الثلاثاء، 1 يوليو 2014

إفراغ الجهة بالمغرب من كل نفس ديمقراطي/ مصطفى لمودن

إفراغ الجهة بالمغرب من كل نفس ديمقراطي

م. لمودن
وقع ما كنت خمنته، وطبيعي أن يقع..
ـ لقد وقع تراجع عما كان قد جاء في مقترحات لجنة عمر عزيمان حول "الجهوية الموسعة"، والتي كانت قد دعت لانتخاب رئيس الجهة بشكل مباشر من طرف السكان، لقد وقع إلغاء هذا الانتخاب المباشر لرئيس الجهة، وعوض بالانتخاب غير المباشر حسب مسودة قانون الجهة الجديد!! وكما يحدث في الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والجهوية (بصيغتها السابقة) حيث يرافق فساد خطير وشراء ذمم "الناخبين الكبار"، والتحكم في النتائج التي ستتمخض عنها الرئاسة وبقية المسؤوليات في المكاتب المسيرة. فلماذا كل هذا التراجع؟ 
ـ في نظرنا ليس ممكنا في ظل الشروط الراهنة أن تخلق هكذا ممارسة ديمقراطية راقية، حيث يختار الناس رئيس جهتهم. ذلك يعني تكريس توجه ديمقراطي داخل المجتمع..
ـ لا يمكن منح رئيس الجهة هكذا سلطة مستمدة من الشعب مباشرة.. لان ذلك سيعطيه سلطة حقيقية تتفوق على بقية سلطة الوصاية (الوالي).
ـ لا يمكن التخلي عن الممارسات السابقة حيث يتسيد البيع والشراء وإفساد الأخلاق في مجال السياسية، ودفع الناس لعدم الثقة في هذه المسلسلات الديمقراطية.. والنظر إليها كأنها شر لا بد منه، أو أنها لا تنفع المواطنين في حياتهم اليومية عن طريق تهميش كل سلطة متأتية من الانتخابات..
ـ التخلي عن مثل الفساد المشار إليه، يعني التخلي عن نوع من الريع تستفيد منه فئة تمثل الوساطة بين الشعب والدولة.. هذا الريع بمثابة أجر وتعويض، لكن بشكل فاسد.. 
وفي نظري، لو لم يكن واضعو المشروع الجديد على بينة من تحكمهم في "النخبة" التي تحتل واجهة التشريع الآن لما تصرفوا بمثل هذا التصرف الذي تراجع عن مكتسب (مقترح لجنة عزيمان). 
ثم، لو لم يكونوا يعرفون ضعف ردة فعل الاتجاه الديمقراطي في المجتمع الذي ضعف لمستوى غير مسبوق.. 
لكن، هذا التصرف، سيقود لنتيجة سيئة على المدى المتوسط كما قالت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد أثناء مشاركتها في آخر حلقة حول نفس الموضوع في برنامج "مباشرة معكم" خلال الأسبوع المنصرم، لأن عددا من النخب المحلية ستجد نفسها مبعدة عن تسيير شؤون الجهة بشكل فعلي، وذلك يدفع إلى المزيد من اليأس داخل فئات اجتماعية مختلفة وخاصة الشباب.. كما أن حزب الاستقلال يرى في المقترحات تراجعا لا يوافق توجهاته.. 
فهل ستتحرك النخب المغربية لتغير المسار، كي نؤسس لديمقراطية فعلية ومسؤولة من داخل الجهة..؟

السبت، 28 يونيو 2014

مخزنة الديمقراطية ودمقرطة المخزن./ ذ.حميد هيمة

مخزنة الديمقراطية ودمقرطة المخزن.
حميد هيمة.
تعرضت المعارضة لحملات قمع واجتثاث ممنهجة، لكنها استطاعت الحفاظ على وجودها وتأمين استمراريتها التنظيمية والسياسية في بؤر النضال المناهض للنظام. وواجه هذا الأخير، بدوره، محاولات أكيدة لتصفيته من خلال المحاولات الانقلابية والتحركات الشعبية والتنظيمات الثورية.
استحكم الإرهاق والتعب بالطرفين، فكان من الضروري بلورة قواعد  جديدة للصراع تنبني على العيش المشترك وتنهي حالة التناحر التصفوي. النظام المغربي، بمبرر استحقاقات قضية الصحراء المغربية، وسع من هامش الفعل السياسي في إطار ما سمي بـ"المسلسل الديمقراطي". وبالمقابل، اجترحت المعارضة استراتيجية "النضال الديمقراطي" حتى تهيئ ذاتها لظروف مرحلة "المسلسل الديمقراطي".
بيد أن"المسلسل الديمقراطي" خضع لتجاذب رهانين أساسيين، في تقديري، وهما:
1- مراهنة النظام المغربي على "مخزنة" المعارضة، مما يجعل إرادتها في معارضة ثوابته مشلولة وغير ذات فعالية ؛
2- مراهنة المعارضة، أيضا، على "دمقرطة" المخزن من خلال النفاذ إلى مؤسساته القائمة والعمل على تطويرها / تطويعها تدريجيا حتى تصبح قادرة على استنبات الديمقراطية بمواصفاتها الكونية وغير المتعارضة مع الخصوصية المغربية.
من المهم جدا التساؤل عن مآلات هذا المسار: هل تمخزنت المعارضة أم تدمقرط المخزن؟
من المؤكد أن إشراك المعارضة في هوامش السلطة، بدون ضمانات سياسية ودستورية، وقيادة حكومة دون صلاحيات حقيقية، كما سيعترف بذلك الأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، هو توريط لها وتنفيس للنظام من أزمته الخانقة./ السكتة القلبية.
و أكيد، أيضا، أن الوطن، ككيان متعال عن الفاعل السياسي، ربح رهان تخفيض تكلفة الصراع. لكنه، بالمقابل، خسر رهان دخوله لنادي الديمقراطية

