الثلاثاء، 19 يناير 2010

حــــتى لا نـــنـــسى


 حــــتى لا نـــنـــسى 
سيدي سليمان: رضا سكحال
"إن الذين يغتالون أصحاب الكلمة، إنما يختارونهم للقتل فإذا كانت كلماتهم تخيف وهم أحياء، صارت أكثر مدعاة للخوف وهم شهداء"
اغتالوا حسين مروة بلبنان بكاتم للصوت ظنا منهم أن كاتم الصوت سيكتم الجريمة، واغتالوا عبد الله حمدان الملقب بالمهدي عامل مفكر الحزب الشيوعي اللبناني بطلقات من مسدس الخيانة، واغتالوا فرج فوده بمصر، وعبد القادر علولة بالجزائر، وعمر بن جلون بالمغرب، والمعطي بومالي بجامعة  بالمغرب بوجدة سنة 1991. هته عينة من جرائم القوى العدمية الصفرية التي تطاولت يداها المتسختان لاغتيال الأصوات التقدمية  والمفكرين التقدميين من داخل الوطن العربي الجريح. هته بعض الدماء التي سفكتها الجماعات المتطرفة التي تتستر وراء الدين لتنفيذ جرائمها البشعة في حق المناضلين، فهؤلاء يردون على تحديات الكتب بالنار، ويغتالون شدو العندليب إذا طغى يوما على نهيق الحمار، مهما اشتعلت لتنير لهم الدجى اغتالوك في واضح النهار.
إذا لم يكن غريبا أن تمتد أيادي أحفاد هولاكو لتغتال الرفيق آيت الجيد محمد بنعيسى شهيد اللجان الانتقالية والإتحاد الوطني لطلبة المغرب بجامعة ظهر المهراز بفاس، فبعد اغتيال الرفيق المعطي بومالي بوجدة، ستقتحم عصابات عبد السلام كسوس الملقب بياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، الحي الجامعي بفاس وتشبع الجماهير الطلابية ركلا ورفسا، وتحاول اغتيال الرفيق نور الدين جرير، حيت سيختلف مجرموا العدل والإحسان وعصابات الوحدة والتواصل التابعة للواء العدالة والتنمية (الإخوة الأعداء)، على كيفية ذبح نور الدين جرير، وكأنه خروف ينحر يوم العيد، ليتم كسر رجله وفكه وتسليمه لجهاز القمع، حيت حوكم ب 10 سنوات نافدة.
لما فشلت الغدر والإحسان في تنفيذ مخططها الشيطاني، شاط عبد السلام كسوس غضبا وهندس عملية اغتيال الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى شهيد اللجان الانتقالية بفاس سنة 1993. سأحاول من خلال هته الورقة التعريف بالشهيد آيت الجيد وكيف اغتالته القوى الظلامية.
ورقة تعريفية بالشهيد
 
