الأربعاء، 12 يونيو 2013

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة": تقييم "الحراك العربي"

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة"
تقييم "الحراك العربي"
 
 ذ. محمد سبيلا--- ذ. محمد محيفظ

مصطفى لمودن
شارك ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في البرنامج الإذاعي "زمن السياسة" الذي قدمته مساء الأربعاء 12 يونيو إذاعة الرباط حول "الحراك العربي" تقويما واستعراضا للآفاق..
  اعتبر ذ. محمد سبيلا أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس أن "الحراك العربي" اتخذ مسارا آخر ليس ما كان منتظرا منه، أي من طرف الشباب وبعض التنظيمات السياسية (مصر ، تونس..)، وقد استولى الإسلاميون بعد ذلك على السلطة، وهم يرومون الحفاظ على نفس البنيات التقليدية مع بعض الإصلاحات الخفيفة، ورأى أن الواقع أو ما سماه التاريخ العيني لا يتوافق مع المتمثلات الذهنية للمثقف الذي يشتغل بالفكر، واستنتج أن هناك حديث عن "الحراك" فقط، بينما لا نبارح مكاننا بحكم ثقل الموروث التقليدي.. والأنظمة بدورها في حيرة، فهي تريد تحقيق دولة مدنية، لكن مع بنيات تقليدية عتيقة، فالإخوان في مصر مثلا "يريدون خونجة" الدولة، وهناك مزواجة بين التقليد والتحديث، لكن الثقل يعود للتقليد..
  تساءل ذ. محمد محيفظ أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة ابن طفيل عن أسباب غياب مسارات التغيير كما عرفتها شعوب مختلفة في كل بقاع الأرض وأعطى مثلا بالثورة الفرنسية، ويرى أن العائق يعود لاستمرار تواجد بنيات تقليدية في المجتمع كالقبيلة والعشيرة، لكنه اعتبر ذلك مرحلة من التاريخ ستمر، رابطا ذلك ب"تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة" حسب قوله، فالمطالب التي حملها الشباب كانت حداثية، لكن القوى المنظمة (الإسلاميون) هي التي استفادت، والتغيير لا يأتي دفعة واحدة بل عبر طفرات، والمجتمعات العربية الآن تعيش بين نقطتي جذب، من جهة سطوة التقليد وتعثر الحداثة، ومن جهة ثانية العيش في عصر العولمة والتدخلات الخارجية، وأعطى مثلا بليبيا التي عاشت في ظل نظام عسكري ورغم الحديث عن "الكتاب الأخضر"، فقد بقيت نفس البنى الاجتماعية والثقافية طيلة أربعين سنة، وهي معرضة للتدخلات وفرض "دفاتر التحملات"..
  وانتقل بعد ذلك الصافي الناصري الصحفي المشرف على البرنامج بضيفيه إلى الحديث عن نماذج محددة.. فالأستاذ محمد سبيلا يرى في تونس الدولة التي عرفت "الحداثة" والإصلاح منذ فترة زمنية مبكرة، منذ عهد الدولة العثمانية (ق19م)، حيث عرفت الدستور، بالإضافة إلى مصر سواء مع العثمانيين أو بعد غزو نابوليون.. وتميزت تونس حسب رأيه بنظام سياسي كانت اختياراته حداثية  مع بورقيبة  في مجال التعليم وحقوق المرأة والتحديث الثقافي.. لكن في عهد بنعلي وقعت انزلاقات نحو الفاشستية والاستبداد.. وحول "حزب النهضة"، الذي ظهر كرد فعل ضد إصلاحات بورقيبة، فإن هذا الحزب الإسلامي حسب سبيلا "إسلامي تحديثي"، فرئيس هذا الحزب درس الفلسفة، ونخبه تعلمت في انجلترا، لكن هناك مزايادات تفرضها السياسة بينه وبين السلفيين..