1- ديمقراطية إلغاء النقيض.
شعرت الحركة الوطنية، وخصوصا جناحها التقدمي السياسي والمسلح، بالغبن بعد حصول المغرب على استقلال 1956. فكل التجارب التحررية، بصيغها المختلفة، أثمرت وصول حركة التحرر الوطنية إلى السلطة معززة برصيد نضالي وكفاحي ضد القهر والاستغلال الاستعماريين ومتحفزة، كشرط موضوعي، بالمد التحرري الذي كان يعم دول العالم الثالث. بيد أن التجربة المغربية كانت مخالفة لهذا المسار العام؛ حيث انفردت الملكية، التي لم تلتحق بالحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال إلا في النصف الثاني من الأربعينيات، بالسلطة السياسية والدينية والاقتصادية. كما أن الملكية، مسنودة بمحيطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداعم، سارعت إلى ترتيب الأوضاع السياسية للمغرب الجديد بما عزز قوتها وقلص من وزن قوى الحركة الوطنية بتعبيراتها السياسية والنقابية.
في هذا السياق، تأجل الاستحقاق الدستوري للمغرب مدة 8 سنوات عن استقلال 1956، كما تعاظم الاتجاه التقليدي في النظام المغربي على قاعدة شرعيات دينية وتاريخية وثقافية ممزوجة بطلاء حداثوي عزز، في نهاية الأمر، شرعية النظام القائم؛ الذي عمل جاهدا من أجل إفشال استرتيجيات القوى السياسية الفاعلة. ونستحضر هنا إفشال تجربة أول حكومة وطنية بقيادة المرحوم عبد الله ابراهيم، وحل الحزب الشيوعي المغربي، و الزج بالمعارضين في المعتقلات، وتصفية جيش التحرير…الخ.
كما أن الأجنحة المعارضة، التي عبرت عن نفسها سياسيا بعد بروز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة1959، جربت خيارات سياسية، وليدة منطق الصراع الدموي، تتكئ على الإجهاز على النظام المغربي باعتباره لا شرعي ولا ديمقراطي. وسيتعزز معسكر المعارضة برافد سياسي جديد ولد من صلب القوى اليسارية والشيوعية، لكنه يحمل منسوب عداء ورفض أكبر للنظام: يتعلق الأمر، هنا، باليسار الجديد، الذي ظهر في سبعينيات القرن السابق، والذي آمن أن الثورة هي الحل الوحيدة لإزاحة النظام المغربي.
ما يهمنا،هنا، هو أن الديمقراطية، في تصور المعارضة المغربية، لا يمكن أن تتأسس إلا بإلغاء النظام غير الديمقراطي. وأن استنباتها يمر حصريا بتصفية نقيضها. كما أن الحكم، من جهته، عمل على الاستدماج التدريجي للآليات الديمقراطية، بصيغة شكلية لا تمس جوهره الثابت، بما يحول دون تمكين نقيضه(المعارضة) من الوصول إلى السلطة.
 إنها ثنائية ضدية تقوم على تأكيد الذات بنفي الآخر، تغترف مبرراتها، بالنسبة للمعارضة، من الشرعية النضالية والشعبية أو بمسوغات دينية تستمد مضمونها من قراءات فقهاوية بالنسبة للنظام. إن مقومات بناء الديمقراطية، في هذه المرحلة، تتأسس، حسب المنطق السائد للمعارضة، على إنهاء النظام المغربي. وبالنسبة لهذا الأخير، فإن الديمقراطية يجب أن لا تسمح للمعارضة بالوصول إلى الحكم، غير أنها-الديمقراطية- مطلوبة لتطعيم شرعيته؛ وهو ما جعل كل الاستحقاقات الديمقراطية، في صيغتها الانتخابية مثلا، مناسبة لتجديد "البيعة" وتأكيدا لإجماع قبلي بطرق "حديثة".
لم ينته الصراع، كما لم ينجح أي معسكر في تصفية نقيضه، وهو ما سيعبد الطريق لتبلور قناعات جديدة لـ"العيش المشترك"، في إطار "المسلسل الديمقراطي"، برهانات متناقضة ستؤطر المرحلة إلى حدود الخروج عن "المنهجية الديمقراطية ".
2- رهانات المخزنة والدمقرطة في"المسلسل الديمقراطي".
تعرضت المعارضة لحملات قمع واجتثاث ممنهجة، لكنها استطاعت الحفاظ على وجودها وتأمين استمراريتها التنظيمية والسياسية في بؤر النضال المناهض للنظام. وواجه هذا الأخير، بدوره، محاولات أكيدة لتصفيته من خلال المحاولات الانقلابية والتحركات الشعبية والتنظيمات الثورية.
استحكم الإرهاق والتعب بالطرفين، فكان من الضروري بلورة قواعد  جديدة للصراع تنبني على العيش المشترك وتنهي حالة التناحر التصفوي. النظام المغربي، بمبرر استحقاقات قضية الصحراء المغربية، وسع من هامش الفعل السياسي في إطار ما سمي بـ"المسلسل الديمقراطي". وبالمقابل، اجترحت المعارضة استراتيجية "النضال الديمقراطي" حتى تهيئ ذاتها لظروف مرحلة "المسلسل الديمقراطي".
بيد أن"المسلسل الديمقراطي" خضع لتجاذب رهانين أساسيين، في تقديري، وهما:
1- مراهنة النظام المغربي على "مخزنة" المعارضة، مما يجعل إرادتها في معارضة ثوابته مشلولة وغير ذات فعالية ؛
2- مراهنة المعارضة، أيضا، على "دمقرطة" المخزن من خلال النفاذ إلى مؤسساته القائمة والعمل على تطويرها / تطويعها تدريجيا حتى تصبح قادرة على استنبات الديمقراطية بمواصفاتها الكونية وغير المتعارضة مع الخصوصية المغربية.
هذه الرهانات المتجادبة أوجدت لها مساحة للتعايش بين الطرفين. لأن المخزن في حاجة، كشرط سياسي للخارج، إلى معارضة في الداخل تأكيدا، أولا، على انخراطه في المشروع الليبرالي(التعددية الحزبية و السياسية). وثانيا، تطعيما لشرعيته الدينية والتاريخية برتوش من الشرعية الديمقراطية. لكن المعارضة، حسب مواصفات السلطة القائمة، يجب أن لا تنازع في شرعية المخزن، بل تناوشه فقط في بعض خياراته. أما المعارضة، من جهتها، عملت بشكل ملموس على توسيع هامش تحركها السياسي والجماهيري بشكل يخدم رهانها القائم على إرهاق المخزن. طبعا، فالمعارضة الخارجة عن طوق التوافقات استمرت في منازعة شرعية السلطة بشكل جزئي، كما أنها واصلت صراعها التناحري مع السلطة، صراع قائم على إلغاء الآخر.
