الاثنين، 3 فبراير 2014

نداء الجذور وسؤال الهوية/قراءة في رواية الدكتور مصطفى الورياغلي "جنة الأرض"/بقلم : جمال الدين حريفي

نداء الجذور وسؤال الهوية
 قراءة في رواية الدكتور مصطفى الورياغلي
 "جنة الأرض"

بقلم : جمال الدين حريفي
·  الإهــداء : "إلى المعلـم السِّي محمد الريفي"
**********************

غلاف الرواية
الدكتور مصطفى الورياغلي 

هذه واحدة من الروايات التي تؤكـد رسوخ قدم الكتـاب المغاربـة في تربـة هذا الفـن  المتمنع الجميـل، وتشهد لصاحبهـا بسعـة المعرفــة والثقافــة، وعمق الاطلاع على تاريخ بلاده ومجتمعــه ،  وتشهد له ثانيـا بالقدرة على نحت الشخـوص والإحاطــة بالأحداث والوقائع، والدرايـة بالنفـوس، وحسن الإنصات لنبضـات القلـوب،  والإمساك بومضـات الروح. وتشهد له في الأول والأخيـر بعلـو الكعب في الإبداع الفني والصنعــة الأدبيـة.
وهي روايـة تفتح أمام النقـاد إذا شاؤوا منافذ ومسالك ومُدخلات لقراءات متعددة وممتعـة، أذكـر لا على سبيل الحصر.
·        مدخـل الشخـوص :
فشخـوص الروايـة تملأ صورتهـا في مرآة الحكي بالألوان الحقيقيــة للحياة، شخـوص  مرتوية بمـاء  بيئتها ، ممتلئــة بذاتها وثقافتهـا الخاصـة والمتنوعـة، كما أن العلاقـات بينهـا تكـاد تكون أقرب إلى المجاز منهـا إلى الحقيقـة  إذ ركب الكاتب  من الواقع والمتخيل التاريخي مجازات حبلى بشتى الدلالات ومفتوحـة على أكثر من تأويل.
·        مدخـل التأريخ :
يَعْبُر الكاتب تضاريس الإيديولوجيات(148) ويقرأ خرائط المصالح راسما بذلك أوضح صورة  عما كان يعتمل في أحشاء عالم اختصرتـه  مدينة وطوتـه بين مقاهيهـا وفنادقهـا وإقامـاتهـا.. "الصراع الدولي كان حاضـرا هناك" . الذين يخططـون والذي يستطلعـون، والذيـن يتآمرون، والذيـن لا يشعـر أحـد بأنهم هناك ،  والذيـن يتحسرون على الثورات الضائعـة أو فروا من وجـه الاستبداد "كلهم كانوا هناك" في انتظـار من يضع جغرافيـا جديدة لمناطق النفـوذ.
·        مدخـل الأمكنــ
ة :
إذا كـان البدن هو السكن الأول  للروح. فإن المكان هو السكن الأول  للأبـدان،  منه تنشأ، وفيـه تعيش.. وإليـه تعـود  لتنعم بإقامتهـا الأخيرة في التراب.
المكان سيـد الناس، سيـد أحلامهم ومآسيهم ،  والشاهـد على سعادتهم أو بؤسهم.
وطنجـة / المكان :  مدينـة  بسعة العالم، غير أنهـا مدينـة  سرقت منها أسماء كل الأمكنة ولم يعد فيها مكان لأهلها الذين أصبحوا فيها بلا أسماء ولا هوية ، فهم الأهالي وهم المسلمون ، وهم البدو ، وهم المهاجرون  وليسوا شيئا غير ذلك ، حتى إنه لا أحد يراهم أو يشعر بوجودهم(116) . الأغيـار وحدهم يسودون ويحكمـون ويعملـون، ولمـا غادرهـا الغربـاء سارع أهلهـا يزفـونهـا "كعروس / قربان"  لوحش المال والعقـار(217)، وحده  الحفيد بقي وفيـا للأسمـاء وللأمكنة  .. فسارع إلى حفظها   ،  قبل أن يطوي النسيـان المكان والإنسان ، وما كان .
طنجة لم  تعد مكانـا وإنمـا صارت ذاكرة .
ولا شك بأن  الحفيد وهو يشعـر بالنهايـة الوشيكـة لما كان يألف  ويعتاد منها ، لم يجد ولن يجد من وسيلــة لاسترجاع مدينة الجد وصومعتـه غير الكتابـة.
وهذه الأخيرة عصيـة على البيع .. لأنهـا تسكن في المكان الوحيـد الذي يبقى بعد أن يتم بيع كل شيء  :
إنهـا تسكـن في اللغـة..
اللغـة أيضا مكان  ، ومسكـن للحفيـد الزاهـد في حطـام الحياة . وليس من الغريب أن تكون جميع عنـاوين  فصول الروايـة أسمـاء أمكنـة .. إلا الفصل  الأخـير  فعنوانه " الحفيد "
فالحفيـد أيضا اسم مكان ..إنه  المكـان الأخير لحفظ الذاكـرة.
لأنه المكان / الإنسان.
