امتحان نيل الشهادة الإبتدائية
صعوبات ومشاكل
في أواخر شهر يونيو من كل سنة، يتقدم تلاميذ الأقسام السادسة من التعليم الابتدائي لإجراء امتحانات في مواد دراسية تلقوا تحصيلها على مدى ست سنوات من التعليم النظامي، يتركز الامتحان على التربية الإسلامية، واللغة العربية، والرياضيات، واللغة الفرنسية، تضاف إليها نقط المراقبة المستمرة. فما هي ظروف إجراء هذه الاختبارات؟ وكيف يمكن من خلالها إجراء استقراء في النوايا الرسمية عن المجتمع المستقبلي المنشود؟ لِماذا حذفت مواد مهمة من الامتحان؟
إذا كانت توجهات الامتحان المذكور محددة وموحدة على الصعيد الوطني من حيث المواد الممتحن فيها، فإن توقيت قرار تطبيقاتها وإجراءاتها يؤخذ على الصعيد الإقليمي، تختص به كل نيابة تعليمية على حدة، من حيث وضع هذه الامتحانات…سنعرض في موضوعنا هذا لنموذج من نيابة سيدي قاسم، وهو لا يختلف عن بقية الأقاليم الأخرى.
أدمج اختبار اللغة العربية والتربية الإسلامية في حصة واحدة، مساحتها الزمنية ساعة ونصف، ويجب أن تخلص المادتان معا إلى 56 جوابا! (14 للتربية الإسلامية و42 للعربية)، تتضمن العربية 19 سؤالا، والتربية الإسلامية 9 أسئلة، بالإضافة إلى ضرورة قراءة النص وفهمه قبل كل شيء، كل الأسئلة مقدمة في أربع صفحات، تتوزع أسئلة اللغة العربية على شكل جملة طويلة وأربع عبارات(وضع الحركات)، وأسئلة حول الشرح والمضمون، وأخرى في التراكيب، والصرف والتحويل، والإملاء، ليختم بإنشاء، طلب من الممتحنين أن يكتبوه على شكل رسالة فيما لا يقل عن 10 أسطر.
أما أسئلة التربية الإسلامية فتركز على الحفظ وما يخزن بالذاكرة، تبدأ أولا بكتابة آيات من القرآن الكريم، من سورة القلم، ومن سورة الملك، ومن سورة الحاقة، ثلاث أجوبة دفعة واحدة، ثم أسئلة التجويد، وأخرى عن معاني الآيات، بالإضافة إلى أسئلة حول العقيدة والعبادات، فالآداب الإسلامية، والحديث والسيرة النبوية، للتذكير فكل هذه الأجوبة مجتمعة من العربية والتربية الإسلامية في ساعة ونصف! أي 90 دقيقة ل 56 جوابا…
بعد 10 دقائق كاستراحة، يطلب من التلاميذ العودة إلى الأقسام، قصد إجراء الامتحان في الرياضيات، مدته ساعة ونصف، يتضمن 11 سؤالا، وما لا يقل عن 14 جوابا، تتوزع الأسئلة على الحساب، مسألتين، الهندسة، أنشطة القياس، تحويل إلى الوحدة المطلوبة. بعض الأجوبة تتضمن تحويلات، وتدرجا قصد الوصول إلى الجواب النهائي.
لأول مرة أرجئت الفرنسية إلى الأخير، إلى ما بعد الزوال، مدة الإنجاز ساعة ونصف، مجموع الأسئلة 25، الأجوبة الأساسية أو الممكنة54( في حالة الاحتمالات واختيار واحد منها) ، فبعد ضرورة قراءة نص من 6 أسطر وفهمه، نجد أسئلة في فهم النص، وأخرى حول اللغة، والأساليب، والصرف، والإملاء، والتعبير الكتابي في جزئين، الأول يطلب فيه ترتيب أربعة أسطر لنص مبعثر، يتضمن 12 جملة، لخلق نص منسجم، الجزء الثاني كتابة نص إنشائي حول تشغيل القاصرين، والحلول الممكنة للقضاء على هذا المشكل، وكيف يمكن حماية الأطفال…في 4 أو 6 أسطر كما طلب منهم ذلك! بينما الموضوع يصلح لتقديم أطروحة جامعية، ولا دخل للأطفال في تفشي هذه الظاهرة، الاستثناء الإيجابي هو تعريفهم بحقوقهم.