هذه الديناميات المتعارضة هي التي ستؤسس، لاحقا، لمسلسل التنازلات الثنائية وتبادل الإشارات الودية، التي تندرج في منطق "حسن النية"، بما سيقود إلى إعادة صياغة الرهانات الأولى، ديقراطية تصفية النقيض، وفق منطق جديد يقوم على "العيش المشترك".
من المهم جدا طرح التساؤل عن مآلات هذا المسار : هل تمخزنت المعارضة أم تدمقرط المخزن؟
فقدت المعارضة السابقة، التي كانت الكتلة الديمقراطية قوتها الدافعة، معاقلها النضالية، وانخفض، بشكل ملموس، وزنها السياسي، كما فقد الشارع ثقته فيها، وتعرضت لحالة من التذرية السياسية والتنظيمية. بالمقابل، مكنت مرحلة "التعايش المشترك"، التي لم تتزعزع رغم الخروج عن "المنهجية الديمقراطية "، المخزن من إعادة تأهيل ذاته لتأمين استمراره على أرضية ثوابته الأصلية. وباتت الأحزاب مجتمعة ودون تمييز، في نظر عامة المغاربة، قنوات للانتهازية والوصولية والتموقع السريع في صدارة السلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. يؤكد قطاع واسع من مغاربة اليوم على أن الأوضاع العامة، خصوصا الجانب السياسي، قد تغيرت، غير انه تغيير غير كاف وهش. المعارضة السابقة تآكلت تنظيميا ولم تعد تعبر، حسب نفس الرؤية، عن هموم شعبها. والواقع أن تآكل المعارضة الديمقراطية عزز من قوة النظام المغربي. فالحلول، التي ينتظرها المغاربة لمشاكلهم، لا تأتي من "الأحزاب" بقدر ما ستحملها الإرادة الملكية، لأن الأولى لم تف بوعودها لحظة إشراكها في السلطة سنة 1998 وما أعقبها، حسب تصور قطاع واسع من الشعب المغربي.
أكيد أن إشراك المعارضة في هوامش السلطة، بدون ضمانات سياسية ودستورية، وقيادة حكومة دون صلاحيات حقيقية، كما سيعترف بذلك الأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، هو توريط لها وتنفيس للنظام من أزمته الخانقة.
و أكيد، أيضا، أن الوطن، ككيان متعال عن الفاعل السياسي، ربح رهان تخفيض تكلفة الصراع. لكنه، بالمقابل، خسر رهان دخوله لنادي الديمقراطية. 
والحال، أن السلطة القائمة في المغرب نجحت، في تقديري الخاص، في استراتيجيتها وحققت جزءا معتبرا من أهدافها. لأنها، أولا، توفقت في استدراج المعارضة، المنخرطة في توافقات 1998، من وضع الصراع التناحري وجرها  إلى صراع خيارات لا تمس جوهر النظام السياسي القائم. وثانيا، انحدار الخط السياسي لأطراف المعارضة، المشار إليها، دون مواقف النظام ذاته إزاء العديد من القضايا المطروحة للنقاش، مما يوحي، وهذا ما تحاول تأكيده الدوائر الرسمية وامتداداتها الحزبية، أن للمخزن نفس إصلاحي أكبر من الأحزاب الإصلاحية .
استطاعت السلطة في المغرب، لحظة 1998 العابرة، تنفيس أزمتها الخاصة بالإدماج الحكومي للمعارضة في تدبير الأزمة العامة للبلاد (السكتة القلبية)، بما أعانها -السلطة- على تصريف جزء من أزمتها إلى الأحزاب السياسية التي عارضتها قبل نهاية عقد التسعينيات.
راهنت المعارضة السابقة والحالية، بقوة، على الإصلاحات الدستورية والاجتماعية القمينة بدمقرطة النظام المغربي. غير أن هذا الأخير يجري، كعادته، الإصلاحات/ البريكولاج الذي يعزز مكانته ويمتص من قوة باقي القوى الفاعلة ذات الروح التنافسية. 
كانت المعارضة، ستنجح  نسبيا في "اختراق" المخزن لو قعدت  توافقاتها بقاعدة دستورية وإطار سياسي جديد. كما أنها بالتأكيد كانت ستنجح، على الأقل رمزيا، لو أبعدت رموز ثقيلة في النظام؛ كما هو الحال بالنسبة لشرط "محمد بوستة" على وزير الداخلية الدموي. صحيح أن "لو" لا تغير اتجاه حركة التاريخ، غير أنها تسعف في فهم سيناريوهات أخرى لحركة التاريخ معاكسة للنهاية المأساوية لتاريخ معارضتنا.
إن الخلاصات الأساسية، من هذه الاستعادة التاريخية المستمرة في حاضرنا، يمكن تركيزها في:
1- بنية المخزن، بمحموله التاريخي والسياسي، متصلبة وعصية عن الاختراق الديمقراطي؛
2- تأسيسا على ذلك، فالمجهود النضالي يقتضي ملامسة جوهر بنية الدولة: النضال من أجل دولة ديمقراطية حديثة تتعايش فيها الشرعيات التاريخية والدينية والديمقراطية، وجميع هذه الشرعيات يخضع للشرعية الأخيرة؛
3- إن فشل خيار "دمقرطة المخزن" ليس بالضرورة نتيجة لضعف التنظيمات الحاملة لهذا المشروع، وإنما مرتبط، في تقديري، بغياب السند الشعبي الداعم لهذا الخيار؛
4- إن التغيير العميق يجب أن يصاغ في قلب المجتمع وبالمجتمع (…).
سيعلن رسميا عن نهاية حلم "دمقرطة المحزن" لحظة الخروج عن "المنهجية الديمقراطية" بتعيين جطو وزيرا أولا خلفا للأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، دون أن تمتلك المعارضة السابقة القدرة الكافية على رد الفعل المناسب مع استحقاقات اللحظة السياسية. بيد أن الشارع المغربي، في إطار ديناميته المستمرة، سينتج آليات أخرى في مطالبته بالديمقراطية؛ ستمثل حركة "20 فبراير" إحدى تعبيراته الناصعة.
توفق النظام المغربي، إذا، في الالتفاف على الديمقراطية، كما توفق في تمييع الوسائل والآليات الديمقراطية، ونجح، أيضا، في اختراق الصف الديمقراطي، غير أنه فشل في التحكم و ضبط المطالب الديمقراطية للمجتمع المغربي؛ كما عبرت عنها، مثلا، حركة "20 فبراير ".
04/07/2011

