الأحد، 31 مايو 2009

حزب الهمة يتحول إلى المعارضة انتفاضة أم زوبعة في فنجان؟


حزب الهمة يتحول إلى المعارضة
انتفاضة أم زوبعة في فنجان؟  
    مصطفى لمودن
 أعلن حزب الهمة عن فك ارتباطه بحكومة عباس الفاسي وذلك في ندوة حضرها أعضاء من المكتب السياسي لحزب "الأصالة والمعاصرة" يوم الجمعة 29 ماي 2009 بالرباط، وقرأ الأمين العام للحزب محمد الشيخ بيد الله بلاغا حول ذلك، مرجعا سبب انسحاب حزبه من الأغلبية الحكومية إلى "الأزمة المفتعلة" التي طرأت بعد تقدم مرشحين ضمن لوائح الحزب للانتخابات الجماعية الحالية نعتوا بالرحل، وقد رفضت مصالح وزارة الداخلية تقبل ترشيحاتهم في البداية استنادا إلى المادة الخامسة من قانون الأحزاب الصادر في 14 فبراير 2006، التي جاء فيها بالحرف: " للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد أن ينخرطوا بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية، غير أنه لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشيح لهذه الانتخابات."  وقد أثار ذلك جدلا حادا اتخذ صبغة قانونية من قبل المختصين، فالأمانة العامة للحكومة أفتت بأسبقية التحكيم لقانون الأحزاب واعتبرته "أمرا" لا راد لقاضائه، بينما رأى آخرون أن المادة الخامسة من قانون الأحزاب بالخصوص "غير دستورية" وتتعارض مع الفصل التاسع من الدستور حيث هناك ضمانة للمواطن من أجل " حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم ولا يمكن أنيوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون.". وكان للحدث كذلك نقشات ذات صبغة سياسية، وقد أجمعت أغلب الأحزاب على أن لجوء "الوافد الجديد" والمقصود به حزب فؤاد عالي الهمة كاتب الدولة السابق بوزارة الداخلية إلى استقطاب أعضاء من أحزاب أخرى عمل غير أخلاقي حسب البعض، خاصة بالنسبة للذين يمثلون هيئات حزبية وسبق أن فازوا في انتخابات باسمها وما يزالون أعضاء بأحد غرفتي مجلس النواب، ويعللون ذلك بأن لهؤلاء الناخبين "تعاقدا" أخلاقيا مع من صوتوا عليهم وهم منتمون لهيئات سياسية معينة. وقد جعلت المحاكم الإدارية حدا لهذا الجدل بإجازة الترشيح للانتخابات الجماعية المقرر خوضها يوم الجمعة 12 يونيو 2009. لكن يحق أن نتساءل عن دور الأمانة العامة للحكومة قبل عرض القانون على البرلمان بغرفتيه، وما دور المجلس الدستوري الذي لم يلغ المادة المختلف حولها على الأقل ، وقبل ذلك ففي البرلمان ملمون بالقانون، كما أنه من المفترض أن يكون لكل حزب مستشاريه القانونيين للإدلاء بآرائهم في مثل هذه القضايا قبل فوات الأوان… أم كانت وراء إقرار القانون مصالح مشتركة بين عدة إطراف أباحت تجاوز هفواته؟ وإذا كان "الرحل" قد ربحوا قضايا لكنهم خسروا أخلاقيا، وأثبتوا أنهم لايستقرون على رأي…
    وفي نفس سياق الانتخابات أثارت بعض الأحزاب اعتبار "حزب الصالة والمعاصرة" من الأحزاب الكبيرة التي تنال حصة الأسد من حق استعمال الوسائل السمعية البصرية العمومية من أجل الدعاية للانتخابات، حيث هناك ثلاث فئات تقسم فيما بينها الحصص الزمنية المخصصة لذلك، ويرتب الحزب المشار إليه ضمن الفئة الأولى، رغم أنه حزب حديث النشأة، فقد رأى النور في 7غشت 2008، ولا يتوفر إلا على نائب برلماني واحد نجح باسمه في الانتخابات النيابية الجزئية التي جرت في 19 شتنبر 2008 عن منطقة تيزنيت، لكنه أصبح من الأحزاب التي تتوفر على 89 نائبا برلمانيا، منهم 46 في الغرفة العليا و43 بمجلس المستشارين، وقد انتقلوا تباعا من مختلف الأحزاب إلى وجهتهم الجديدة، وهو ما يتعارض مع ما يدعيه الحزب من "تخليق الحياة العامة"، كأحد الأهداف الموجبة لتأسيسه.
