بشرى إيجورك الكاتبة والفنانة
إعادة الإعتبار للكتابة الخالصة، فهل تلقت الكاتبة النداء؟
أثناء فصل الصيف المنصرم، نشرت بشرى إيجورك مقالة لها بإحدى الجرائد الوطنية، ضمن ما تنشره كل سبت إلا في حالات نادرة لا يظهر لها شيء في هذا الموعد، وقد كتبتُ عن ذلك بهذه المدونة، بعدما استفزني ـ حقيقةـ بعض ما ورد في تلك المقالة، خاصة ما يتعلق بالإعجاب المفرط بمدينة إسمنتية في قلب الصحراء اسمها "دبي"، وأكثر ما أغاظني هو مدح مبطن لحاكمها، الذي لا يختلف عن كثير من الحكام العرب، فقط أن هذا المعني بالأمر هنا، يجثم على ثروة نفطية هائلة، تجعل منه حاكما بأمره، ولا معارضة أو مشاكل اقتصادية تهدده أوتهدد رعاياه، ستجد في الأخير نسخة عن تلك المقالة التي نشرت تُغنيك عن إعادة البحث عنها. لكن ما أثار انتباهي هذه المرة وبشكل إيجابي، هو التوصيف الجيد لوضعية المدينة الإسمنتية بتناقضاتها القاسية في مقالة حديثة للكاتبة، بعض هذه التناقضات يقودك إلى مشاهد من العصور الوسطى، مثل الاستغلال الفاحش للعمالة الأجنبية، وحضور الرقيق الأبيض والبغايا لتأثيث المشهد " الجذاب " لمدينة الإسمنت والنفط، هذا " المشهد" لنا فيه للأسف من المغرب الأقصى دور في إخراجه! وذلك بعدما سافرتْ كاتبتنا الشابة إلى نفس المدينة، قصد وضع اللمسات الأخيرة على أعمالهما الفنية، خاصة ما تعده من أفلام وثائقية لإحدى القنوات الخليجية عن المغرب، حسب ما ذكرته في أحد مقالاتها، نحيي الكاتبة على قوة بصيرتها وحدة بصرها لاستكشاف الظاهر الواضح الذي يسكت عنه الكثيرون في انتظار المقابل العاجل أو الآجل الذي سوف لن يكون غير المنح والعطايا، مقابل التخلي عن الكرامة،كمثل ما أعتبر أحدُهم ـ أعياه " النضال" في مصرـ في أحد أعداد "المساء" دولة قطر بأندلس جديدة!!! ربما بذلك يتنبأ دون أن يعي أنها ستفقد إلى الأبد، والفقْدُ قد بدأ بغلبة العنصر البشري الوارد على منطقة الخليج عددا،مادام سكانها الأصليون أقلية مترفة تعيش عاطلة في نعيم نزل صدفة كبئر نفط، وأهم ما أعجبه حسب قوله هو توزيع ريع النفط على المواطنين.
قلت سابقا في هذه المدونة لبشرى إنك تمثليننا، تكتبين باسمنا، خاصة أنك مثقفة وتشقين طريقك بثبات نحو ترسيخ مكانة متميزة في الفن عموما، لن ينال فيها الرفعة والسؤدد إلا أولو مبدأ، والمنافحون عن الحق والمظلومين.
وإن كانت تُظهر نفسها أحيانا في تماه مع ديكور مهرجان دبي السينمائي الذي حضرته.
ليعذرني قراء هذه المدونة، سأضع بين أيديكم نتاج الأخت بشرى على غير عادتي معكم، حيث أمدكم بما أكتب أنا، أو بما يتفضل به أصدقاءٌ طوعَ إرادتهم، تقول المخرجة والكاتبة والممثلة…بشرى إيجورك عبر جريدة "المساء" في العدد 286ـ (15ـ16 دجنبر 2007) في مقالة بعنوان مشاهد تراجيدية في كتابة بشكل سينمائي تعتمد توالي المشاهد:
المشهد الهندي
لهم حضور مقلق، على وجوههم حزن وشرود، نظراتهم غائبة وأجسادهم نحيلة…
للفقراء شكل واحد، وحزن واحد، وجراح مختلفة…فلكل واحد قصته… لقمة العيش.
الهنود الذين يملؤون كل شبر من أرض دبي لا يعرفون سوى العمل والطاعة والاستجابة…يكدون في صمت، يشيدون الأبراج والفنادق والطرقات والجسور والحدائق…ويفترشون الأرض، يعملون تحث شمس حارقة تلفح أجسادهم الضعيفة، وتلهب وجوههم التعبة، يأكلون جالسين جماعات على الأرصفة… على رصيف الحياة القاسية، الظالمة، المستبدة، المستغلة…، ينتهي يومهم الطويل ليستقلوا حافلات خاصة بهم، لا يركبها غيرهم، في انتظار شمس أخرى.