الأربعاء، 11 يونيو 2014

الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقات/ أهم ما توصل إليه الإنسان بعد النار والكتابة والعجلة

الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقاتأهم ما توصل إليه الإنسان بعد النار والكتابة والعجلة

 
مصطفى لمودن
  استهلال
 لماذا نقول إن أهم اختراع توصل إليه الإنسان الآن هو الانترنيت؟ الأمر يشبه اكتشاف النار واستعمالها، ثم اختراع الكتابة، وأخيرا العجلة.. فكيف ذلك؟
اـ النار لصهر المعادن؛ هي كانت أصلا في الطبيعة، تحدث نتيجة تفاعلات أخرى كقذف بركان للحمم أو بفعل حرارة الشمس.. فظهر مفعولها القوي، استغلها الإنسان لتحسين عيشه في غابر العصور، فهي وسيلة لتسخين مسكنه وإضاءته وطرد الحيوانات المفترسة، والأهم هو صهر المعادن وتحويلها لأدوات تفيده كالساطور والفأس والخنجر.. لننظر إلى الأشياء بمقياس زمن سحيق، وكيف اغتبط ذلك الإنسان عندما توصل لأول مرة إلى صناعة شيء من طرفه، إنه بداية التحكم في وجوده.. لهذا رأى في النار قوة هائلة تستحق العبادة والتبجيل.
ب ـ الكتابة لتسجيل المعلومات؛ يبدو أنها كانت في البداية مجرد رموز، وغالبا كان السبب في اختراعها العمل التجاري أو السحري، بالكتابة تشكلت ثقافة وتاريخ ونقل المعلومات والمعطيات بسلطتها الذهنية إلى أجيال لاحقة.. بالكتابة خط الإنسان مساره الخاص به، بالكتابة انتقل البشر من الشفوي الذي يضمحل مع الزمن إلى "الخبر" الموثوق.. بالكتابة أمكن التعبير عن المجردات ونقل ذلك إلى الآخرين، ولو إلى أجيال لاحقة.. الكتابة أهم وسيلة لظهور العلم واستمراره عبر تراكم اجتهادات الأجيال المتلاحقة، الكتابة تسجيل للغة المتداولة أو الحالمة أو الساحرة..
ـ العجلة للنقل والتحرك والاكتشاف؛ قد يبدو هذا الاختراع بسيطا، لكن له من الأهمية ما يجعله أساسيا في الحضارة، فالعجلة سهلة الدوران والتي لا تتعرض لكثير احتكاك مع جسم آخر، استخدمت لنقل السلع والأشخاص وفي الحروب حيث كانت هناك عربات تجرها الخيول وعليها فرسان ورماة، وتخترق بقوة حشد الخصم. هذه العربة ستبقى لزمن طويل إلى أن وضع لها محرك.. بينما شعوب أخرى لم تعرف العجلة ولم تفكر فيها، واضح أنها لم تكن في عجلة من أمرها. ويمكن تشبيه العربات التي توضع على عجلات بالزوارق ذوات المجداف أو الشراع. فهي كذلك ساهمت في تنقل السلع والثقافات بين الشعوب.
 تلك مقدمة لطرح إشكالات أخرى تهم هذا الأمر العيب المسمى "الأنترنيت".