****************************
تلك ثلاثـة نمـاذج فقط ، للمدخلات الممكنـة لقراءة الروايـة ،وإلا فغيرهـا كثير، كمدخل الثقافــة، والقيم،   والجمـال ومدخل الحب والحرب
 و الاستلاب ومدخل الهوية والحضارة والاغتراب والمدخل البنائي أو الحكائي أو اللغـوي، أو التاريخي ... إلخ .فالروايـة من الثراء والخصوبـة والغنى بحيث لا تكفي قراءة واحدة ولا  اثنتان أو ثلاثـة للإحاطـة  بعوالمها ، بل هي من ذلك الصنف من الأعمـال التي  تستحق عقد الحلقـات لتدارسهـا ولتعميق النظر فيها . خاصـة وأنهـا استوت على مهل ، وبصبـر جميل من صاحبهـا.
 وسأفرد هذه القراءة المتواضعـة لمدخـل الشخـوص. تحت عنوان :
"نــداء الجذور وسؤال الهويـة"
التعريـف بالشخــوص :
-         أول ما يستوقفنـا في "جنـة الأرض" أن الروائي خلق الشخـوص وأنشأهـا من  التاريخ "الواقعي  والمتخيل " لطنجة .بحيث لا نجد في الروايـة شخصيـة  نافلة أو متطفلـة أو مجانيـة، أو غير منحـوتـة أو مصقولـة بدقـة متناهيــة وعنايـة كاملـة تبرز سماتهـا ومزاجهـا وطباعهـا ومواقفهـا.
o         "فالليـدي مرغريـت" : انجليريـة خالصـة، ومن صميم الأرستقراطيـة الإنجليزيـة،  في أناقتهـا ورقتهـا وقسوتهـا (38)وفي حنـوهـا واستذكارهـا وحنينهـا، وفي عنايتهــا بالنباتـات والذكريـات ،  وتنظيمهـا لليالي والأمسيـات.
o         أنا بيـلا: صحافيـة مضمخة بعبق الحضارة ومغمـوسـة في ماء كل الثقافات(86) ، مرتويـة بآهاتهـا السريـة ومذاق أطعتمهـا وإيقاع الرقصـات .غرستهـا نزوة عروسيـن إيبيريين  في الضفـة الجنوبيـة لبحر الرغبات، هناك نمت وترعرعت في تربـة جديـدة وكأنهـا واحـدة من  نبتاتها الأصيلة،" أنابيـلا الصحافيـة الشابـة/ أنابيـلا الطفلـة اليهوديــة الصغيرة"  تدخل بيوت النصارى والمسلمين (89)وترقص على إيقاع حضرة المريدين  بجوار الزاوية الناصريـة(91) .. تجوب الشوارع رفقـة أحمد(88)،  تكتب تقاريرها في المقاهي، وتتمدد على سرير اللذة العارمـة في صومعـة  النساك الزاهدين في كل الرغبات، إلا  اثنتين :  "ومضة العقل وشهوة الجسد"(102) .
o         فيديريكو : كاهن الثورة الأحمـر ذو الأصول الرجعيـة المحافظـة (73،)ترك هو أيضا البحر والثروة وراء ظهره وجاء إلى الجنوب يلهث وراء بريق
 الاشتراكيـة، ويلعن الرأسماليـة والعسكر ويغضبـه "مازحـا"  ألا يشاركـه الصديق فطـور الصباح أو يترك له عل
ى الأقل نصيبـه من حبات التشورو.
فيديريكو يرى الاشتراكيـة في كل شيء .. لكنـه لا يرى ما يفعلـه الاشتراكيـون بكل شيء(69)
o         عيـاد الريفي الأصيل:  وصخرة الجبل الخام، الصخرة التي لا يمكن لنتوءاتهـا أن تَمَّحي أو تختفي لمجرد تعرضهـا لشمس أو ريح المدينـة.
o         موشي السمسار: والتاجـر والمضارب الذي يعرف كيف يدخل الصفقـات وكيف يبيع ويشتري برصيد الذكـاء وحـده  ، وكيف يتنازل للآخريـن عـن نصيبهم المستحق وفي نيتــه أن يجني أكثر.(66)
o         أحمـد / هامت: الخلاسي و  المهر المهجـن،  الموزع بين أكثر من هويـة وأكثر من ثقافـة وأكثر من لسان، الممزق بين الجذور والثمـار، يميل مع الرياح ثم يستقيم واقفـا كشجرة لا تمـوت إلا واقفـة، وكذلك مـات...