   وافق الأستاذ محمد محيفظ أستاذه السابق فيما جاء به حول تونس، وكل ما وقع من "تحديث" في تونس، فقد ظهر تأثيره فيما بعد (الآن)، حيث يعرف المجتمع تجانسا باستثناءات بسيطة في "المناطقية"، (جهات بعيدة عن المركز)، وليست بالمجتمع التونسي انقسامات طائفية ومذهبية.. وحول "حزب النهضة" يذكر أستاذ الفلسفة السياسية أنها جزء من الطيف الإسلامي وتحاول أن تمتح من الحداثة،  لكن بعد تسلمها السلطة بدأت تظهر التناقضات.. ومع ذلك فمساهمة "النهضة" حسبه تبقى محدودة، لأن الثقافة الإسلامية لم تعرف عمليات إصلاح ديني، والسياسيون لا يجدون (عموما) مخارج دينية للمشاكل التي تعرفها المجتمعات.. ورأى بأن مسألة الإصلاح الديني قضية مفصلية..
   حول مصر، قال ذ. سبيلا إن القوى المعارضة للإسلاميين وخاصة "جبهة الإنقاذ" تكاد تعادل القوى الإسلامية.. وعمليات التحديث التي عرفتها مصر لم تذهب سدى، رغم أن خطوات التحديث بطيئة.
 في حالة مصر توقف  الأستاذ  محيفظ عند بعض الصعوبات، منها المسألة الديمغرافية غير المتحكم فيها، شح الموارد، ظروف اجتماعية مأساوية، تأثيرات الصراع العربي الإسرائيلي، نتائج النظام الاقتصادي والسياسي الذي انطلق منذ عهد السادات، وظهور طبقة طفيلية استفادت مما سمي بالانفتاح.. واستنتج بأن مصر ستعرف مشاكل أكثر وكوابح ضد التغيير  أمام "تغول الاتجاه السلفي"، وقد نتج هذا "التغول" عن عودة العمالة التي كانت في دول الخليج، مما أدى إلى ابتلاع مظاهر التحديث التي كانت منذ النظام الملكي..
 وخص البرنامج الإذاعي حيزا للمغرب، فالأستاذ سبيلا تحدث عن "تحول تاريخي تلقائي بعد موت الحسن الثاني، تحول من نظام الأب إلى نظام الابن، ولم يكن نتيجة أحداث، وصاحب ذلك انفراج سياسي صمات، وقع التمهيد له منذ عهد الحسن الثاني مع حكومة التناوب، وحدث تنفيس سياسي، مما قلل من حالة الاحتقان السياسي..
  من جانبه توقف الأستاذ محيفظ عند "موقع المؤسسة الملكية في النظام السياسي ككل"، حيث هناك بعض التمييز قياسا للتجارب السياسية الأخرى، فالتجاذب الذي يقع حول الدين له وصفة خاصة مع وجود "أمير المؤمنين".. ورغم كل ما يقال عن سنوات الرصاص، فمع ذلك يجب الإقرار بأنه بعد الاستقلال لم يتم إعدام السياسة بالمطلق.. وقد بقي مد وجزر، ما يعني استمرار الحياة السياسية، وهو ما ينعكس (إيجابا) على خبرة الشعوب.. لكنه توقف عن معضلتين؛ أولهما مشكلة التعليم، حيث سيجني المغرب من ذلك المزيد من التخلف. أما الثانية فهي في نظره "ضمور العقلانية" في تصرف النخب الاقتصادية والسياسية، وغياب "صراع عقلاني" في السياسة، واستمرار الريع في الاقتصاد وعدم الانخراط في التحديات التي يفرضها العصر..  