 1ـ   أفترض أن موضوع  "الانترنيت للتواصل الإنساني، الحاجة والمعيقات" من المستجدات ذات الفعالية و"الخطورة" من ضمن ما توصل إليه الإنسان ويستعمله، حيث لم يعد مستعمِلُه مستهلكا للمعلومة أو مستقبلا لها فقط، كما كان الحال مع مختلف علامات وإشارات التواصل ومع الكتابة ثم المذياع والتلفزة والسينما.. وحتى وإن (كان) تفاعل مع المضامين، فإن ذلك لا يتعدى كيانه الشخصي ومحيطه القريب.. أما مع الانترنت فقد أصبح المستقبِل منفعلا ومتفاعلا وفي نفس اللحظة، بل يتحول بدوره إلى منتج ومرسِل.. لكن وفق أي شروط؟
 2ـ بحكم تعاطي سابقا مع مجال الكتابة الصحفية في بعض الأجناس ككتابة التقرير الصحفي وتغطية الأحداث وإجراء الاستجواب ونشر مقالة الرأي.. وبحكم اهتمامي بالتواصل عموما واستفادتي من عدة تكوينات في ذلك على مستوى التدريب "المهني" مع إحدى الجرائد، أو مع المجتمع المدني في محطات عديدة كنادي الصحافة الدولي بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والجمعية المغربية لصحافة التحقيق، وجمعية "عدالة"، وجمعية "العقد العالمي للماء" لمرتين وتحت إشراف خبراء من هولندا، وجمعية "منظمة حرايات الإعلام والتعبير".. كما مارست التدوين الالكتروني، إذ أشرفت لسنوات على مدونة كانت بمثابة جريدة الكترونية محلية ظل لها صيتها وإشعاعها إلى أن أغلق الخدمة أحد المواقع الأمريكية (1).  وبذلك تراكمت لدي "خبرة" في مجال الصحافة والتواصل، دون أن يكون ذلك مؤطرا بشكل أكاديمي.
  فلماذا الاهتمام بالتواصل عبْر مجال الانترنت؟
 3ـ  إنه الأداة الجديدة الأكثر انتشارا وتداولا، ويعرف تنوعا من حيث أشكال الحوامل الالكترونية، فهناك البريد الالكتروني والمدونة والموقع ومواقع التواصل الاجتماعي..
فما هي خاصية كل شكل من هاته الأشكال؟ وكيف يمكن استخدام ذلك بفعالية وإيجابية؟ ولأي أغراض؟  
4ـ تتجلى "خطورة" الانترنت في كونه "جذابا" وذي أشكال مثيرة من حيث الإخراج والتصفح، يستقطب كل يوم المزيد من الرواد، سهل الاستعمال بعد تدرب بسيط، ينتشر في العالم بأسره أنّى وجدت شبكة الانترنت، لا يحتاج إلى ناشر كما يقع مع الكتب والجرائد، يمنح مستعمليه إمكانيات استيعاب هائلة تكاد تكون بدون حدّ، ثم بطرق تقنية بسيطة يصبح المحتوى أو موجده وناشره متاحا للجميع بواسطة محركات البحث المعروفة، لا يتطلب نفقات كثيرة، بل يتم استعماله أحيانا "بالمجان".
   فهل فعلا أن الانترنت يؤثر على المستوى المعرفي والوجداني؟
 5ـ كيف يمكن للانترنت أن يؤثر على الإنسان؟ وما علاقة ذلك بالسلوك الفردي وردود الفعل والمواقف الجماعية لفئات محددة عمريا أو اثنيا أو إيديولوجيا..الخ.. انطلاقا مما يتم تداوله على الانترنت؟
 هل يمكن للانترنت أن يعمم رؤية معينة للذات والمعرفة والوجود؟ هل يعرّف بهويات مغمورة وبأقليات لا تجد صوتا لها؟ أم هو وبال على الأقليات عموما؟
  هل يمكن للانترنت أن يساهم في اغناء لغة معينة؟ أم سيفرض لغة أو بضع لغات محددة على العالم؟ هل سيثري لغات أخرى؟ أم سيجعل بانقراض بعض اللغات؟
 من هم الذين يستطيعون السيطرة على الانترنت لينشروا ويعمموا نموذجهم في الحياة والاقتصاد والسياسية والاجتماع..؟ وهل هناك من يفكر في هذا الأمر فعلا؟ وإذا كان كذلك هل هناك خطط من "المهدَّدين" للمقاومة؟ ولماذا أصلا هذه المقاومة؟ أي هل هناك خطر ما؟ أم نتحدث عن السعي للتثاقف والتفاعل الإيجابي بين "جزر" الإنسانية التي عاشت لقرون متباعدة؟
    ما هي أشكال التواصل المستعملة في الانترنت؟
  6ـ لا يكتفي التواصل عبر الانترنت باللغة المعتادة فقط وهي الكتابة، بل يعتمد كذلك على الصورة وعلى الشريط (الفيلم).. وهي أدوات فعالة لنقل الأفكار والأخبار والمواقف.. ويمكن التقاط معناها بسهولة من طرف الجميع، فما دور الصورة والشريط في التواصل الذي يتوسع ليشمل الجنس البشري برمته؟
 هل ستصل البشرية بواسطة وسائل الاتصال والتواصل الحديثة كالانترنت إلى تعميم سلوك بشري موحد؟ ورؤية موحدة أو متقاربة على الأقل؟ أم أن "الخصوصية" ستظل قائمة تقاوم؟
 هل يصح في الانترنيت استعمال مصطلح تقليد الأضعف للأقوى في اختياراته؟ ومن الأقوى ومن الضعيف هنا؟ هل يُحدَّد ذلك بالمستوى المادي والمعيشي أم بالثقافة والتجدر في التاريخ؟
 كيف يمكن للثقافات المختلفة أن تبرز ذاتها في عالم اليوم/ عالم الانترنيت؟
  كيف يتحول الانترنت إلى بدائل عن التنظيمات الحزبية والنقابية بشكلها التقليدي؟ وكيف أصبح وسيلة تواصل وتحريض وعقد الاجتماعات الافتراضية والخروج بقرارات بعد التداول فيها عن بعد؟ كيف يمكن أن يتحول الانترنت إلى وسيلة لإشباع "النزوات" الذاتية والالتقاء بالآخر المشابه وفق تصنيف مسبق معد الكترونيا؟ هل ذلك يحقق الإشباع وبالتالي القفز عن الوضع غير الطبيعي؟ أم يقود ذلك لتعقد الحالات البشرية على المستوى النفسي والاجتماعي؟
   كيف يمكن الاستعانة بالانترنت بشكل فعال ومنظم من طرف عدة متدخلين في المجال الثقافي والبيئي والتربوي والاقتصادي والصحي الخ؟
 هل الانترنت وسيلة لممارسة الحرية أم يضع مستعمله نفسه أمام الرقابة والتتبع والإحصاء؟
 7ـ هل سيغير الانترنت علاقة الإنسان بنفسه وبمحيطه وبوسطه الثقافي؟ كيف سيصبح مفهوم الدولة والسيادة الترابية؟ هل يمكن أن نصل يوما إلى الإنسان "الأممي" حيث تترسخ لدى الجميع أو الغالبية نفس القيم؟ ماذا سيصبح عليه مفهوم الهويات؟ هل سيقاوم البعض عبر "التحصين والانغلاق"؟ أم عبر دخول المجال والتفاعل معه؟ كيف سيصبح مفهوم الزمان والمكان عند التداول العام للانترنت؟
   لكن، ما نوعية الحديث عن المعيقات؟
 8ـ يمكن التساؤل عن معيقات انتشار الانترنيت انطلاقا من توفر حد أدنى يتيح التواصل وهو اللغة، فهل نعني بها الأمية الأبجدية أم الأمية التقنية؟ أم كلاهما معا؟ والتساؤل عن إتاحة ولوج الشبكة من طرف الجميع؟
 ثم التساؤل عن أنواع الرقابة التي تفرض على الانترنيت وهي تتوسع يوما بعد آخر، مما قد يحد من استعماله. خاصة أشكال التجسس على المستعملين من المعارضين للأنظمة السياسية، ومتابعة توجهات الرأي والأذواق وملاحقة المنافسين في المجال الاقتصادي خارج أي ضبط قانوني عادل..
 كيف يمكن للانترنت أن يسلم من الحضور القوي للتجارة وهي ما يحركه الآن على نطاق واسع؟ هل هذا الأمر يوسع استعماله أكثر أم يحد من آفاقه؟
  تلك جملة أسئلة المثيرة حول أداة أحدثها الإنسان وقد شرعت في وضع انقلاب تام لعدة مفاهيم تخص الإنسان في عمقه كالهوية واللغة والمكان والزمان...
_________
(1) ما تزال المحتويات موجودة بعد نقلها إلى مدونة أخرى.



