المهدي لحلو في حوار حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب
وقعت أخطاء على المستوى الرسمي فيما يخص قضية الصحراء
حقوق الإنسان تعرف أزمة عميقة والخطوط الحمراء اتسعت
لا يمكن أن يكون تحالف مع الاتحاد الاشتراكي أو التقدم والاشتراكية
المهدي لحلو عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد ومسؤول عن لجنة العلاقات الخارجية به، رئيس جمعية العقد العالمي للماء (ACME-Maroc)، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط…
بالإضافة إلى عدد من القضايا الوطنية المهمة التي تحدث فيها مثل قضية المغاربة الأولى الصحراء المغربية، والدبلوماسية الرسمية والشعبية، ثم تطرق إلى حقوق الإنسان وحرية التعبير واعتبر أن هناك تراجعا في ذلك، وأن التلفزة محتكرة بينما الإذاعة تعرف انفتاحا، وباعتبار المتحدث أستاذ الاقتصاد فقد أعطى رأيه في ميزانية المغرب لسنة 2011، والاستثمار العمومي والديون و"المشاريع الكبرى" والإصلاح الضريبي والقطاع البنكي والمالي، وقد توقف عند مشاكل اقتصاد الريع.. كما أجاب عن أسئلة حول التعليم العمومي والجامعي، وحول وضع الحزب الاشتراكي الموحد ونتيجة العمل بالتيارات وتحالفات الحزب الممكنة والإعداد للمؤتمر المقبل، وأخيرا تطرق لمشاكل الماء وسياسة التدبير المفوض في المغرب…
أجرى الحوار مصطفى لمودن
سؤال: ـ كيف ترون الأوضاع السياسية في المغرب على ضوء الأحداث الأخيرة التي عرفتها العيون، وخاصة ما ترتب عن تفكيك مخيم "أكديم إزيك" بضواحي العيون"
جواب المهدي لحلو:ـ أعتقد أن الوضع السياسي بشكل عام، والوضع فيما يتعلق بالصحراء في منعطف خطير، وأن هذا المنعطف لا يبشر بخير بالنسبة للمغرب، على اعتبار أن القوى السياسية والأحزاب الموجودة في الحكومة لا تؤدي دورها، أو لم يسمح لها بالقيام بأي دور في هذا المجال، وأن القرار الأخير يرجع إلى ما كان يعهد فيما قبل، بحث أنه قرار أحادي لا نعرف كيف يسطر أو يمرر، ولا كيف تقرر آو تنفد الأمور، وكثل على ذلك ما يتعلق بالمفاوضات التي تجري ما بين المغرب وجبهة البوليزاريو…
على المستوى الخارجي أعتقد بأنه لم تعرف أزمة الصحراء وضعا أكثر سلبية بالنسبة للمغرب كما هو عليه الحال الآن، بحيث أننا نؤدي اليوم ثمن مجموعة من الهفوات ومن الأخطاء.
الخطأ الأول هو غياب المغرب الرسمي على مستوى مجموعة من المنتديات والقمم، سواء في إفريقيا أو عبر العالم… وهذا يدوم منذ سنين، وجعل الساحة فارغة بالنسبة لأعداء المغرب، خصوصا الجزائر التي تمكنت من بناء علاقات متينة مع العديد من الدول ليس في إفريقيا فقط بل وفي قارات أخرى، مما جعل جزء من هذه الدول تميل للموقف الجزائري، أو في بعض الأحيان تتخلى عن مساندة المغرب… هناك كذلك غياب الأحزاب السياسية المغربية في مجال الدبلوماسية الحزبية، ثم هناك غياب كبير بالنسبة لجمعيات المجتمع المدني عبر العالم.
هناك كذلك أخطاء أخرى حصلت على المستوى الرسمي، كما وقع بالنسبة لقضية آمنتو حيدر في خريف سنة 2009 وبداية سنة 2010، وجاء بعد ذلك الطريقة التي تم بها تفكيك مخيم "أكديم إزيك" الذي كان في محيط العيون، وغياب عن الساحة الإعلامية، والغياب الرسمي في بداية الأمر، ثم الغياب السياسي الذي تبعه، هذا جعل المجال مفتوحا لجمعيات المجتمع المدني في أوربا وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي مناطق أخرى من العالم، وهو توجه ضد المغرب. يمكن أن نذكر كذلك الاجتماع الذي وقع قبل أسابيع في الجزائر العاصمة وقد حضره عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى جانب الرئيس السابق لجمهورية جنوب إفريقيا سامو امبيكي ومسؤولين آخرين قدروا بحوالي مائتين شخصية… والتوجهات التي خرج بها الاجتماع هو أنه بدا رسميا على المستوى الدولي الربط بين احتلال إسرائيل لفلسطين وما يسمونه احتلال المغرب للصحراء. بحيث أنه أصبحنا اليوم في وضع على المستوى الدولي يوازي إسرائيل بالنسبة للفلسطينيين، وهذا وضع خطير بالنسبة للمغرب.
وعلى المستوى العسكري تظهر بداية ملامح ضربة عسكرية ممكنة في الأشهر المقبلة، إلى أنه هذا ما يجب أن نتلافاه في المغرب، على اعتبار أن قضية الصحراء يجب بالنسبة إلينا إعادة النظر فيها داخليا، وذلك عن طريق استرجاع المبادرة والسير قدما فيما يتعلق بالمقترح الذي أعلنا عنه في الحزب الاشتراكي الموحد، ثم أعلنته الدولة، وهو التوجه نحو إعطاء حكم ذاتي واسع للصحراويين في إطار ما ننادي به من إعادة التوجه نحو "الجهوية الموسعة"، ثم هناك التوجه الثاني وهو العمل على بناء "اتحاد المغرب العربي الكبير"، بما يسمح بتلافي الأزمة والحرب الممكنة مع الجزائر.
وعلى المستوى العسكري تظهر بداية ملامح ضربة عسكرية ممكنة في الأشهر المقبلة، إلى أنه هذا ما يجب أن نتلافاه في المغرب، على اعتبار أن قضية الصحراء يجب بالنسبة إلينا إعادة النظر فيها داخليا، وذلك عن طريق استرجاع المبادرة والسير قدما فيما يتعلق بالمقترح الذي أعلنا عنه في الحزب الاشتراكي الموحد، ثم أعلنته الدولة، وهو التوجه نحو إعطاء حكم ذاتي واسع للصحراويين في إطار ما ننادي به من إعادة التوجه نحو "الجهوية الموسعة"، ثم هناك التوجه الثاني وهو العمل على بناء "اتحاد المغرب العربي الكبير"، بما يسمح بتلافي الأزمة والحرب الممكنة مع الجزائر.