أحمـد الذي  يخترق طنجـة  من أقصاها إلى أقصاها، يحترق شوقا لجذوره ويذري رماده فوق المدينـة ــ ليكشف كالساحر ما تخفيـه بين الثنايا والزوايا وفي  نوايا الفرقاء المتحكمين قسرا وقهرا وسرا وعلنا في رقبـة الصراع الدولي ــ  ثم كطائر  الفينيق يخرج من رماده ويطير عائدا إلى عشه في "بني حذيفـة"
      ْإيليـزابيت : المسكونة بحلمين ووهمين. إيليزابيت عاشقـة المستحيل ،، إلهـة وأمـة(158). معبودة وجاريـة، تلهث خلف الثورات والمجاعات والبؤر الحمراء  والرقع الملتهبـة هريا مما لم تستطع فهمـه،  أو مقاومتـه، قدرهـا غير المكتمل.
o     ريبيكا و أنجلينـا: خطـافتا الربيع الأمريكي وبشارتا   طلائعـه، سيدتا الشباك، وقناصتا الفرص، فالدول الكبرى لم تعد تعتمـد على "الأخوات الطيبات" لتعليم الإنجيل وتضميد الجراح وتوزيع الجبن وأنواع الشكولاطة على الفقراء،  وإنما صارت تعتمد على "نساء المخابرات" (142).فوراء كل خطاف لبؤة تتربص بالطرائد، وخلف كل بشارة عاصفة .
o    عبد اللطيف : الوطني الذي  يتزلف لبنات أمريكا  ويتأفف من أبناء  شعبه ووطنه.
o    ويليـام: المعلم الأول،  والملاك الشيطـان، ويليـام الميت قبل الأوان،  والحي أكثر من الأحياء، ويليام الصوت الفتان الذي يقود الأرواح التائهـة إلى أوديـة العشق والمعرفـة (56)، حيث يجب أن تقيم على حافـة اليأس أو على حافـة الالتباس.
o    المعلم السي محمد الريفي، السي حدو، عمي شعيب السي الفلاح، السي ميمون و علي و الهادي و  ....الآخـرون.
هؤلاء جميعا هم شخوص الرواية الذين  ملؤوها حياة وحوارا  وأحداثا .....عاشوها وجعلوها تحيا من خلالهم،  وككل الأبطال  منهم من لعب الدور الأول  فكان البطل الرئيسي ( عياد  . أحمد   وويليام )
ومنهم من لعب الدور  الثاني  فكان بطلا مساعدا (أنابيلا، الكونتيسة، فيديريكو، وإيليزابيت)
ومنهم من كان دوره ثانويا فكان بطلا ثانويا ( السي حدو ، عمي شعيب، المامون، علي، الهادي وآخرون .)
واحد فقط سيبقى خارج كل تصنيف، إنه الشهيد " المعلم السي محمد الريفي"
 سيتضح المغزى من هذا التقسيم   مع تقدمنا في هذه القراءة. فرواية "جنة الأرض " تقوم على الأضلاع الثلاثة لمثلث أبطـالهـا الرئيسين. ( عياد /أحمد/ ويليام)لذلك أقترحه نموذجا لدراسة الشخوص وعلاقاتها ، في السياق السردي للرواية .
عيــاد : الذي لا يثير انتباه أحـد، "باستثنــاء أحمد" داخل الروايـة . مثلمـا قــد لا لا يثير اهتمام "القراء أو النقـاد" ، فقدره من قدر الشعب الذي يصنع كل شيء ، ولا يعترف له أحد بفضل أو وجود .
أحمــد / هامت: الذي يسرق الأنظـار ببريقـه وقلقه الدائم ،  وحدة ذكــائـه  ونهايته المأساوية.
ويليـام: الذي عبر الحيـاة كشهـاب، ولما مات بقي أثـره وعطـره عالقـا بالثـوب والجسم والمكان واللسـان.
****************************
أ‌)      عيـاد: والهويـة / الأصل(196) -....../--- "الخصوصيــة"
يرسـم عيـاد بمسـاره في الروايـة حياة المهاجريـن من الريف إلى المدينـة / الوحش. أولئك الذيـن اكتووا بنـار الفقـر والفاقـة، ولفحـت ظهـورهم سياط الحاجـة والعوز والجوع ، فجاؤوا يبحثـون عن ملاذ، وعـن حلم  بالغنى والثراء،  أو عـن مجـرد كسرة خبـز يتقاسمـونهـا مع الضائعيـن مثلهم في الشوارع،  فباتوا في الشوارع،  وعلى عتبـات الفنادق والعمـارات، وأعاروا ظهـورهم لمن يركبهـا من المرفهيـن، وأكلوا قمـامات النصارى. سكنوا في الجحـور والبيـوت الواطئـة، وانتشروا في أرجاء المدينـة/ الغـول كهواء ملوث يجرون وراء أحلام/ سراب.  ضاع الآلاف منهم، افترستهم المدينـة وفرشـت جـلودهم زرابي فوق طينها وترابها حتى لا تتسخ أقــدام الأفاقيـن من الأسيـاد الجدد.(60).
أما الناجـون منهم بالكـاد، وبالآحـاد، فقـد أنقذتهم صدفـة مـا، لقـاء عـابر  بنجمة الحظ، أو قـدر مكتـوب بظهـر الغيب ، فاشتغلـوا عنـد "معلميـن"،
ثم جمعـوا الفرنك على الفرنك فصـار لهم رأسمال على قدر طمـوح  طبقتهم وتطلعها، واستقلـوا بتجارة رثـة تغني من بعض الجوع، ثم أكتروا غرفـة وبيت مـاء،  وصار أقصى أمانيهم أن يلبسوا كما النصارى،  وأن تحبهم إحدى "الماريات" إن لم يعترض طريق حبهم أحـد، ولم تكسر العنصريـة ضلوعهم أمام أبواب سينمـا(186) تسلي المترفيـن من كل الأجنــاس بعرض صور جنسهم الفريـد بين الأجنـاس، ذاك الذي يسميه المستعمر " الأهالي" .
