الثلاثاء، 19 مايو 2009

البكاء خلف الميت…! رسالة إلى مترشح(ة)


البكاء خلف الميت…!
رسالة إلى  مترشح(ة)
 
مصطفى لمودن  
    أخي المترشح أختي المترشحة، نعرف أن وقتك ضيق ولا تجد من فرط انشغالك ثانية فارغة لتحك رأسك، فأنت غارق حتى الأذنين في الاستعدادات للحملة وبعدها ستدخل غمارها فتنقلب بين ثنايا أمواجها كقشة في سيل جارف.. ولكن مع ذلك لنقلب لعبة التخاطب، ونوزع نحن عليك ورقتنا هاته، قبل أن تبعثر أنت الملايين، من الأوراق طبعا، وليس ملايين السنتيمات، فقد حددتها السلطات في خمسة فقط، لك أن تختار كيف تنفقها (أنت ونيتك والنية أصدق من العمل !).
   هل تساءلت عن سبب ترشحك؟ 
  هل تريد فعلا وصدقا خدمة جماعتك الحضرية أو القروية؟ هل ستساهم في تنمية الاقتصاد وتوفير فرص الشغل للعاطلين؟ هل ستضع تدابير عملية للمحافظة على البيئة ليتنفس المواطنون هواء نقيا ويتخلصون من نفاياتهم بأسهل الطرق وأسلمها؟ هل لك رؤية ثقافية ورياضية تلبي الحاجيات الملحة لأجيال تائهة بين ما تزخر به فضاءات العولمة الجديدة من إغراءات وما يشد إلى "تقليدانية" يسوق لها البعض باعتبارها خلاصا؟ هل لك خطة لتنمية موارد جماعتك دون حد التضييق على دافعي الضرائب أو الحد من قدراتهم الشرائية والاستثمارية؟ بل هل ستكون أشد مدافع عن ترشيد النفقات ووضع كل درهم فيما يفيد المواطنين؟ علما أن هؤلاء هم من يدفعون حتى تعدّون أنتم الميزانيات، وكيف ستنظر في النقص الهائل الذي تعانيه جماعتك من المرافق العمومية لتلبية حاجيات المواطنين الكثيرة؟ لا تدعي أن كل شيء متوفر، أو تقول أننا لسنا في السويد ليكون لكل حي ملاعب رياضية وقاعات عروض ومستوصف ومكتبة وحدائق غناء وشوارع فسيحة بدون حفر تكلل جوانبَها أشجارٌ وورود..! هل تعرف معنى "العولمة" وكيفية "الدخول" فيها؟ وهل سمعت بالأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية في العالم بأسره وهل ستواجهها من جماعتك الصغيرة؟ إذا لم تكن لك العزيمة للنظر في كل ذلك فالأجدر بك أن تسخن كراسي المقاهي عوض كراسي الجماعات المحلية.
    أم ستدخل غمار الحملة وأنفك مرفوع يتشمم "الميزانيات" وما سيصلك من علاوات؟ أم ستلج الانتخابات وسيفك مسلول لتكون "الرئيس" الذي سيدفع يمينا وشمالا من أجل ذلك؟ وهل تنوي الدخول في "غمرة الفيضانات"، عفوا الانتخابات ليكون لك صوت مسموع في كل عمليات المزايدات، ليس مزايدات ذات النقاشات والمرافعات العقيمة، بل مزايدات "البورصات أو الجوطيات" (بحال بحال) من أجل عدة "واجهات" أو "فيترينات" سلعتها بائرة وسنداتها فقدت بريقها؟
 لعلك تفكر وتحصي من الآن بكم سيعود عليك النجاح في الانتخابات؟
   كم سيدفع لك المتسابقون من الأسود والنمور الورقية في صراعهم من أجل الرئاسة؟ وكم ستأخذ أثناء تشكيل مجلس الجهة ووضع رئيس منتخب/معين على "قمتها"؟ وما هو المقدار الذي ستنال من أجل المصادقة على المكتب الإقليمي "المنتخب"؟ و"الهمزة" الكبيرة التي تنتظرك طبعا ويسيل لها لعابك من الآن هي انتظار القرعة (نعم القرعة بضم حرف القاف حتى لا تظنها الكرعة) يومها ستصبح عريسا من جديد تشنف أسماعك الزغاريد والطبول، أو ضيفا "يكرم" في أفخم الفنادق، حينها ستحس بأنك أحسنت "الاستثمار" في السياسة وأن ما دفعته من مال لم يذهب "سدا"، أكيد ستضع "صوتك" في الصندوق وأنت مغتبط لتختار عضوا جديدا(قديما)  في مجلس المستشارين، وستفرح أكثر إذا كنت على غير اطلاع أن هذه "القرعة" تدار كل ثلاث سنوات، لتبقى "الحركة" دايرة في البلاد..! ناهيك على ما يوفره لك حصولك على تفويض من الرئيس ل"قضاء" بعض المصالح كأن تقضي وقتك في التوقيع على عقود الازدياد (مهمة جسيمة حقا!)… مما يتيح لك "الارتباط الفعلي" بالجماهير، إذا لم تكن أنت هو سعادة الرئيس بشحمه ولحمه فتقتني لك كرسيا دوارا وتجدد أثاث مكتبك ولا تنسى سيارة جديدة تليق ب"مقامك" تفوق سيارة "العامل" حجما ورونقا فأنت "المنتخب" أولى.
   وإذا كنت "خوايضيا " عفوا " محظوظا " فستنال الحظوة لعضوية إحدى الغرف المهنية، وإذا كنت لا ترغب في السباق من أجل رئاسة أحد مكاتبها، ننصحك فقط برفع "السومة" لأن الدفع المسبق كبير ومهم في هذا المجال لتساند أحدهم كي يصفي حساباته القديمة مع أحدهم أو معهم جميعا.
    أختي المترشحة أخي المترشح ، لقد مل المواطنون من مثل هذه الصور البئيسة ومن مثل هذه التصرفات الهجينة، وضاع المغرب في ترسيخ تجربة "ديموقراطية" محلية حقيقية، لا أحد من ذوي النفوذ وأصحاب القرار يريدها أن تتركز في ذهن المواطن وعقليته وسلوكه ، لتكون صناديق الاقتراع مفتاحا حقيقيا لحل مشاكله اليومية، وتكون الجماعات المحلية مشتلا للديمقراطيين وفضاء للحوار والإبداع المحلي، وقد فضلت الكثير من الأحزاب (والمترشحين) ممارسة هواية "تبادل المنفعة"، واضعة مصالحها الضيقة فوق مصلحة الوطن والمواطنين، فلا تيأس أخي المترشح أختي المترشحة حينما لا تجد آذانا صاغية ل"حملتك الضارية"، وفكر فيما ينتظرك من "مجد"، وأعلم أن السبب وراء عزوف المواطنين عن الانتخابات هو ما تواتر من تزوير منذ مدة طويلة، وكل مرة كانت حليمة تعود لعادتها القديمة، كما أن زملاءك السابقين (وربما كنت واحدا منهم) كانوا يوزعون الوعود وأحلام اليقظة بغد جديد، وهم يخادعون (أو هم المخدوعون) ولا يتحدثون عن الإمكانيات الحقيقية للجماعات المحلية، سواء ما تتوفر عليه من موارد مالية ومن طاقات بشرية، ناهيك عن "الحصار"القانوني و"ثقل" سلطة الوصاية، وهو ما يتطلب نقاشا وطنيا حول الموضوع، ولنا مقترحات متواضعة في ذلك، منها ما سبق نشره… إن التاريخ لن يرحمك والأجيال القادمة ستحاسبك على الوقت والطاقة التي أهدرت بدون طائل.
   ورغم ذلك ليس لنا من بديل غير الانتخابات لاختيار ممثلين عنا نزهاء صالحين قد يفوا بالغرض، ولن نعدم مناضلين خلص يرتقون بالمسؤولية من مجرد "منصب انتهازي" إلى منبر للصدح بهموم الكادحين والشباب والنساء والأطفال والمقاولة المواطنة والبيئة السليمة والخدمات العمومية التي لا امتيازات  خاصة فيها… في انتظار أن تكون يوما لمختلف الأجهزة المنتخبة مسؤولية حقيقية حتى يلتف حولها الشعب.
     ————————
  نشر بجريدة “الشعاع القاسمي، العدد 23 ، ماي 2009، ضمن عمود اقترحت هيئة التحرير أن أشارك به في كل عدد.
 ——————–
    ما رأيك أيها القاريء الكريم ؟