللامتناهي ولتحط جناحيها على روابي المستحيل.
بعد أدان المغرب تناولت مع باقي سجناء الزنزانة إفطارا جماعيا بسيطا لكنه متوازنا ويسد رمق الجوع.اعتدنا داخل السجن سماع الصخب بعد امتلاء البطون لكن في دلك اليوم من أيام رمضان خيم صمت رهيب وموحش كوحشة القبور لا يضاهيه إلا الصمت المطبق للموتى في مضاجعهم الأخيرة .سمعت وقع أحدية وجلجلة الجزم والمفاتيح والأصفاد .وما هي إلا برهة حتى فتح علينا باب الزنزانة رئيس المعتقل يرافقه رئيس الحي وموظفا ثالثا .أمروني بالخروج لاني مطلوب لأمر هام سارت بي الظنون مسارات لا متناهية فخمنت ما لا حسر له من التخمينات .
بعد الابتعاد لبضع أمتار اخبرني رئيس المعتقل بأنني ساعود الى حالا من حيث أتيت أي إلى سجن وجدة وان الأمر يتعلق بخطأ.
عدت إلى الزنزانة مصدوما من هول ما سمعت محطم الشخصية محبط النفسية مهشم المعنويات لا أقوى على الكلام حتى ببنت شفة.
تكلف المعتقلون بجمع أمتعتي على عجل فجمعوا ما كان في المتناول وبقي ما بقي وأرجعت إلى السجن المحلي بوجدة في نفس اليوم ليلا صائما عن الكلام .
استفسرت كثيرا عن أسباب ومغزى هدا الإبعاد عن بوعرفة فسمعت إجابات وتبريرات متعددة
-وقوع خطأ.
-وجود تعليمات تقضي ببقائي بوجدة.
-الحرص على متابعتي الدراسة.
-كوني شخصية غير مرغوب فيها persona non grata
اعترضت على كل هده المبررات مستندا على كل المصوغات القانونية والسياسية رفضت أن يتم بتعليمات من خارج القضاء وقلت أن في الأمر انتهاكا لمبدأ فصل السلط المكرس في الدستور الجديد .لم يعر اعتراضاتي احد .فعقدت العزم على التجلد لان المعاناة لا تولد إلا من رحم المحن.ساستمر في المطالبة بإلغاء قرار إبعادي عن بوعرفة الذي ترك في نفسي حرقة وفي قلبي غصة وفي الذاكرة جروحا غائرة مستحيلة الاندمال وعلى الجسد وشما غائرا لن تردم حفره لا السنون ولا المصالحات وفي الجوارح إحساس بالغبن وبكوني منفي داخل وطني.
*********
الصديق كبوري رقم 83317
السجن المحلي بوجدة 6/9/2011