الناجون منهم سيأتي وقت  تصدح فيه حناجرهم في المظاهرات المطالبـة بالاستقلال، ثم تصدح مرة أخرى وهي تفضح غيـاب العدالـة بين جهـات الوطـن وأبنائـه بعد الاستقلال (221). عيـاد واحد من هؤلاء" الناجيـــن" .
بل هو الوجـه الأصل، الوجـه الأول والحقيقي لأحمـد قبل أن يحـول طقس التعميـد الجديد أحمد إلى " هامت "
وليس صدفة أن يلتقي أحمد بعياد في المحطـات والمنعرجـات الهامـة بالنسبـة لحياة كل واحد منها:
سيلتقي أحمـد بعيـاد الريفي فقيـرا ضائعـا جائعـا يتحلب ريق الشهـوة  البكر في فمـه وهو يرى الكأس المنعنع المعشب  بين يديـه.(16)
أحمـد سيطعم عيـاد الجائع ويتوسط له في عمل.
 ثم سيلتقي به وقد استقل عن معلمـه وصارت له تجارة صغيرة(93)، ويلتقي به  وقـد طـور تجارتـه واكتـرى معرضـا بين التجـار الصغـار(130)،  ويلتقي به وقـد أحـب، ويلتقي به  وقـد صـار كل همـه أن يلبس كالنصارى (133)، ويلتقي به ليأخذه معـه للقاء الأمريكيتيـن ريييكـاو أنجلينـا وصديقهمـا الوطني .ــ أحمـد سيأخذ معه عياد عمـدا ــ لأنـه كان على موعـد معهمـا، وهما وصديقهمـا الوطني لن ينتبهوا لعياد ، بل إن صديقهما الوطني جدا  سيمتعض من وجوده بينهم(140)، ومن هم،؟ ومن هو عيـاد؟ . .
ذلك ما أراد أحمد أن  يكشفه.
عيـاد هو الأهالي، هو  المسلمون ،، هو الشعب الذي يتكلم الجميع باسمـه دون أن ينظروا إلى وجهـه أو يعترفوا بوجوده (144).
وسيلتقي أحمد بعيـاد وقد جاء لزيارتـه بقصر  الكونتيسة حيث كان أحمـد يرقد على فراش المرض بحب إيليزابيت التى غادرتـه، بلا حب، أو بحب  أكبر من قلبيهما معا(186).
وأخيرا  سيلتقي به لكي  ينقذه من رصاصـة "الشرطي" أثنـاء مشاركتـه في مظاهرة 1953 المطالبـة بالاستقلال(213)
عجيب هو هذا المصير المشترك.
أحمـد وعيـاد.
اثنان في واحـد.
تقاسما اليتم المبكر، والهجرة إلى طنجـة.
وتقاسما النجاة من مخالب وأنياب غيلان المدينـة وذئابهـا .
وتقاسمـا النجاح النسبي في حياتهـما.
وتقاسمـا الفشل المطلق لتجربـة الحب
تقاسمـا انكسار القلب.
وتقاسمـا المشاركـة في النضال الوطني.
كأن "هامت" لم يكن وجه أحمد المستعار وإنما  كان قناعا لعياد. .عينَـه التي يرى بها ما لم يكن مقدرا للأهالي أن يروه، ولسانا يعبر  عما لم يكن بمقدور الأهالي أن يعبروا عنه.
في أحمد تلتقي المتناقضات والمفارقات.
الظاهر : "هامت"
الباطن : "عيـاد"
الجوهر والشكل
 الجوهر عياد ، والشكل هامت .
وهذا واحد من أوجه المجاز في العلاقات  المركبة والمعقدة بين الشخوص/الأبطال الرئيسيين للروايـة.
**************************

ب )  ويليـام : الهويـة / المثال -.......---/ الكونيـة
هل كان لتربيـة الأب أثـر في ما صار إليـه ويليـام من التكتم على الأسرار والتحكم في المصائر(45)
ويليـام راهب القصر وعاهر الصومعـة (54)، الوسيط بين الثقافات والهويات ، نقطـة التماس بين القمـة والقعـر،  العقل والغريزة.  ملاك الرحمـة وشيطـان الفوايـة، ويليـام روح الروايـة الخفي وطيفها ،   النسغ الذي ترتوي منه الحكايـة و قـائد أوركستـرا الجحيم وزعيم جوقـة الشياطين الضاجة  الصاخبـة،  ويليام يرتق الشباك في صومعتـه ويلقيهـا على طيـور الأرواح الضالـة تارة ، وتارة  يقتعد صخرة المعنى ويرمي لحيتـان السراب بطعم الأسئلـة .
