السبت، 12 فبراير 2011

زمن التوراث الشعبية السلمية حاجة المغرب لإصلاحات دستورية عميقة


زمن التوراث الشعبية السلمية
حاجة المغرب لإصلاحات دستورية عميقة
 
مصطفى لمودن
 تخلصت تونس من حاكمها السابق في 14 يناير بعد 23 يوما من الاحتجاج المسترسل، وأرغمت مصر حسني مبارك على التنحي عن منصبه في 11 يناير بعد 18 يوما من الثورة العارمة، لقد أظهرت الثورتان مجموعة من الحقائق:
ـ الشعوب لم تعد تخشى قوات القمع المختلفة، رغم أن الأنظمة تنفق عليها الملايير، وتجند لها أكبر عدد من الشباب القوي البنية والأطر المتخصصة يمكن أن يفوق عددهم المدرسين والأطباء… وذلك لحمايتهم من كل انتفاضة ممكنة يقوم بها الشعب مطالبا بالتغيير. لكن ظهر أن هذه القوة في الأول تلجأ إلى كل أساليب القمع الممكنة، لكن سرعان ما تنهار، ولا عجب في ذلك مادامت تعجز عن إيقاف الأمواج البشرية، وفي نفس الوقت فعناصرها جزء من الشعب كيفما كان الحال، وكيفما كانت الامتيازات التي يحصلون عليها، وفي الأخير ينظمون إلى صفوف بقية المواطنين.
 