وجودهم شبيه بالإشارات والملصقات، لم يعد يلفت انتباه أحد…يذكرونني بأجدادنا وآبائنا الذين بنوا مجد أوربا بسواعدهم وغربتهم وشقائهم…
بآلام لا تصفها الكلمات…
المشهد المغربي
ـ خليع ـ
لهن حضور مقلق ومستفز، على وجوههن مساحيق بذوق مبتذل، فتيات اكتشفن الترف السهل، مومسات محترفات يغازلن المارين… القادمين والمغادرين وعابري السبيل، لا تظهرن إلا ليلا، كالخفافيش والسارقين والقتلة… تتعرف بسهولة على لكنتهن الأطلسية وعل عبق بلد دنسن كبرياءه على أسرة الدعارة…
دخلت أحد الصالونات فصفعتني رائحة السجائر والضحكات الفاجرة… سألت إن كان المكان مخصصا لهن فدخلناه خطأ…أجابت مرافقتي: " تجدينهن في كل مكان، في كل قاعة تجميل، في كل مقهى، ملهى، فندق…غزيْن الخليج كالجراد واستولين على دبي وأصبحن أهم سلعة في سوق الدعارة العربية…
المشهد الإماراتي
مظاهر الفقر كقصص الطلاق، متشابهة كالألم والتمزق، ومظاهر الغنى متعددة ومختلفة ولا تتشابه مطلقا… والترف لا حدود لتجلياته، يبدو أحيانا ككذبة، كالمستحيل…
دبي مدينة العمالة الهندية والفلبينية المشردة، وفي الآن ذاته مدينة الثراء والأموال… مدينة تفخر بثرائها… لا تخفيه، لا تخاف أن تحسد عليه… يبديه في أغرب حالاته وأكثرها احتفالية واستعراضا…
طائرات الهيلكوبتر تحلق من المكاتب إلى المنازل، فالشيوخ لم تعد تسعدهم الطرقات، أصبحوا توجهون نحو بيوتهم ـ عفوا قصورهم ـ بالطائرات الخاصة…لتنزل الطائرة بسلام في حديقة القصر الشبيه برياض الأندلس المفقودة…
أما مهرجان دبي السينمائي الدولي، فقليل من السينما وكثير من البذخ…
تذكرت وأنا أعبر السجاد الأحمر رفقة المخرج التونسي نوري بوزيد وممثله الموهوب لطفي البدلي، وقد نزلنا للتو أنا والمخرج السوري ميار الرومي من سيارة بطراز ساحر…
تذكرت مهرجان مراكش السينمائي الدولي… شتان بين الاثنين… مراكش الروح والحياة والدفء والسينما…
هنا المفاهيم والقيم تحسب بالمال والذهب والفساتين…
كان فستاني جميلا، وملامحي مختلفة لأنها لم تخضع لجراح… هكذا قيل لي " مغربة مختلفة" تقدم مشهدا مغايرا للمشهد المغربي المأساوي السابق.
مشاهد تراجيدية بجنسيات مختلفة…بطلها الإنسان ومكانها مدينة المتناقضات والتحدي…حاضرة بعثت من صحراء قاحلة، تفخر بإنجازاتها وتبديها بغرور ومغالاة…ليست عنوان الغنى والأحلام السعيدة فقط، هي مشاهد تراجيدية أيضا، أبطالها تجاور أحزانهم أفراحه، وكوابيسهم أحلامها، وفقرهم ثراءها (انتهى)الفاحش
ملاحظة: نؤكد أننا لسنا في موقع من يقدم الدروس لأحد، هي أفكار ومواقف واحترام متبادل
ما كتب منذ الصيف المنصرم
إلى الفاتنة المفتونة بدبي
بشرى إيجورك
الأخت بشرى، تحية من قارئ تستهويه المطالعة وتتبع الأخبار بصفة عامة، يحرص على متابعة ما تكتبينه، منذ أن حصلت على حيز في جريدة واسعة الانتشار ك"المساء"، بنيت بالكد والجهد، ويعجبني أكثر أن تكوني ممثلة شابة مقتدرة وذات حمولة ثقافية، ووجهة نظر تدافعين عنها بكل ما أوتيت من قوة تعبير…ومما أضاف مسحة احترام لشخصك أنك كذلك كاتبة سيناريو، وربما لك صفات ومواهب وهوايات أخرى لا أعرفها يمكن أن تفيد الناس، أتمنى لك مزيدا من التألق…