من الغريب أن يكون" الطعام"  أول طُعم أراد أن يغوي به أحمد حين قدم له قطعـة "الحلوى" يوم أتى أحمد لقصر الكونتيسـة رفقـة حدو الميكانسيان(36). أهي بدايـة الاستدراج؟  في تلك الطفولـة التي كانت تبدو بريئـة وجميلـة لطفليـن لا يوجد ما يجمع بينهما في طنجة، غير طنجة "جنة الأرض"
     عن طريق ويليام سيصير لأحمد أكثر من لسان(53) ، وسيصير له أكثر من جناح يحلق به فوق الخلق ويرقب ما يسكن وما يتحرك بعيني  هدهد يرى ما خلف حجاب الظواهر، يرى حقيقـة القوى المتصارعـة ، ويرى المصالح وراء بريق الشعارات والايديولوجيا المزيفـة للوعي.
ويليـام سيعبـر الحياة كنيزك، كشهـاب سيشتعل وينطفئ في اللحظـة نفسهـا،  ولكنـه كالنجم سيظل مضيئـا حتى بعد موتـه، وتحت ذلك الضوء ستعيش
الكونتيسـة ويعيش أحمد وتعيش إيليزابيت(179)، قبل أن تظلم طنجـة بكل ما فيها في أعين الجميع.
حياة ويليـام ستكـون أسرع من برق ، وأعمق من بحـر، وكثيفـة كضوء وهاج.
لعل ويليـام هو الحلم الوحيـد الذي لم يفارق أحمد/هامت في يقظتـه وفي نومـه.
لعل رغبـة هامت في أن يكون ويليـام ولو لمرة واحدة ، كانت أكبر عنده من رغبتـه في أن يكون هامت آلاف المرات، ولكن ذلك كان... مستحيلا.
 ويليـام كان بلا شبيه ولا مثيل وبلا بديل،  خالط الأجسام والأرواح وامتزج بها، ثم  انسحب . لكنـه بقي ساكنـا في الشراييـن وبين الضلوع، موته كان أشبـه بالانتحار، موت قبل الآوان، موت تحت الطلب.
مـات ويليـام لأنـه شبع  من  الحياة ولم يعد فيها شيء يغريه. ربما مات،  فقط لكي يجرب الموت (57).
ويليـام كان يقـود الأفكـار بدريـة قائد أوركستـرا ما هر إلى التخوم حيث يتردد العقل وتتزعزع  يقينياته، ويفقـد هيبتـه وسطوتـه.
كان ويليـام سقراطـا حقيقيا في ثوب شيطـان ظامئ لا يرتوي من المعرفـة(56).
موتـه المبكرو المتوقع جعلـه أكثر حياة من الأحياء أنفسهم.
 بدون ويليام كان وجود "هامت" مستحيلا. إذ لم يكن في طنجـة إذاك من مكان لغير عياد أو أمثال عياد من البدو المهاجرين والتائهين في دروب المدينة الغول.
كان أحمد مجرد واحد من هؤلاء مجرد عيـاد من بين "عيادات" كثيرين. أحمد/هامت. .
أحمد هامت؟ أم  أحمد عياد؟
 الأصل إذن ..
  الجوهر أم الشكل ؟؟؟.. تلك هي القضية(196).
وذلك هو السؤال....../ سؤال الهوية .

********************************
 ج) أحمـد / هامت : ...... إخصاء الإسم وتخصيب الهوية .
    سينصرف ذهـن بعضٍ مباشرة بعد قراءة الرواية،  إلى استحضار غرفـة "مصطفى سعيد" بطل موسم الهجرة إلى الشمال ، ومقارنتهـا بصومعـة ويليام وهامت، حيث سهرات الجنس والمجـون(55). وقد يرى في أحمد/هامت استمرارا أو تكرارا لمصطفى سعيد، "عطيل العربي الإفريقي" فحل الجنوب أو الشرق،  ومروض النسـاء، الذي يفترش إناث الغرب المتعطشـات لرائحـة الجنس التي  تنز مع العرق واللهـاث، فتذكرهن بسحر الأساطيـر الشرقيـة وخرافات  السلاطين والحريـم.
وقد ينصرف الذهن أيضا إلى أبطال آخرين أرخوا في الروايـة العربيـة لتأثير فحل الشرق على إناث الغرب، ولذلك اللقاء الفريد من نوعـه  للرجل الشرقي بالمرأة الغربيـة.
الشرق والغرب.
المستعمـر والمستعمـر.
المتخلف والمتقدم(117).
حيث لا سبيل لرد الاعتبار للذات،  والانتقام ممن اغتصب الأرض وهتك الهويـة إلا بتركيع  نسائه  المحرومات وتقييد أيديهن بحبال الفحولة المزعومة  إلى فراش اللذة.
لا سبيل  لرد الاعتبار للذات المهزومة إلا بافتراش النساء ثم افتراسهن.
" طقس بدائي/ حيث يعوض  الالتهام الرمزي لأجساد النساء( الغربيات) ،  الالتهام الفعلي لجسد العدو (الغرب المستعمر) " 
قد ينصرف الذهـن لاستحضار ذلك، خاصـة وأن الروايـة تغري بالمقارنـة. فالبطل وحتى دون أن يغادر وطنـه سيجد نفسـه أمام الآخر الذي استوطنـه، "استوطن الأرض والذات والهويـة".
  ( الإنجليز يسودون والفرنسيون يحكمون والإسبان يعملون(116)،  قبل أن يأتي الأمريكان وفي نيتهم أن يستولوا على كل الوظائف والمهام).