  

الاثنين، 10 يونيو 2013

الامتحانات الإشهادية بإقليم سيدي سليمان/ 2012-2013

الامتحانات الإشهادية بإقليم سيدي سليمان

أصدرت نيابة وزارة التربية الوطنية بسيدي سليمان بلاغا حول الامتحانات الإشهادية توصلت "مدونة سيدي سليمان" بنسخة منه حيث يذكر البلاغ أن "جميع العمليات والاستعدادات المتعلقة بالامتحانات الإشهادية قد تمت في جو مسؤول وبمشاركة جميع المتدخلين من سلطات محلية ورؤساء المراكز والسيدات والسادة الأساتذة تبعا للتوجيهات الرسمية المتعلقة بهذه المحطة"، ويضيف البلاغ أنه قد تم عقد "اجتماعات تحضيرية موسعة مع رؤساء المراكز تحت الرئاسة الفعلية للسيد مدير الأكاديمية يوم: 23 ماي 2013 والتي افتتحها بكلمة توجيهية ركز من خلالها على طرح مجموعة من التدابير والإجراءات كي تمر هذه المحطة الرئيسية في أحسن الظروف"، كما "عقدت السيدة النائبة بالموازاة مع ذلك عدة لقاءات مع الشركاء الاجتماعيين طالبة من الجميع الانخراط الإيجابي في هذا الاستحقاق الوطني"، وفق صيغة البلاغ الذي حمل كذلك الحث "على ضرورة التعبئة الشاملة، والتنظيم المحكم لمختلف مراحل الامتحان مع اعتبار الدلائل التي تم إعدادها مؤخرا كمرجعيات أساسية".
   واستعرض البلاغ جملة أرقام، حيث نجد أن المرشحين الرسميين  للباكالوريا 2155، والأحرار 2083، أما المرشحون الرسميون للباك الجهوي  فيصل عدد الرسميين إلى 2091، والأحرار وفق نفس المصدر 2083، يحرسهم جميعا 1898..   أما المرشحون لنيل الشهادة الابتدائية فيصل عددهم إلى 5996، وعدد المرشحين لنسل شهادة الثانوي الإعدادي 4871، وفي الثانوي التأهيلي (الامتحان الوطني) 4238، وفي الجهوي 4174.