لكن، الأخت الكريمة، أرجو أن تسمحي لي، لأبدي ملاحظات، فقد أثار انتباهي موضوعك النشور بالمساء ع. 273 ، ليوم السبت 4ـ5ـ 2007 لما يحمله من نقط جديرة بالمناقشة؛ إن إعجابك بدبي موقف مشروع يهمك وحدك، لكن أن تبرزي مدينة الخيام الإسمنتية بتلك الطريقة، وكأنها شيءخارق يضاهي مدنا متحضرة، فهذا منتهى العجب، فعلا قد تتضمن هذه المدينة وأمثالها بالخليج أعلى الأبراج وأضخم الأسواق…لكن لايجب أن يعزب عن بالك تكلفة ذلك، ليس من الجانب المالي، فهؤلاء القوم لم يعودوا يجدون مجالا لإنفاق أموالهم الكثيرة (غناهم نسبي بالمقارنة مع الغرب واليابان وحتى الصين الآن وهم لا يقدرون ذلك)، فيراكمون بها الأسلحة التي لا تصلح لشيء، أو يقدمونها تعويضات للجيوش الأمريكية الراعية والحارسة، التكلفة المقصودة هي مأساة العمال الآسيويين والأفارقة المقهورين، فهؤلاء يعملون بأجر زهيد في دول الترف الفاحش، ألم تلاحظي ذلك؟ هل بهرتك الأضواء والغنى. بالمناسبة كيف وصلت إلى دبي؟ كيف أديت ثمن تذاكر الطائرة والفندق و…؟ إنني لا أضمر نية سيئة،مجرد تساؤلات، إنك فوق كل الشبهات… رغم أن بعضا من هؤلاء قد عاثوا فسادا في الأرض، وقد يوجد من يذكرك بما فعلوه ببعض المغرر بهن من المغربيات، خاصة في أواخر القرن الماضي عندما سدت في وجوههم لعامل سياسي مصر ولبنان…نعود لموضوع تكلفة الهقر الإنساني؛ لقد تحدثت استطلاعات متلفزة وكتابات مختلفة عن مأساة العمال الأجانب في دول الخليج، آخرها ما قدمته قناة "الجزيرة" ليلة الثامن من غشت بعنوان "تسونامي على ضفاف الخليج"، حيث يفضل بعض هؤلاء العمال الانتحار على الاستمرار في التعرض للذل والمهانة، تصوري لو أن نفس المعاملة يتلقاها العمال المغاربة بكافة دول أوربا، لكن هيهات فهناك فرق، ولا مجال للمقارنة، رغم ما يطفو أحيانا على السطح من معاملات سيئة، إن كثيرا من الخليجيين فقدوا إنسانيتهم بسبب مال النفط ، والحاكمون مستبدون، يعلفون شعوبهم بكل ما لذ وطاب ليصمتوا، اعلمي أن هناك في تلك الدول لافاصل بين المال العام والمال الخصوصي، الكل في ملك الحاكم، لهذا لاأتفاجأ إذا كنت قد ضمنت مقالتك مدحا ظاهرا وآخر مبطنا، فكثير من هؤلاء يعشقون المدح والمديح، وعنوان المقالة مثلا له أكثر من معنى،(رؤية رجل) فللغة أحابيلها، من ذلك"بعد النظر والحكمة"، ومنه كذلك التعبير عن الرغبة في مجالسة الحاكم ورؤيته بالعين المجردة عن قرب، أنصحك ألا تقرئي الكتاب الذي تمنيت قراءته، لأنه بكل تأكيد ليس من بنات أفكار الحاكم، هل تعتقدين أن حاكما تقليديا يخط كلمة على ورقة، أعرف أنك ذكية ولست بلهاء، لهذا أظن وبعض الظن إثم أنك ربما ودون وعي منك تقصدين نيل حظوة ما، أما العباءة السوداء التي اقتنيت، ووضعتينها فوق الدجين كما قلت، فقد أحسنت صنعا، لقد قلت الغربان بشمال إفريقيا عموما، وقد لاتتبعك الكثيرات ما تدعين له من موضة خاصة في رمضان المقبل كما قلت، إن وشاح أمي، وخمار جدتي أروع بكثير، وحرية الإنسان فيما اختار أروع من كل شيء، بما فيه حريتك أنت كذلك الأخت الكريمة.
تعرفين أن يد هؤلاء طويلة، بمالهم يصلون إلى كل مناطق العالم، وهناك من يخطب ودهم، بل حتى "معروفهم" لابد له من ثمن، الأخت الكريمة، أرجو أن تترزني، إنك تحملين صورتنا، تنوبين عنا في حلك وترحالك، كأي مغربي /مغربية، له صفة معنوية، خاصة بالنسبة للمثقفين، وذوي المسؤوليات الرسمية، كأنك تكتبين باسمنا، ومازال أمامك مستقبل واعد ومشرق انطلاقا من الخطوات التي تسيرين عليها، وأعلمي أن المغاربة ليسوا أغبياء، أنتظر منك شخصيا تألقا صادقا…
أخوك في المواطنة مصطفى لمودن