س: ـ تحدثتم عن الأحزاب المغربية فيما يخص قضية الصحراء، هل تعتبرون هذه الأحزاب ضمن خانة واحدة أم هناك فرق فيما بينها؟ بالنسبة لحزبكم "الحزب الاشتراكي الموحد"، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ وكيف تساهمون على المستوى الخارجي، خصوصا أنكم المسؤول عن العلاقات الخارجية؟ كيف تستغلون علاقاتكم الخارجية فيما يخص القضية الوطنية؟ أي كيف تعالج الأمر الأحزاب المغربية؟ وكيف يساهم حزبكم؟
المهدي لحلو: ـ في الحقيقة الأحزاب المتواجدة في الحكومة ليس لها أي وجود على هذا المستوى، مستوى ملف الصحراء، وملف الصحراء يرجع إلى القصر تماما، وبشكل شبه مطلق اليوم. لم تعد هذه الأحزاب حتى تستشار في هذا الموضوع. بالنسبة لحزبنا "الحزب الاشتراكي الموحد"، نحن نريد أولا أن نوجه نحو مبادرة بناء جهوية منفتحة، تكون هي العماد لإصلاح دستوري مقبل، يعطي للجهة قوة، ويعطي لها مكانة وإمكانية للتنمية المحلية والجهوية، واعتقد أن هذا الحل الأمثل بالنسبة إلينا داخليا، وعلى المستوى الخارجي" الحزب الاشتراكي الموحد" الآن يقوم بمبادرة في اتجاهين، الاتجاه الأول هو محاولة جمع منتدى مغاربي، نأمل أن يكون هذا الجمع في منتصف مارس المقبل، بحيث أننا سنستدعي مجموعة من الشخصيات المغاربية (المغرب، الجزائر ، تونس..)، وكذلك مجموعة من ممثلي الأحزاب اليسارية والديمقراطية في أوربا، لنبحث الحلول الممكنة من أجل الخروج من أزمة الصحراء ولبناء مغرب عربي كبير قوي، ديمقراطي، حر… ثم هناك توجه ثان هو أننا بعثنا برسائل إلى مجموعة من الأحزاب الديمقراطية واليسارية الأوربية… وأملنا هو أن نلتقي بمسؤولي هذه الأحزاب مستقبلا حتى نفسر لهم الوضع على حقيقته، وضع هذه القضية في المغرب، ووضع القضايا السياسية داخل المغرب ككل، ثم كذلك مقترحاتنا للخروج من أزمة الصحراء، ولبناء مغرب عربي كبير كما قلت، ولبناء الجسور ما بين جنوب البحر الأبيض المتوسط وشماله، وذلك ضمانا لاستقرار وأمن المنطقة ككل.
س: ـ سؤال حول حرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب، هناك وجهتا نظر، الأولى تعتقد بأن حرية التعبير وحقوق الإنسان مضمونة وأنها مكفولة ويمكن للجميع أن يمارس ذلك ويستفيد منه.. بينما أطراف أخرى ترى بأن هناك تضييق مستمر على حرية التعبير وعلى مجال حقوق الإنسان، كيف ترون أنتم هذا الموضوع من وجهة نظركم؟
المهدي لحلو: ـ أنا مع الفكرة الثانية، واليوم حقوق الإنسان وحرية التعبير لم تعرف أزمة أعمق مما تعرفه حاليا، والدليل على ذلك هو غياب وإقفال مجموعة من الجرائد والمجلات كما وقع في الأشهر الأخيرة، ثم دليل آخر هو توسيع ما كنا نسمع به من خطوط حمراء. هذه الخطوط الحمراء توسعت، ولا نعرف الآن ماذا تشمل، هل تشمل القضايا المرتبطة بالنظام، أم تشمل قضايا مرتبطة بالدين، هل تشمل قضايا مرتبطة بالوحدة الترابية، أم تشمل قضايا مرتبطة "بالأخلاق"… وبالتالي هناك مجموعة من القضايا أصبحت في عداد الخطوط الحمراء، ولا أحد يعرف ما هي… كما قلت وضع حرية التعبير في المغرب وضع انتكاسة، وليس وضع انفتاح ووضع يمكن أن نعتبر أنه إيجابي.
س: ـ كذلك فيما يخص حرية التعبير، يرى البعض أن الإعلام العمومي محتكر من طرف الدولة، وأنه لا يسمح فيه إلا في بعض الأحيان لمرور بعض وجهات النظر المختلفة، ما رأيكم؟ وهل تجدون أن صوتكم يمر عبر الإعلام العمومي؟ علما على أنه يمول من طرف المال العام، وأن هناك دفتر تحملات يفرض على القنوات التلفزية مثلا أن تلتزم بتعدد وجهات النظر عبرها.
المهدي لحلو: ـ هناك شكلان من الإعلام العمومي، إعلام مرتبط بالتلفزة وإعلام مرتبط بالإذاعة، وهنا أتحدث عن الإذاعة الوطنية. أولا التلفزة العمومية بشقيها، القناة الأولى والثانية، فيما يتعلق بالقناة الثانية فهي في مستوى من الرداءة لم يسبق أن عرف من قبل، وهي قناة "تجارية" أكثر منها قناة سياسية تعمل لمصلحة المواطنين وللرفع من إمكانياتهم المعرفية وإغناء ذكائهم… وهي غائبة عن المجال السياسي عدا ما كان من بعض البرامج، في غالب الأحيان لا يستدعى إليها إلا من يعتبر قريبا من الحكم، أو له انتقاذات تحتمل من طرف الحكم… فيما يتعلق بالقناة الأولى، كلنا نعرف أنها قناة تفعل بها الحكومة ما تشاء، وهي في الحقيقة ممنوعة عن كل رأي له خلاف عميق واستراتيجي مع الحكومة. في بعض الأوقات قد يكون هناك بعض الأشخاص، إما من التيار "الديني" أو تيارات أخرى، إلا أن انتقاداتها مقبولة من طرف الحكومة.
فيما يتعلق بحزبنا أعتقد أننا ممنوعون من القناة الأولى والقناة الثانية، إلا في بعض البرامج الهامشية أو نكون فيها غارقين ضمن متدخلين آخرين، وبالتالي لا نـُسمع صوتنا، وفيما يتعلق بالإذاعة الوطنية، هناك بعض البرامج فيها انفتاح على المجتمع المدني وعلى المعارضة السياسية، إلا أنه كلنا نعرف أن الإذاعة ليس لها دور كبير كما هو الشأن بالنسبة للتلفزة، وبالتالي الإذاعة تـُظهر أننا في بلد ديمقراطي، والتلفزيون يؤكد أننا لسنا في بلد ديمقراطي، بمعنى بلد يضمن حرية التعبير حتى في الوسائل السمعية البصرية العمومية.
س: ـ هل سبق لحزبكم وللأحزاب المتحالفة معه أن تقدمت بشكاية إلى "الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري" (الهاكا) المكلفة بمراقبة مدى تطبيق التلفزة مثلا لدفتر التحملات؟
المهدي لحلو: ـ لا، ولكن هناك سبب لهذا وهو أن "الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري" (الهاكا) جهاز من أجهزة الدولة، وأن مواقفه لا تسمح بالانفتاح الفعلي للمجال السمعي البصري على جمعيات المجتمع المدني وعلى الأحزاب المعارضة للحكومة ، ولا تسمح بانتقاد الحكومة فيما يتعلق بالتوجهات السياسية والاقتصادية العامة للدولة أو في مجالات معينة كحرية التعبير أو قطاع تسيير الماء مثلا. لا أعتقد أن "للهاكا" دورا يعتد به، بل هي كما قلت جهاز كأجهزة أخرى للدولة، وهو يسمح فقط بضبط أكبر للقطاع السمعي البصري.