 ومعلوم أنه لأول مرة يشارك أساتذة التعليم الابتدائي في حراسة امتحانات الباكالوريا، لأن وزارة التربية الوطنية قررت تخفيض عدد التلاميذ الممتحنين في كل حجرة غلى العشرين فردا. 

الاثنين، 3 يونيو 2013

عندما يفشل السياسي ويتهرب المثقف الفيلسوف/ محمد سبيلا: " أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"

عندما يفشل السياسي ويتهرب المثقف الفيلسوف
محمد سبيلا: " أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"
ذ. محمد سبيلا على اليمين في ندوة بالرباط

اقتباس وتعليق مصطفى لمودن
لنتمعن جيدا في هذا التحليل الصائب وفي هذا الموقف الذي يثير أكثر من سؤال، توضيح من مثقف وفيلسوف لوجهة النظر القائلة بهروب المثقف أو موته، والشرح الذي يعطيه الأستاذ محمد سبيلا لذلك في ظل خيبة الأمل من "السياسي"، لكن المثير هو عندما يبرر أستاذ الفلسفة موقف المثقف الذي قد يتهرب أو ينزوي وهو يرد على تساؤلات الملحق الثقافي لجريدة "الاتحاد الاشتراكي" عدد 10406 الصادر يوم الجمعة 24 ماي 2013، وهو يرد بقوله:
"أنا أقرأ دائما في الفكرة الرائجة حول موت المثقف، وجهين، الوجه الأول هو الحاجة التاريخية إلى نبوات جديدة، حيث ينتصب المثقف كمخلص تاريخي، كحامل لبشائر الأمل والخلاص في مجتمعات خاب أملها في نخبها، وخاصة في النخب السياسية والحزبية التي لم يسعفها شرطها التاريخي في أن تتحول فعلا وكما كان مأمولا، إلى نخب رائدة، موجهة، وحاملة لرؤى تاريخية بديلة. وذلك بسبب انغماسها في الحدثية السياسية، وانشراطها بها وانغماسها فيها، مع ما يعنيه ذلك من انشداد إلى أقصى من السلطة، والوجاهة والغنيمة، بمعنى أن القول بموت المثقف هو نوع من العزاء، هو نوع من النواح الذي يعبر به المجتمع عن خيبته في نخبه، وحاجته إلى نخب مستنيرة ومنيرة وطاهرة إلى حد ما، بديلا عن أشكال التعفن التي يفرزها تاريخ هذه المجتمعات.
 أما الوجه الثاني للقول بموت المثقف فهو يتعلق بالشروط الذاتية للمثقف نفسه. وهنا أذكر أنني كثيرا ما لمت سابقا صديقي المرحوم الشاعر أحمد المعداوي على صامته. فانتفض ذات مرة ورد علي بملاحظتين، أولاهما أن هذه التحولات العميقة والعنيفة مع ما صاحبها من امتساخات وتشوهات هي من العنف والعمق بحيث يتطلب فهمها واستيعابها وتفسيرها عقودا من التفكير معمق. فقد أصبح اليمين يسارا، واليسار يمينا. والقومي إسلاميا، والإسلامي قوميا، والحداثي تراثيا، ناهيك عن التحولات العنيفة التي حدثت على مستوى الأنظمة السياسية وتشوهاتها. ويكفي أن نذكر كمثال على ذلك، أن الثورة المصرية في سنة 1952 التي قامت على أساس قومي، من أجل تحري فلسطين قد انتهت في عهد مبارك إلى دولة مطبعة. المقصود هنا النظام السياسي طبعا الذي كان فيه مبارك كنزا إسرائيليا ثمينا.
 والرد الثاني، هو خيبات الأمل في التحولات التي حدثت، وفي الانتقلات السريعة التي طرأت، لا فقط في الموضوع الخارجي، الذي هو الأنظمة والمجتمعات بل أيضا في الذوات نفسها. فقد تبين أن الكثير من ادعاءات النضال والطهرانية هي مجرد انصوبات ذاتية تتغيى الارتقاء الاجتماعي. انظر مثلا إلى فلان، الذي كان أكبر المزايدين على الثورة والراديكالية والتطرف، كيف تحول إلى مجرد موظف حكومي يتسابق حول حيازة الممتلكات والألقاب. فكيف تريد مني أن أظل وحدي  أحمل على كثفي جثة " عمر دهكون"، بينما فلان يشرب الأنخاب على ذكراه. أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"
  واضح إذا أن أستاذ الفلسفة محمد سبيلا جد متذمر من حصيلة الفعل والفاعل السياسي في المغرب..
  ويعتبر أن المناضلين مجرد مدعين للنضال، وغرضهم المصالح الشخصية..
  يؤكد على حدوث التباس في المواقف والمبادئ، حيث اختلط الحابل بالنابل..
وأكثر من ذلك، فهو لا يريد أن يحمل تبعات أي نضال أمام هكذا وضع..
 فما المقصور بنضالية المثقف؟ هل يجب أن يعوض فشل السياسي؟ وهل كل السياسيين وصلوا إلى النهاية والفشل؟ وكيف يعرض محمد سبيلا للساسية عموما في شكل انتهازي صرف؟ وإذا كان السياسي قد يوصف بالحربائية للضرورة، فهل يحق للمثقف أن ينسحب أو يتراجع وهو يقارن نفسه بوضعية السياسي؟
-----------------

