الأحد، 28 يوليو 2013

الكراهية والعنف ليس حلا للصراع المحتدم بالعالم العربي

الكراهية والعنف ليس حلا للصراع المحتدم بالعالم العربي

مصطفى لمودن
ودعت تونس يوم السبت 28 يوليوز 2013 أحد أبنائها البررة الفقيد محمد البراهمي نائب في المجلس التأسيسي عن "حزب الشعب" في جنازة مهيبة (الفيديو) والذي قتل أمام بيته بالعاصمة تونس يوم أمس حيث اخترقت جسده أربعة عشر رصاصة حاقدة..  واتهمت وزارة الداخلية التونسية في ذلك أحد المنتسبين للتيار السلفي التكفيري باعتباره المتهم الرئيسي، وهو تاجر سلاح مبحوث عنه دوليا، سبق أن شارك في "حروب جهادية" بالعراق وسوريا، وحكم عليه سبع سنوات سجنا.. وذكرت أوساط أمنية أن السلاح المستعمل هو نفسه الذي قتل به قبل شهور  شكري بلعيد اليساري.. هذا وقد رفعت أثناء الجنازة شعارات تطالب باستقالة الحكومة وحل مجلس الشورى الذي استقال منه لحد الآن 52 عضوا.. ولا يتوانى البعض في توجيه أصابع الاتهام لحزب "النهضة" الإسلامي خصوصا وللترويكا الحاكمة في تونس عامة..
 وفي علاقة بموضوع القتل، فقد رُمي بالرصاص قبل ثلاثة أيام في بنغازي المحامي عبد السلام المسماري أثناء خروجه من المسجد وهو حقوقي وقيادي بالثورة التي أطاحت بالقذافي.. كما قتل بنفس المدينة ضابطان في الجيش والشرطة.. واليوم عرفت طرابلس وبنغازي مظاهرات حاشدة، رفعت خلالها شعارات ضد "حزب العدالة والبناء" وهو فرع من "حركة الإخوان المسلمين" العالمية، كما اقتحم المحتجون مقر هذا الحزب في بنغازي وأتلفوا وثائقه وهم يحملونه مسؤولية الاغتيال.. ويرى المراقبون أن ليبيا تفقد يوما عن آخر "مقومات الدولة"، فهي لحد الآن بدون نظام أمني وقضائي، وتعيش في فوضى عارمة، إذ تتحكم الملشيات المسلحة في بقاع تقاسمتها فيما بينها.
 يحدث هذا في نفس الوقت التي تعرف فيه مصر منعطفا خطيرا، وقد بدأت الدماء تسيل وعدد القتلى يرتفع خاصة من جانب تيار "الإخوان المسلمين" الذين يتهمون الجهات الأمنية في ذلك.. بينما وزير الداخلية قال إن الشرطة أطلقت فقط الغازات المسيلة للدموع وأن الرصاص انطلق من وسط المحتجين.. وقد أعطى الجيش للمعتصمين برابعة العدوية مهلة لفض الاعتصام والانتظام إلى "العملية السياسية".. وفي نفس الوقت  حبس المدعي العام المصري محمد مرسي الرئيس المطاح به لمدة 15 يوما ووجه له عدة اتهامات، منها التخابر مع قوى أجنبية (يقصد بها حماس) والهروب من السجن  أثناء ثورة 25 يناير.. وهي التهم التي رد عليها الإخوان بالاستغراب.. لا أحد يستطيع تحديد مآل الأحداث بمصر، خاصة بعدما طلب عبد الفتاح السيسي القائد العام للجيش من الشعب الخروج في مسيرة مؤيدة أمس الجمعة، وهو ما يتعبره البعض بداية لشد الحبل بين الإخوان والجيش على مستوى أخطر لا أحد يستطيع تحديد عواقبه على مصر ومحيطها..
في نفس السياق كذلك، تتوالى أحداث القتل والتفجيرات بالعراق، ومن أخطر ما وقع قبل أيام يبين سقوط هيبة الدولة إلى  الحضيض هروب السجناء من سجنين كبيرين، وذكرت الأخبار أن العملية من تنفيذ تنظيم "القاعدة"، وعلم قبل أيام كذلك استقدام القاعدة لأعداد كبيرة من أعضائها إلى العراق وتجنيد شباب من نفس البلد ليقوموا بما سموه "غزوة رمضان"؛ وهي ليست سوى زرع الرعب عبر التفجيرات، ويتبادل الشيعة والسنة كذلك التهم فيما بينهم أما القتل المستمر والانتقامات المضادة...
 أما في سوريا حيث القتل والانفجارات هي "الخبز" اليومي هناك، فأهم ما يميز الأحداث ما قيل عن نية الأكراد في شمال سوريا الإعلان عن "الاستقلال الذاتي" على غرار الإقليم العراقي بكردستان، وهو ما أرهب الجار التركي الذي يخشى من انتقال العدوى إلى تركيا.. كما انفجر الوضع بين "الجيش الحر" السوري وبقية "الحركات الجهادية" التي حلت بسوريا من أجل "تشكيل جزء من الخلافة" الموعودة حسبهم.. حقق الجيش السوري بعض الانتصارات الأسبوع المنصرم في حمص، وهو يحاصر معارضيه هناك ويضيق عليهم الخناق.. في ظل تردد الدول الغربية في مد الجيش الحر بالسلاح، فقد أكد مثلا ممثل فرنسا في مجلس الأمن يوم الجمعة الفائت أثناء اجتماع مع "قيادة الثورة" في نيويورك شارك فيه ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن حيث اعتبر أن الحل يجب أن يكون "سياسيا"، أي التوجه نحو التفاوض، وهو يعبر عن مخاوف الدول الغربية في انتقال الأسلحة إلى المتشددين ك"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" في حالة دعم "الجيش الحر".
 يبدو أن الأحداث تتفاعل بشكل ينذر بالأسوأ، خاصة أن هوة الخلافات والنزاعات تتوسع بين مختلف الأطراف في العالم العربي، وقلة من ينادون بالحوار وبحق الآخر في التواجد وبالاحتكام لصناديق الانتخابات.. إلى أي مدى ستستمر هذه الموجة من العنف والكراهية؟


