الجمعة، 27 يوليو 2007

التوقيت المستمر في المدرسة القروية بين الحاجة والضرورة


   التوقيت المستمر في المدرسة القروية بين الحاجة والضرورة
  تنتاب مدرسات ومدرسي التعليم الابتدائي العاملين بالوسط القروي خصوصا مخاوف من أي تراجع عن تطبيق التوقيت المستمر، فما هي مميزات هذا التوقيت؟ ما هي سلبياته وإيجابياته؟ هل أصبح مكسبا للمدرسة العمومية؟ أم هو إجراء تدبيري يمكن للسلطات التربوية التراجع عنه في أية لحظة؟
  جاء التوقيت المستمر ليحل عدة معضلات، تهم السير العادي للمدرسة بالعالم القروي، وذلك بالنسبة لجميع الأطراف المعنية، سواء التلميذ أو الأسرة أو المدرسة… فالتوقيت السابق ـ الغالب ـ الذي كان يسمى بالمسترسل، يقضي فيه المدرس والتلميذ معا وقتا فارغا دون شغل، غالبا في الخلاء المحيط بالمدرسة، أو في كثرة الذهاب والإياب، مما يضيع كثيرا من الوقت والجهد بدون طائل، مادامت الحصة الأولى كانت تنطلق على الساعة الثامنة صباحا، وتنتهي على الساعة العاشرة، لتستعمل الحجرات المجموعة الثانية إلى حدود الساعة الثانية عشر، ويستأنف الجميع العمل على الساعة الثانية بعد الزوال، إلى حدود الساعة الخامسة، من الاثنين إلى السبت، باستثناء يومين في الأسبوع، حيث تعمل فئة واحدة من ثلاث الصباحَ كله، من الثامنة صباحا إلى الثانية عشر. وفي حالات نادرة، يتم اللجوء إلى التوقيت التناوبي، حيث الاستغلال المكثف للحجرات، من طرف ثلاث مدرسين لكل حجرتين، في حالة الاكتظاظ وتعدد المستويات، وهو توقيت معقد ومتعب للجميع.
       هكذا أصبح التوقيت المستمر يسمح للتلميذ بالقدوم مرة واحدة إلى المدرسة، ويتفادى كثرة التنقل في الطرقات والمسالك محملا بمحفظة ثقيلة، يتجنب التسكع في محيط المدرسة، خاصة بالنسبة للبعيدين الذين كانوا يضطرون لقضاء يوم كامل بعيدا عن منازلهم في ظروف صعبة، علما أن جميع المدارس بدون استثناء لا تتوفر على مستلزمات الراحة والاستقبال المناسب. ونفس الشيء بالنسبة للمدرسين الذين يتنقل معظمهم إلى مدن قريبة، أو إلى تجمعات سكنية تتوفر على الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، فالتوقيت المستمر أتاح لعدد من المدرسين مكرهين الاستعمال المشترك لوسائل نقل خاصة، تقلهم جماعيا إلى محلات اشتغالهم بشكل تضامني فيما بينهم، ما دام التوقيت المستمر يوفر إمكانية ذلك، مما قلل من نسبة التأخر أو الغياب، خاصة بالنسبة للفترة الصباحية الأولى حسب التوقيت السابق (من 8 إلى 10 )، وأصبح المدرس مثابرا أكثر، يعمل خلال حصته المسترسلة الخاصة به، يحرص على إنجاز المطلوب منه، رغم ظروف التنقل والأجواء غير المناسبة للعمل، في "مدارس" تفتقد للشروط التربوية اللازمة.
     كما هو جار به العمل في الأرياف عموما، يساهم الطفل في بعض الأشغال لمساعدة أسرته، وقد سمح التوقيت المستمر بذلك، حيث يتوفر على وقت مجموع خارج فترة الدراسة،  ينجز فيه أعمالا محددة، عكس التوقيت السابق، الذي كان يجعل الطفل يتأخر عن زمن الدراسة نظرا لتكليفه بأشغال تسغرق منه وقتا أطول، بل إن بعض الأسر كانت تدفع أبناءها في حالات كثيرة إلى الانقطاع نهائيا عن الدراسة، للتفرغ لأعمال ذات طابع فلاحي أو حرفي، التوقيت المستمر يسمح كذلك لأبناء الأسرة الواحدة بالتناوب على تلك الأشغال، في حالة اختلاف وتقابل التوقيت بالنسبة للأبناء، وهو ما يجعل بغض الآباء والأولياء يسعون إلى استفادة أبنائهم من ذلك (اختلاف التوقيت) بطلب منهم عند انطلاق كل سنة دراسية، فيتدبر الأمر المدير والمدرسون حسب الإمكانيات المتاحة…
    من السلبيات القليلة للتوقيت المستمر، عدم تناول جميع الأطفال لوجبة الغذاء في منازلهم، بالنسبة لمن يتلقون دروسا في الحصة الزوالية، رغم أن هذا المشكل يمكن تفاديه بتوعية الأسر والتلاميذ، ونسبيا من خلال المطعم المدرسي رغم هزالة الوجبة، وعدم تعميمها(المطاعم) على كافة الوحدات المدرسية. 
     إن مجرد تفكير المسؤولين في التخلي عن التوقيت المستمر ينبيء عن خلل في التدبير، ويشي عن نوايا يراد بها التراجع إلى الوراء، إن هذا التوقيت ليس مكسبا للمدرسين فقط، جَنَوا من ورائه "الراحة وكثرة الوقت الفارغ" كما يروّج بعض المغرضين، بل إن إيجابياته تشمل التمدرس عامة، منه التقليل من الهدر المدرسي، وتشجيع الأسر في البادية على تسجيل أبنائهم في المدارس…فكيف إذا تطبق الحكومة التوقيت المستمر في الإدارات العمومية، وتتراجع عنه في المدارس؟ فهل اشتغال عدد من المدرسين بالعمل الجمعوي والنقابي وأنشطة أخرى حسب إرادتهم، رغم أنها تزيدهم إرهاقا، هو ما أزعج البعض؟  وهل هناك "جهة ما" أرادت "إشغالهم " بالتسكع في القرى بين حصص التدريس المتباعدة خلال اليوم الواحد؟ أم أن هناك جهات خفية لا تريد التعبير عن نفسها،يزعجها الانتشار النسبي للتعليم بالعالم القروي، مما يقلل من نسبة الاستغلال الدنيء لسكان البوادي في أغراض مختلفة، منها العمل الفلاحي بأجر زهيد.
          هذا إن كان هناك قرار اتخذ في هذا المنحى، أي إلغاء العمل بالتوقيت المستمر، وعلى الوزارة المعنية أن تؤكد ذلك أو تنفيه، علما أن أية عملية تعليمية وتربوية لن تستقيم إلا بإشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرارات الحاسمة،  أم أن كل الأسئلة والهواجس ستبقى معلقة لتجيب عنها السنة الدراسية المقبلة. وكما ذكر أحد الأساتذة بموقع تربوي في شبكة الإنترنيت، فإن أي تراجع عن التوقيت المستمر يعتبر قرارا اعتباطيا.

                              مصطفى لمودن