الخميس، 30 مايو 2013

انتصار الضحية على الجلاد/ ذ. الطاهر محفوظي

انتصار الضحية على الجلاد

الطاهر محفوظي


(المدونة: الأستاذ الطاهر محفوظي من المعتقلين السياسيين في المغرب، وقد  نشر تجربته الإنسانية البليغة في كتاب "أفول الليل".. هذه الورقة ألقاها الكاتب/المناضل في المقر الجهوي لوزارة الثقافة بالدار البيضاء احتفاء بكتابات الاعتقال السياسي)
*************
شكري وامتناني لمختبر السرديات ونادي القلم المغربي والجمعية البيضاوية للكتبيين على تنظيم هذا الحفل الجميل .
لم يكن السجن ومخافر الشرطة مليئة فقط بالعذاب والمعاناة، فقد كان هناك حيز من السخرية والضحك، لقد انفجرت ضحكا في وجه قاضي التحقيق حينما واجهني بتهمة قلب النظام والتآمر واخبرني منتشيا انه سيكون لدي الوقت الكافي في السجن لأضحك. وفعلا ضحكنا كثيرا في السجن ولا زال القاضي النكرة عبوسا، أم هل يا ترى مات منسيا .
في مخفر الشرطة تواجد معنا قاتل اعترف بجريمته الأولى وينكر الثانية وحينما سمع أننا طلبة وتلاميذ وأستاذة معتقلون بتهمة سياسية صرخ: " أيها الشرطي أخرجني من هنا هؤلاء خطر " .
وضحكنا كثيرا حينما أخذ تلميذ يشرح لقاضي التحقيق الثاني أن هناك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد المغربي للمهندسين والاتحاد الوطني لطلبة المغرب فصاح فيه القاضي المفروض فيه المعرفة " كفاني من الاتحادات، أنا لا أعرف إلا الاتحاد الوطني !"
لماذا نكتب ؟
 - لحفظ الذاكرة، حتى لا يجيء لصوص وجلادون وسجانون ومؤرخون رسميون ومنافقون وانتفاعيون ويشكلوا عصابة لكتابة التاريخ والكذب علينا وعلى الناس وعلى التاريخ .
- الشهادة على حقبة معينة من تاريخ المغرب الحديث بالتوثيق، بالأسماء والأماكن والأشخاص مع ذكر المحاكمات والقضاة والمحققين .
- تكريم عدد من المناضلين الذين ناضلوا في صمت ونكران للذات وتواروا بعيدا عن الأضواء فاسحين المجال أمام الآخرين للتسابق نحو الأبواب الكبيرة بشاشية حمراء، والوقوف أمام الكاميرات إن لم يكونوا في رحلات خارج الوطن للدفاع عن حقوق الإنسان...
 - تأكيد المفارق البسيطة: يبقى الرجال ويذهب السجان والجلاد، يجمع المناضل ذاكرته يداوي جراحه، يلملم أطرافه ويواصل سيره بطرق شتى مرفوع الرأس يشارك في كتابة التاريخ وتقدم الوطن والبشرية والدفاع عن المبادئ الإنسانية. أما الجلاد فقلما ينهض، تعذبه ذكرياته ولا مجد له ولا تاريخ و لا قضية، كالمرتزق، هل سمعتم بمرتزق شهيد؟ أو مرتزق شاعر أو مبدع؟
في البدء كانت الكلمة، ربما على شكل صيحة مدوية في الغابات والقفار والمستنقعات، صيحة الإنسان الأول أمام جبروت الطبيعة وشراسة الحيوانات المفترسة، بعدما اكتشف الإنسان النار والحروف، سكن المغارات والكهوف، ثم جاء زمن الاستغلال وصار عدوا لأخيه الإنسان وهل هو أخوه؟ لنقل تلطفا شبيهه الأكثر ضراوة وقساوة...
منذ القدم حار البشر ووقفوا مشدوهين وجلين ومرهوبين أمام ظواهر الرعود والبروق والزلازل والخسوف والبراكين، ونفس الشيء إزاء الموت والجنون والسجن لما يمثله هذا الثالوث المرعب من جبروت لا غالب له... تعامل الإنسان مع كل هذه الأقانيم غير المقدسة بخوف شديد لا زال ساريا حتى الآن وسيستمر قرونا وإلى الأبد، بالمناسبة ما معنى الأبد؟ !
خلال فترة الاعتقال التعسفي والاختطاف والاحتجاز الغير قانوني، وطوال ساعات التعذيب الجسدي والمعنوي كنا وجها لوجه مع الموت والجنون، مع سادية الجلاد وفظائع السجن وخبث وقسوة السجان.
كان الغرض تحطيمنا وكان لزاما علينا الصمود رغم انعدام تكافؤ الفرص. كنا نخبئ الأحلام والأسماء والعناوين والأسرار بين الضلوع، نتمسك بالأمل في مواجهة الألم، نعض بالنواجد على جرحنا كما يعض السوط والقيود على لحمنا، لم نشتك، وممن في هذه الحال نشتكي؟
كانت الضربات ضريبة، فرض كفاية وقربان لآلهة القتل والتدمير الوحشي، كان الوقت إعصارا وكنا في عينيه، كنا أناسا لنا حلم وجنون وكان جلادنا جزءا من آلة جهنمية تعمل دون حلم ولا حلم ولكن بكل جنون الجنون، وهنا كنا متساوين....