الجمعة، 26 يوليو 2013

مع محمد شكري في خلوده

مع محمد شكري في خلوده

محمد شكري 


مصطفى لمودن
دخلت إحدى المكتبات أبحث عن كتاب بعينه لم أجده، وفي نفس الوقت أتصفح العناوين، فقد أتصادف مع كتاب أحتاجه أو يروقني.. وإذا بي أجد بضعة نسخ من "الخبز الحافي" وهي تحمل الطبعة الحادية عشر، جميل فعلا أن تطبع في المغرب مثل هذه الرواية التي خلفها الفقيد محمد شكري أكثر من عشر مرات في مجتمع يقال عنه إنه غير قارئ!.. شكري انتصر على خصومه، انتصر على كل "المحافظين" الذين يتقمصون شخصية القرصان الذي يغطي عينا بالسواد.. فلا يرون إلا جانبا واحدا من الوجود، لا يرون إلا ما يرغبون في رؤيته، وينكرون أن يكون العالم مختلفا ومتنوعا.. انتصر شكري على كل الذين ضايقوه وحاصروه.. كان شكري يطبع كتبه من جيبه، وأي مال يتوفر عليه شكري؟!
مرة شارك شكري في برنامج ثقافي متلفز وقد وصف "ناشر" ما يكتبه شكري بأبخس وأقذح الأوصاف دون أن يرف له جفن، وقال إنه لن ينشر مثل هذا الأدب في إشارة لما يكتبه شكري.. ها نحن الآن يا شكري شهود على هزمك لذلك الناشر الذي لا يفرق بين نشر الغسيل على السطح ونشر الكتب.. وكتباك "الخبز الحافي" على رأس قائمة الكتب المغربية المترجمة للغات العالم، فقد ترجم إلى ما يناهز أربعين لغة حسب ما جاء في غلاف الرواية نفسها في طبعة "الفنك" ماي 2007.. لقد ظل شكري (1935ـ 2003) يحمل معه مسودة الرواية في جيبه لأزيد من عقد، ولم يجد من ينشرها. ولما ظهرت أولا مترجمة إلى الفرنسية على يد الطاهر بنجلون في أوربا، ولما توالت الترجمات والدراسات والتنويهات والنقد لهذه الرواية "المفازة" في شساعة بيداء تحمل الغموض الواضح والوضوح المبهم.. حينها ظهر "لزوما" نشر الرواية الأصل بالعربية!
سأظل ممتنا لأحد أساتذتي في مادة الفرنسية بالثانوي وهو منحدر من أصل بلجيكي وقد أمدني بنسخة من رواية الخبز الحافي بعدما قبل طلبي، لكنه اشترط علي أن التحق به في داره ليمدني بها.. ف"الخبز الحافي" بمثابة علبة الهيروين ممنوع تصفحه أو حمله علانية.. وقد بقي الكتاب ممنوعا تداوله في المغرب لسنوات طوال، لنتصور فداحة الأمر، دولة بكاملها تشن الحرب على كتاب!.. إلى أن جاءت "حكومة التناوب" فأفرجت عن الكتاب. وانتصر من جديد محمد شكري على كل خصومه.. قرأت شكري ابن بلدي في وطني المغرب بالفرنسية أولا.. يا للفداحة وقد بقينا صامتين على ذلك، كما ما نزال صامتين على فداحات ترتكب هنا وهناك.
شكري بحسه النافذ جاء برواية قبل زمانها، ليس ذلك مرتبطا بما قد يعتقده البعض عرضا بورنوغرافيا (Pornographique) حينما يتحدث عن المغامرات الجنسية وعن علاقاته مع خادمات الجنس، أو أن يتحدث بكل تلك القساوة عن والده حيث كتب "كثيرا ما كان أبي يباغتني في الشارع من الخلف ويقبض علي من ياقة قميصي أو يلوي ذراعي إلى ظهري بيد وباليد الأخرى ينهال عليّ ضربا حتى يسيل دمي.." (نفس المرجع ص 75)، أو أن يثير كل تلك المأساة التي لاقتها أسرته وهي ترتحل بين مدن المغرب والجزائر (وصلنا إلى وهران ليلا . ص:53)، قبل أن تستقر في طنجة وكيف يرى إخوته يتضورون جوعا أو يموت أحدهم والمتهم هو أب شكري؛ "يلوي اللعين عنقه بعنف. أخي يتلوى. الدم يتدفق. أهرب خارج البيت تاركا إيّاه يسكت أمي باللكم والرفس." (ص9).. ليس في كل هذا التوصيف القاسي فقط، بل في تلك المحاكمة التي رفعها ضدنا، ضد كل المجتمع.. هنا تكمن عبقرية شكري في "الخبز الحافي"، إنه يوجه رسالة قوية إلى كل من يدعي العفة والنزاهة والمسؤولية أن ينظر في هذه الرواية (البيان) بكل ثقلها التعبيري الواضح حول تحدي الجميع، تحدي القيم التي تمجد النفاق دون أن تفصح عنه، من خلال الرواية (السيرة الذاتية) شكري ليس ممتنا لأحد، حتى تعلمه حروف اللغة وقع في السجن.. وليس خارجه، لنتصور هذه المفارقة، تعليم اللغة بما تعنيه من بحث عن الحرية والانطلاق والرغبة والتواصل تتم بين جدران مغلقة.. لولا طموح شكري بذاته لما وصلنا كاتب في قيمة شكري.. تلك هي الخلاصة الثانية.. عصامية الرجل في كل شيء، لهذا سعى أن يقيم محاكمة ضدنا عبر معاناة أسرته ونذوب جسده وطموحاته وإخفاقاته، بل حتى عبر طبعه لكتبه من ماله الخاص..  شكري ليس حالة فريدة في المعاناة، لكنه تخلص من معاناته بالكتابة، وبذلك خلد بيننا وبين الأحياء اللاحقين.
ألف تحية لك أيها الريفي البدوي الذي شق له في سماء الأدب اسما لامعا.
أيها الشباب اقروا أدبكم، أدب المغاربة، أدب شكري ولا تلتفتوا لمن يرفع لواءات التحجير على عقول الناس، ولا ينفك يفصح عن غيرته من الفن لما يحمله من إبداع وحرية وتواصل وانطلاقة..
-----------

وبجريدة "فضاء الحوار" عدد 335 بتاريخ 23 يوليوز 2013

الأربعاء، 17 يوليو 2013

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

مصطفى لمودن
قال حميد مجدي: "مسؤوليتي اتجاه وطني تفرض علي الانخراط في النضال من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. ورغم كل الضغوطات والتهديدات ومحاولات سجني بقضايا ملفقة، فلن أنساق أبدا مع سرب الإجماع." ذلك جزء من حوار أجرته معه فاطمة الإفريقي في سلسلة مقالات تحمل عنوان "الخارجون عن الإجماع" بجريدة "أخبار اليوم" في العدد 1117 الصادر يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013. ومعلوم أن حميد مجدي النقابي والعضو بالحزب الاشتراكي الموحد حصل على حكم بالبراءة من المحكمة الابتدائية بمراكش قبل أسابيع، وذلك إثر وضع مجهولين مخدر الشيرة والكوكايين في سيارته.. وقد لقي مجدي مساندة وتضامنا واسعين، وأرجع سبب مضايقته إلى نضاله النقابي بإقليم ورزازات قائلا في نفس الحوار المشار إليه:" .. أدافع كنقابي وحقوقي في إطار القانون، على العمال في مؤسسات الدولة وفي المناجم والفنادق المصنفة وغيرها من الشركات الكبرى التي ينتهك بعضها أبسط الحقوق والقوانين بشكل صارخ، فلا يوجد فرق كبير في المغرب ـ بكل أسف ـ بين ان تكون عاملا وأن تكون عبدا. لقد حاولوا في البداية إغرائي كي لا أساند عمال شركة مناجم، ولما فشلت محاولاتهم غيروا الخطة بالتضييق عليّ". وأضاف أنه "لازال مهددا لحد الآن بسبب" مواقفه..ويتهم في ذلك عامل إقليم قلعة السراغنة حيث انتقل للعمل بها، وقد دفع للعمل خارج دائرة اختصاصه في إحدى القيادات بعيدا عن المدار الحضري.. كما أشار إلى استغرابه من عدم تضامن الجهاز النقابي المركزي المسير لنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خصوصا أن ما تعرض له كان سببه نضالاته النقابية كما قال.. بخلاف هيئات أخرى مختلفة تضامنت معه.. وذكّر في خضم حديثه بالمضايقات بحالة محمد ياسر اكميرة بسيدي سليمان الذي حصل على حكم بالبراءة في الثاني شهر يونيو المنصرم..