  وقد كانت الانتخابات الجزئية المشار إليه "درسا" استفاد منه الحزب كثيرا، ورأى كيف "يكتسح" الأعيان الانتخابات، وكيف يوظفون علاقاتهم النفعية مع المواطنين لجلب أكبر عدد من الناخبين الذين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في ظل عزوف انتخابي مزمن، فإذا كان بعض المثقفين القياديين بالحزب المذكور قد خرجوا خاويي الوفاض من تلك الانتخابات كحسن بنعدي بمراكش وصلاح الوديع بآسفي… بينما تفوق عليهم الأعيان في نزال انتخابي مغربي صرف لا يكون فيه الفوز حسب الانتماء الحزبي أو التاريخ النضالي للمترشح أو برنامجه ورؤيته لحلحلة قضايا الناس ومشاكلهم، ولكن حسب شيء آخر يصعب حصره بشكل دقيق وعلمي، ولا يفسر إلا بتجييش أتباع وتقديم منافع.
   لهذا قاد حزب كاتب الدولة السابق بوزارة الداخلية والمطلع على الملفات الأمنية الحساسة والحياة الداخلية لجل الأحزاب بحكم وظيفته السابقة حملة قوية للجلب أكبر عدد ممكن من محترفي الانتخابات سواء بالمدن أو القرى، متبعا استراتيجة عقد التجمعات الضخمة بعدد من المناطق، كأن ذلك استعراض للقوة وتحد لباقي المنافسين وإخافتهم، وقد كان الحزب يسعى لتأسيس قناة تلفزيونية ربما كبداية لاستنساخ التجربة البرلسكونية في إيطاليا (نسبة إلى الوزير الأول سيلفيو بيرلوسكوني)، لكن المسعى لم يكلل بالنجاح، وكان عذر المسؤولين عن المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري غير مقنع لرفض الطلبات الجديدة من أجل تأسيس قنوات تلفزية، باعتبار سوق الإشهار لا يمكن أن يستوعب الجميع! وهو ما يمكن قراءته بالترقب والحذر من كل تحرك سياسي وإعلامي للوافد الجديد كما سماه البعض في انتظار تجلية الرؤية وانقشاع الضباب.
  لكن ما الدافع الذي يجعل كل هؤلاء "السياسيين" المخضرمين، يتركون أحزابهم ويلتحقون ب"الأصالة والمعاصرة"؟ وماذا وجدوا في "الجرار" (رمز الحزب)من إثارة شدتهم  وجذبتهم إليه بقوة؟ حتى يتزاحموا لركوبه جميعا والتمسح بعجلاته وحديده البراق!
    هل ذلك يعود إلى البحث عن مظلة قوية يحتمون تحتها وركيزة متينة يربطون بها مصالحهم؟ تجعلهم في مأمن من كل مراقبة أو مساءلة، علما أن جمع المال في المغرب خلال العقود القريبة لم يكن كله مشروعا، وستظل هناك ظلال وعتمات لا يقربها أحد، وكلما لامس القانون جهة ما إلا وتثار ضجة من هنا وهناك والأمثلة عديدة، إلا في حالات ناذرة مست بعض المقربين من إدريس البصري وزير الداخلية الأسبق على سبيل المثال، بينما رأينا كيف تعثر طويلا ملف عبد الرزاق أفيلال وغيره، وملفات مؤسسات عمومية وشبه عمومية كالقرض العقاري والسياحي ومجالس منتخبة حامت حول حساباتها شبهات، وكل ناهب للمال يضع يده على قلبه كلما سمع بالمحاسبة.