حوار حول المسرح/ عباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية

حوار حول المسرحعباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية



كما وعدت قراءها الكرام، جريدة "الخط الأحمر" تقدم الحوار المسرحي الذي أجرته مع الكاتب والفنان العباس جدة، الذي يضع يده على واقع الممارسة المسرحية بالمغرب والعالم العربي، الآفاق والمعيقات.
 - أصدرت مؤخرا كتابا بعنوان "في ظلمة الليل" حدثنا عنه.
 --- يتألف هذا الكتاب من خمس نصوص مسرحية وهي: درس في التاريخ، في ظلمة الليل، القرية الموحشة، روح في مهب الريح والرحلة." درس في التاريخ" نص مسرحي يعود إلى سنة1984، وهو أول محاولة لي في مجال الكتابة المسرحية. وقد استلهمت هذا النص من تجربتي المهنية كمدرس لمادة الفلسفة، محاولا التأمل والتفكير في واقع رجل التعليم بصفة عامة. هذا الواقع الذي يشهد مفارقة غريبة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون، والتي تنعكس على سلوك المدرس ومشاعره ونظرته للواقع التعليمي والتربوي. وأعود مرة أخرى إلى مشكلة التعليم ببلادنا في مسرحية "في ظلمة الليل" حيث يعيش المدرس ازدواجية أو بالأحرى تمزقا عنيفا بين ما يسعى إليه من قيم تربوية وإنسانية نبيلة وبين عبثية واقعه التعليمي وترديه. أما "روح في مهب الريح" فتحاول مقاربة هموم الفنان المسرحي والصعوبات المفتعلة التي تعترضه، في ظل مجتمع لا يعترف بالفن  ويستخف بالممثل والثقافة والفنون، وبالتالي ذاك التذمر والإحساس بالإحباط الدفين اللذان يلازمان الفنان المغربي ويقتلان فيه القدرة على التعبير والإبداع. وتطرح "القرية الموحشة" إشكالية الحداثة وما تتضمنه من مفارقات وصراع بين ما هو قديم ومتحجر وبين ما هو حداثي ومتجدد. وأخيرا هنا ك مسرحية الرحلة التي يمكن إدراجها ضمن ما يعرف بمسرح " العبث"، وهي تحكي علاقة رجل أعمى برجل مقعد، يرحلان من مكان لآخر، دون أن يتمكنا من معرفة المكان الذي انطلقا منه ولا المكان الذي يقصدانه ولا الزمن الذي استغرقته الرحلة، فلا منطقا ولا هدفا ولا مكانا ولا زمانا.
      -لماذا الكتابة؟ وخاصة الكتابة المسرحية؟
--- الحاجة إلى  التعبير ضرورة حيوية في الإنسان. فقد يتم التعبير باللون أو بالصورة أو بالحركة أو بالنحت على الخشب أو الصخرة، إلى غير ذلك من أشكال التعبير التي ابتدعها الإنسان للإفصاح عن مشاعره وللتواصل مع الغير. وقد اخترت الكتابة المسرحية أو المسرح لأني عشقت هذا الفن وفتنت به منذ أن كنت تلميذا بالإعدادي. فكنت أقبل على مشاهدة العروض المسرحية، حيث كان المسرح  يشهد حركية في بداية السبعينات وكنت أحلم حينئذ بأن أصبح كاتبا مسرحيا كأحمد الطيب لعلج ومخرجا كالطيب الصديقي وممثلا كمحـمد سعيد عفيفي. فالمسرح يسكنني منذ أن بدأت رحلة الوعي بالذات إلى اليوم، ولا أعرف شيئا يمكن أن يهزني ويسترعي انتباهي ويستحوذ على انشغالاتي غير شغفي بهذا الفن.
-لماذا التركيز على النص المسرحي في حين أن هناك اتجاهات في المسرح ترى بأن المخرج هو سيد العرض في المسرح المعاصر؟
 --- يلعب النص المسرحي المكتوب- في تقديري- دورا مركزيا في العرض. وأنا لا أوافق الرأي الذي يذهب إلى القول بإمكانية الاستغناء على النص، على الأقل في المسرح العربي والمغربي على حد سواء. لماذا؟ لأن تهميش النص يستلزم مخرجا مبدعا وممثلين متمرسين وأكفاء، ومسرحيونا لا يتقنون فن المسرح ولا يمتلكون أدواته وعاجزون على خلق الفرجة المسرحية والفنية المنشودة. والحال يتعين علينا الإستيناد إلى النص المسرحي والإنطلاق منه، غير أن مأساة المسرح عندنا هي أننا لا نتوفر على كتاب مسرحيين حقيقيين. ففي الغالب ما نشاهد نصوصا مسرحية ضعيفة  يغلب عليها الخطاب المباشر والتقريرية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوازي أو حتى أن نتجرأ على أن نقارن أو نقارب مثلا بين كاتب مسرحي عربي بأي كاتب غربي أو أمريكي أو ياباني أو روسي، كيونسكو الفرنسي أو هارولد بينتر الأنجليزي أو تينسي ويليامس الأمريكي... إن الكتابة المسرحية ببلادنا تخلو من الإبداع وينقصها الخيال الخلاق ولا ترقى إلى مستوى الخطاب الفني الجميل. فهي كتابات لا زال يغلب عليها البعد الخطابي والإيديولوجي وتطغى عليها المباشرة والسطحية والفولكلورية والواقعية الفجة.