س: ـ يرى بعض الملاحظين أن المغرب من حيث المظهر هو دولة ديمقراطية فيها أحزاب وتعددية وبرلمان ونقابات…ولكن من وجهة نظركم كيف ترون صناعة القرار في المغرب؟ من يصنع القرارات الحاسمة وكيف يتم ذلك؟
المهدي لحلو: ـ الظاهر هو أن هناك ديمقراطية، وأن هناك انفتاح، وأن هناك برلمان ونقاش وجرائد ومجلات مختلفة، وهناك جرائد أجنبية تدخل المغرب، في غالب الأحيان بدون مراقبة… وهنا يمكن أن نقول أن المغرب يوجد، بالنسبة للعالم العربي ودول أخرى في إفريقيا، في موقع متقدم، إلا أنه في الحقيقة هناك مجموعة من الاعتبارات يمكن أن توجهنا إلى الاستنتاج المعاكس، من بين هذه الاعتبارات ما تحدثت عنه فيما يتعلق بحرية التعبير وانفتاح المجال السمعي البصري لأصوات معارضة للحكومة، معارضة بشكل بناء، وليس المعارضة "الدينية" أو معارضة المهرجانات ومسائل أخرى، ثم هناك نقطة أخرى أعتقد أنها هي الأساسية بالنسبة للديمقراطية، وهي غياب مراقبة الحكومة. ليس هناك مراقبة فعلية للحكومة، بحيث يمكن أن يقرر الوزير أو تقرر الحكومة مثلا بناء أو وتشييد هذا المشروع الذي يتم الحديث عنه، فيما يتعلق بالقطار فائق السرعة، ولا يعرف أحد كيف تم هذا القرار؟ ومن اتخذه؟ وما هي الشروط التي تم فيها اتخاذه…، وما هي شروط التمويل؟ إلى غير ذلك من القضايا، وبالتالي نعتبر كل ذلك قرارات فردية…
ثم هناك الشيء الأساسي بالنسبة إلينا، وهو أن مصدر القرار لا نزاع فيه على اعتبار أن رئيس الدولة ليس موقع نقاش، وأنه ليست هناك انتخابات مرتبطة برئاسة الدولة، وليست هناك انتخابات مرتبطة بكيفية مراقبة رئاسة الدولة، وبالتالي من هذا المنطلق، يمكن أن نقول أننا في وضع ديمقراطية جزئية، أو ديمقراطية جانبية أو صورية، بحيث هي ديمقراطية لنقاش وتداول بعض القضايا الهامشية أو غير المركزية، أما بالنسبة للقرارات المصيرية والأساسية التي ترهن حاضر البلاد ومستقبلها فيمكن الجزم بأنه ليس هناك ديمقراطية على اعتبار أن القرار الأسمى لا يصدر عن المؤسسات المسماة بالديمقراطية.
س: ـ في نفس هذا الإطار، من يمنع حزبكم وكذلك الأحزاب المتحالفة معه وبقية الأحزاب المتضررة من الوضعية القائمة من القيام بمبادرة معينة؟ ما هو المخرج من اجل إصلاح الدولة فعلا؟
المهدي لحلو: ـ نحن كحزب منذ أن تأسسنا ومنذ مؤتمرنا الأول نقول بضرورة إجراء إصلاح أساسي واستراتيجي، وهو "أب" كل الإصلاحات، وهو الإصلاح الدستوري، بحيث أنه بدون هذا الإصلاح ليس هناك أي إصلاح آخر سيكون له معنى على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية… في المغرب.
نقول إن الإصلاح الدستوري هو مدخل كل الإصلاحات، ما نقصد بالإصلاح الدستوري أن يكون مصدر القرار هو الشعب، ونقصد به أن يكون للوزير الأول سلطة أوسع فيما يتعلق بتسيير القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية وأن تكون له كذلك سلطة على الأقل استشارية فيما يتعلق بتسيير القطاعات المرتبطة بالعلاقات الخارجية، إلى جانب تسمية وتعيين الموظفين السامين للدولة، والضباط السامون في الجيش والأمن الوطني. وبالتالي بدون هذا الإصلاح الدستوري المرتبط بإعطاء دور أكبر للوزارة الأولى، بدون هذا الإصلاح الذي يسمح بفك الارتباط ما بين إمارة المؤمنين ورئاسة الدولة على المستوى السياسي ، اعتقد أننا سنستمر لمدة طويلة فيما يسمى الآن ب"اللعبة السياسية"، أو ب"الانتقال الديمقراطي الشكلي"، وهذا الانتقال الديمقراطي لن يوصلنا إلى أية نتيجة كيفما كانت بدون ـ كما نقول في الحزب - مدخل الإصلاح الدستوري. وهذا ننادي به كحزب منذ سنوات، والآن بعض مناضلي حزبنا يعدون للمؤتمر المقبل مشروعا متكاملا يؤكد على ضرورة الإصلاح الدستوري، ونعتقد أن هذا المؤتمر سيؤكد على هذه النقطة نظرا لأنها أساسية وإستراتيجية في مستقبلنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي…
س: ـ باعتباركم أستاذ الاقتصاد ولكم اهتمامات سياسية كذلك، كيف تنظرون لميزانية لسنة 2011؟
المهدي لحلو: ـ ميزانية سنة 2011 هي ميزانية أزمة، وهو نفس الوضع الذي عرفناه في سنوات 2009 و2010، وسنعرفه بالتأكيد في 2012.
هناك إيهام من طرف الحكومة منذ 2007 بأنه ليست هناك أزمة، والحقيقة أننا في أزمة داخلية مرتبطة بوضعنا الاقتصادي والاجتماعي الهش، وهذا الوضع نعرفه منذ سنوات، بل منذ عقود، وهذه الأزمة تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، ومن بين دلائل الأزمة، هناك ما نعرفه من تفقير جزء كبير من سكان المغرب، من مؤشرات الأزمة كذلك الارتفاع الفعلي لنسبة البطالة، بالرغم من الأرقام التي أعتبرها غير صحيحة التي تصدر عن مديرية الإحصاء التابعة للمندوبية السامية للتخطيط، ثم هناك أزمة تمسنا على المستوى الخارجي، بحيث أن المغرب اليوم يعرف أكبر عجز تجاري في تاريخه، يمثل إلى متم شهر أكتوبر 124 مليار درهم، وأصبحت نسبة تغطية الواردات من طرف الصادرات تقل عن 50 %، وهي نسبة ضئيلة جدا، وباتت هيكلية منذ سنوات، يعني هذا أن الإمكانيات التزاحمية لاقتصاد المغرب ضعيفة وإمكانياته التنافسيته على المستوى الداخلي والخارجي مست بشكل كبير،ويظهر هذا عبر مؤشرات أخرى يصعب ذكرها كلها هنا، ومن بينهذه المؤشرات الأساسية العجز التجاري الخارجي، البطالة، تهميش أجزاء كبرى من سكان المغرب، خصوصا السكان المرتبطون بالمداخيل الخارجية، كمداخيل المواطنين القاطنين بالخارج، أو السكان الموجودون في مناطق متضررة من التقلبات المناخية في السنوات الأخيرة، إما في الأقاليم الجنوبية-الشرقية أو الشرقية أو حتى أقاليمنا الصحراوية.
س: ـ هناك حديث عن المشاريع الكبرى التي ترى الدولة بأن فيها حلولا لعدد من المشاكل الاقتصادية، ما رأيكم في هذا الأمر؟
المهدي لحلو: ـ أعتقد أن في المشاريع الكبرى أشياء يمكن أن يقال أنها إيجابية، من بين الإيجابيات مثلا: بناء الطرق السيارة التي كان المغرب في حاجة إليها، إلا أنه مع ذلك، هذه الطرق السيارة لا نرى من يستفيد منها فعلا الآن. بحيث أنه في بعض الحالات يمكن أن تجوب بعض الطرق السيارة ما بين مراكش وأكادير، أو ما بين الدار البيضاء ومراكش في وسط الأسبوع، فترى أنها فارغة وأن غالبية وسائل النقل توجد في الطرق الوطنية، وبالتالي هذا إشكال آخر، إلا أنه مع ذلك هذه الطرق ربح… هناك كذلك ربح آخر فيما يتعلق بميناء طنجة المتوسط، بالرغم من أن هناك انتقادات وهناك أشياء تكميلية لا بد من القيام بها، بحيث أن هذا الاستثمار ليس متكاملا ولا أرى أنه سيكون له نفع مباشر بالنسبة للسكان المجاورين للمشروع لعديد من الاعتبارات يصعب الرجوع إليها الآن.