الاثنين، 8 يوليو 2013

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني./ ذ. حميد هيمة

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني.
 مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
945024_644447015582803_1710018813_n.jpg
حميد هيمة(*)


ديغول، بما يحمله من رمزية مقاومة النازية، يتنحّى عن السلطة عقب ثورة ماي 1968، ومرسي، بما يحمله من رغبة جامحة لـلجماعة في "التمكين"، يتشبث بالشرعية الدستورية ويكفر بالشرعية الشعبية التي أسقطت المخلوع السابق.
إن الترافع بمضمون الشرعية، وفي أحايين كثيرة الشريعة لدغدغة مشاعر "المؤمنين" المقهورين المتطلعين للخلاص، يشبه إلى حد كبير اغتصاب الزوج لزوجته بناء على عقد "النكاح"، على حد تعبير الصديق عدنان.
فرغم كل نقائص الديمقراطية "البورجوازية"، قياسا إلى الديمقراطية بمضونها العام، فإن المكتسبات الليبرالية ساهمت في ترسيخ الحقوق السياسية والمدنية وتحرير الشعوب من كل أشكال الاستبداد المباشر القائم على تركيز السلط لفائدة الحاكم المستبد.
إن النضال و التضحيات الجسيمة للشعوب في سبيل الحرية ساهم في استعادة الفعل السياسي، كعلاقات ناظمة بين الحاكم والمحكوم في الديمقراطية التمثيلية، من المجال القدسي القائم على اغتصاب تجار الدين لمنصب المتحدث باسم "الله" في الأرض؛ بما يختزنه ذلك من دلالة امتلاك الحقيقة السماوية المطلقة في فضاء سياسي قائم على تنسّيب التقدير في المواقف والاتجاهات إزاء قضايا مرتبطة بالصراع في الأرض لا في السماء.
وبعد  مسلسل ثوري، مسنود بأرضية فكرية تنويرية تنتصر للإنسان، نجحت كل الحضارات الحيُة في إعادة صياغة ثقافتها السياسية بشكل ينتصر للشعوب كمصدر للسلطة في الديمقراطيات التمثيلية. وبعمق أكثر، إسناد النظام السياسي لشرعيته التمثيلية بإشراك المجتمع في بلورة وتنفيذ المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..الخ.
على عكس هذا المسار، تختزل الأنظمة "العربية"، وبتحديد أدق العصابات المتسلطة على شعوب المنطقة، الديمقراطية لشرعنة القهر والغلبة،  وتلتوي على الاستشارات الشعبية لتزكية إجماع قبلي حول حاكم لم يحرّره "الانتخاب" من تقديس الذات أو من الجنوح إلى فعل الغلبة والقهر.
ومناسبة هذا الاستهلال هو ما يقع في مصر. هل ما وقع "انقلاب" على الشرعية والشريعة من منظور المؤيد، أم أن ما حدث "ثورة" شعبية سرقها الجيش من منظور ينتصر للدولة المدنية؟
قبل التفاعل مع السؤال، من المهم أن نشير، في البدء والمنتهى، أن النقاش سينصب على الصراع السياسي، مما يتوجّب علينا أن ننزع عن الفرق المتصارعة فيه كل الأغطية الدينية التي ارتدتها  لتحصين مواقفها السياسية ومنافعها الاجتماعية والاقتصادية بمقولات دينية انتهت مدة صلاحياتها وفعّاليتها حتى مع "الصحابة" الذين تقاتلوا من أجل السلطة السياسية وليس حول مبطّلات الوضوء وفروض الصلاة ..الخ.

