الأربعاء، 5 ديسمبر 2007

حسين السلاوي… جرأة في التعبير وجدارة في الإبداع


     حسين السلاوي…
             جرأة في التعبير وجدارة في الإبداع
 هناك معجبون بفن حسين السلاوي، الذي بدأ الغناء في النصف الأول من القرن الماضي، وترك تحفا فنية، كانت سابقة في عصرها، وماتزال تشد السامع إلى الآن، بمواضيعها وألحانها، نعيد نشر القراءة التالية في فن المرحوم، من خلال عرض مسرحي استعراضي كانت قد قدمته القناة الثانية، ونُشر بإحدى الجرائد الوطنية.

    بحلول يوم 16 أبريل 2005 (تاريخ كتابة الموضوع) تكون قد مرت 54 سنة على وفاة المرحوم حسين السلاوي، المغني المبدع الذي أطرب معاصريه، ومازال فنه يجد إقبالا لدى اللاحقين، خصوصا من تستهويه النغمات الأنيقة والكلمات الرقيقة المفعمة بالجدية والبساطة.
   ليلة الجمعة 14 أبريل أعادت القناة الثانية الاعتبار لهذا الفنان، بتقديمها مسرحية مغناة تحت عنوان: " حسين السلاوي ديما امعانا"، تتخللها لوحات راقصة، وذلك من طرف "مسرح المبادرة"، بينما كان الإخراج التلفزيوني لمحمد لبشير.
   تترابط فقرات العرض بتدخلات ممثليْن (رجل وامرأة) على شاكلة مقدمي السهرات المتلفزة، وتحضر حوارات بأشكال مختلفة بين مجموع الممثلين، سواء بتقديم ببلوغرافية الفنان أو لسرد أحداث تاريخية، أو لإدراج فكاهة ومستملحات.
    أما إعادة الدفء للأغاني فقد تكلف به ابن المرحوم محمد السلاوي، ليبقى خط الزمن مترابطا، بينما تكلف الممثلون بتشخيص إيحائي لمواضيع الأغاني، مع إحضار ما يتطلبه ذلك من لباس وإكسسوارات.
     كل ذلك جرى فوق ركح مسرحي، خلفيته نسيج قصبي تتدلى على جوانبه أقطاف الدالية وعناقيد العنب، يتوسطه كشك معدِّ الشاي، كأن ذلك يحيل على مكان عام، كمقهى في حي عتيق، أو في جانب من رياض، والعرض ككل هو بمثابة سمر شلة من عشاق طرب حسين السلاوي… ونحن كمشاهدين نختلس النظر إليهم. 
    قدمت الألحان الموسيقية بتوزيع جديد، وقد زادتها مشاركة آلات مختلفة رونقا وبهاء، علما أنه كان الفضل لحسين السلاوي في استعمال آلات جديدة في حينه، لتقديم أغانيه كالبيانو، وهو أول من أدخل الكورال (المرددون)، وحرص على أن تكون مدة الأغاني قصيرة لا تتعدى أربع دقائق في الغالب، مع ضمان جودة التسجيلات، إذ انتقل إلى باريس ليسجل في أفخم دار للموسيقى، كانت مرجعيته الموسيقية أصيلة ومتنوعة، حيث امتزجت النغمة العربية الأندلسية (رمل الماية، الأصفهان..) بالنغمة الزنجية (اكناوة) أو الشعبية (الطقطوقة)، ليُخرج ألحانه في قالب خاص به، يجمع بين الإطراب وشدّ السامعين للشدو، إذ الكلمة تصدح بالمعاني، فكانت الأغنية المنتقدة الصادمة لمجتمع يتدثر بطهرانية خادعة؛ حيث النساء المتزوجات يخرجن لملاقاة جنود الأمريكان، في أغنية رائعة تؤرخ للإنزال الأمريكي عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وما خلفه ذلك من تأثيرات ثقافية واجتماعية…أو أغانيه ذات الطابع الاجتماعي، سواء الواصفة لمظاهر مختلفة، أو المبتغية للإصلاح بشكل غير مباشر، كما في أغنية "أحض راسك"، ولم تخل مجموعته الغنائية من عاطفة ورومانسية، كما في "يا موجة غني" أو " طنجة يا العالية"، وبذلك نوع مواضيعه، وأبدع في ألحانه وحرص على مسحتها الشعبية نغما وإيقاعا وغناء. 
    ترك المرحوم ثروة هامة تقدر بخمسة وأربعين أغنية، عدى ألحانا مختلفة رغم قصر عمره، إذ لم يعش سوى ثلاثين سنة، حيث ازداد سنة 1921، ليودع الحياة سنة 1951، وذُكر أن سبب وفاته يعود لتسميم من قبل مجهولين قد ينتسبون لأوساط فنية، أججت أحقادَهم نجاحاته في الغناء، وأثناء العرض وبحضور الابن أُثير الموضوع، مع الإشارة إلى إمكانية استعمال التقدم العلمي لفحص بقايا الرفات. 
    سجل المرحوم حسين السلاوي وهنه في أغنية "يا غريب ليك الله" بالاشتراك مع رفيقته في الغناء بهية فرح (من أصل تونسي)، وقد أعيدت الأغنية على الخشبة تحت ضوء خافت تشوبه زرقة، تعبيرا عن الحزن.
    كان حسين السلاوي مبدعا ومطربا ومنتقدا ومصلحا… ونحن أحوج ما نكون فيه الآن إلى أمثاله، للنهوض بمجالات ثقافية وتعبيرية مختلفة. لكن هذا لا يمنع من الوقوف مجددا على تركة المرحوم كفنان وإنسان، من خلال فلمٍ خاص مثلا، وفي ذلك حصر لمسؤولية الجهات الوصية، كوزارة الثقافة والمعاهد، للمحافظة على ذاكرة الإنسان المغربي من التلف، وبوضع أنطولوجية الأغاني الشعبية برمتها لكافة الرواد والشيوخ والرواويس .
                             مصطفى لمودن
    نشرت بجريدة " اليسار الموحد" بتاريخ 22 أبريل 2005.