سيعيش أحمد قلقـه" الوجودي " الخاص، ممزق الوعي بين حضارتين وثقافتين وهويتيـن (100). الشرقيـة المتأصلـة في الذات،  وذرات الدم وخلايا الدماغ.و الغربيـة التي تعرض مفاتنهـا في الأحيـاء الراقيـة لطنجـة الدوليـة وفي فنادقهـا وشوارعهـا وحدائقهـا.
   الشرقيـة التي أنجبتـه من رحمها و غدته بلحمها و دمها  وروحها ،  والغربية التي كفلته و أرضعته  حليب  ثقافتها  وحضارتها  ولغاتها .
 "  أحمد ابن الْأُمَّيـْنِ وغَريقُ البَحْرَيـْنِ." .
   أحمد ، ليس مصطفى سعيد، ولا هو واحد من أولئك الأبطال الذين تحيل عليهم تحريـة مصطفى سعيد،  لأن أحمد سيؤدي الثمن غاليا . .  ثمن  تجربته الخاصـة.
ثمن التجربـة التي رعتها  الكونتيسة وقادها ويليـام.
 سيكون الثمن :  إخصاء الإسم .
أحمد الريفي :  اليتيم الأبي، الذي جاء إلى طنجـة مسكونا  ببذرة الجهاد و بروح أبيه ووصاياه(119).  
أحمد الريفي الذي جاء إلى طنجـة يحمل في عينيـه صورة عيني  الجدة الشاخصتيـن إلى السمـاء . . وصورة الأب الممدد على سرير " الاستشهاد "
سيصبح "هامـت" .
سيتم  تذويب الاسم و تليينه وتطويعـه وصهره وإعادة سبكـه وصياغتـه.
أحمد – أهمـد – هـامتهكذا سيصير .
هل هي مجرد لعبـة تتسلى بها الكونتيسـة (39)؟
أم هو طقس رمزي يطال الإسم لإخصاء الفحل من أجل تهجينـه أو على الأقل تدجينـه؟
سيتم تعميد أحمد بماء هذا الطقس وبناره. .
طقس  سحري بامتياز . . ليولد ولادة جديدة. .
سيتحول أحمد من  معدن خام إلى جوهرة تزين عقد الأماسي والليالي الساهرة،  ويسرق بريقها الأبصار في المنتديات والمجالس. . سيتعلم ويتكلم فيخطب وده النصارى واليهود والمسلمـون والصحافيون والألمان والأنجليز وعملاء المخابرات وأصحاب المقاهي والسماسرة والمضاربون (58).. . .. . إلخ.
سيصبح هامت: إنسانا كونيـا . .
إنسان المستقبل . . . كما قال ويليام(99)
سيصبح واحدا من السادة . هو التلميذ سيتفوق على أساتذتـه.  ويثير إعجابهم.  لكنه في هذه الأطوار كلها من تقلباته في الحياة لن تفارق الغصة حلقه. غصة الأصل  غير المعترف به.
إنـه هامت نعم . . ولكنه أحمـد أيضا (100). أو أحمد أكثر .
إذ لم يتمكن الإخصاء  من إلغاء الهوية.
 بل و عكس ما كان مطلوبا  ومنتظرا من التجربـة "تمكن من تخصيبهـا ".  فجعلهـا أكثر  رسوخا ووضوحـا.
سيصبح أحمد / هامت لفترة من حياتـه واحدا من السادة ومن الأساتذة . . ومن "علامات الزمـن الطنجي". ولكنـه في النهايـة،  سيرمي شهادات السادة والأساتذة وراء ظهره ، ويعـود على عقبـيه من حيث أتى . و ـ كما دخل طنجـة خائفا سيخرج منها خائفا ـ  سيعلق معطفـه الأنيق وقبعتـه الغربيـة على أبواب طنجـة وينصرف ،  وفوق رأسـه وحول  رقبته مئات الأسئلـة المعلقـة  كالأجراس . .
·        هل يمكن تحديث مجتمع على حساب كرامتـه.؟  
·        هل يمكن تحديث مجتمع لا  يُعترف حتى  بوجود أهله كما لو أنه مجتمع بلا بشر ؟
·        هل يمكن تحديث مجتمع وهو مجرد رقم في الحسابات الدوليـة المتضاربـة.؟
·        هل يمكن تحرير شعب ونحن نضع في يديه القيود وفي  أعناق أبنائه الأغلال؟ .
·        هل يمكن الكلام باسم شعب نمتعض من مجرد النظر إليه( كما فعل عبد اللطيف الوطني ) أو  نعتبره مجرد شيء مثيـر للتعجب والاستغراب كما فعلت الأمريكيتان ريبيكا وأنجلينا.(139)؟   
كل الذين لم يدركوا بأن الشعب هو عيـاد وليس هامـت .لم يعرفوا حقيقـة أحمد(144).  
"أحمد هامت" ليس "مصطفى سعيد".
أحمد هامت ليس فحلا مهووسا بالجنس أو لا هم له غير أن يفترش  أجساد النساء ويفترسهـن بأنياب جوعـه الشرقي  المشبع بثقافـة الحريم والجواري.