طبعا، لن يكون الحديث، هنا، عن تقييم فترة حكم مرسي، مع ما يتستدعي ذلك من خلاف واختلاف حول معايير التقييم، وإنما سنتوجه رأسا إلى مناقشة قضية "الشرعية" المختزلة في الديمقراطية العددية: ديمقراطية العصبية/ الطائفة الغالبة/ الناجية.
إن الانتخابات "النزّيهة" في مصر، كأحد أوجه التعبير عن الإرادة الشعبية، ليست تفويضا نهائيا للحاكم  " محمد مرسي"  لتنفيذ الرغبات الدفينة وغير المعلنة لطائفة من المجتمع، نقصد هنا " جماعة الإخوان المسلمين"، التي ارتدت لبوسا تنظيميا "مدنيا" لإخفاء حقيقتها المتعارضة مع متطلبّات المدنية السياسية: الفصل بين السياسي والدعوي.
إن مرسي المتشبث بشرعية الصناديق، كما يدل على ذلك ترديده لـ "الشرعية" أكثر من 160 مرة في خطاب الوداع، وصل إلى السلطة بعد أن أطاح الشعب المصري بحاكم عسكري، سخّر كل مظاهر الديمقراطية، للاحتفاظ باستمراره حاكما مستبدا على مصر العظيمة بتاريخها وشعبها.
لقد تداعت جماعة "الإخوان المسلمين" في التهليل بالحراك الشعبي، في بداية 2011، لإسقاط الدكتاتور "حسني مبارك"، كما أنها تعجّلت في تزكية الجيش  لتنحية المخلوع !! غير أن الجماعة تحولت إلى "ضحية" لما شرعنته بالأمس: انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الإخواني، وتدخل الجيش لتنحيته "حفاظا على موجبات الأمن القومي"، كما يبرر العسكر ذلك.
لم يراع رئيس الإخوان حساسية اللحظة الانتقالية في مصر، التي كانت تقتضي إشراك كل القوى السياسية الديمقراطية والشعبية، بل قاده جنوحه لركوب ديمقراطية"الغالب" الذي يفرض على الفريق المغلوب إبداع صيغ جديدة للمقاومة حملت شارة " تمرد".
ضحّى الشباب بدمائهم وأرواحهم، في الحراك الجاري، ليس لتفويض مرسي وجماعته فرض دستور على مقاس "التمكين" الاخواني، أو لتوزيع المنافع المادية والرمزية على أعضاء الطائفة، وإنما كانت التضحيات من أجل التأسيس لديمقراطية شاملة قائمة على احترام الإرادة الشعبية والاستجابة للتطلعات الجماعية في العدالة الاجتماعية والكرامة.
يبدو من ردود الفعل البطيئة للرئيس المخلوع، في النسخة الثانية، أنه لم يستوعب ذلك الحشد التاريخي من الشعب المندّد بسياسته اللاشعبية. كما أنه لم يدرك أن سياسة الانفراد المنحازة للطائفة خلقت اصطفافا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ضده وضد جماعته المتطلعة لأخونة الدولة والمجتمع.
وفي مواجهة المشروع الاخواني، وتراكم الأخطاء القاتلة للرئيس، وأثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاض الاحتقان السياسي، انبثقت مبادرة الشباب المبدع لـ"التمرد" على الانقلاب الناعم للإخوان؛ فقد احتشدت الجماهير للمطالبة بإسقاط مرسي وإعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة وإحداث تعديلات ومراجعات دستورية لتجاوز دستور جماعة الغلبة والقهر.
لم تعترف الجماعة أن الحشود اندفعت إلى ميادين التحرير بشعار وحيد: إسقاط نظام الإخوان ! فيما نشبت هؤلاء- الإخوان- بالشرعية الدستورية المنبثقة عن نتائج الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، مقابل غض الطرف عن الشرعية الشعبية في حشد تاريخي أعظم من الحشد المناهض لمبارك! كما لم تستسغ الطائفة الناجية أن المواطن-ة المصري-ة احتج على الحاكم "الإسلامي" لتجبّره وفشله في إشباع الحاجيات اليومية لفئات واسعة من الشعب تناضل من أجل تأمين عيشها؛ الذي بدأ عسيرا في ظل الحاكم الاخواني!
 انضاف إلى جبهة الرفض قطاع واسع من المثقفين الرافضين لعمليات الأخونة الهادئة للدولة والمجتمع، كما انحاز ضدهم الثوار الذين اعتبروا أن ثورتهم سرقت أو حرّفت عن مسارها الطبيعي. لم يبق إلا تدخل الجيش  بمبرر"حماية الأمن القومي" لتنحية الرئيس المنتخب؛ الذي نجح في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي المصري بتنطعه وعدم إنصاته لنبضات شعب اختار الثورة وسيلة لإسقاط الطغاة.
من العسير الحديث، وفقا للتحديدات الكلاسيكية، عن "انقلاب" عسكري باستحضار معطيات تنهض دليلا لا يطاوع كثيرا في قولبة الأحداث الجارية وفقا للتفسير الانقلابي. يكفي أن نشير هنا، مثلا، إلى إسناد الحكم إلى مدني وفق ما تنص عليه الآلية الدستورية، كما أن نهوض الملايين، في حشد غير مسبوق تاريخيا، للمطالبة بإسقاط الرئيس ترفع من الشرعية الشعبية فوق كل الشرعيات القائمة. أليس الشعب هو مصدر السلطة؟!
دائما في سياق التساؤل: أليست الانتخابات هي من حملت " أدولف هتلر" إلى السلطة في ألمانيا؟ ولماذا تنازل "ديغول" عن الحكم رغم أنه مسنود بالشرعية الانتخابية و"الوطنية" في تحرير وطنه من النازية؟
يبدو الجواب المباشر والفوري، في الحالة الألمانية، أن الديمقراطية الآلية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع غير ناضجة بما يكفي لحماية الديمقراطية من الممارسات والأفعال التسلطية للحكام ما دامت لهم القدرة على دغدغة المشاعر الدينية والقومية وتصريفها انتخابيا. كما أن الديمقراطية، في حالة ديغول، لا تمنع الحاكم المنتخب ديمقراطيا من مراعاة تطلعات شعبه واتجاهاته الجديدة.
الرئيس المنتخب ديمقراطيا، قائد تحرير الوطن، يطوي فترة حكمه بإعلانه رسميا، في كلمات تختزل موقف تاريخي، توقفه " عن مُمارسة مهام رئيساً للجمهورية. يصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 نيسان 1969" !
وبالعودة إلى مسرح الأحداث، في نهاية ستينيات القرن السابق، كانت فرنسا قد عرفت غليانا اجتماعيا وسياسيا ترجم في ثورة ماي 1968 فرضت على "ديغول" إجراء استفتاء شعبي حول الإصلاحات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن النتائج كانت مخّيبة لأماله فاضطر إلى إعلان تنحّيه الطوعي، وترك وصيته بألا يحفر على شاهد قبره إلا العبارة التالية: “شارل ديغول 1890-1970!
مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
إن ما يأمله الشعب الثائر هو دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية... دولة فصل السلط، ينبثق ويعبر  قرارها السياسي عن الشرعية  الشعبية، دولة في خدمة الشعب لا الشعب في خدمة الدولة و المافيات الاقتصادية بمختلف ألوانها الدينية والمذهبية.. الخ.
إن الدولة المدنية المنشودة، التي انتهت إليها معظم التجارب الثورية في التاريخ المعاصر، قائمة على قيم التعددية والثقافة الديمقراطية بضمانها للحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الحريات الفردية والعامة.
تستمر الثورة إلى الدولة المدنية في المحطة الأولى.. في انتظار الثورة التاريخية من أجل العدالة الاجتماعية وتحرير الإنسان من الاستغلال والقهر.
جميعا من أجل "التمرد" للمصالحة مع التاريخ... فوقائع التاريخ ترجّح أن العسكر انحازوا إلى صف اليمين!
-------------------

(*) أستاذ الاجتماعيات بنيابة سيدي سليمان

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان

 البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان




  حكمت المحكمة الابتدائية ببراءة كاتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان وعضو مجلسه الوطني، وقد نطق القاضي بتبرئة المتهم صبيحة الثلاثاء 2 يوليوز إثر  جلسات امتدت على عدة شهور بتهمة ” التهديد ومحاولة القتل” في حق سيدة بواسطة سيارته حسب محضر الاتهام. ومعلوم أن الصيدلي ياسر أكميرة يتحمل عدة مسؤوليات حزبية وحقوقية وله مواقف في ذلك يعبر عنها..       

السبت، 29 يونيو 2013

خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا

خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا
صورة: ‏خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا

كتابة مصطفى لمودن
ليس الأمر قضية مصرية فقط، وإلا ما كان تدخل يوسف القرضاوي ليدعو المصريين لعدم خروج المصريين للتظاهر.. القرضاوي مفتي "الجزيرة" والداعي لخونجة العالم، نعم العالم بآسره، وإلا لما أسس هيئة لذلك بأوربا يترأسها.. 
فما المشكلة في الخونجة؟ 
تنسب "الخونجة" ل"الإخوان المسلمين" بمصر، وهي الحركة السياسية التي تأسست سنة 1928 على يد حسن البنا معتمدة  مقومات دينية خاصة وفق تحليل خاص  للوصول إلى السلطة.. وبقي "الإخوان" في مد وجزر منذ ذلك الوقت، مرة يساندون نظاما سياسيا كما وقع في بداية حكم جمال عبد الناصر ومع أنور السادات الذي "تصالح" مع إسرائيل.. وكانوا يواجهون في بعض الأحيان بقمع أو تتم محاصرتهم.. لكنهم حافظوا على تنظيم جد مهيكل، ثم توفروا على قوة اقتصادية، والآن على ملشيات شبه عسكرية، ولهم امتداد شعبي، خاصة أنهم يعتمدون "الدعم المادي" لبعض الفئات الاجتماعية، ما يجعل الفقراء وذوي الحاجة متعلقين بهم لظروفهم المعيشية الصعبة في غياب سياسة تنموية تقوم بها الدولة،  وهناك تساؤلات يطرحها المصريون حول التمويل الخارجي لهذه الجماعة كما يكتب عن ذلك باستمرار علاء الأسواني في الصحف، ومع رفض الجماعة الإخوانية الكشف عن حساباتها ومصادر التمويل.. استغل "الإخوان" التذمر الذي خلفه النظام السابق، ورغبة المصريين في التغيير وضعف بقية المنافسبين بعد خلع حسني مبارك وإجراء الانتخابات.. ليستفيق المصريون على رغبة محمومة من تنظيم "الإخوان" للاستيلاء على الدولة برمتها وأساسا القضاء الذي بقي رافعا لواء "الاستقلالية" منذ زمن سابق، فغير الرئيس مرسي المدعي العام خارج المسطرة القانونية.. ثم أعلن الإخوان عن رغبة عارمة للاستيلاء على  وسائل الإعلام وحصار الفنون وتعيين وزير للثقافة جاء لتصفية الحساب مع الثقافة والمثقفين، والشروع في تعيين محافظين من جماعة الإخوان.. وعلى المستوى الخارجي يسقط الحاكمون الجدد يوما بعد آخر في براثن الوهابية المدعمة من طرف دول خليجية، وقد احتضنوا اجتماعا موسعا للسنة برئاسة القرضاوي نفسه وتم التحريض على الشيعة ونعتهم بأقذح النعوت مما ألب البعض ضد الشيعة في مصر وتم قتل أحد زعمائها.. كما تعرض المسيحيون للحصار وحرق كنائسهم..
  أصبح المصريون أمام واقع شبيه بعهد حسني مبارك، وتبخرت أمال الثورة في الحرية والإنعثاق، ووجدوا "رئيسهم" تابع لمجس الإرشاد وهو أعلى هيأة للإخوان المسلمين عوض أن يكون رئيس كل المصريين..  ولن ينسى المصريون قرار الرئيس بتغيير بنود الدستور اعتمادا على "مجلس الشعب" المطعون في صلاحيته، لقد غير أهم بند يمكن أن يحاسب الرئيس، ليصبح هو الحاكم المطلق في البلد..  
  أتاح  مرسي الفرصة لتتجمع ضده كل الأطياف، من ليبراليين ويساريين وبقايا النظام السابق.. وحتى السلفيين لم يعودوا ينظرون إليه باعتباره حليفا لهم، واستقال أعضاء هذا التنظيم من المسؤوليات التي كانوا يتحملونها، خاصة في الاستشارية الرئاسية.. 
 أصبح هم غالبية المصريين هو إزاحة الرئيس المنتخب، رغم أنه قضى فقط ما يفوق بقليل السنة في الحكم، ومبررهم هو  تخليه عن الوعود التي جاء بها، وهي تطبيق مبادئ الثورة، وصيانة الحريات وتحسين مستوى العيش.. لقد توحدت كل أطياف المعارضة ضد سياسة الرئيس، وجمع نشطاء المجتمع المدني 16 مليون توقيع لإقالته، ودعوا الشعب لاحتجاجات مكثفة في كل ربوع مصر يوم الأحد 30 يونيو، (للأحد دلالة الدعوة لدولة مدنية وليس لدولة دينية)، وقد شرع المصريون منذ مساء الجمعة في التجمع بساحات المدن الكبرى..   
 فلماذا يعنينا ما يقع في مصر؟ 
 كل عاقل وموضوعي يتشبث بمبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، وهذا ما نؤمن به، فليس ما يعنينا في حالة مصر هو مناصرة طرف ضد آخر، ولكن هو استخلاص الدروس، فهل يجب أن نقف مع إقرار التعددية الحزبية والفكرية والثقافية في المجتمع؟  هل سنسعى لتكون الدولة في خدمة جميع المواطنين على قدم المساواة؟ أم تكون في خدمة فئة معينة وتحت سيطرة فئة معينة؟ هل ندافع عن الدولة المدنية التي تتيح لجميع الرؤى والأفكار والتنظيمات التواجد والعمل والسعي للسلطة عبر الانتخابات؟ أم يبقى التعدد شكليا أو ينمحي على مراحل بالمرة إلى أن ينقرض، فتجد الديكتاتورية كل المتطلبات لتنمو وتعشش وتمدد جذورها؟  فقد هدد مثلا منسق "لجنة دعم الرئيس" المصري جميع المصريين بتحويل مصر إلى دولة دينية كما نقلت ذلك القنوات الإخبارية ذلك طيلة يوم الجمعة وهو يخطب في حشد من الأنصار..
  إن مكانة مصر وثقلها الثقافي والتاريخي والبشري وموقعها الجيوستراتيجي يجعل  الأحداث التي تعرفها تؤثر في بقية البلدان المحيطة بها.. قلبنا على مصر، نتخوف من أن يتحول الخلاف إلى صراع دموي، ستكون الخسارات فادحة ليس على مصر فقط بل على محيطها كذلك.. وعلى "الجماعة الحاكمة" أن تعي أن الزمن اختلف وأن التعدد حق مشروع وأن الدولة يجب أن تبقى للجميع..   
-------------------------
قد يتعرض الموضوع لمراجعات بسيطة‏