فوق قمة الألم صادفنا الجنون وأقمنا معه حلفا شروطه مجحفة، في اليوم السادس والثلاثين من الإضراب عن الطعام رأينا شبح الموت يزحف نحونا بخبث وثبات كضبع جائع ينتظر الفرصة للانقضاض على فريسته... لكننا كنا فريسة مرة تأبى الاستسلام، أحصنة جامحة ترفض الخضوع تشد على الجرح النازف وتقف لتقاوم وتنتصر... ما كان لنا من خيار، فإما الانتصار أو الانتصار... ووحدها الضباع نزلت مهاوي الاندحار، يحفها النسيان، لعنة التاريخ وأكاليل العار.
لقد واجهنا كل هذا الفيض الموغل في العدوانية والسادية بقوة الإيمان في عدالة القضية، ومن أجل الانعتاق من التسلط والاستبداد، ومن أجل غد أفضل لعموم الشعب وخصوصا الطبقات المحرومة ...
في مخافر الشرطة السرية والعلنية وكذا بالسجون، تغدو كلمة طيبة من سجان بطولة، ومنحنا كسرة خبز مجازفة، وابتسامة متواطئة هدية وتضامنا وتشجيعا، يتحول صوت رفيق آت من وراء جدار سميك حصنا منيعا ونشيدا يدعوك للتشبث بالمبادئ والانتصار للقيم الجميلة والنبيلة والصمود حتى الموت.(في العشرين من العمر يكون المناضل أقوى من الموت والجلاد والسجان، لا يخشى شيئا، لا يهاب أية سلطة أو أين كان...).
كان بإمكان خبر سعيد أو رسالة رقيقة مشفرة أن يفتحا كوة باتجاه الشمس ومعانقة النجوم وتحطيم الأسوار... في أحلك اللحظات وأقساها كنا نقاوم بما تبقى لنا من أسلحة: الأنفة والصمود والإضراب عن الطعام والسخرية:" إن السخرية، يقول امبيرطو ايكو، هي أداة للبقاء على قيد الحياة". فما بالكم إذا كان هذا البقاء في شروط رهيبة مضادة للحياة.
كتب التاريخ ملأى بأسماء الأدباء والشهداء، فمن يذكر شاعرا عظيما أو كاتبا خالدا مقرونا بالحاكم المعاصر له؟
نتذكر اسم سقراط، لكن النسيان أكل قضاته الذين حكموا عليه بشرب السم.
نتذكر بحب وإجلال الفقيه البصري ومحمد بنونة، العمرين دهكون الباسق وبنجلون العملاق، والحنصالي وكان فيلقا لوحده، وأسد الريف الأمير المناضل، وفاطمة أوحرفو وأختها وأبوها وقبيلتها حين قرر الطغاة معاقبة الأطلس المتوسط بكامله للترهيب، وكانت نكبة الزيانية تشيب لها الولدان. نذكر المهدي الباسل وسعيدة رفيقة الرجال، نذكر الحسين المانوزي، بل كتيبة المانوزيين، نذكر زروال ورحال، نذكر إبادة الريف وشموخ الأبطال في مواجهة قنابل الغاز والاحتلال وجبروت دعاة الاستقلال... فمن يا ترى يتذكر شخوصا كانت تعتقد أنها شخصيات وهي في مجرى التاريخ نكرات، من قضاة باعوا ضميرهم وطبقوا تعليمات عوض النصوص رغم أنها كانت قاسية... لقد تكفل النسيان بهم وطواهم كخرقة قذرة: محمد اللعبي، افزاز، بوعشرين، الدليمي، الطيب الشرفي، محمد بن جلون، المكي- نو- الشريف، العراقي...
والآن وهنا ودون حقد أو ضغينة، لكن دون نسيان، فلا الشهداء تنازلوا عن دمهم ولا الضحايا قايضوا بذاكرتهم الموشومة بالسوط والحرمان المشوبين بالإرهاب والألم، نصر على أن كتاب "أفول الليل" كباقي كتابات الاعتقال السياسي التعسفي والاختفاء القسري هو انتصار الضحية على الجلاد، هزيمة الجبروت أمام الحق العنيد، تحية مدوية لمن عذبوا وقتلوا ولم يتركوا شهادة ولا شاهدة على قبورهم، ولا قبر لهم في وطن وهبوه كل شيء حتى أرواحهم وحرموا من تكريم وهم أحياء ومن لحود وهم شهداء، قوافل الشهداء في حبس قارة، سجن الجزيرة بالصويرة، دار بريشة، بولمهارز، قصور مراكش، ثكنات خنيفرة، ومكناس والرباط والناظور، قصر السوق، تازمامارت، اغبالونكردوس، العذير أكدز، قلعة مكونة (عاصمة الورود) الكورييس، لعلو، اغبيلة، السجن المركزي، عين علي مومن، درب مولاي الشريف، المعاريف، الساتيام، ضيعة مازيلا، دار المقري، تكونيت، ثكنات الوقاية المدنية المخزنية ضد الانتفاضات الشعبية، النقط الثابتة : PF4,PF3,PF2,PF1 الخ... لنا الأسماء المستعارة النضالية ولقوى التسلط والاستبداد مثلها، ياه كم هي عديدة أماكن الرعب على امتداد أجمل بلد في العالم !