في وقوفنا على ما سبق من حيث التوزيع الزمني لفقرات الامتحان، نسجل بعض الإيجابيات، منها وضع أغلب الأجوبة في نفس ورقة الأسئلة، رفعة مضمون النصين، فالعربي يتحدث عن آفة الرشوة، والفرنسي عن تشغيل الأطفال، إلغاء شكل النص العربي بكامله أو جزء منه كما كان سابقا، لكن يجب إعادة النظر في ورقة الأجوبة، الورقة القديمة التي تحمل معلومات عن التلميذ، تعود شبه فارغة، تلعب دور الملف الحافظ، أما أوراق الأسئلة التي تتضمن الأجوبة تتميز بضيق الحيز، ولا يسمح بحملها لأية إشارة عن هوية صاحبها، مما قد يخلط الكم الهائل من الأوراق، وتضيع جهود المستحقين…
قد يعلق البعض على ملاحظاتنا بالقول أن ذلك “امتحان”، من طبيعته أن يهدف إلى “انتقاء” من يستحق النجاح إلى مستوى موالي، وقد لا يختلف كثير من المربين على ضرورة إجراء الامتحانات، كنوع من التقويم الذي تتعدد أوجهه، لكن في حالتنا هذه تتوحد عدة عوامل سلبية، تحد من فعالية الإجراء الجاري به العمل (الامتحان)، فكيف ذلك؟
بالإضافة إلى طول الأسئلة والمدد الزمنية غير الكافية، هناك صعوبة استيعاب الأسئلة والإجابة عنها، لعامل أساسي هو ضعف المستوى. لكن إلى ماذا يرجع ذلك؟ هناك أولا طول المقرر وكثرة المواد، وقلة أو انعدام الوسائل التعليمية، خاصة الحديثة منها كالمعلوميات، وهناك عامل آخر أخطر، لا يتم الحديث عنه، هو عدم ملاءمة المناهج والمقررات الجاري بها العمل مع مستوى التلاميذ ووسطهم المعيشي، حيث أنها تفترض حصول جميع التلاميذ، في بداية مشوارهم الدراسي على تلقين أولي لمدة سنتين (الروض)، وقد كان من المقرر أن تنتهي الوزارة من تعميم التعليم الأولي في سنة 2002…إن استمرار غياب ذلك، أو عدم مراجعة المناهج والمقررات، يؤثر بشكل سلبي على كم هائل من الأطفال، خاصة المتواجدين بالعالم القروي، رغم الجهود المضنية التي يقوم بها أغلب الأساتذة والأستاذات في ظل صعوبات مختلفة. كما لا يمكن لتدخل بعضهم غير اللائق، في المدن والقرى، أثناء الامتحان لتقديم “يد العون” للممتحنين، أن يحجب حقيقة ضعف المستوى، الذي تتحمل مسؤوليته جهات متعددة.
لكن التساؤل الأساسي الذي يمكن طرحه، هو عن إلغاء الامتحان في مواد النشاط العلمي والتاريخ والجغرافية والتربية على المواطنة، ليس قصدنا هو “تضخيم الامتحان”، لكن مجرد التساؤل عن مغزى وخلفيات الحذف، باعتبار أهمية هذه المواد في تكوين شخصية الإنسان وتنوع ثقافته، بل من الأحرى، تعزيز المواد المدرسة في الابتدائي بمواد أخرى كعلوم التواصل والإعلاميات، لحاجة مستجدة وملحة، حتى لا تبقى المدرسة متأخرة عن الركب، ومتخلفة حتى عن أي “مقهى انترنيت”.
ختاما نذكر بأن بعض التلاميذ لم يلتحقوا بالمدارس المركزية، لإجراء الامتحان، في العالم القروي، حيث تتشتت وتبتعد الفرعيات، وهو ما يعتبر دافعا إلى الهدر المدرسي في سن مبكرة، فإلى متى ستظل المدرسة ترزح تحت مشاكل متنوعة، أساسها تدبيري، تكون ضحيته أجيال متعاقبة؟
مصطفى لمودن
بكل تأكيد لك أبناء أو إخوة يدرسون، ما رأيك؟ تفضل بكتابته… لكل مواطن الحق في إبداء رأيه…