مصطفى لمودن
ليس الأمر قضية مصرية فقط، وإلا ما كان تدخل يوسف القرضاوي ليدعو المصريين لعدم خروج المصريين للتظاهر.. القرضاوي مفتي "الجزيرة" والداعي لخونجة العالم، نعم العالم بآسره، وإلا لما أسس هيئة لذلك بأوربا يترأسها..
فما المشكلة في الخونجة؟
تنسب "الخونجة" ل"الإخوان المسلمين" بمصر، وهي الحركة السياسية التي تأسست سنة 1928 على يد حسن البنا معتمدة  مقومات دينية خاصة وفق تحليل خاص  للوصول إلى السلطة.. وبقي "الإخوان" في مد وجزر منذ ذلك الوقت، مرة يساندون نظاما سياسيا كما وقع في بداية حكم جمال عبد الناصر ومع أنور السادات الذي "تصالح" مع إسرائيل.. وكانوا يواجهون في بعض الأحيان بقمع أو تتم محاصرتهم.. لكنهم حافظوا على تنظيم جد مهيكل، ثم توفروا على قوة اقتصادية، والآن على ملشيات شبه عسكرية، ولهم امتداد شعبي، خاصة أنهم يعتمدون "الدعم المادي" لبعض الفئات الاجتماعية، ما يجعل الفقراء وذوي الحاجة متعلقين بهم لظروفهم المعيشية الصعبة في غياب سياسة تنموية تقوم بها الدولة،  وهناك تساؤلات يطرحها المصريون حول التمويل الخارجي لهذه الجماعة كما يكتب عن ذلك باستمرار علاء الأسواني في الصحف، ومع رفض الجماعة الإخوانية الكشف عن حساباتها ومصادر التمويل.. استغل "الإخوان" التذمر الذي خلفه النظام السابق، ورغبة المصريين في التغيير وضعف بقية المنافسبين بعد خلع حسني مبارك وإجراء الانتخابات.. ليستفيق المصريون على رغبة محمومة من تنظيم "الإخوان" للاستيلاء على الدولة برمتها وأساسا القضاء الذي بقي رافعا لواء "الاستقلالية" منذ زمن سابق، فغير الرئيس مرسي المدعي العام خارج المسطرة القانونية.. ثم أعلن الإخوان عن رغبة عارمة للاستيلاء على  وسائل الإعلام وحصار الفنون وتعيين وزير للثقافة جاء لتصفية الحساب مع الثقافة والمثقفين، والشروع في تعيين محافظين من جماعة الإخوان.. وعلى المستوى الخارجي يسقط الحاكمون الجدد يوما بعد آخر في براثن الوهابية المدعمة من طرف دول خليجية، وقد احتضنوا اجتماعا موسعا للسنة برئاسة القرضاوي نفسه وتم التحريض على الشيعة ونعتهم بأقذح النعوت مما ألب البعض ضد الشيعة في مصر وتم قتل أحد زعمائها.. كما تعرض المسيحيون للحصار وحرق كنائسهم..
  أصبح المصريون أمام واقع شبيه بعهد حسني مبارك، وتبخرت أمال الثورة في الحرية والإنعتاق، ووجدوا "رئيسهم" تابع لمجس الإرشاد وهو أعلى هيأة للإخوان المسلمين عوض أن يكون رئيس كل المصريين..  ولن ينسى المصريون قرار الرئيس بتغيير بنود الدستور اعتمادا على "مجلس الشعب" المطعون في صلاحيته، لقد غير أهم بند يمكن أن يحاسب الرئيس، ليصبح هو الحاكم المطلق في البلد.. 
  أتاح  مرسي الفرصة لتتجمع ضده كل الأطياف، من ليبراليين ويساريين وبقايا النظام السابق.. وحتى السلفيين لم يعودوا ينظرون إليه باعتباره حليفا لهم، واستقال أعضاء هذا التنظيم من المسؤوليات التي كانوا يتحملونها، خاصة في الاستشارية الرئاسية..
 أصبح هم غالبية المصريين هو إزاحة الرئيس المنتخب، رغم أنه قضى فقط ما يفوق بقليل السنة في الحكم، ومبررهم هو  تخليه عن الوعود التي جاء بها، وهي تطبيق مبادئ الثورة، وصيانة الحريات وتحسين مستوى العيش.. لقد توحدت كل أطياف المعارضة ضد سياسة الرئيس، وجمع نشطاء المجتمع المدني 16 مليون توقيع لإقالته، ودعوا الشعب لاحتجاجات مكثفة في كل ربوع مصر يوم الأحد 30 يونيو، (للأحد دلالة الدعوة لدولة مدنية وليس لدولة دينية)، وقد شرع المصريون منذ مساء الجمعة في التجمع بساحات المدن الكبرى..   
 فلماذا يعنينا ما يقع في مصر؟
 كل عاقل وموضوعي يتشبث بمبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، وهذا ما نؤمن به، فليس ما يعنينا في حالة مصر هو مناصرة طرف ضد آخر، ولكن هو استخلاص الدروس، فهل يجب أن نقف مع إقرار التعددية الحزبية والفكرية والثقافية في المجتمع؟  هل سنسعى لتكون الدولة في خدمة جميع المواطنين على قدم المساواة؟ أم تكون في خدمة فئة معينة وتحت سيطرة فئة معينة؟ هل ندافع عن الدولة المدنية التي تتيح لجميع الرؤى والأفكار والتنظيمات التواجد والعمل والسعي للسلطة عبر الانتخابات؟ أم يبقى التعدد شكليا أو ينمحي على مراحل بالمرة إلى أن ينقرض، فتجد الديكتاتورية كل المتطلبات لتنمو وتعشش وتمدد جذورها؟  فقد هدد مثلا منسق "لجنة دعم الرئيس" المصري جميع المصريين بتحويل مصر إلى دولة دينية كما نقلت ذلك القنوات الإخبارية ذلك طيلة يوم الجمعة وهو يخطب في حشد من الأنصار..
  إن مكانة مصر وثقلها الثقافي والتاريخي والبشري وموقعها الجيوستراتيجي يجعل  الأحداث التي تعرفها تؤثر في بقية البلدان المحيطة بها.. قلبنا على مصر، نتخوف من أن يتحول الخلاف إلى صراع دموي، ستكون الخسارات فادحة ليس على مصر فقط بل على محيطها كذلك.. وعلى "الجماعة الحاكمة" أن تعي أن الزمن اختلف وأن التعدد حق مشروع وأن الدولة يجب أن تبقى للجميع..   


الاثنين، 24 يونيو 2013

جريدة "مدرسة الوطن" تنشر قصة للمشرف على المدونة مصطفى لمودن

جريدة "مدرسة الوطن" تنشر قصة للمشرف على المدونة مصطفى لمودن 
صدر العدد الأول من جريدة "مدرسة الوطن" في العشرين من يونيو 2013 من الرباط، يتحمل رئاسة تحريرها الأستاذ لحسن اللحية وهو باحث في شؤون التربية وأستاذ بمركز التوجيه والتخطيط التربوي"، أما مديرها المسؤول فهو عبد الله لطفي، والجريدة من حجم تابلوايد، وجاء في الافتتاحية التي كتبها ذ. اللحية حديث عن دواعي الإصدار ك"المساهمة في بناء مستقبل الوطن"،  وما يشبه التعاقد مع القراء وتوضيح الخط التحريري للجريدة حيث التركيز على الوطن (وليس الأمة) واعتماد العقلانية والتنوير. 
 وتميز العدد بنشر قصة قصيرة (مطولة) على صفحتين كاملتين لمصطفى لمودن، تحت عنوان "شاي وبرودة وحرقة".. وتوزعت بقية المواضيع على قضايا تهم التربية والتعليم.. 
 ما يلاحظ على العدد الأول هو نشره دراسات مجزأة، يتبع باقيها لاحقا، وهو ما لا يناسب جريدة سيارة.. 
أتمنى التوفيق لهذا المولود الإعلامي الذي سيسد نقصا كبيرا في مجال تخصصه.. 

الخميس، 20 يونيو 2013

ثلاثة أسئلة لمحمد ياسر أكميرة على خلفية محاكمته بسيدي سليمان

يتابع محمد ياسر اكميرة عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد وكاتب فرع نفس الحزب بسيدي سليمان والرئيس الوطني لجمعية العقد العالمي للماء وكاتب نقابة الصيادلة... (يتابع)في محكمة سيدي سليمان بتهم "محاولة القتل العمد"، وسيقف من جديد أمام المحكمة يوم الثلاثاء 25 يونيو، في الحوار التالي الذي أجراه معه محمد الكنودي يوضح ياسر أكميرة بعض المعطيات

-----------
ثـــــــلاثــــــــة أســـــــــــئلة
-----------

 