ـ لم تعد الجيوش تحمي بشكل مطلق الحاكمين الطغاة، ولم تعد تلجأ لانقلابات تغير عبرها مستبدا بآخر يحمل "تباشير الأمل" وسرعان ما يتحولإلى مستبد جديد يطول مقامه في السلطة، أصبحت الجيوش تتحمل مسؤوليتها في حماية الوطن وتنأى عن الخلافات السياسية الداخلية، وتقف إلى جانب المحتجين ضد أجهزة القمع الأخرى وميلشيات المستفيدين من الأوضاع السابقة، أصبح قادة الجيوش يعلنون ولاءهم للشعب أولا، ويتفادون أي منزلق يسئ للمؤسسة العسكرية في نظر الشعب صاحب السيادة الحقيقية، ولا يغامرون بإجراءات قمعيةلن تستثنيهم من متابعات مستقبلية محتملة سواء داخل أوطانهم أو خارجها، في ظل تنامي الشرط الحقوقي في العالم.
ـ كما كان دائما، الشباب في مقدمة الراغبين في التغيير والمشاركين بحماس في الثورات والمقاومة عبر التاريخ، وظهر أن الشباب الآن أكثر نضجا وتعليما وإصرارا على التخلص من الاستبداد وتحقيق الديمقراطية والعدالة، ولا يقبل بإصلاحات شكلية يلجأ إليها الحكام في آخر لحظة لإنقاذ أنفسهم. أصبح الشباب على دراية بكيفية إدارة الدول الديمقراطية، ولا يطالب غير ذلك… ـ منحت وسائل الاتصال الحديثة خاصة الانترنيت والقنوات الفضائية التلفزية إمكانيات هائلة لبث الحماس والإخبار والتأطير، وقد تأكد أن المواقعالاجتماعية كالفايسبوك والتوتير واليوتوب والبريد الإلكتروني والمدونات… كلها أدوات فعالة في التواصل يصعب حجبها ومراقبتها بشكل كامل من طرف الأنظمة المتسلطة على الشعوب، عبرها تعقد الاجتماعات والمشاورات وتنقل آخر الأخبار وتتخذ القرارات والمواقف الموالية حسب ظروف كل لحظة وحين.
ـ ظهر أن أول المضاربين في الاقتصاد وأول المستفيدين من الريع وأول من يستغلمسؤولياتهم في السلطة من أجل الاغتناء غير المشروع هم الحكام والمحيطون بهم، فهذا حاكم تونس السابق وأفراد عائلته يجثمون على ثرواتهائلة، وهذا ديكتاتور مصر السابق يتوفر هو وأفراد قلة من أسرته على ما يفوق الأربعينمليار (وما يقل عن 70)جلها في الخارج، بينما الدولة ترزح تحت الديون، والفقر مستشر في الشعب أو تتوسع دائرته يوما بعد آخر.
ـ لم يعد ممكنا الآن أن يتذرع أي حاكم بالخصوصية المحلية ليمنع عن شعبهالديمقراطية أسلوبا في الحكم، يعتمد فيه الفصل بين السلطات القضائية والتنفيذيةوالتشريعية، ويضمن حرية التعبير، وتكون الانتخابات النزيهة هي الشرط الوحيد لممارسة الحكم وتدبير شؤون الدولة لمدة زمنية محددة، تكون انتخابات جديدة هي حكم الشعب على من سير دفة الحكم ليجدد فيه(الشعب) الثقة لمرة واحدة أو يتنحى عن السلطة ليتسلمها من حصل على المشروعية الانتخابية، ويحصل ذلك عبرإقرار دساتير متوافق حولها لا توضع بالإكراه منطرف جهة غالبة، دساتير تتماشى مع ظروف العصر ومتطلباته من أجل التداول على السلطة وتجنيب البلدان اللجوء إلى الثورات من أجل الانعتاق مع ما يرافق ذلك من خسائر بشرية ومادية جسيمة، فلو كان شعبا تونس ومصر يعرفان أن موعدا قريبا ينتظرهم لتغيير الحكام عبر الانتخابات لما حدثت الثورة.
ـ لم تعد تقنع أحدا بعض "المشروعيات" الخاصة، كالمشاركة في "ملاحمسابقة، والتاريخ الشخصي والأسري للحكام، و"إنجازاتهم" في تاريخ سابق، سواء كانت هذه "المنجزات" حقيقية أو وهمية، فهذا مبارك تحدث عن "منجزاتهالعسكرية، وبنعلي في تونس دائما يثير انقلابه ضد سلفه الحبيب بورقيبة، وكلاهما يعتبران ذلك كافيا لبقائهما في السلطة، بينما الشعب أصبح الآن يهمه الحاضر والرفع من مستوى العيش وضمان الحرية والكرامة.
ـ لم تعد الثورات الآن ذات طابع "خبزي" تسعىلتحقيق مطالب حول رغد العيش وتوفير الشغل وضمان السكن والصحة والتعليم.. بل تسعى لإيجاد حل جذري للمشكل من أساسه، ألا وهو التخلص من الحكم المتسلط، الذي يكون وراء كلمظاهر التخلف، والتحكم في الشعب، ونهب خيرات البلد، ونشر الفساد والرشوة والمحسوبية والزبونية… لأن لك من طبيعة هذه الأنظمةوعبرها تقتات لتبقى في السلطة، وهي تدعي خدمة الشعب والوطن، بينما لا تخدم سوى فئة قليلة متحكمة، وتبرر عجزها بقلة الإمكانيات وصعوبة الظرفية..الخ، بينما هذه الصعوبات لا تعني شيئا بالنسبة لعناصرها المتحكمة والفئاتالاجتماعية المتحالفة معها، فتتوفر على أرصدة ضخمة، وتتحكم في مفاصل الاقتصاد الوطني،وتحول القطاع العام إلى"خاص" يكون حقيقة في ملكيتها وتحت تصرفها باسم "شركات" خاصة.. بينما الشعب أصبح يريد المشاركة في تدبير السلطة عبر الانتخابات ليطلع على حقيقة الوضع الاقتصادي، فإن كانت هناك أزمة فعلىالجميع، وإن عم الرخاء فستلحق عائداته الجميع، وطبعا مع ما يتطلبه ذلك من حسن التدبير ومراكمة الثروة الوطنيةوعليه ففي حالة المغرب، أصبح من الضروري إنجاز إصلاحات دستورية عميقة، والانتقال الفعلي إلى مرحلة أخرى من تاريخ المغرب، يكون عنوانها البارز "ملكية برلمانية"، يسود فيها الملك ولا يحكم، تعطى فيها صلاحيات واسعةلحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع، وفصل حقيقي بين السلطات، تماشيا مع متطلبات العصر وما يحمله من نسمات التغيير التي لم تعد تستثني أحدا، وعدم الارتكان " لأوهام خطاب الاطمئنان التي أثبتت الأيام سقوطها عند أولاختبار" كما جاء في بيان صادر عن الحزب الاشتراكي الموحد، وقد سجل الجميع التراجع الذي حصل في المغرب بعد خفوت خطاب "الانتقال الديمقراطي" الذي لم يقع، بل وقع تراجع عبر الحديث عن "ملكية تنفيذية"، والتحكم المطلق في مختلف دواليب الدولة والمجتمع، وإخراج حزب الدولة إلى الوجود على شاكلةالحزب الحاكم في تونس ومصر، ومحاصرة الخصوم السياسيين والتحكم في الإعلامالعمومي واحتكاره، والخلط بين السلطة والتجارة كما جاء في بيان الهيئة السياسية المشار إليهاسابقا.. إن المغرب ليس في منأى عن أي حراك اجتماعي وسياسي، ومن مؤشرات ذلك دعوة عدد من الشباب على المواقع الاجتماعية إلى"التحرك" في 20 فبراير الحالي للمطالبة بإقرار "ملكية برلمانية"، ورغم أن ذلك مازال مجرد خطابات على الانترنيت، فقد أكدت التجارب عم الاستهانة بذلك، مادامت نفس الشروط (غالبا) متوفرة، كشكلية المؤسسات "المنتخبة" وعدمصلاحياتها في التأثير على حياة المواطنين إيجابا، تفاقم الأزمات الاجتماعية والخصاص الملحوظ لدى فئات واسعة من المجتمع وعلى رأسها الشباب المتعلم، واحتكار الاقتصاد من طرفأقلية، وانتشار الفساد، منه الرشوة والمحسوبية والريع وشراء الذمم أثناء الانتخابات… إن الاحتجاج في 20 فبراير لم يعد مقصورا على شباب يعلن عن ذلك في الانترنيت، بل أعلنت عن ذلك بعض التنظيمات المحلية، فهذه الكونفدراليةالديمقراطية للشغل على سبيل المثال قررت القيام بمسيرة في نفس اليوم وهي ترفع مطالب إصلاحية. إن حكمة المغاربة وتعقلهم تجعلهم دائما يتفادون الفوضى والتخريب والانتقام.. بل يميلون نحو "المصالحة" ورفعالمطالب، فهل سيلتقط الجميع مغزى الإشارات والرسائل التي تتناقلها الشعوب من أجل ترسيخالديمقراطية الحقيقية؟