هناك مشاريع أخرى فيها إشكال، كالمشاريع المرتبطة بالإعمار أو بالقطاع السياحي، وهذا مرتبط بتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، بحيث تم التخلي بدون إعلان عن مجموعة من المشاريع، وهذا كان له سلبيات كبرى في العديد من المناطق التي تم فيها مثلا الاستحواذ على أراضي السكان لبناء بعض المشاريع، وقد تم التخلي عن تلك المشاريع، ولم يستفد السكان من أراضيهم.
ثم هناك المشروع الأخير وهو الذي يتم الحديث عنه حاليا، وهو مشروع القطار الفائق السرعة ما بين طنجة والدار البيضاء، هذا القطار لم يعد ”فائق السرعة” إلا ما بين القنيطرة وطنجة، وهذا سيستدعي استثمارا يفوق 20 مليارا من الدراهم في السنوات القليلة المقبلة، وأنا لا أرى ما هي الفائدة الاقتصادية من هذا المشروع، وما هي الإيجابية المباشرة له، زد على ذلك أنه لم تكن هناك دراسة جدوى اقتصادية و مالية واجتماعية،كما أنه لم نعرف مصادر تمويل هذا المشروع، ولا نعرف شيئا قطعا عن من سيركب هذا القطار في السنوات المقبلة، ونحن نعلم مثلا أن الطريق السيار الرابط ما بين القنيطرة وطنجة يكون فارغا طيلة الأسبوع، وبالتالي بما أن الطريق السيار فارغ يحق أن نتساءل عن من سيركب هذا القطار، لأن نفس مستعملي الطريق السيارهم من يمكن أن يركبوا قطارا لن يكون ثمن النقل بواسطته في متناول غالبية المغاربة.
إن في هذا المشروع مغامرة حقيقية بالنسبة للمغرب في السنوات المقبلة، وكان الأجدى بالنسبة للحكومة أن تقول أنه هدية من المغرب لفرنسا. لضمان وجه ماء فرنسا، لأن المغرب كان قد رفض عند زيارة الرئيس الفرنسي لبلدنا سنة 2007 أن يشتري طائرات رفال التي كانت فرنسا تأمل أن يشتريها منها ، وبالتالي أنا لدي تحفظات كبرى كما لدينا تحفظات داخل الحزب الاشتراكي الموحد حول هذا المشروع، نظرا لأنه كما أوضحت، "مشروع سياسي" وليس مشروعا اقتصاديا وماليا وصناعيا بالمفهوم الذي يعطى لمثل هذه المشاريع .
س: ـ سبق لوزير المالية أن قام بجولة في أوربا ورجع بمليار أورو، واعتبر ذلك فتحا كبيرا وأنه هناك ثقة في الاقتصاد المغربي ما رأيكم في هذا الأمر؟
المهدي لحلو: ـ أولا المليار أورو في الأسواق العالمية هو ليس بالمال الكثير، المليار أورو قد يسهل على أي بنك عالمي أو بنك تجاري دولي أن يقرضه لدولة معينة، وبالتالي ليس هناك ما يجب أن يصفق له، ثم هذا القرض في الحقيقة سمح للمغرب ”بإخراج رأسه من الماء” ، على اعتبار أن مدخرات البنك المركزي من العملة الصعبة كانت في تراجع كبير، حيث أنها أصبحت تقل عن ستة أشهر من الواردات مع متم شهر غشت من السنة المالية الماضية، وهذا القرض بالمليار أورو، أي ما يقارب 11 مليار درهم، سمح لودائع بنك المغرب من العملة الأجنبية القفز والوصول إلى نسبة تقدر اليوم بستة أشهر و 25 يوما، وبالتالي لا أعتقد أنه في هذا ما يعتبر إيجابيا بالنسبة للحكومة أن تتوصل بقرض من هذا المستوى، خصوصا في الوضع المالي العالمي، بحيث هناك دول توجد في أزمة اقتصادية أكثر مما يوجد عليه المغرب كاليونان وإيرلندا، وبالتالي التوجه إلى المغرب من طرف الدائنين الأجانب ليس فيه مخاطرة، لأن ما يمكن أن يقال بالنسبة للمغرب – وهذا أعتقد أنه إيجابي – هو أنه منذ بداية التسعينات ـ سنوات 93 – 94 ـ وبارتباط مع ما سمي بالتسيير الديناميكي للدين الخارجي، تمكن من ضبط مديونيته الخارجية، وبالتالي انخفضت هذه المديونية بالنسبة لما يتوصل به المغرب من عملة أجنبية، وبالنسبة للإنتاج الداخلي الخام.
إلا أنه حين نتحدث عن انخفاض نسبي للدين الخارجي، يجب أن نتحدث أيضا عن انفجار الدين الداخلي بشكل كبير، وبالتالي أعتقد أنه بالنسبة للمديونية وضع المغرب آمن على مستوى الدين الخارجي، إلا أنه فيه خطورة كبرى بالنسبة للدين الداخلي، وهذا يؤكد أن الدولة لم تتمكن بالرغم من ضغوطاتها على النفقات الاجتماعية من ضبط الميزانية وضبط العجز المالي الداخلي، ومادامت الدولة لم تتوجه نحو طريقة أخرى لضبط هذا العجز، وهذه الطريقة هي إتباع سياسة ضريبية مختلفة، تسمح بالتوصل بعائدات ضريبية جديدة أخرى، من بينها العائدات الضريبة على الدخل الفلاحي و محاربة الغش الضريبي إلى جانب التخلي عن إعفاءات ضريبية أخرى لا منفعة اقتصادية أو اجتماعية فيها .
س: ـ هل من الضروري الاستدانة من الخارج من أجل حصول تنمية؟
المهدي لحلو: ـ مشكل المغرب أن هناك ضرورة للاستدانة، ليس من أجل التنمية، ولكن لتمويل العجز التجاري لتغطية نفقات خارجية كبرى، كنفقات استيراد المواد الأساسية التي يحتاجها المغرب، كتأدية الدين الخارجي الذي هو في ذمة الدولة، وبالتالي هذه الديون الجديدة التي تدخل لخزينة الدولة لن تكون بالضرورة موجهة نحو قطاعات تنموية، ونحو استثمارات عمومية، بل قد تكون موجهة نحو ميزانية التسيير فقط. الآن هناك تمويلات أخرى، وهناك وسائل أخرى لتمويل التنمية، وأعتقد أن هذه الوسائل مرتبطة مثلا بتدخلات الشركات العمومية الكبرى، والقطاعات العمومية المرتبطة بتدخل الدولة، وهذا أمر آخر يخرج عن القضايا المالية وقضايا الميزانية فقط.
س: ـ على ذكر الضريبة، كيف ترون حصول عدالة ضريبية في المغرب؟ وكيف ترون تحصيل موارد غبر الضريبة؟ وكيف تنظرون إلى مسألة الإعفاءات الضريبية الموجودة في بعض القطاعات؟
المهدي لحلو: ـ الإصلاح الضريبي الذي عرفه المغرب منذ 1986، كان يُهدف منه توسيع الوعاء الضريبي، وبالتالي الرفع من المداخيل الضريبية للدولة. والتقليل من فرص الغش الضريبي، والانفلات من أداء الضرائب، إلا أنه في الحقيقة هذا لم يقع، والذي حدث هو إرتفاع كبير للضرائب غير المباشرة، كالضريبة على القيمة المضافة، وهي ضرائب تمس أساسا أصحاب المداخيل الدنيا، والمستهلكين للمواد الأساسية التي عليها ضرائب مرتفعة نسبتا لمداخيل الطبقات الفقيرة.
