الجمعة، 1 يونيو 2012

أتلتيك مغرب تطوان وروح الرياضة التي لا تفنى إلى جانب كرة القدم حضور رهانات أخرى


 أتلتيك مغرب تطوان وروح الرياضة التي لا تفنى
إلى جانب كرة القدم حضور رهانات أخرى
مصطفى لمودن
إن فوز فريق المغرب التطواني ببطولة الدوري المغربي للمحترفين ليس قيمة معنية أو مادية فقط نالها الفريق من مسيرين ولاعبين ومحبين.. بل أكثر من ذلك، إن كرة القدم والرياضة عموما أكثر من مجرد بدل جهد بدني وتنافس على "شيء" وينتهي الأمر.. فوز  فريق الحمامة البيضاء المطلة على ضفة شمال البحر الأبيض المتوسط، وعلى إسبانيا خصوصا، حيث لعبة الكرة تسحر وتأخذ بالألباب والعقول والنفوس.. حدث يستحق الوقوف عنده.. إن ضفة الشمال المغربي تعرف جذبا لا يطاق نحو عوالم أخرى، وفي نفس الآن لا ننسى عملية التثاقف الطويلة التي وقعت عبر العصور بين الضفتين، وقع تبادل المعارف والهجرات البشرية المتبادلة، رغم اتسامها أحيانا بالعنف.. أقربه إلى زمننا حرب اسبانيا على تطوان في 1860، ثم استعمارها لمنطقة الشمال بأسرها إلى 1956، فلا غرو أن نجد المغرب التطواني ممارسا في البطولة الاسبانية منذ نشأته… إن الروح الوطنية الغامرة التي أطلقها  فوز الفريق بالبطولة، لا يقل شأنا عن خيار الوطنيين الشماليين الارتباط بالوطن بعد نيل الاستقلال، لقد كانت لنخبة تطوان ثقافة لا يستهان بها، وتقاليد عريقة تمتد إلى جذور أندلسية من أيام البذخ الارستقراطي الفاتن، في مستوى العيش الأنيق، والتعاطي لمتع الحياة بألفة ناذرة، والحفاظ على الموسيقى والكتابة والمكتبات ومختلف السلوكات المدينية التي لا تتوفر في بقية مناطق المغرب إلا في بعض الحواضر التي تعد على رؤوس الأصابع..
  يقال (وهذا كلام لا تنقصه مقومات الصدق) أنه لو كان عبد الخالق الطريس زعيم حزب "الاصلاح الوطني" في المنطقة الخليفية التي تحكمها إسبانيا بنفس عقلية المختار ولد دادة في موريتانيا، لما حل حزبه وانخرط في "حزب الاستقلال" الذي كان يجمع غالبية قادة الحركة الوطنية.. عبد الخالق الطريس لم يكن وحده ونحن نضرب به المثل، بل يمثل تيارا عاما يرتبط بالمغرب رغم كل الظروف التي كانت معاكسة حينذاك، بحيث الجينرال فرانكو في أوج قوته، وعمليات "التحرر" من ربقة الاستعمار وتشكيل دويلات عبر العالم جارية في كل اتجاه، لهذا تشكلت دولة موريتانيا لأول مرة جنوب المغرب، وكان يمكن أن يقع نفس الشيء في شماله.. إنها نفسها اللحظة التي يصنعها فريق الكرة الآن، مع وجود فارق بسيط يقتضيه الزمن، وهو أن المغرب مستقل الآن وله كامل السيادة.. لكن أن يتنقل فريق تطوان أو الحسيمة أو وجدة أو… إلى مختلف المدن الأخرى عبر ربوع الخريطة فذلك له عدة معاني، ترسخ مفهوم الوطن الواحد، والتنقل لا يكون بالجسد فقط، بل حتى على المستوى النفسي والعلائقي مع مختلف الوسائط.. فمن يتابع فريقه أو يتابع مقابلة منقولة على الشاشة، أو يستطلع الأخبار.. فذلك يعني تنقلا داخل جغرافية الوطن.. إن الشماليين يسمون بقية سكان المغرب بأبناء "الداخل"، ولا يضعون أنفسهم في خضم المرادف المقابل (أي الخارج)، بل يعنون أنهم في التخوم أو في المداخل.. إن ما يتم تحقيقه على مستوى المخيال الشعبي وتكريس قيم الوحدة والمواطنة، يحقق بقفزات كبيرة عبر الرياضة والثقافة والفن.. أكثر من أي تدخل آخر فيه القسري والعنيف والمرتجل… تجتزره الإدارة أو نخبة معزولة،  مما يخلق ردود فعل متشنجة، تكون عواقبها أوخم.. فهنيئا لفتية تطوان بالبطولة وبالبسالة الرياضية وروحها التي لا تفنى..