الجمعة، 2 يوليو 2010

الزواج العابر للقارات


الزواج العابر للقارات  
 
قبل أيام ودعت صديقي بعدما أتم جميع الإجراءات وحصل على الفيزا ورحل عبر المطار، لقد تزوج من فيلندية، كانت عليه علامات الفرح، لأنه سيغادر المغرب وهو  فيه بدون شغل قار، ولكن في نفس الوقت يشعر بخوف داخلي من تجربة حياة جديدة سيأخذها في مكان بعيد عن موطنه الأصلي، لقد كانت زوجة أخيه الرومانية من ساهم في هذه الزيجة، أخوه مقيم في إيطاليا منذ سنوات، وله بنت لها اسمان، تعيش متشظية بين ثلاث ثقافات، بلد الإقامة (إيطاليا) حيث تدرس وتعيش، وبلد أمها (رومانيا)، وبلد أبيها (المغرب)…وقد لحق هناك رفقة أخوين آخرين بوالده الذي شاخ الآن، لتلتحق بهم بعد ذلك الوالدة، ويجتمع شمل العائلة هناك بقدوم كل الأبناء، باستثناء الذي كان حظه فيلندا… نسرد هذه الوقائع وليس من الضروري أن نستحضر تجربة العداء المغربي خالد السكاح الذي تزوج من هلسينكي، وقد فضلت زوجته ـ كما يقول ـ اختطاف أبنائه من المغرب والعودة بهم إلى فيلندا، متهما في ذلك سفارة بلد أصهاره بالمغرب على تقديم العون اللوجستيكي لزوجته.. ولكن قد يحدث في الواقع نقيض ما نقول، فأمام ناظري بشكل يومي صيدلي في مدينتي وقد عاد من دولة شرقية بشهادة الصيدلة وزوجة أنيقة، بدورها صيدلية، وهما معا يمضيان في رحلة العمر كباقي الأزواج، وهناك أمثلة كثيرة فضلت الزوجات القدوم مع الزوج المغربي إلى بلده والعيش فيه، ونعطي لذلك تجربة ناجحة لدى بادو الزاكي الحارس السابق للمنتخب المغربي وزوجته الفلندية، وقد رزقا بأبناء هم الآن شباب..  
أصبح الزواج العابر للقارات ظاهرة ملفتة، وغالبا لا يكون وراءه حب حقيقي على الطريقة الرومانسية المعروفة، بل في الأعم مجرد "تبادل مصالح" ذات بعد نفسي واجتماعي كالبحث عن شريك تطليقا للعزلة أو العزوبة المطولة… أو حتى غرض ضيق، كضمان شغل ومصدر رزق عبر مثل هذا الزواج "المعولم" والذي تكون من ورائه توفير أوراق الإقامة.. وكم من مرة نلاحظ سيدة أوربية متقدمة في العمر تتأبط ذراع شاب وهما يتجولان بالشارع.
 وقبل ظهور "العولمة" وسهولة تنقل الناس، كان مثل هذا الزواج يحدث، لكن بنسبة قليلة جدا، ولعل أقدمه ندرجه كمثل، زواج الحاكم الأمازيغي جوبا الثاني بابنة كيلوباترا ملكة مصر قبل الميلاد (نعم قبل الميلاد)، ثم الزواج الذي كان يلجأ إليه الرحالة الطنجي ابن بطوطة (ت1377م.) بين الحين والآخر، وكلما استقر في بلد، وهو يذكر أنه تزوج في الفليبين حيث وصل إلى هناك وأقام بهذه الربوع البعيدة جدا… وأحيانا لم تنجح محاولات الزواج عبر القارات، فقد سعى المولى اسماعيل العلوي(ت1727 م.) إلى خطوبة ابنة ملك فرنسا لويس 14، ولم يُعرف القصد من هذه المصاهرة مع فرنسا بالنسبة لسطان كان قصره ممتلئا بالحريم..
الغائب في كل حديث عن الزواج عبر القارات هم الأطفال، وما يمكن أن يعانوه في "هويتهم" المزركشة، ولغتهم "المبعثرة"، ومستقبلهم المعلق بين المطارات والموانئ، وربما هذا هو السبب الذي جعل رشيدة داتي المغربية/الجزائرية الأصل، ذات الجنسية الفرنسية، وزيرة العدل السابقة وعضو البرلمان الأوربي حاليا، لا تريد الإفصاح عن والد ابنتها زهرة.
أما تمتين الروابط بين الزوجين، وخلق وشائج الحب والوفاق، فليس شرطه دائما هو الزواج من نفس الأسرة أو المدينة أو البلد، فللحب شؤون وشجون لا يعلمها إلا الأحبة فيما بينهم ولو عبر القارات.
ـــــــــــــــــ