    وهناك من يثير علاقة فؤاد عالي الهمة بالملك و ينعت هذا الأخير بصديق الملك، والحزب يترك ذلك ملتبسا ولا يوضحه، ربما يريد استغلال هذا المعطى لصالحه، وقد التف الأمين العام للحزب بدوره وتهرب من الإدلاء بجواب واضح عن سؤال حول ذلك لما كان ضيفا في منتصف شهر ماي على القناة الأولى في شخص برنامج "حوار" الذي يقدمه مصطفى العلوي . وربما لهاذ الغرض أيضا رفع الملك محمد السادس كل التباس حينما قال في خطاب العرش يوم الأربعاء 30 يوليوز 2008:" وسأظل، شعبي العزيز، كما عهدتني، ملكا لجميع المغاربة، على اختلاف مكوناتهم، ورمزا لوحدة الأمة، ومؤتمنا على سيادة المملكة وحوزتها الترابية، وضامنا لحقوق الأفراد والجماعات". 
   وهناك من يعتبر حزب "الأصالة والمعاصرة" نسخة معادة مما يفرزه "المخزن" عبر حقب مختلفة، وبمسميات متنوعة، لكن لنفس الغرض ووفق نفس الخطة الهادفة إلى التحكم في المشهد السياسي، وسحب البساط "بالفن" من تحت الخصوم، مادام "الخيار" الديمقراطي لا رجعة فيه، وأن مسلك الاحتكام لصناديق الاقتراع "لعبة" متوافق حولها ولا بديل لها الآن، خاصة أن تكوين مجالس منتخبة محليا ووطنيا يعطي انطباعا بوجود الديمقراطية والاحتكام لها، لكن المتحكم فيها وفي نتائجها طبعا، وبهامش خطأ بسيط جدا حول الأهداف المخطط لها مسبقا، بحيث لا تظهر قوة بارزة غير مطواعة مع الحفاظ على بقاء الجميع،  وهو الأسلوب المتبع منذ بداية الستينيات من القرن الماضي عندما أوعز لأحمد رضا اكديرة بتأسيس "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية"، وفي سنة 1977 ظهر "التجمع الوطني للأحرار" بزعامة أحمد عصمان، الذي كون ائتلافا حزبيا من برلمانيين كانوا قد "اكتسحوا" الانتخابات التشريعية أنذاك بصفتهم "أحرارا" ( لم يحدث أن كانت الانتخابات نزيهة في المغرب)، وكرر العملية "الاتحاد الدستوري" مع المعطي بوعبيد الذي كان حينها وزيرا أولا لتعطى لحزبه ملاعق من ذهب ويحصل على أغلبية برلمانية مريحة! على أساس أن يحصل كما جرت العادة تبادل للمنافع بين عدة أطراف مستفيدة من كعكعة خيرات الوطن واقتصاده، وهكذا كان هذا الحزب الأخير ووزيره في العدل آنذاك عبد الرحمان أمالو قد بصموا على أكبر حملة ظالمة ضد بعض رجال الأعمال في عهد إدريس البصري سنة 1996 عقابا لهم على بعض مواقفهم وعدم انصياعهم. فهل يعيد "الأصالة والمعصرة" الكرة من جديد لكن بوجوه جديدة وبفسيفساء من شخصيات مختلفة؟ منها من كان يقول أنه ينتمي إلى اليسار، وقد أعياه "النضال" والانتظار الذي طال من أجل المشاركة والاستفادة من العائدات الرمزية والمادية للحكم، بالإضافة إلى خليط من الأعيان ساهموا في موسم هجرة جديد بعدما لم تعد أحزابهم التقليدية قادرة على ضمان مصالحهم.  
   أم يعود انخراط فاعلين سياسيين بالحزب الجديد إلى إضافة جديدة حملها؟ فهو على الأقل قد بعثر كثيرا من الأوراق، وأفاق البعض من سباتهم، خاصة المتعودون على تحصيل نصيبهم من التوزيع المسبق للأدوار (الكوطة) دون عناء أو افتعال تسابق وهمي نحو المناصب النيابية والحكومية كما كان جار به العمل سابقا.