إلا أنه استمر الانفلات من أداء الضريبة بالنسبة للقطاع الفلاحي (الضريبة على الدخل)، كذلك انخفضت نسب الضريبة على أصحاب المداخيل الكبرى، وهذه النسب وصلت اليوم إلى 38%، والضريبة على الدخل تمس بالأساس أصحاب المداخيل الصغرى والمتوسطة، أما أصحاب المداخيل الكبرى فيستفيدون مما يشبه فعلا إعفاءا ضريبيا، نظرا لأنه كيفما كان دخلهم، لن يؤدوا أكثر من 38 %. وبالتالي كان من الضروري ألا تنخفض النسبة العليا بهذه السرعة على أصحاب المداخيل العليا، بل بالعكس كان من الضروري أن ترتفع نسبة الضريبة على الدخل بالنسبة لأصحاب المداخيل العليا– وهذا شأن يوجد في الدول السكندنافية مثلا، وفي دول أخرى شمال غرب أوربا- إلى 50 % أو 55 %بالنسبة لأصحاب المداخيل العليا. الآن كيفما كان دخلك تقف الضريبة عند 38 %.
كذلك هناك مجموعة من الإعفاءات لم تقم الدولة بالتقليص منها، وهناك كذلك قطاعات تعفى من الأداء الضريبي مثل القطاع المرتبط بالإرث، بحيث أن الإرث لا يمس من قبل الضريبة، والحقيقة أنه يجب أن تكون هناك ضريبة على الإرث، نظرا لأنه يسمح بتداول مجموعة من الخيرات والممتلكات العقارية أو الفلاحية أو الصناعية، وبالتالي كان من اللازم أن تكون هناك ضريبة على الإرث، إلى جانب إعفاءات أخرى يستفيد منها بعض الملاك في المجال الفلاحي كطريقة لتشجيع الفلاحة، والواضح أن الفلاحة لم تسمح بالوصول إلى الأهداف التي كانت تُؤمل منها، والهدف الأساسي كان هو ضمان الأمن الغذائي، إلى جانب أشياء أخرى يصعب الحديث عنها في هذه العجالة.
س: ـ تتوجه ملاحظات إلى القطاع البنكي وقطاع التأمين في المغرب، ويرى المحللون على أن القطاع البنكي في المغرب لا يساهم في التنمية، ويفرض عددا من الشروط والصعوبات من أجل المساهمة في "المشاريع"، كيف ترون تحديث القطاع البنكي والمالي وهل يمكن أن يساهم في الرفع من الاقتصاد ؟
المهدي لحلو: ـ القطاع البنكي والقطاع المالي في المغرب يمكن أن نفسر وضعه بالغير الإيجابي أو غير الفعال بالنسبة للتنمية في بلدنا، على اعتبار أن عدد الأبناك المتواجدة في المغرب قليل، والمزاحمة بين هذه الأبناك في مستوى منحدر، بحيث يمكن أن نقول أن هذه الأبناك في وضع تحكمي في السوق، أي أنها هي التي تتحكم في العرض و في الطلب وفي شروط القروض، وتتحكم في نسبة الفائدة، وفي الفئات التي يجب أن تعطى لها القروض والتي لا يمكن أن تعطى لها. وتتحكم كذلك في الضمانات، وهذا يجعل القطاع البنكي والقطاع المالي إلى جانبه، تصل أرباحه سنويا إلى ما يفوق 14% - 16%، والحال أن الدخل الوطني لا يرتفع إلا بما يتفاوت بين 2% و 4 % سنويا. وبالتالي الأبناك لها أرباح تفوق أربع مرات نسبة ارتفاع الدخل الوطني، وهذا وضع غير صحي وغير إيجابي، وهذا مرتبط بغياب مزاحمة بين الأبناك، وكذلك غياب لأبناك عمومية تكون رأس الحربة، وقاطرة لتمويل الاقتصاد وتمويل القطاعات الصناعية بشكل إيجابي وبشكل يندمج في سياسة اقتصادية متكاملة.
كذلك هناك غياب مراقبة صارمة من طرف الدولة، تجعل من الأبناك فعلا وسيلة من وسائل التمويل، ولبناء اقتصاد متكامل وتنمية اقتصادية على المستوى المتوسط والبعيد… وكذلك غياب المواطنة لهذه الأبناك، بحيث أن غالبيتها من أصول أجنبية، وبالتالي هدفها الأسمى والأول هو ضمان ربح مالي مباشر إلى جانب استرجاع ديونها وليس التنمية الفعلية للبلاد…
س: ـ كيف تكون العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، علما بتواجد احتكار للاقتصاد من طرف أقلية في البلاد؟
المهدي لحلو: ـ العلاقة بين الاقتصادي والسياسي، هي في الحقيقة العلاقة التي نريد أن نفصمها كذالك ضمن الإصلاح الدستوري الذي نتحدث عنه. فالإصلاح الدستوري يضمن فصل السلط، يضمن إعطاء سلطات أوسع للوزير الأول، وبالتالي للحكومة وللأغلبية التي تنتج عن الانتخابات، انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية، لكن هذا الإصلاح يجب أن يضمن كذالك الفصل ما بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، بحيث أنه يمكن أن نلاحظ اليوم في بعض الحالات أن بعض توجهات السلطة السياسية مرتبطة بمصالح بعض المسؤولين النافذين وارتباطها ببعض المجالات الاقتصادية ذات أرباح مباشرة عالية.
وبالتالي توجهُ الدولة سياسيا يدخل ضمن النمط الذي نسميه اقتصاد الريع، وهو نمط يضمن احتكار الاقتصادي من طرف السلطة السياسية، وهذا من بين الأشياء التي نطالب بها، وهي فصل السلطة السياسية عن السلطة الاقتصادية، هذه إصلاحات متكاملة على المستوى الاقتصادي ومرتبطة بما هو أخلاقي محض، وهو ألا يجب أن يقرر الوزير أو المسؤول كيفما كان مستواه انطلاقا من مصالح خاصة يدافع عنها، لنفسه أو لشركته أو لقطاع يرتبط به، بل يجب أن يكون القرار السياسي مرتبطا بالمصلحة العامة، والحال أن بعض القرارات السياسية-الاقتصادية اليوم في المغرب مرتبطة مطلقا بمصالح خاصة تماما.
س: ـ يكثر الحديث عن التعليم باعتباره قطاعا يعيش في مأزق، وهناك بعض الحلول الموضوعة منها "البرنامج الاستعجالي" الذي سيتوقف في 2012، كيف تنظرون إلى قطاع التعليم؟ وإلى هذا البرنامج الذي هو الآن في مجال التطبيق؟
المهدي لحلو: ـ من بين الأسباب الأساسية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة التي يعرفها المغرب منذ سنوات، بل منذ عقود، ، يمكن أن أذكر على الخصوص - إلى جانب غياب إصلاح دستوري وسياسي متكامل وشامل - فشل المدرسة، بحيث أن المغرب اليوم من بين الدول التي تعرف نسبة مرتفعة من الأمية ونسبة متدنية من التمدرس، وانفصاما شبه تام ما بين التعليم والتكوين ومجالات التشغيل، ويعرف تعدد المسؤوليات و الاختصاصات ضمن المنظومة التكوينية ومنظومة التعليم و البحث العلمي، و يعرف كذلك تعدد مستويات التعليم، سواء في القطاع المستوى العمومي أو الخاص.