-ما هو واقع المسرح بالمغرب؟
--- المسرح ببلادنا، عروضا وممارسة وتنظيرا ونقدا، يعيش أزمة ويعاني من بؤس شديد. أركز هنا على الإنتاج والإبداع ، على الكم والكيف. فرغم الدعم المادي والمهرجانات ومعهد للتكوين، فإن سوق الفرجة المسرحية كاسد ويفتقر للحركية والتجديد والإمتاع الفني والروحي ويكاد يخلو من تجارب مسرحية أصيلة أو على الأقل من عروض مسرحية مقنعة.
 -لماذا الواقع المسرحي مظلم إلى هذه الدرجة ؟ والى من تحملون المسؤولية ؟
 --- من المؤكد أن الدولة تتحمل مسؤولية انحصار الفن والثقافة وبؤسهما في بلادنا؛ ولا نختلف أيضا في إهمال وزارة الثقافة للمسرحيين وعدم الاضطلاع بمهمتها في النهوض بقطاع الثقافة باكتشاف الكفاءات ودعمها وتشجيع المثقفين. لكن لكي لا نوجه اللوم للآخر فقط ، بهدف تبرير عجزنا وعيوبنا، أكون ملزما بالإقرار إلى أن العاملين في هذا القطاع أو ما يعرف بالمسرحيين، يعملون بفوضوية وارتجالية. فلا أحد من هؤلاء يشتغل على مشروع مسرحي محدد أو ينطلق من رؤية فنية واضحة. إن الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية، ولم يسبق لها أن ارتقت إلى مستوى العمل الاحترافي والمهنية، بما تفترضه المهنية من كفاءة وعمل منظم وتكوين فني وعمق فكري ومسؤولية والتزام. وعلى العكس من ذلك، فان الارتجال والمزاجية والعفوية الساذجة  ونقص في التكوين الفني والثقافي، هذا فضلا عن الزبونية والولاءات وادعاء المعرفة والعجرفة والغرور... هو الذي يسود ويحكم الممارسة المسرحية والعلاقات بين المسرحيين المغاربة.
-باسم قراء "الخط الأحمر" نشكرك على صراحتك ونتمنى لك دوام الصحة الفنية.
حاوره عبد النبي أوخطو.
----------------------
 أمد مدونة سيدي سليمان الكاتب المسرحي الأستاذ عباس جدة..


كالينابيع ينبجسون/ ذ.مـحمد رحو

كالينابيع ينبجسون
       
مـحمد رحو 
لرعايا الغياهب
أن تنام ملء جفونها
وليس لديه من بديل
سوى أن يصف العقارب
بغرائزها الحاقدة
ضد معزوفة عصفور جميل
يحلو له التحليق
بفضاء طليق!
وليس له من بديل
سوى أن يصحو ملء كوابيسه
ليبقر منها الأحشاء!
هي عادته الملازمة
حد أن صارت
خطوته الصغيرة حالمة
بزنبقة يسربلها النقاء!
وهو كما قد يخونكم الحدس
لسوى بؤرة ما فتئت
تزف الريح للشرارة
لا ينسج بيرق الإنتماء!
فلماذا يندهشون
إن طفا زبد الأدعياء
فوق صدر الصفاء
منذ البدء يتوهمون
أنهم الأقوياء القادرون
على ترويض أطفال الحلم الرائع
هل تراهم يدركون
أن أطفال الحلم الرائع
من بين أصابع صخر الواقع
كالينابيع ينبجسون!
-----------------

الشاعر الأستاذ مـحمد رحو مقيم في الدار البيضاء وكعادته خص "مدونة سيدي سليمان" بهذه القصيدة.

الأربعاء، 14 مايو 2014

المجموعة القصصية " شاي وشجون" إصدار ثان لمصطفى لمودن

المجموعة القصصية " شاي وشجون" إصدار ثان لمصطفى لمودن 
 
بعد المجموعة القصصية "نزيل في التراب"، يصدر مصطفى لمودن مجموعته القصصية الثانية، وقد اختار لها كعنوان "شاي وشجون".. من القطع المتوسط، تقع فيما يقارب المائة صفحة.. 