محمد بنعيسى آيت الجيد
في قرية صغيرة بدوار تزكى أدوبلول بإقليم طاطا، ومن عائلة فقيرة أزداد أصغر إخوته آيت الجيد محمد بنعيسى  سنة 1964، التحق بمدينة فاس، حيت مكان إقامة كبير إخوته، لمتابعة دراسته الابتدائية بمدرسة المعلمين (ابن الخطيب سابقا) مع بداية الثمانينات التحق بالتعليم الثانوي بثانوية ابن خلدون، حيث ابتدأ نشاطه النضالي في القطاع التلاميذي منذ سنة 1983، وفي سنة 1984 تم نقله تعسفيا من تلك الثانوية ليلتحق بثانوية "القرويين"، وكان ذلك في خضم الحركة الاحتجاجية ليناير 1984، والتي ساهم فيها الرفيق بنعيسى بقسط وافر.
وتحت ضغط الإدارة على عائلته، سينقل إلى ثانوية "ابن الهيثم" حيث حصل على شهادة الباكلوريا سنة 1986.
    بالموازاة مع نشاطه النضالي في صفوف الحركة التلاميذية، ساهم الرفيق مساهمة جادة في العمل الجمعوي، وظل إلى حدود استشهاده عضوا نشيطا بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
 كان التحاق بنعيسى بالجامعة خلال 1986-1987، التحاقا نضاليا، عكسه حضوره النشيط داخل الحركة الطلابية، حيث ظهر اسمه إلى جانب مجموعة من رفاقه ضمن لائحة الموقوفين ( وعددهم 39) خلال الموسم الدراسي 87-88، عقب تظاهرة 20 يناير المجيدة، والتي سقط على إثرها الشهيدان: عادل الأجراوي وزبيدة خليفة.
وقد كانت هذه الأحداث وراء وجود بنعيسى في حالة متابعة قضائية،هذه المتابعة التي ستتعمق أكثر على إثر معركة مقاطعة الامتحانات لسنة 1989 ، حيث ظل البوليس يلاحقه بشكل مكشوف ومسعور.
ويأبى الشهيد إلا أن يواصل التحامه بقضايا الجماهير الطلابية ضمن فصيل: الطلبة القاعديين التقدميين، وقد كان عضوا بلجنة القسم للسنة الثانية أدب عربي، مشرفا على تنظيم اللقاءات والتجمعات، هذا الخيار كلفه ضريبة السجن سنة 1990، وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، تعرض بنعيسى في مخفر الشرطة لأبشع أنواع التعذيب، وحوكم بتهمة المشاركة والقيادة لأحداث 20 يناير 1988 بمدة حددت في ثمانية أشهر سجنا نافذة، بعدما كان قد قضى تسعة أشهر في السجن المدني بفاس.
في أبريل من سنة 1991، وبعد خروجه من السجن، التحق مجددا بصفوف الطلبة القاعديين التقدميين، وأصبح عضوا في اللجنة الانتقالية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب بفاس.
في شهر نونبر من سنة 1991، فوجئ الرفيق بنعيسى بعصابة من الظلاميين تتكون من حوالي 70 شخصا تحاصر مقر سكناه محاولة اختطافه، لكن التعاطف الذي كان يحظى به من طرف سكان الحي دفع بهؤلاء إلى مواجهة وطرد المجرمين دون تنفيذ إجرامهم المزمع.
لم يكن السجن كافيا للانتقام من نضالية الرفيق أيت الجيد محمد، بل إن عقلية تجريم العمل النقابي المسؤول، صادرت منحته خلال موسم 91-92، وهو القرار الذي ظل ساري المفعول طيلة الموسم 92-93 أي إلى حدود الاستشهاد.
في يوم الخميس الأسود 25 فبراير 1993، بينما كان الرفيق بنعيسى متجها إلى حي "ليراك" مع أحد رفاقه المسمى الخمار الحديوي على متن سيارة أجرة رقم رخصتها 445، فوجئ بعصابة ظلامية فاشية تحاصر السيارة، وتكسر الزجاج لتخرجاهما منها قسرا، وتنهال عليهما بالضرب مستعملة العصي المصفحة بالمسامير والسلاسل، والقضبان الحديدية والسكاكين، ولم تكتفي تلك العناصر التاتارية بذلك، بل أسقطت بنعيسى أرضا، وأوقعت عليه حجرا كبيرا يستعمل عادة للرصيف، وأدت الضربة إلى إحداث كسر كبير في جمجمته وكتفه.
أمضى الرفيق بنعيسى أربعة أيام في مستشفى الغساني بفاس دون عناية، وفي حراسة أمنية لأجل محاكمته بعد شفائه الذي لم يتم، خصوصا وأنه ظل متابعا قضائيا إلى يوم استشهاده.
يوم السبت 27 فبراير، تمكن رفاقه على نفقتهم الخاصة، وبحضور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من نقله إلى عيادة خاصة للفحص بالأشعة"سكانير"، وكان الشرطي يرافقهم في كل تحركاتهم، وجاء التقرير ليؤكد أن بنعيسى يعاني من كسر عميق بالجبهة اليمنى من الرأس، ومن نزيف دماغي داخلي،
يوم الاثنين فاتح مارس سنة 1993 ، على الساعة الثامنة إلا ربع صباحا، لفظ آيت الجيد محمد بنعيسى آخر أنفاسه، فشاع الخبر بسرعة الضوء في صفوف الجماهير الطلابية التي تجمهرت أمام مستشفى الغساني للمطالبة بتسليم الجثمان، إلا أن السلطات رفضت وأعطت وعدا بتسليمها على الساعة الحادية عشر من صباح اليوم الموالي.
وفي الموعد المحدد الثلاثاء 2 مارس 1993 تجمع حوالي 17.000 طالب وطالبة لتسلم الجثمان وتشييع الجنازة، إلا أن الحضور يفاجأ بالخبر/الفاجعة: اختطفت السلطات الجثة وهربتها إلى مكان مجهول في ساعة متأخرة من الليلة الماضية.
هذا هو قدر المناضل الصلب، أزعجهم حيا ثم أفزعهم مستشهدا…