باختصار يمكن أن نتحدث عن فشل شبه مطلق بالنسبة للمدرسة المغربية. الآن هناك بعض الطلبة الناجحين، بعض العلماء المغاربة الموجودون في مجمعات للبحث في هذا البلد أو ذلك، مما يؤكد بأن المغاربة لهم كفاءات وذكاء مرتفع، إلا أنه في الواقع قطاع التعليم بالمغرب قطاع فاشل. وهذا الفشل مرتبط بفشل السياسات المتعاقبة منذ بداية الاستقلال. والمنطلق كان السياسة المرتبطة بتكوين الأطر مع بداية الستينات، ثم جاءت مجموعة من الإصلاحات كالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي وقع مع متم القرن الماضي، ثم نحن الآن أمام ما يسمى بالمخطط الاستعجالي. و هذا معناه أن الأزمة فاقت الحد. وأن هناك محاولة لاستدراك الهفوات التي وقعت، والحقيقة أن الحلول المتوقعة ليست إلا ترقيعية. يجب أن نعود في مجال التعليم إلى إصلاح هيكلي متكامل، يربط ما بين المدرسة والمجتمع، وما بين المدرسة وقطاع الإنتاج ومستقبل البلاد، وتحديد أهدافنا في المجتمع المغربي ومصالحنا في المستقبل، وكل الأشياء التي يجب أن تندرج في مجال التكوين والبحث العلمي ومزاحمة الاقتصادات العالمية.
بدون هذه النظرة المتكاملة والمتناسقة آنيا ومستقبلا، لا يمكن أن نجد حلا للمدرسة المغربية، نظرا لتعقد أزمتها وتنوع أسبابها بين ما هو إيديولوجي وسياسي وديني ومالي.. الخ ، وأعتقد أن هذا يتطلب مناظرات وطنية جديدة، تسمح فعلا بإيجاد حلول على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، وليس حلولا "استعجالية" كما جاء في "البرنامج الاستعجالي" الحكومي.
س: ـ وماذا عن الإصلاح الجامعي، الذي تعيشون ضمنه انطلاقا من عملكم كأستاذ جامعي؟
المهدي لحلو: ـ أعتقد أن "الإصلاح الجامعي" كلمة تظهر كأنها إيجابية، والحقيقة حينما نرى داخل منظومة التعليم والبحث العلمي في الجامعة المغربية، وحين نراجع مستويات الطلبة الذين يلجون الجامعة، و نرى خصوصا مستواهم اللغوي ، هناك شكوك وتخوف من المستقبل، على اعتبار أنه من بين الإصلاحات الكبرى، وقبل "الإصلاح الجامعي"، يجب أن نصلح المدرسة الأساسية، ومن أهم الإصلاحات ما هو مرتبط بلغة التعليم، إذ أنه كلما استمر المغرب في لغتين للتعليم، اللغة العربية حتى الباكالوريا، ثم اللغة الأجنبية ابتداء من الجامعة، سيستمر هذا الهدر الكبير الذي نعرفه، وستستمر أزمة التعليم كيفما كانت الحلول التقنية والمالية والبرنامجية التي يمكن أن تقرر فيما يسطر الآن فيما يتعلق بالتعليم.
هناك هفوات في إصلاح الجامعة، وهفوات عميقة في المدرسة المغربية، هناك اختلالات كبرى في التعليم الأساسي والثانوي، هناك اختلالات مرتبطة بالبرامج، واختلال بالغ الخطورة في لغة التعليم. إذا لم نجد حلولا جذرية لهذه الاختلالات والهفوات لا أعتقد أن أي إصلاح تقني كان على مستوى الجامعة سيكون له تأثير إيجابي في السنوات القليلة المقبلة.
س: ـ ننتقل إلى القطاع الحزبي، يستعد الحزب الاشتراكي الموحد لعقد مؤتمره الثالث في غضون شهر مارس المقبل، كيف تقيمون وضع الحزب في هذه المرحلة؟
المهدي لحلو: ـ أعتقد أن الحزب عرف وضعا متأزما بشكل أو بآخر منذ انتخابات 2007، لاعتبارات داخلية واعتبارات مرتبطة بالوضع السياسي الداخلي واعتبارات لتواجد الحزب الشبح، الحزب الذي ظهر من لا شيء وأصبح أول حزب في المغرب، ما يشبه الحزب الحاكم، وأعني به "حزب الأصالة والمعاصرة"، كذلك هناك إشكالات داخلية مرتبطة بالتنظيم محليا ووطنيا، مرتبطة شيئا ما بقلق مناضلي الحزب وتخوفهم من المستقبل، إلى غير ذلك من أسباب الأزمة… الآن الذي نلاحظه أن هناك عودة لدينامية جديدة، وهناك تجمعات تعقد على مختلف أرجاء المغرب حيث يتواجد الحزب، في هذه التجمعات نقاش واسع وحر ديمقراطي، نهدف منه أولا معرفة أسباب الأزمة التي نعيشها، ونسعى ثانيا الوصول إلى حلول تسمح لنا بالخروج تنظيميا وسياسيا وإيديولوجيا من هذه الأزمة مستوى الحزب، ثم هذه النقاشات الداخلية ستعطينا كذلك الفرصة لتبني مقترحات متكاملة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي… وعلى مستوى مجموعة من الملفات التي نعيشها في المغرب، ومن بينها ملف الصحراء، وبالتالي هذا سيسمح لنا بإعطاء نظرتنا واقتراحاتنا كحزب، ليخرج المغرب من الأزمة متعددة الأشكال التي تحدثت عنها والتي لا أعتقد أنه يمكن أن نستمر فيها إلى ما لا نهاية، وهدفنا عن طريق كل هذه الإصلاحات، هو إعادة تنظيم حزبنا وقيادة هذا التيار الواسع ضمن المنظومة السياسية المغربية، هذا التيار الذي يسمح مستقبلا بمراجعة سياسة الدولة على المستوى السياسي والاقتصادي وسياسة الدولة على مستويات الملفات الداخلية والخارجية، وكذلك القضايا القومية كفلسطين، وما يربطنا بعلاقتنا مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة مثلا. بدون هذا التيار القوي والمتماسك، أي اليسار الذي يقترح حلولا ممكنة… أعتقد الوضع سيستمر في المغرب كما هو لسنوات كثيرة مستقبلا، وهذا ما لا نريده.
س: ـ الحزب الاشتراكي الموحد أول تنظيم سياسي يتبنى العمل بالتيارات، كيف تقيمون العمل بالتيارات، هل هو أعطى طفرة نوعية أم سبب خللا في تدبير شؤون الحزب؟
المهدي لحلو: ـ بسرعة سأعطي إجابة شخصية، الفكرة كانت في حد ذاتها إيجابية ومبدعة، لكن مع الأسف تطبيقها في الواقع كان صعبا، على اعتبار أن هذه التيارات التي نـُظمت داخل الحزب، هي في الحقيقة أصبحت أحزابا داخل الحزب، وأصبح ممثلو هذه التيارات هدفهم الأساسي ومنازعهم وخصمهم الأساسي هو أجهزة الحزب والمكتب السياسي للحزب، وليس أحزابا أخرى مناوئة للحزب، أو توجهات اقتصادية واجتماعية وسياسية مناوئة من خارج الحزب، أعتقد أن هذا كان خللا كبيرا، مرتبطا بالتطبيق، وبتفكير مناضلي بعض هذه التيارات. وأعتقد أن في المؤتمر المقبل يجب أن نعيد النظر، إما في الفكرة في حد ذاتها ككل، على اعتبار أنها فكر غير قابلة للتطبيق، والواقع قد أكد ذلك، أو نعيد النظر في كيفية تطبيقها، لضمان ألا يكون الخصم هو الحزب من داخل الحزب، بل يكون الخصم هو خصوم الحزب خارجيا، والخصم هو وضع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب.