وهو يصرح بذلك مرارا. لقد كان شاهدا على ما يحصل في الصومعـة ولكنـه لم يكن أبدا قادرا على مجاراة ويليـام وملاحقة خطاه أو مسايرتـه(57) .ناهيك عن العهد الذي قطعه لوالده بأن يحفظ وصيته ويحذر الغواية والغيلان.  
و الصومعـة التي وصى بها ويليام لهامت بعد موتـه ليست  الغرفة/ المصيدة . فلا بخور فيها ولا عطور غير عطر الجذور التي تناديـه بأقصى ما فيها من شوق إليـه . .
"عـد . . فلا يمكن أن تصير إنسانا كونيـا على أنقاض هويتك . .
عـد فلا يمكن أن تلغي هويتك مـن أجل هويـات لم تعترف بك وإنما أرادتك نسخـة لصورتهـا . .
عـد حتى يتم الاعتراف بهويتـك بين الهويـات.
-         " أحمـد / عياد" – وليس –" أحمد / هامت"
 عد فقد لا يكون الانصهار في الهويات الأخرى إضافة بل إعاقة . وقد لا يكون ثراء إنسانيا وثقافيا بل إخصاء وإلغاء .
  هذه هي الأسئلـة التي رافقت تجربـة أحمد / هامت وسكنته . .  وأقلقتـه(197) .  وقضت مضجعه ، ثم في الأخير عادت به إلى الريف . . إلى قريـة " بني حذيفـة ". . مسقط الرأس والقلب  والأب .
أحمد / هامت نموذج للبطل الإشكالي – أم  نقول المأساوي ــ  ؟!  والذي  يندمج في الهويات المختلفة ويذهب في التماهي معها إلى أقصى مدى .. ولكن بذرة الهوية الأصل لا تموت ولا تذوب في قرارة نفسه ،  بل ولا تنتظر سوى قطرة تستفز  تربة الروح وشهوة الحياة لتهتز و تربو وتزهر . تلك البذرة
.. بذرة الأب الشهيد .. وتلك الروح روحه .. تلك الروح التي تسكن الريف ولن تبرحه .. ريف أولئك الأفذاذ الذين يغلقون أبواب البيوت من الداخل  على أهلهم ويثبتونها بالمسامير ثم  ينتظرون وإياهم الموت الرحيم(141)، ولا يمدون اليد للتوسل أو التسول ، ريف الكرامة والإباء .. الريف الأشم .
لم يفرط أحمد أبدا في هويـته ،  ولم يشعر أبدا بالراحـة والاطمئنـان تحت جلد هامت ،  وباسمه المستعار.  فقـد كانت حقيقـة شعبه وأهله وبلده ترافقه حيثما كان أوأقام .تُمزق وعيه ووجدانه . لقد تعلم سبر أغوار العوالم
المختلفة بثقافاتها وعاداتها وإديولوجياتها ونواياها الخفية والعلنيـة ولكنه عاش فيها ك "هامت". وحين استفزت نخوتـه ،  خلع جلد "هامت" عن جسمه وترك اللحم والعروق عريانـة لتشويها شمس الحقيقـة.
 تقول له الحقيقـة ويقول له التاريخ .
يقول له الأب الشهيد "المعلم السي  محمد الريفي"
ويقول له الفتى عياد..
يقولون له جميعا باسم "عبد الكريم الخطابي" بطل حرب الريف:
"أنت ريفي بكل ما تعلمته وما عرفته.. ولن تنصهر أو تذوب في عوالم الآخرين.. فأنت الذي تتمثل ثقافاتهم وتستوعبها وليست هي التي تستوعبك،  أنت الذي تصهرها وتذوبها في هويتك وتجعلها جزء من معرفتك بالعالم
وجزء من ثقافتك الإنسانية،  لأنك ريفي متمنع عن أن تكون ديكورا في صالونات الغرباء وزينة للياليهم.. ومهما أحبوك.. فإنهم يحبون فيك  تلميذهم       وصنع أيديهم.. يحبون فيك " عبقرية حضارتهم " يحبون التلميذ ولا يحبون الند والقرين. وينظرون  إليك كشيء لهم.. كشيئهم .
لكن عبقريتك أنت،  هي أن تجمع بين الأصيل و  العميق في خصوصيتك و الإنساني المشترك في كل  الثقافات والحضارات..
أنت الملتقى..  ومركز الدائرة . .
أحمد/هامت/أحمد هذه هي حقيقة اسمك المضاعف.
*************************
  د) هامت / ايليزابيت / ويليام
في علاقتـه بالنساء لم يكن هامت داعرا ولا عاهرا ولا ما جنا  ولا زير نساء مهووسا بالجنس.
 لم يكن نسخـة من "مصطفى سعيد".
كان أحمد / هامت عقلا ثاقبا وذكـاء متوهجـا وعينـا ترصـد المفارقـات
لم يعرف من الحب غير تجربتيــن ، والثالثـة كانت زواجـه  من ابنة  خماس بقريتـه "بني حذيفـة"(219).
لم يكن "هامت" غـريزة جامحـة  ، وإنمـا كان روحا تائهـة ووعيـا ممزقـا بين ما  يعيشه وما يحسـه وما يطمح إليـه.
