مصطفى لمودن
في التاسع (9) من يناير المقبل سيقول سكان جنوب السكان كلمتهم؛ هل سيستقيلون بجنوبهم أم يستمرون في الوحدة مع الشمال ضمن السودان؟ لكن يبدو أن الغالبية ستصوت لصالح الانفصال، هناك رغبة عارمة من أجل "الاستقلال"،جنوبيون يعودون من الشمال محملين بأغلى ما يملكون، وكأنهم في سباق معالزمن من أجل هروب جماعي، وحركة قوية في الجنوب من أجل التحفيز على التصويت بالانفصال، تساهم فيها حركات سياسية وكذلك الكنيسة بجد وحماس..فكيف وصل الأمر إلى اللاعودة وإلى الرغبة الجامحة في الانفصالعن "الوطن الأم"؟ هل لتأثير الدين المسيحي دور في ذلك خاصة عندما فرض الشماليون بالقوة "الشريعة الاسلامية" على الجميع مند دوخة جعفر النميري الذي اضطر إلى التحالف مع حسن الترابي زعيم حزب "المؤتمر الشعبي" الشبيه بتنظيم "الإخوان المسلمين" في مصر.. هل لطبيعة الحكم الديكتاتوري المركزي المتسلط منذ جعفر النميري إلى عهد حسن البشير (الرئيس الحالي) علاقة برغبة الجنوب في الانفصال؟ أم أن الجنوب محط أطماع أجنبية مختلفة، خاصةمع ما يملكه من ثروات طبيعية مختلفة أهمها النفط، وكذلك الإمكانيات الفلاحية الهائلة، بينما يعيش سكانه في أوضاع سيئة، رغم ثرواتهم.. وهناك في نفس الوقت عدة دول كبرى أصبحت تنظر إلى الحضور الصيني في المنطقة بريبة واضحة، ولا يستثنى من التعبير الواضح عن أطماع في المنطقة إسرائيل التي لها علاقات متينة مع دول الجوار كإثيوبيا، وهي تطمح لمحاصرة مصر من محيطها البعيد، وربما التحكم بشكل غير مباشر في النيل، شريان الحياة الذي لا يمكن لمصر أن تحيى بدونه، ليكون ذلك بمثابة ضغوطات تستعملها إسرائيل قصد المزيد من المكاسب لصالحها ومتى تشاء…
السودان أكبر بلد في إفريقيا بمليونين ونصف المليون كلومتر مربع، ما يمثل 8%من مساحة القارة السمراء، بسكان يقارب عددهم 40 مليون نسمة، ولا يمكن لبعض الدول التي تسعى لمراقبة العالم والتحكم فيه الإبقاء على الوضع كما هو عليه، في منطقة مرشحة لتوترات مختلفة، فعلى الواجهة الشرقية يرزح اليمن تحت مشاكله الكثيرة، منها حروب وفتن داخلية قد تنتقل عدواها إلى دول الجوار كالسعودية، وهناك من يوجه أصابع الاتهام إلى اليمن باعتباره مشتلا يزود التنظيمات الإرهابية بالمتطوعين والأطر.. وتعرف بعض دول القرن الإفريقي انفلاتات غير متحكم فيها، كما هو عليه الحال في الصومال، التي عرفت صعود نجم تنظيمات إسلامية يشبهها البعض بطالبان أفغانستان، أساسها "حركة الشباب" التي شارك أفراد منها في حرب أفغانستان، وقد وصلت إلى حكم غير شامل لكل البلد، لكن أخوف ما يتخوف منه الغرب هو تنامي القرصنة البحرية، وهو ما يكلف غاليا الاقتصاد في الدول الغربية (أوربا أمريكا). ورغم تواجد الدوريات العسكرية بشكل مكتف في المنطقة، فمازال خطر القرصنة قائما أمام انسداد الآفاق في وجه الصوماليين وعناصر أخرى من دول المنطقة.. ولا يمكن نسيان الصراع الحدودي بين الجارين كينيا وإثيوبيا المستمر، وفي هذا الصدد لا يمكن إغفال التأثير الخارجي في ذلك، وإلا كيف نفسر التسلح القوي لدى إثيوبيا التي تتوفر على جيش يعتبر من أقوى الجيوش في إفريقيا؟ وبالتالي الدفع إلى ازدهار تجارة الأسلحة في إطار التسابق نحو التسلح، وما يدره ذلك من مداخيل على صناع وسماسرة صناعة الموت… لهذه الأسباب وغيرها قد تعتبر بعض الدول الكبرى أن أحسن طريقة لمراقبة المنطقة والتحكم فيها هي تحويلها إلى دويلات صغيرة كما وقع مع دول الخليج بعد خروج الاستعمار الانجليزي.. وإذا كان سلفا كير ميراديت نائب رئيس السودانوزعيم "الحركة الشعبية لتحرير جنوبالسودان" قد عاد منتشيا من أمريكا بعد استقباله من طرف الرئيس أوباما ووزيرته في الخارجية كلينتون، مما يعتبر اعترافا مسبقا باستقلال السودان وتشجيعا له، لكن في نفس الوقت يؤكد ذلك المطامح المشار إليها سابقا. أما النظام السوداني فقد أضعفته مختلف الطعنات التي تلقاها، فبالإضافة إلى المعارضة الداخلية التي يقودها ضده الإسلاميون بأطيافهم المختلفة سواء حزب "المؤتمر الشعبي" برئاسة حسن الترابي أو "حزب الأمة" بزعامة الصادق المهدي، وكذلك مشاكل الجزء الشمالي إقليم دارفور الغني بالنفط، وقد اتهم نظام حسن البشير بإبادة سكان الشمال الراغبين في "الاستقلال" بدورهم، مما جعل الرئيس يدخل ضمن قائمة المتابعين حسب محكمة الجنايات الدولية، وقد كان هذا الرئيس قبل ذلك قد دخل في اتفاقيات مكرها مع ثوار الجنوب، الذين كونوا تشكيلا عسكريا سموه "الجيش الشعبي" وآخرون لهم فيالق تسمى "جيش الرب"… وناوشوا وحاربوا الجيش النظامي لسنوات طويلة في منطقة تعرف بكثافة نباتاتها وصعوبة تضاريسها، ورغم إشراك رموز من قادة الجزء الجنوب في الحكم المركزي، فقد تقلد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودانمنصب نائب الرئيس قبل أن يتوفى في حادث طائرة غامض في 2 غشت 2005، ليتولى خلفه سيلفا كير نفس المهمة، ورغم ذلك سارت الأحداث نحو "الاستفتاء على الاستقلال" المزمع إجراؤه في بداية الشهر المقبل… وقد أكد كل من الرئيس المصري حسني مبارك والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ورئيس السودانحسن البشير ورئيس الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان سلفا كير، أكدوا جميعا تعهدهم باحترام نتائج الاستفتاء في اجتماع حضروه جميعا بالخرطوم يوم الثلاثاء 21 دجنبر الحالي.. فهل استكان أخيرا كل رؤساء دول جوار السودان للقرارات الأممية الخاصة بجنوب السودان؟ أم أنهم اضطروا إلى ذلك مكرهين وكل لديه حساباته وهواجسه الخاصة؟
المطروح الآن هو كيف يمكن توقيف سلسلة مطالب الاستقلال عن دول قائمة أو الرغبة المتنامية من أجل ذلك في عدد من الدول بما فيها الديمقراطية، فهذه بلجيكا بدون حكومة مركزية وهي في شبه انقسام إلى شطرين أو أكثر، وهذا شمال إسبانيا لا يخفي الكثيرون منه رغبتهم في الانفصال رغم الصلاحيات الواسعة في إطار حكم ذاتي جد متقدم يتمتعون به، ويمكن أن تطفو مطالب متجددة تظهر كلما أتيحت لها الفرصة، كما هو حال شمال إيطاليا، أو كورسيكا بفرنسا.. ولعل تجربة تيمور الشرقية من أحدث الاستقلالات التي جرت برعاية الأمم المتحدة، فقد صوت سكانها على مطلب الاستقلال عن أندونيسيا في 20 ماي 2002.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