في السجن، ومن أجل إركاعنا وتحطيم معنوياتنا، وهذه هي وظيفة السجن أصلا، منعوا عنا أشياء بسيطة وجميلة لكن حيوية: الموسيقى، الراديو، التلفاز، الشمس، الساعة، الجرائد، الكتب، التطبيب، الدراسة، وسلطت الرقابة على رسائلنا وكتبنا وزيارة أهلنا وأصدقائنا، وكتاباتنا وأشعارنا وصورنا...
ومع ذلك وضدا على هذا المنطق اللامنطقي، صمدنا وخرجنا لنشهد على كل هذه الفظاعات...
لقد أطمر حبس قارة، حطمت جدران تازمامارت، انتهت صلاحية درب مولاي الشريف واغبيلة ودار المقري ولعلو احتلت النوارس والنسور جزيرة موكادور، وامكونة لم تعد تحتفل إلا بشهر ماي الوردي وبالفقر باقي الشهور وتتذكر مرور فتية من أهل الكهف الحديث من بني هاشم ومقاومي الصحراء وجيش التحرير...
وكما الأنبياء وطائر الفينيق، يأت الشهداء للاطمئنان على أرواحهم وعلى شجرة الزيتون والأركانة، وتضميد جراح الأطلسيات والريفيات المرسومة على وجوههن كالوشم لا تزول... كما الإباء والإصرار، شامخات كطبقال، جميلات كالحق، أرزات باسقات يخجل المجد من قاماتهن...
هل كنا على خطأ عندما واجهنا التنين في عز صولته ونيرانه تحرق الأخضر قبل اليابس، ساعتها دخلت الضباع والذئاب جحورها وقال حكماؤها،"يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم" فجند سليمان سيدكون دوركم وهم عنكم غافلون، لكن خلفاء سليمان لم يكونوا غافلين، بل واعين وهم يدوسون على الرقاب بحقد عيونه مفتوحة على مصراع القسوة والإجرام مع سبق الإصرار.
"باق يا شعبي وعمر الطغاة قصير" يردد مع محمد مهدي الجواهري محمد القاسمي الذي فقئت عيناه وانتزعت خصيتاه وتكسر فكه ذات ربيع حين اجتاح الجراد خنيفرة الصامدة...
ومع ذلك لم تذهب نضالاتنا هباء بل حققنا مطالب أساسية كالحق في الدراسة والتطبيب والزيارة المباشرة وكم كنت مسرورا حينما اتصل بي سجين خلال برنامج إذاعي ليؤكد أن كل الامتيازات التي يحصل عليها سجناء الحق العام هي بفضل كفاح المعتقلين السياسيين، واعترف محمد أمين الركالة أنه مدين لليسار بمنحته التي سمحت له بإتمام دراسته الجامعية، إذ أن نضالات اليسار ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنقابة الوطنية للتلاميذ ) فرضت على المخزن تعميم المنحة على كل الطلبة .
سأظل والوقت وقت حرث وزرع وفيا لمحراث أبي الخشبي، وله وللأرض التي عشقها كفلاح فقير، وفيا لوالدتي ربة البيت الفلاحة المكافحة... وفيا لجذوري التي علمتني الإباء والكبرياء، ولن أنحني وأعبر للضفة الأخرى منبطحا وفوق رأسي شاشية، فلا يمكن للمرء أن يخون ثم يظل واقفا، وليذهب إلى هناك حيث الرطوبة النتنة التي لن تخفيها لا عطور الغرب ولا بخور الشرق، رائحة تنبعث من بعيد تجتذب كواسر الجيفة وبنات آوى وما عاف السبع.
ويقودني المحراث الخشبي والوقت خريف، إلى الحديث عن جرار شغل الدنيا والناس، ليس كل الناس، أثار زوبعة من غبار، وأعجب كل العجب، كيف استطاع أن يحرث ويزرع ويحصد ثم يدرس في أسبوع واحد ويجمع كل الغلال والمحاصيل ولما يصل الشتاء ولا الصيف...
والجرار كما هو معلوم هو للحرث لكنه تحول إلى آلات متعددة الاختصاصات، كما في الرسوم المتحركة اليابانية، إنه زمن الأسطورة والمعجزات...
وكما لنا سوابق تشرفنا ولا نخجل منها، للمخزن سوابق في هذا الميدان ألم يهزم فرس انطلق متأخرا في السباق كل الأحصنة في السبعينيات وحتى الحمامة انتصرت على كل الحيوانات المحترمة قبل أن يتطاير ريشها لما مر الجرار المعلوم قربها...وعلى أي فالجرار الأزرق أقوى من كل الحمام، بل فيه مئات الأحصنة...
لا تأسى على عذر الزمـــــــان لطالما
رقصت على جثت الأســـود كلابــــــا
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادهـا
تبقى الأسود أسودا والكلاب كلابـــــا
-----------------------
الدار البيضاء في 06/02/2010
---------------------
نشرت بموافقة الكاتب،