____________
إعداد: محمد الكنودي

ــــــــــ
1- حددت جلسة جديدة في أطوار الملف الذي على اساسه تتابع قضائيا هل يمكن ان توضح لنا خلفيات هذه المحاكمة؟
----------------------------------------
-
نعم، حدد يوم 25 يونيو الجاري كتاريخ لجلسة جديدة وغالبا ستكون للنطق بالحكم بعد شهور طويلة من التأجيلات المتتابعة بعد أن أصبح الملف جاهزا بعد جلسات عرفت نقاشا واستماعا للشهود ومرافعات المحامين ... إلخ.
أنا وكما تعلمون متابع في هذه القضية\المهزلة بتهمة محاولة قتل إحدى السيدات دهسا بالسيارة، وقد قمت بذلك أكثر من مرة حسب تصريح المشتكية المفترضة، وقد أصبتها حسب نفس الإدعاء على مستوى رجلها (وقد أحضروا شاهدا يدعي معاينته للواقعة)، بالإضافة إلى تهمة التهديد في حق هذه السيدة والتي ادعت كذلك أمام هيأة المحكمة بأنني كنت أهددها باختطاف أبنائها !! وغيرها من الأقوال التي تحاول النيل مني ومن سمعتي وتصويري كشخص منحرف ومجرم محترف.
طبعا الملف من الناحية القانونية فارغ تماما بحيث أن السيناريو تم حبكه بطريقة جد هاوية، فنجد تناقضات صارخة في تصريحات المشتكية أمام الضابطة القضائية وأمام المحكمة، وتناقضات أخرى بين أقوالها وأقوال الشاهد المزعوم، بالإضافة إلى غياب أي دليل على ادعاءاتهما وعدم وجود حتى شهادة طبية تؤكد إصابتها كما تدعي ... إلخ، كل هذا يجعل الملف خاليا من أي ركن من أركان الفعل الجنحي المنسوب إلي، وبالتالي يجعل التكييف القانوني للتهم من طرف النيابة العامة غير ذي معنى، أضف إلى كل هذا تقدمي بدلائل قاطعة تفند هذه الادعاءات ومنها ثبوت تواجدي في مكان آخر ساعة الوقوع المفترض لهذه النازلة، حيث أدليت بمحضر رسمي لاجتماع مكتب نقابة الصيادلة يثبت تواجدي فيه، كما حضر دكاترة أعضاء النقابة وأدلوا بشهادتهم وكلها تؤكد وجودي في ذلك الاجتماع ومساهمتي فيه ... إلخ، المهم التفاصيل كثيرة وكلها تؤكد أن هذا الملف من الناحية القانونية فارغ ولا يستحق أن تقرر بشأنه المتابعة وما تلاها من جلسات متتالية واستنزاف للطاقات على كل المستويات.
طبعا إذا قارنا من الناحية القانونية\الشكلية هذا الملف الذي أتابع فيه، بما وقع مثلا لمناضلي حركة 20 فبراير بسيدي سليمان أثناء الحملة المهزلة للتصويت بنعم على الدستور الممنوح، حيث تم إنزال للبلطجية الذين هجموا عل أعضاء ومناضلي حركة 20 فبراير وانهالوا عليهم بالضرب بالحجارة والأسلحة البيضاء مما خلف إصابات وجروح بليغة نقل على إثرها عدد كبير من المناضلين إلى المستشفى وسلمت لهم شواهد طبية بمدد طويلة، ومع أن أولئك البلطجية معروفون بالاسم وبمقر سكناهم (بل منهم بعض المنتخبين)، ورغم وجود عشرات الشهود، ورغم التقدم بشكايات للنيابة العامة مرفوقة بالشواهد الطبية، ورغم مراسلات الهيئات والمنظمات الحقوقية ... إلخ، نجد أن النيابة العامة لم تقرر المتابعة وتم إقبار الملف. هذا مثال فقط للمقارنة بين الحالتين\الملفين من الناحية القانونية يبين ما لا أحتاج إلى شرحه.
-------------------------------------------
2-  كيف ترى هذه التضيقات التي تنتهج ضدك وضد اعضاء اخرين في حزبكم خاصة في الاونة الاخيرة؟
-----------------------------------------
طبعا عبقرية المخزن اهتدت في الآونة الأخيرة إلى تلفيق التهم للمناضلين بطرق ملتوية، بعد دراسة حالة كل مناضل على حدة وبالتالي تقرير من أي باب يمكن النيل منه ومن يمكن تسخيره لذلك، وقد رأينا الطريقة التي تم بها تلفيق تهمة حيازة والاتجار بالمخدرات للرفيق حميد مجدي، وكيف تم الاشتغال على ذلك لمدة شهور قبل اعتقاله، وفي حالتي قد يبدو للبعض أن الملف ليس إلا نزاعا بسيطا بيني وبين أشخاص ولكن لا نحتاج لكثير من الذكاء لندرك حقيقة الأمور وخصوصا إذا ما وضعناها في سياق العديد من المضايقات التي كان أبطالها المعنيون بالأمر، وذلك منذ انطلاق حركة 20 فبراير، وتجسيدنا بعد ذلك لموقف الحزب الاشتراكي الموحد القاضي بمقاطعة الدستور ثم الانتخابات التشريعية ... إلخ، فالعديد من المضايقات والتهديدات التي كنت أتعرض لها على يد أزلام هؤلاء كانت مصحوبة بهتافات "عاش الملك" و "نعم للدستور"، وفي نفس الوقت كان مقر عملي قد تعرض لاقتحام من طرف باشا المدينة وأعوانه لينتهكوا حرمته ويعلقوا بداخله عنوة ملصقات لوزارة الداخلية تدعو للمشاركة في الانتخابات، كما أن محيط مقر الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان كان يعرف إنزالا لرجال وأعوان السلطة كلما احتضن اجتماعا عاديا للحزب أو لتنسيقية شباب 20 فبراير، وإذا أضفنا إلى كل هذا تحركنا كمناضلين في العديد من القضايا العادلة للمواطنين وخاصة في المغرب العميق المستنزف والمهمش وضمنه إميضر بإقليم تينغير، وقبلها بنصميم في الأطلس المتوسط، وبوعرفة ... إلخ، نفهم بأنه لا ينظر إلينا بعين الرضا من طرف خدام الفساد في هذا البلد.

محمد ياسر أكميرة أثناء مسيرة التضامن مع عمال مناجم إيميضر

هذا وبدون الدخول في الكثير من التفاصيل هو السياق العام الذي تأتي فيه متابعتي على غرار عدد من رفاقي في مجموعة من المناطق، ونحن نعلم كيف أن الرفيق حميد مجدي اضطر لهجرة مدينة ورزازات نظرا للمضايقات الكبيرة التي تعرض لها على جميع المستويات وبأساليب منحطة، حتى بعد تبرئته من القضاء من تهمة حيازة المخدرات، ونعلم كذلك كيف حوكم الرفيق يوسف بنصباحية في بنسليمان ويتابع الرفيق غسان بنوازي بتيفلت، وسخر البعض لتشميع مقر الحزب بكلميم ...كما كان قد حوكم وسجن الرفاق نجيبي وكبوري وشنو بتهم ملفقة من قبل بالإضافة إلى المحاكمات والاعتقالات التي طالت عدد من النشطاء من هيئات صديقة ومن حركة 20 فبراير، كل هذا يأتي في إطار محاولة يائسة لاجتثات الفعل النضالي الحقيقي من المجتمع المغربي وإقبار الحراك الاجتماعي، ولكن يبدو أن أصحاب هذه النظرة الضيقة لا يستوعبون دروس التاريخ.
-----------------------------------------
 3-  هل لديك كلمة يمكنك أن تقولها وأنت على بعد أيام من جلسة المحاكمة
----------------------------------------
الآن وأنا على بعد بضعة أيام من جلسة 25 يونيو، لا يسعني أولا إلا أن أعبر عن افتخاري واعتزازي بالانتماء لحزب مناضل هو الحزب الاشتراكي الموحد، وكذلك بكل الهيئات المدنية التي أنشط فيها بغض النظر عن المسؤوليات التي أتحملها فيها، وأشكر بالمناسبة كل الرفيقات والرفاق في الحزب على دعمهم المعنوي الكبير الذي لم ينقطع منذ أن علموا بالأمر -والذي للإشارة لم أبح به بل كان "تسريبا" من أحد الرفاق- وعلى رأسهم الرفيقة الأمينة العامة، كما أشكر كل رفاقي المناضلين في مختلف الهيئات المناضلة الصديقة، والمعتصمين إلى حدود الآن على جبل ألبان بإميضر، وكل أصدقائي وصديقاتي، ولا يفوتني كذلك أن أشكر كل المحامين المتطوعين الذين قرروا تلقائيا مؤازرتي لإيمانهم ببراءتي من هذه التهم الملفقة.