س: ـ هناك سبع أرضيات مقدمة لأعضاء الحزب كي يتم مناقشتها في المؤتمر القادم، هل ترون هذا إيجابيا أم يثير تشويشا لدى الرأي العام وضبابية، بحيث يظهر أن هناك عددا من المتناقضات داخل الحزب الواحد؟
المهدي لحلو: ـ في الحقيقة هذا شيء إيجابي نظرا لأن هناك تعدد الأفكار وإيجابية في منطلقاته، هذا يعني أن عددا من مناضلي الحزب يضعون مقترحات في القطاعات والمجالات المختلفة. الآن هناك تقنين من طرف المجلس الوطني للحزب، لتتحكم كل الأوراق المقدمة لمرجعيات وقواعد معينة… وبالتالي سنصل في الأخير إلى ثلاث أو أربع أوراق على أبعد تقدير، لأن جزء من الأوراق المقترحة لا تصل إلى الحد الأدنى مما تم الاتفاق عليه في المجلس الوطني، وهناك بعض الأشخاص وفئات كانت تريد أن تعبر عن ذاتها وعن أفكارها، هذا شرعي ومشروع، في المؤتمر أعتقد سنصل في أبعد الأحوال إلى أربع أرضيات، والصائب إلى أرضيتين، وهذا شيء إيجابي داخل الحزب، لأنه سيضمن النقاش والمصارحة ومقارنة مختلف المقترحات… وسيكون ذلك ضامنا لمؤتمر دينامي ومفتوح وديمقراطي، يسمح بنقاش واسع لكل النقط التي تم الحديث عنها، وهي نقط متعددة، وتشير إلى إشكالات كبرى على المستوى الحزبي وعلى مستوى المغرب ككل فيما يتعلق بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية والحقوقية… التي يجب أن ينظر فيها الحزب ويعطي فيها أفكارا ومقترحات للمستقبل…
س: ـ أعلن محمد مجاهد الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد عن عدم ترشحه لمسؤولية قادمة، هل يمكن أن يقع خلاف حول اسم معين، وبالتالي ما قد يُحدث أزمة حزبية؟ ومن جهة أخرى ألا تنوون الترشح للأمانة العامة في المؤتمر القادم؟
المهدي لحلو: ـ شخصيا لا أعتقد….(يعني ترشحه)
الآن فيما يتعلق بمسؤولية تسيير الحزب والأمانة العامة والتصويت على أعضاء المكتب السياسي وأعضاء المجلس الوطني، أعتقد أن هذا مرهون بالمؤتمر، والمؤتمر سيد نفسه وهو الذي سيقرر… ومع ذالك أعتقد أن الأخ محمد مجاهد قام بدور فعال وإيجابي لمدة طويلة وأنه مرهق، وهو أمين عام ذو أخلاق عالية ومصداقية كبرى، وتعامل بالطرق اللازمة وبشكل شفاف، وعمل كفريق وليس كشخص، وهذا كله يحسب له، وأنه لو أراد أن يترشح سيكون أهلا لهذا الترشح ولتسيير الحزب، وإذا لم يرد أن يسير الحزب مستقبلا أنا أتفهم الأمر جيدا نظرا للصعوبة التنظيمية والصعوبة الذاتية التي يوجد فيها، بسبب وضعه المهني ومقر سكناه بسطات، ونسبة كبيرة من وقته كان يوجهها للحزب، وقد كلفه ذلك إرهاقا شديدا، ومن هذا المنطلق يمكن أن يفسر أنه لا يريد أن يستمر في تسيير الحزب بعد المؤتمر المقبل.
س: ـ يعاني "الحزب الاشتراكي الموحد" من صعوبات في الإشعاع، نظرا لافتقاده لأداة إعلامية، ما رأيكم؟ ثم كيف تنظرون إلى التمويل العمومي للأحزاب؟ بحيث فرض قانون الأحزاب الوصول إلى عتبة 5% من نتائج التصويت من أجل ذلك، ويرى البعض أن هذه العتبة لا تمثل حقيقة "الحزب" وقوته باعتبار أن الحزب ليس فقط للانتخابات، بل كذلك تأطير المواطنين والتوفر على فروع وتنظيم أنشطة طول السنة… كيف تنظرون إلى جانب الإشعاع وجانب التمويل العمومي؟
المهدي لحلو: ـ فعلا الحزب ليس له إشعاع بمنظور إعلامي، نظرا لأننا ليست لنا جريدة، وفي غياب جريدة ومنابر إعلامية تتحدث باسم الحزب، مرتبط بوضعنا كحزب معارض، بل هو الحزب المعارض الأساسي في المغرب على يسار اليسار المتواجد في الحكومة، وبالتالي هذا الوضع السياسي المتميز لأهم حزب معارض في البلاد، لا نتحدث هنا عن المعارضة الدينية ومعارضة "حزب العدالة والتنمية"، بل عن المعارضة في التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية… بالنسبة لما تقوم به الحكومة أو الدولة ككل، هي المعارضة المرتبطة بحزبنا، هذا الوضع جعل الحكومة لا تبحث عن مساعدتنا، بل أن يكون صوتنا غير مسموع، وهذا ما أدى للحديث عن مجال السمعي البصري في المغرب، وكذلك هذا ما أدى بالأحزاب المشاركة في الحكومة ككل إلى وضع "قانون الأحزاب" الذي تحدثت عنه والذي يجعل حزبنا من بين الأحزاب المستهدفة من طرف غياب التمويل العمومي، وبالتالي هناك تكامل، عدم تواجدنا وعدم إشعاعنا على المستوى الإعلامي مرتبط بقلة وسائلنا، بحيث أن الوسائل التي نعيش بها هي وسائل مرتبطة بمساعدة المناضلين، وما يساهم به المناضلون من داخل الحزب ماليا وذاتيا… ثم هذا مرتبط برفض الدولة بشكل أو بآخر مساعدة حزبنا، ونحن كذلك لا نقبل هذه المساعدة حين تكون مشروطة، لا نقبل أي شروط، نريد مساعدة ضمن القانون. ولكن هذا غير ممكن في المغرب اليوم، مما أدى بنا إلى هذا الوضع المالي غير المستقر وغير الإيجابي، ولذلك سلبيات على مستوى الإشعاع من منظور الافتقاد لوسائل إعلامية… إلا أن هذا لا يمنع أن نقول أن مصداقية مناضلي الحزب مرتفعة…
وأخوف ما تخاف منه الحكومة والأحزاب المتواجدة فيها هو مواقف "الحزب الاشتراكي الموحد".
س: ـ تحدثتم عن اليسار، كيف تنظرون إلى التحالفات التي يمكن أن تنجزونها مع أحزاب معينة، وهل يمكن أن يدخل ضمن هذه التحالفات "الاتحاد الاشتراكي"؟
المهدي لحلو: ـ قناعتي أن "الاتحاد الاشتراكي" لم يعد حزب يسار، وبالتالي لا يمكن أن نتصور أنه يمكن مستقبلا أن يكون هناك تحالف معه أو مع "التقدم والاشتراكية" لاعتبارات مرتبطة بكونهما اليوم من يعطي الفتاوى للحكومة في التسيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وبالتالي أرى أن هذا الآن غير وارد، وهذه الأحزاب ولو قامت بنقد ذاتي، لا أعتقد أن لها المصداقية اللازمة لندخل معها في تحالف اليوم.
فيما يتعلق بأحزاب اليسار المعارض، مع الأسف هي أحزاب ليست على المستوى التنظيمي والعددي الوازن، هي أحزاب هشة، إلا أنه مع ذلك أعتقد أن بناء يسار لا يمكن أن يقع إلا معها، ولا يمكن أن يقع مع هياكل "الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية"، بل مع مناضلين من هذين الحزبين، أي مناضلين تخلوا عن هذين الحزبين أو ينتظرون اللحاق بيسار متكامل ذي مصداقية ومعارض فعلا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية داخليا وخارجيا التي تقوم بها الدولة اليوم.
