الملكية البرلمانية مؤجلة في المغرب
الرابحون والخاسرون
مصطفى لمودن
رغم أن "الملكية البرلمانية" الحق هي الحل الوسط في هذه اللحظة التاريخية التي يمر منها المغرب، فإن ذلك مازال مؤجلا إلى موعد لاحق، علما أن المقصود بها هي أن الملك يسود ولا يحكم، وتحصل الحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع على كامل الصلاحيات في تدبير قضايا الوطن في مجملها، مع تحصين ذلك بتوازن السلط ومراقبتاها بعضها للبعض…
الدستور المقبل الممنوح مازال ينص صراحة على سلطات واسعة للملك، منها التحكم بشكل مطلق في المؤسسة العسكرية، ترؤس الملك للمجلس الوزاري حيث الصلاحية الحقيقية للسلطة التنفيذية، رغم حق رئيس الحكومة ترأسه بتفويض من الملك لكن على أساس جدول أعمال مسبق، أي أن الملك لن يسمح بمناقشة أي شيء والتقرير فيه ما لم يطلع عليه ويوافق عليه… ويبقى المجلس الحكومي شكلي وبدون صلاحيات، حتى أنه ليس من اختصاصه صراحة التعيين في الوظائف العمومية الكبرى كالولاة والعمال والسفراء إلا بعد اقتراح ذلك على الملك.. كما أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يرأسه الملك، وهو ما يعني عدم استقلالية جهاز القضاء، غير أنه في هذا الأمر تم استبعاد وزير العدل من التكفل بمهمة الانتداب وقد حصل عليها رئيس محكمة النقض، من هنا تتشكل أهم السلطات الأساسية في البلد.
ورغم الإعلان عن تبني مبدأ المساواة والاحتكام إلى مراجع حقوق الإنسان كما هي عالميا، لكن تم تكبيل ذلك بمدى مصداقة المغرب عليها، ثم ذكر المرجعية الإسلامية للدولة كمحدد.. لكن التخلي عن التنصيص على ضمان الدولة للشغل سيثير حفيظة المعطلين وأسرهم.
يظهر أن أهم الخاسرين بعد الإعلان عن الدستور الجديد هم القضاة الذين تنطعوا مرارا وأعلنوا عن رفضهم دخول شخصيات من غير القضاة مجالسهم..
والذين استطاعوا فرض توجهاتهم هم بعض الإسلاميين الموصوفون "بالاعتدال" والذين جعلوا مسودة الدستور تراجع القول بأن المغرب بلدا مسلما إلى أن الدولة إسلامية، وهذا له تأثير على المستوى التشريعي، وسيتم اللجوء هذه الإشارة مرارا لعرقلة إصدار القوانين "الحداثية" بل وحتى إلغاء قوانين سابقة لا يرضون عنها عبر مسطرة وضع قوانين جديدة خاصة إذا تحكم بعض الإسلاميين في مجلس النواب.. ونستنتج من هذا ضعف الطرف الداعي للحداثة والعلمانية في المجتمع.
نجح النقابيون في الإبقاء على عضويتهم داخل مجلس المستشارين لكن بتمثيلية أقل مادام لن يتعد عدد أعضائه 120، ضمنهم تمثيليات عديدة كالمقاولات والجهات… وهو ما يبين الطابع الانتهازي لهذه النقابات التي تحاول الحفاظ على الريع المستخلص من هذه التمثيلية عوض النضال من أجل رؤية شمولية لوضع دستور ديمقراطي حقيقي.
كما استطاع النشطاء الأمازيغيون فرض تصورهم الذي يدعو إلى جعل اللغة الأمازيغية لغة دستورية وليس الاكتفاء بها كلغة وطنية، وهو ما سيجعلها في نفس مستوى العربية تداولا واستعمالا في كافة أنحاء المغرب.. هذا ضدا على بعض الإسلاميين ومسؤولين من حزب الاستقلال وعروبيين وهيآت أخرى.. لكن وقع الاستجابة لبعض طلبات هؤلاء في أماكن أخرى كاقتصار التشريع على البرلمان، بحيث لن يستطيع الملك مستقبلا التشريع كما يشاء وقتما شاء (حزب الاستقلال)، وتقسيم الفصل 19 إلى شطرين (الاتحاد الاشتراكي)، عوض الدخول في صراع غير محمودة عواقبه مع الأمازيغيين الأكثر تنظيما وإشعاعا منذ سنوات.
حل مجلس النواب من طرف رئيس مجلس الحكومة سيجعل الأمر مثيرا، بحيث لن يستطيع أي برلمان التصدي بجدية للحكومة ومراقبتها خوفا من الحل. وإضافة حق مراقبة مدى دستورية الاتفاقيات الدولية للمحمكة الدستورية يؤشر على عدم الثقة في السلطة التنفيذية والتشريعية التي من المفترض أن تتحمل مسؤوليتها في ذلك..
سيثير الدستور الجديد نقاشا واسعا بين المغاربة ـ خاصة المهتمين ـ ولن ينتهي بانتهاء التصويت، كما أن إقراره لن يكون برضى وأغلبية كافة المغاربة، لأن كثيرا من المطالب لم تر النور به، وأساسها "ملكية برلمانية" حقيقية، كما دعا إلى ذلك "الائتلاف الوطني من أجل ملكية برلمانية الآن" المكون من عشرين هيئة وطنية ك"تحالف اليسار"، والمركزيات النقابية الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفدرالية الديمقراطية للشغل، لكن هؤلاء اكتفوا بلقاء بصالون ولم يفعلوا خطة نضالية مطلبية.
التساؤل المشروع ما موقع "حركة 20 فبراير" من كل هذا؟ وكيف سيكون رد فعلها وهي من كانت وراء كل التدافع والحراك الذي قاد إلى هذه "المراجعة الدستورية"؟ أعتقد أن غالبية الأعضاء لن يكفيهم ما جاء به المشروع المقترح، وعليه فالأمر سيبقى منفتحا على كل الاحتمالات.. ولو إرجاء الصراع إلى زمن لاحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