الأربعاء، 30 أبريل 2014

لا مسرح بدون مسرحيين/ ذ.عباس جدة

لا مسرح بدون مسرحيين
ذ.عباس جدة

يصرح "بيتربروك" المسرحي الانجليزي في كتابه (أربعون سنة من المسرح) : "يكفي أن تكون هناك خشبة وجمهور وأن يمر ممثل من يمين إلى يسار الخشبة، حتى يكون هناك حدث مسرحي." وقد شاهدت عرض "هامليت" لبيتر بروك بوسائل وإمكانيات جد بسيطة - وهي المسرحية الطويلة والمعقدة لشكسبير والتي تفترض إمكانيات مادية وبشرية هائلة- ومع ذلك كان العرض مؤثرا وجذابا، كل ذلك بفضل حنكة ومهارة  وكفاءة بروك التي لا تناقش. كما كان المخرج الفرنسي المميز " جون فيلار" يرفع شعار: الاقتصاد، والابتعاد عن الزخرفة. فكان في عروضه المسرحية، يستغني عن الديكور ولا يبالي بالمؤثرات الصوتية والبصرية الهائلة والمدهشة، ويركز فقط على الملابس وعلى قوة تشخيص الممثل ومهاراته، وبطبيعة الحال الإستيناد إلى نصوص مسرحية جيدة، في أفق خدمتها وتبليغها بفنية وبحس جمالي بليغ، للمتلقي.
...أما مسرحيونا فلازالوا يشترطون إمكانيات مادية ومنحا مالية ضخمة لإنتاج عروضهم، ولازالوا يطالبون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة ووزارة الثقافة، ببناء مسارح كبيرة أو على الأقل صالحة للعرض بكل المقاييس... وكأن الإقلاع الفني والثقافي رهين بدولة الحق والقانون وبالديموقراطية والإمكانيات المادية والمعنوية. لكن ما الفائدة من توفر قاعات للعرض ومن أموال وإمكانيات في غياب رجال مسرح حقيقيين؟ وماذا يمكن أن نقول بشأن بلدان تحكمها أنظمة ديكتاتورية وشمولية قاهرة ومع ذلك تشق مختلف الألوان التعبيرية طريقها للناس، بفضل شعراء ومسرحيين وسينمائيين وروائيين؟ وكيف نفسر تألق الأدب والفن في أمريكا اللاتينية في الستينات والسبعينات؟ وفي الصين حاليا رغم الاستبداد؟ وازدهار السينما في إيران رغم  حكم الملالي اللاهوتي؟
    إن رجال المسرح لا يكفون عن التأسف والتباكي على أطلال مسرح مغربي، في الستينات والسبعينات. فهل كان المسرح بالفعل متطورا، قويا وفاعلا؟ لا أظن ذلك، فالمسرح في بلادنا ، كان ولا زال ضعيفا ومهمشا والإنتاجات المسرحية لم ترق بعد إلى المستوى الفني المطلوب. كنا ولا زلنا بصدد نشاط مسرحي هزيل ومحاولات فنية فردية خجولة ومتواضعة. والواقع لا يمكن الحديث عن حركة مسرحية نشيطة وعن إبداع فني مسرحي بالمعنى الدقيق للكلمة.
ما السبيل إذن للنهوض بالمسرح؟
إن جوهر المشكل لا يكمن في الإمكانيات ولا يرجع بشكل حاسم إلى العوامل الخارجية، وإنما هو مشكل ذاتي، يرتبط بالمسرحيين أنفسهم . فالمسرح في بلادنا بحاجة ملحة، آنية لمسرحيين حقيقيين. من هو المسرحي الحقيقيي؟
أولا: هو الذي يمتلك موهبة فنية وحسا فنيا عميقا واستعدادا طبيعيا وفطريا للتعبير والتواصل بشكل تلقائي. فيشعر بالحاجة الملحة والفورية إلى التعبير عن مشاعره وانطباعاته، دون قيد أو شرط، منذ الطفولة أو على الأقل ابتداء من سن المراهقة. وإذا كان الممثل أو المخرج أو المؤلف المسرحي لا يأنس في نفسه هذه الملكة وهذه الرغبة الملحة في التشخيص أو الكتابة المسرحية أو الإخراج، فيستحسن له أن يبتعد عن التمثيل والمسرح. والمؤسف عندنا هو أن عددا منهم يفرضون أنفسهم على هذا الميدان وهو بريء منهم تماما.
ثانيا: أن يخضع المسرحي لتكوين فني، علمي ومسرحي حقيقي. فالموهبة كما نعلم، غير كافية لإنجاب مسرحيين يتقنون مهنتهم. هذا فضلا عن الرصيد الثقافي والفكري الذي يتعين على كل فنان أن يتوافر لديه لكي يتسنى له الإستيناد إلى خلفيات فلسفية وعمق فكري وأن يتبنى مشروعا فنيا ومسرحيا على المدى الطويل، أخص بالذكر هنا المخرج والكاتب المسرحيين. غير أن ما نلاحظه في الساحة المسرحية الوطنية، نقص في التكوين الفني والتقني المحض وفقر مهول على مستوى الفكر والثقافة. إن غالبية المسرحيين لا يقرؤون. فإذا أخذنا على سبيل المثال المخرجين، نجدهم لا يدركون تاريخ المسرح جيدا وغير ملمين بالكتاب المسرحيين العالميين ويجهلون التيارات الفنية والمسرحية الأساسية، أما الممثلين فان الكثير منهم لا يقرأ النصوص المسرحية ولا يولي أهمية لتكوينه الفني والفكري.
ثالثا : أن يراكم الفنان تجارب مسرحية وأن يحرص على الانخراط في ممارسة مسرحية منتظمة، شاقة وطويلة، كي يتسنى له بلورة قدراته الفنية وتطوير تجربته وخبراته الإبداعية. لقد كان المخرج والممثل الفرنسي الشهير "لويس جوفي" ينبه الممثل بأنه لا يمكن أن يقر لنفسه بأنه أصبح ممثلا فعلا ، إلا بعد أن يختبر خشبة المسرح وأن يلعب أدوارا ويتقمص شخصيات مسرحية لمدة عشرين سنة ونيف. فالممارسة المسرحية المنتظمة والطويلة هي التي تخلق المسرحي الحقيقي.

رابعا: المسرحي المبدع هو الذي يتحلى بأخلاقيات المهنة ويتشبع بأدبيات الفنان وعلى رأسها الجرأة والشجاعة في طرح القضايا الكبرى للإنسان والمجتمع وشجاعة التجريب، تجريب أساليب فنية جديدة وغير مألوفة؛ الإحساس بالمسؤولية والالتزام بالعمل الجماعي واحترام الزملاء  والجدية والقابلية للتطور والتواضع الفني والمراجعة الذاتية المتواصلة وتفادي الإدعاء والغرور والعجرفة والغطرسة والنرجيسية المفرطة، إلى غير ذلك من المسلكيات المذمومة التي تنخر الجسم المسرحي ببلادنا. وفي كلمة لا مسرح بدون مسرحيين.