س: ـ من ضمن أنشطتكم المدنية ترأسون "جمعية العقد العالمي للماء"، هل الماء في المغرب مشكلة؟
المهدي لحلو: ـ الماء في المغرب مشكلة فعلا. مشكل سياسي واجتماعي واقتصادي… على المستوى السياسي مشكل الماء مرتبط بتناقض مركزي لدى الدولة، إذ هناك مثلا "قانون الماء" الذي ينص على حق التوصل بالماء لكل مواطن، وهو قانون 95-10، وشهر يونيو من سنة 2010 وقع المغرب على اتفاقية داخل الأمم المتحدة ضمن 125 دولة أخرى، تقر بأن التوصل بالماء "حق من حقوق الإنسان"، غير أنه مع الأسف الدولة في المغرب لها توجه نقيض لمبدأ ضمان حق الإنسان في الماء، ومن بين الأشياء الأساسية التي تدل على هذا التوجه نحو التملك الخاص لمجموعة من العيون الموجودة في المغرب، وأكبر دليل على ذلك هو الطريقة التي تم بها الاستغلال الصناعي والتجاري لفائدة شركات خاصة لعين "بنصميم" إلى جانب "عين سلطان" و"عين فاس" وعيون أخرى… وكذلك توجه الدولة المركزي اليوم نحو تسيير الماء من طرف شركات خاصة في المدن المغربية الكبرى. كانت البداية بمدينة الدار البيضاء/ المحمدية، ثم بعد ذلك الرباط/ سلا، ثم تطوان/طنجة… والتوجه اليوم هو "التسيير المفوض" للماء، أي التسيير الخاص للماء من طرف شركات خاصة، في غالب الأحيان شركات أجنبية للماء في مدن كمراكش وأكادير… والتوجه نحو القطاع الخاص هو توجه نقيض لضمان الحق في الماء كما تم التسطير عليه كما قلت في البداية. ثم هناك نقطة أخرى وهي أن المغرب يوجد في منطقة ستكون عواقب الارتفاع الحراري في العالم عليها عواقب سلبية كثيرة، بما في ذالك عدم استقرار مرتفع فيما يتعلق بالتساقطات المطرية من سنة إلى أخرى، كما سنعرف مستقبلا فيضانات كبرى، وسنعرف جفافا لسنوات طويلة، وهذا التغير المناخي يقود نحو انخفاض كمية الماء المتاحة لكل مواطن، وهذا الوضع الجغرافي والتحول المناخي كان ضروريا أن يربط بتسيير الماء من طرف القطاع العام ومن طرف الدولة، إلا أنه اليوم في الحقيقة ما يقع هو أن الدولة تتخلى عن هذا القطاع، كما أنها تخلت عن قطاع الصحة والتعليم مثلا، وتتركه للتسيير الخاص. في هذا خطأ اقتصادي و اجتماعي و مالي لأن القطاع الخاص هدفه هو أعلى ربح متاح في أدنى مدة ممكنة، وهو لا يستثمر من أجل المستقبل، بل يستثمر من أجل الحاضر.مستقلا ستكون انفلاتات كبرى على مستوى التجهيزات الأساسية، وما رأيناه خلال الفيضانات التي حدثت في الأسابيع القليلة الماضية في مدينة الدار البيضاء دليل على أن المستثمر الخاص لا ينفق في تجهيزات تضمن المستقبل، بل ينفق فيما يضمن له الربح السريع، وبالتالي هذا الوضع سيكون له آثار سلبية على المستوى الاقتصادي والمالي، وأنه بدل أن تتحمل الدولة أعباء مالية واقتصادية كبرى في العشرين و الثلاثين سنة المقبلة نظرا لعدم كفاءة القطاع الخاص اليوم، يجب علىها أن تسترجع بسرعة تسيير قطاع الماء، وتقوم بالاستثمارات الضرورية وتضع التخطيطات اللازمة من الآن، وذلك ضمانا للحاضر والمستقبل بارتباط مع التغيرات المناخية التي تحدثت عنها.
س: ـ عندما انطلقت "جمعية العقد العالمي للماء" في عملها كان هناك تحالف مع عدد من جمعيات المجتمع المدني، إلى أي مدى وصل هذا التنسيق وهل مازال قائما أم فيه مشاكل؟
المهدي لحلو (أول على اليسار) في مسيرة من أجل الماء في قرية بنصميم بإقليم إفران
المهدي لحلو: ـ التنسيق فيه بعض المشاكل، بعض الجمعيات كان تعاملها معنا إيجابيا، كان هناك تعامل فعال ومتناسق. يمكن أن أذكر هنا "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" أو "الهيئة الوطنية لحماية المال العام"… إلا أنه هناك جمعيات أخرى كان هدفها الأساسي هو الركوب على "جمعية العقد العالمي للماء" لمصالح ذاتية وسياسية،وأنها كانت تحاول أن تأخذ منا بعض المعارك، كمعركة"بنصميم"، لاستعمالها على المستوى الخارجي والإعلامي، مع أن مساهماتها لم تكن فعلية في الميدان، وأعتقد أننا في الجمع العام المقبل الذي سيكون في ربيع 2011، لا بد أن نعيد كيفية تنظيمنا وتعاملنا مع هذه الجمعيات، إلا التي كان لها تعامل إيجابي معنا منذ 2006، آمل أن سنعزز ذلك مستقبلا، أما بالنسبة للجمعيات الأخرى فالواقع سيبين انتهازيتها. في الغالب أننا سنتخلى عن التعامل معها تنظيميا مستقبلا، لما ظهر في الميدان من سلبيات في مجموعة من القضايا، خصوصا حول قرية "بنصميم".
س: ـ كلمة حرة لكم
المهدي لحلو: ـ بما أننا انهينا بقطاع الماء، فالماء يؤكد وضع المغرب المتأزم اجتماعيا وسياسيا… بحيث أن هذا القطاع يظهر أنه لازال في المغرب ما نسميه "سلطة اقتصاد الريع"، ودون القضاء على اقتصاد الريع ، لن نتمكن من الدخول في تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، ثم هناك ضرورة القيام بالإصلاح الدستوري، الذي ننشده كمدخل لكل الإصلاحات، ونظرا لأنني أستاذ وأعرف الوضعية التي يأتي فيها الطلبة إلى المعهد الذي أدرس فيه وإلى معاهد أخرى، لا أرى للمغرب من مخرج من الأزمة التي يعرفها بدون إصلاح المدرسة والمنظومة التعليمية والتكوينية… وأعتقد أن "الحزب الاشتراكي الموحد"، نظرا للكفاءات التي توجد فيه والأفكار التي تطرحها، بإمكانه اقتراح حلول وبرامج للخروج من أزمة المدرسة إلى جانب الأزمات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية… التي يعرفها المغرب. وأنا شخصيا دوري في الحزب والجامعة و"جمعية العقد العالمي للماء" هو دور متكامل ما بين التدريس والعمل السياسي داخل الحزب، للمساهمة في إخراج المغرب من الأزمة التي هو فيها…
وأعتقد أن مناضلي الحزب يجب أن تكون لهم نظرة متكاملة بينما هو شخصي وما هو مهني وسياسي واجتماعي… نظرا لأن هذه التوجهات ضرورية لنكون فعلا في خدمة هذا الشعب الذي أعتقد أنه في حاجة ماسة إلى مناضلين من طينة مناضلي الحزب الاشتراكي الموحد.
وأعتقد أن مناضلي الحزب يجب أن تكون لهم نظرة متكاملة بينما هو شخصي وما هو مهني وسياسي واجتماعي… نظرا لأن هذه التوجهات ضرورية لنكون فعلا في خدمة هذا الشعب الذي أعتقد أنه في حاجة ماسة إلى مناضلين من طينة مناضلي الحزب الاشتراكي الموحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أجري الحوار قبل انتفاضة تونس المجيدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