    غير أن الانعطافة الجديدة التي قام بها الحزب وإعلانه قطع حبل الصرة مع الحكومة يثير أكثر من تساؤل، فهل المقصود بتخليه عن حكومة عباس الفاسي مجرد رغبة في إحداث رجة لدى الناخبين واستمالتهم بذلك؟ والإيحاء لهم بأن هناك مساحة واسعة يجول فيها الحزب كما يشاء؟ وليس له يد في التدبير الحكومي الحالي الذي لا يرضى عنه كثير من المواطنين؟ والجميع يتذكر كيف تعاملت الحكومة مع "مدونة السير" التي اضطرت إلى توقيف نقاشها بمجلس المستشارين لما أثارته من ردود فعل قوية من طرف عدد من النقابات، والحزب بذلك يوجه رسالة إلى كل من يهمه الأمر، خلاصتها أنه حزب قوي وله تمثيلية واسعة، خاصة إذا فاز بعدد مهم من المقاعد على مستوى الجماعات المحلية رغم أنه ترشح فقط في نصف الجماعات، لكنه يراهن على الأهم منها، خاصة المدن الكبرى والمتوسطة ، وبالتالي يجب أن يحتل موقعا متميزا من أي تشكيلة حكومية مرتقبة، وهو بذلك يقامر، بحيث ستكون نهايته في حالة فشله في الانتخابات الجماعية، خاصة لما يتأكد لكل راغب في "الحماية" أن الحزب غير قادر على ضمانها وأنه كباقي الأحزاب ولا يتوفر على "حظوة" خاصة، مما سيغير وجهة المنتخبين الرحل مرة أخرى، وهو ما قد يفقد "الأصالة والمعصرة" توهجه الذي يحاول مسؤولوه جاهدين الحفاظ عليه في ظل ابتعاد الناس عن السياسة والانتخابات بشكل واسع.
    لم يظهر إلى حد الآن موقف أقرب المقربين من " الأصالة والمعاصرة" وهو حزب "التجمع الوطني للأحرار"، إذ بينهما تنسيق وعمل نيابي مشترك، و"التجمع الوطني للأحرار" هو أحد الركائز الأساسية للتحالف الحكومي القائم إلى جانب حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، علما أن الملك محمد السادس أكد دعمه للحكومة في اتصال له بالوزير الأول من إقامته بفرنسا كما جاء على لسان الإعلام العمومي.
    وإذا كان الحزب المنسحب من الحكومة قد ذكر بأنه سيستمر في "العمل في إطار دعم المؤسسات لخدمة مصالح البلاد ويلعب دوره كاملا إلى جانب القوى الحية في البلاد"، وهو ما يعتبر لعبا على الحبل، وخطابا غير واضح، فكيف لا يكون أكثر جرأة ويسحب وزيره المكلف بحقيبة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي من الفريق الحكومي أحد اخشيشن عضو مكتبه السياسي؟
   هل سيسير الحزب بعد انتهاء الانتخابات المحلية وبعد إحصاء الأرباح والخسائر المترتبة عن يوم 12 يونيو إلى تقديم ملتمس رقابة والإطاحة دستوريا بالحكومة، خاصة أن هذه الأخيرة أصبحت تسير شؤون البلاد اعتمادا على أقلية برلمانية؟ علما أن الحكومة لم تعد تتوفر سوى على 94 برلمانيا من 325 داخل الغرفة العليا، وإذا أضفنا إلى ذلك كثرة "الناقمين" على الحكومة الحالية واتساع نطاق معارضتها من داخل مجلس النواب ولو على المستوى النظري، فإن مبادرة إسقاط الحكومة وبقليل من اللباقة والدهاء السياسي يمكن أن تنجح العملية، وتخلف انعكاسا إيجابيا على المستوى السياسي للبلد داخليا وخارجيا، فالمغرب في حاجة ماسة إلى ما يلفت إليه الأنظار على  المستوى الإعلامي والدبلوماسي، إذا لم يكن أصلا القصد هو كل ما ذكرنا وقد رتب بشكل دقيق. 
  نعتقد أنه إذا لم تحدث رجة حقيقية ذات بعد سياسي وحزبي، وإذا لم يتم اصطفاف الأطراف السياسية الفاعلة حسب مرجعياتها، وإذا لم تعط صلاحيات دستورية وقانونية لكل المجالس المنتخبة، وإذا لم تكرس مبادئ الشفافية والوضوح في تدبير قضايا الوطن… فإن دار لقمان ستبقى على حالها، وكل حركة لن تتعدى وصفها باختلاق زوبعة في فنجان لا تحرك ساكنا ولا تلفت انتباه أحد.
 ————————-
إشارةالمرجو من كل من أعاد نشر هذا الموضوع الإشارة إلى المصدر وذلك أضعف الإيمان