الأربعاء، 29 مايو 2013

نبيلة منيب Nabila Mounibe الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في برنامج " قضايا وآراء" القناة الأولى

نبيلة  منيب Nabila Mounibe الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في برنامج " قضايا وآراء" القناة الأولى

تركيب لمداخلات نبيلة  منيب Nabila Mounibe الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في برنامج " قضايا وآراء" الذي بثته القناة الأولى ليلة الثلاثاء 28 ماي، وقد تحدثت عن جملة من القضايا التي تهم المغرب واليسار عموما، مسألة توحيد أحزاب اليسار، والمطالب التي تتبناها بعض هذه الأحزاب.. 

صراع الشيعة والسنة المتجدد

صراع الشيعة والسنة المتجدد


التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي ونرجع القهقهرى 1200 سنة، يؤكد ذلك تحالف الاتجاهات السنية وعلى رأسها السعودية وتركيا وبقية دول الخليج، في مقابل التيارات الشيعية تقودها إيران متحالفة مع شيعة العراق الحاكمين والعلويين في سوريا وحزب الله اللبناني. هل هي "موقعة الجمل" جديدة لكن بخلفيات متجددة... مع السنة حلف الناتو وكثير من دول الغرب، ومع الشيعة روسيا والصين.. لا تحرك هؤلاء دوافع عقدية وانتقامية ولكن مصلحية مباشرة ذات قصدية اقتصادية واستراتيجيه.. فهل ستقبل المنقطة على حرب مدمرة ونحن نسمع عن المناورات والاستعدادات العسكرية الجارية في زمن العولمة والاحتكام إلى الديمقراطية والتحييد النسبي للدين في المجتمعات الغربي.. وخاصة إذا غاب العقل والحوار والنزوع إلى السلم، وإذا سقط "المتنازعون" في الفخ، فالغرب المتأزم يبحث عن بؤر توثر يصدر عبرها أزماته الخانقة ويبيع أسلحته ثم يعرض "خدماته" لإعادة الإعمار بعد حدوث الخراب.. ولعل حوار جنيف رقم 2 المرتقب فرصة ناذرة لذلك.. فهل ستتجنب المنطقة جولة جديدة ومتجددة من تاريخها الطويل في سفك الدماء منذ عهد الآشوريين وصراعات الفرس والروم وغزوات التتار والاحتلال الصهيوني لفلسطين.. 

الثلاثاء، 28 مايو 2013

"رجل يضحك في وجه الموت"/شعر محمد رحو إثر وفاة عبد المومن الشباري

رجل يضحك في وجه الموت(*)


إلى عبد المومن الشباري


الفقيد عبد المومن الشباري الذي غادنا في 24 ماي 2013
محمد رحو

هذا الرجل يؤمن بالحياة
اسما ومعنى
لكن الكافرين بالحياة

شيدوا له سجنا!

***
كان داء القلب يطوق قلبه
بسياج من ضغينة الأشواك
وكانت المقاولات/الفنادق/الأبناك
متربعة فوق أضلاعه
مترفعة عن أوجاعه
المجبولة من رحى تطحن شعبه!
***
كان يتآمر ضد مستنقعات البشاعة
وكان يفكر في الهجرة الى وطنه الجميل
وكان يخطط لإحراق حقول الخلاعة
وكان يبحر في لهيب السؤال الجليل!
***
وصار يخطو باتجاه أميرته الأسيره
وكان يراهم..
تجرجرهم خطاه في دروب المدينة الكبيرة!
وكان يراهم..
يتبادلون الأدوار بمقهى"برج النيل"
وكان يراهم..
يمتطون الشعار الطلابي
ويضمرون فحيح الخيانة
يلوحون بالسوط والزنزانة!
وكان يراهم..
يحاولون تذويب نجمة الرؤيا
في ضباب المتاه
وصار يدون في مفكرته الصغيرة
" الأسر من أجل اشراقها الملحمي
ما أحلاه!
والموت في أعماقها البحرية
ما أشهاه !"
وما كانت لتثنيه عن الرحيل
دبابيس في القلب النحيل!
***
(حين لسعتها نحلة التغريب/الاقصاء
ولجت خديجة غرفتها
اغلقت شرفتها
أوقدت القنديل
حدقت – شاردة- في رسمه المبهم المضاء!
سكبت دمعة أو لؤلؤة
صوبت – صوب الجدار- بسمة بسعة السماء
دندنت مقطعا متوهجا من "مارسيل"
و أشهرت حبها الباذخ
فوق جرح مسافته عشر سنوات ونيف !)
***
حين سرقوا من ليل القراءة بصيص الضوء!
حين سحبوا من حقه في الشمس آخر جزء!
حين جردوه من كل شئ!
وجردوا ضد قلبه النابض بنجمة واعدة
سيوفهم المسمومة الحاقدة
لم يتردد لحظة واحدة
في هجاء ما تبقى من"خيرات" الزمن البخيل
لم يتردد لحظة واحدة
في الضحك في وجه الموت الجميل!
***************
(*)كتبت هذه القصيدة ذات تفاعل مع إضراب عن الطعام
خاضته المجموعة 26/مجموعة المناضل الراحلعبد المومن الشباري
والقصيدة سبق أن نشرت في ديوان"الحربائي".
--------------------

المدونة: تحية خالصة للشاعر محمد رحو الذي يختار مدونة سيدي سليمان لنشر بعض أشعاره.