مع الفقيد الحسين الإدريسي


الأربعاء، 12 يونيو 2013

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة": تقييم "الحراك العربي"

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة"
تقييم "الحراك العربي"
 
 ذ. محمد سبيلا--- ذ. محمد محيفظ

مصطفى لمودن
شارك ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في البرنامج الإذاعي "زمن السياسة" الذي قدمته مساء الأربعاء 12 يونيو إذاعة الرباط حول "الحراك العربي" تقويما واستعراضا للآفاق..
  اعتبر ذ. محمد سبيلا أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس أن "الحراك العربي" اتخذ مسارا آخر ليس ما كان منتظرا منه، أي من طرف الشباب وبعض التنظيمات السياسية (مصر ، تونس..)، وقد استولى الإسلاميون بعد ذلك على السلطة، وهم يرومون الحفاظ على نفس البنيات التقليدية مع بعض الإصلاحات الخفيفة، ورأى أن الواقع أو ما سماه التاريخ العيني لا يتوافق مع المتمثلات الذهنية للمثقف الذي يشتغل بالفكر، واستنتج أن هناك حديث عن "الحراك" فقط، بينما لا نبارح مكاننا بحكم ثقل الموروث التقليدي.. والأنظمة بدورها في حيرة، فهي تريد تحقيق دولة مدنية، لكن مع بنيات تقليدية عتيقة، فالإخوان في مصر مثلا "يريدون خونجة" الدولة، وهناك مزواجة بين التقليد والتحديث، لكن الثقل يعود للتقليد..
  تساءل ذ. محمد محيفظ أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة ابن طفيل عن أسباب غياب مسارات التغيير كما عرفتها شعوب مختلفة في كل بقاع الأرض وأعطى مثلا بالثورة الفرنسية، ويرى أن العائق يعود لاستمرار تواجد بنيات تقليدية في المجتمع كالقبيلة والعشيرة، لكنه اعتبر ذلك مرحلة من التاريخ ستمر، رابطا ذلك ب"تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة" حسب قوله، فالمطالب التي حملها الشباب كانت حداثية، لكن القوى المنظمة (الإسلاميون) هي التي استفادت، والتغيير لا يأتي دفعة واحدة بل عبر طفرات، والمجتمعات العربية الآن تعيش بين نقطتي جذب، من جهة سطوة التقليد وتعثر الحداثة، ومن جهة ثانية العيش في عصر العولمة والتدخلات الخارجية، وأعطى مثلا بليبيا التي عاشت في ظل نظام عسكري ورغم الحديث عن "الكتاب الأخضر"، فقد بقيت نفس البنى الاجتماعية والثقافية طيلة أربعين سنة، وهي معرضة للتدخلات وفرض "دفاتر التحملات"..
  وانتقل بعد ذلك الصافي الناصري الصحفي المشرف على البرنامج بضيفيه إلى الحديث عن نماذج محددة.. فالأستاذ محمد سبيلا يرى في تونس الدولة التي عرفت "الحداثة" والإصلاح منذ فترة زمنية مبكرة، منذ عهد الدولة العثمانية (ق19م)، حيث عرفت الدستور، بالإضافة إلى مصر سواء مع العثمانيين أو بعد غزو نابوليون.. وتميزت تونس حسب رأيه بنظام سياسي كانت اختياراته حداثية  مع بورقيبة  في مجال التعليم وحقوق المرأة والتحديث الثقافي.. لكن في عهد بنعلي وقعت انزلاقات نحو الفاشستية والاستبداد.. وحول "حزب النهضة"، الذي ظهر كرد فعل ضد إصلاحات بورقيبة، فإن هذا الحزب الإسلامي حسب سبيلا "إسلامي تحديثي"، فرئيس هذا الحزب درس الفلسفة، ونخبه تعلمت في انجلترا، لكن هناك مزايادات تفرضها السياسة بينه وبين السلفيين..
   وافق الأستاذ محمد محيفظ أستاذه السابق فيما جاء به حول تونس، وكل ما وقع من "تحديث" في تونس، فقد ظهر تأثيره فيما بعد (الآن)، حيث يعرف المجتمع تجانسا باستثناءات بسيطة في "المناطقية"، (جهات بعيدة عن المركز)، وليست بالمجتمع التونسي انقسامات طائفية ومذهبية.. وحول "حزب النهضة" يذكر أستاذ الفلسفة السياسية أنها جزء من الطيف الإسلامي وتحاول أن تمتح من الحداثة،  لكن بعد تسلمها السلطة بدأت تظهر التناقضات.. ومع ذلك فمساهمة "النهضة" حسبه تبقى محدودة، لأن الثقافة الإسلامية لم تعرف عمليات إصلاح ديني، والسياسيون لا يجدون (عموما) مخارج دينية للمشاكل التي تعرفها المجتمعات.. ورأى بأن مسألة الإصلاح الديني قضية مفصلية..
   حول مصر، قال ذ. سبيلا إن القوى المعارضة للإسلاميين وخاصة "جبهة الإنقاذ" تكاد تعادل القوى الإسلامية.. وعمليات التحديث التي عرفتها مصر لم تذهب سدى، رغم أن خطوات التحديث بطيئة.
 في حالة مصر توقف  الأستاذ  محيفظ عند بعض الصعوبات، منها المسألة الديمغرافية غير المتحكم فيها، شح الموارد، ظروف اجتماعية مأساوية، تأثيرات الصراع العربي الإسرائيلي، نتائج النظام الاقتصادي والسياسي الذي انطلق منذ عهد السادات، وظهور طبقة طفيلية استفادت مما سمي بالانفتاح.. واستنتج بأن مصر ستعرف مشاكل أكثر وكوابح ضد التغيير  أمام "تغول الاتجاه السلفي"، وقد نتج هذا "التغول" عن عودة العمالة التي كانت في دول الخليج، مما أدى إلى ابتلاع مظاهر التحديث التي كانت منذ النظام الملكي..
 وخص البرنامج الإذاعي حيزا للمغرب، فالأستاذ سبيلا تحدث عن "تحول تاريخي تلقائي بعد موت الحسن الثاني، تحول من نظام الأب إلى نظام الابن، ولم يكن نتيجة أحداث، وصاحب ذلك انفراج سياسي صمات، وقع التمهيد له منذ عهد الحسن الثاني مع حكومة التناوب، وحدث تنفيس سياسي، مما قلل من حالة الاحتقان السياسي..
  من جانبه توقف الأستاذ محيفظ عند "موقع المؤسسة الملكية في النظام السياسي ككل"، حيث هناك بعض التمييز قياسا للتجارب السياسية الأخرى، فالتجاذب الذي يقع حول الدين له وصفة خاصة مع وجود "أمير المؤمنين".. ورغم كل ما يقال عن سنوات الرصاص، فمع ذلك يجب الإقرار بأنه بعد الاستقلال لم يتم إعدام السياسة بالمطلق.. وقد بقي مد وجزر، ما يعني استمرار الحياة السياسية، وهو ما ينعكس (إيجابا) على خبرة الشعوب.. لكنه توقف عن معضلتين؛ أولهما مشكلة التعليم، حيث سيجني المغرب من ذلك المزيد من التخلف. أما الثانية فهي في نظره "ضمور العقلانية" في تصرف النخب الاقتصادية والسياسية، وغياب "صراع عقلاني" في السياسة، واستمرار الريع في الاقتصاد وعدم الانخراط في التحديات التي يفرضها العصر..