أحب أنابيلا ، حبـا ممكنـا وعاديـا . ."كأنـه لا حب " وهي كذلك أحبتـه . . ربما دون أن تحب.
   أحب أنابيلا دون أن تغادره صورة إيليزابيت ورائحتها . . ودون أن ينسى شذى الياسمين والصنوبر وريح الشرقي  المضمخ بعبق  الجنة (97)
 وأحب إيليزابيت حبا مستحيلا . . مثلمـا أحبتـه هي أيضا،  حبا مستحيلا، لأن ويليام جعل حبهما مستحيلا. فقد كان ويليام جنة هامت  وجحيمه .
حب هامت وإيليزابيت نما في أحشاء حبهما لويليام ، كل من جانبـه على طرفي نقيض  . . ثم نما أكثر على  أنقاض حبهما لويليام حين مات ويليام . .
وإذا كان ويليام قد جعل بموتـه ذلك الحب واقعا ممكنا فإنه قد جعله أيضا  بحضور طيفه بينهما،  حبا مستحيلا . لأن هامت لم  يستطع قتله لم يستطع قتل ويليام الذي يسكنهما معا (174) . . فأصبح حبه  لإيليزابيت كفاكهة محرمة يقول هامت :
"لكن ويليام كان بيننا . . ينبض في شرايينها ويخفق بين ضلوع صدري،، كنت أحبـه،، أحبها، أحبها لأن ويليام يحبهـا ،، ولأنهـا تحب ويليـام "(97).
هو، "هـامت" يرى فيها ويليـام.
وهي، "إيليزابيت"، ترى فيه "ويليـام"
ليس ذلك فقط، بل هو يراها بعين ويليام وهي  تراه بعين ويليــام.
ويليام الميت الحي، الغائب / الحاضر،  النسر / السمكـة. هي، هو، هما، هم جميعا في الآن نفسـه ،  مجرد ذات واحدة، مجرد ويليام في مختلف أوجـه تجليـه  وحضوره في الآخرين، عقل و غريزة  في بدن واحد . . اثنان حيان في جسد ميت ، هما الجسدالذي كان "يضطرم بالشهوات"ثم صار باردا كالصقيع ،   وهو الغريزة والعقل معا .
 هما الشفتان وهو القبلة المحرمة بينهما .حب جارف وملتهب ونار مستعرة تفنى في نفسها فلا يُرى منها غير الجليد ولا يحس بغير  يرودة الموتى . . حب متقد مشتعل لكنه مستحيل لأن الموتى لا يحبون ، هو ميت وهي ميتة ، ويليام
وحده حي فيهما معا ، لقد خدعهما ، فقتلهما قبل أن يقتلاه ، جعلهما عاجزين عن القتل وعن الحب ، ولا سبيل لحبهما إلا بقتله . ويليام الفتان ، والملاك الشيطان من يقدر على قتله . فلا وجود في هذا الحب  لإيليزابيت ولا وجود لهامت، لا وجود  إلا له ...وله وحده .
وو يليام لا يمكن أن يحب  نفسه . . لذا ربما، مات قبل الأوان وجعل حبهما أقرب ما يكون لزنا المحارم(173) . . .ويليام / الأخ ، إيليزابيت/الأخت
لو . . لو قتل  هامت ويليام . . لأحبها وأحبته . . لكنـه لم يقتله . . لذلك افترقا .

                                               *******************        
   هـ )عياد / هامت / ويليام.
      لولا عياد لما استحضر هـامت ماضيـه، وصورتـه الأولى وهويتـه،  ولما عرف حدود تحولاتـه الممكنـة.
    ولولا ويليـام لما أدرك هـامت أبعاد صورتـه الجديدة، بضوئهـا وظلهـا وألوانهـا.
ولولاهما معا   ما عرف حقيقـة " جنة  الأرض".
جنـة خاليـة من أهلهـا. . جنـة  يرفل الغرباء في نعيمهـا وحدهم، جنـة محرمـة على  أبنائها.
       عاش هـامت شقيـا بوعيه وممزق الوجدان بين عيـاد الريفي وويليام الإنجليزي، لكن  انحيازه الدائم  و انتماءه الصريح كان دائمـا لعيـاد.
       ومـن الضروري في هذه العلاقـة المركبـة والتي هي أعقـد من علاقـة (إيليزابيت/ هامت / ويليام) أن ننتبه جيدا إلى واقعتيـن  موحيتين
·        الموت  المبكر لويليـام : إيـذانا بقرب  نهاية التجربـة "المسماة" هامت، فهامت لم يكن إلا تجربـة في سياق التحولات العسيرة والصاخبة  التي عاشتهـا البلدان المستعمرة مع مستعمريهـا، بمختلف تلاوينهم وإيديولوجياتهم وثقافتهم.
     تجربة لعبت  فيها الكونتيسـة دور "الأخت الطيبـة" ولعب فيها ويليام دور العراف الكاشف لما  بغيب النفس وما في أغوارها.
·        الموت الذي كاد يطال عيـاد أثنـاء مشاركتـه في مظاهرة 1935 المطالبـة بالاستقلال لولا تدخل "هـامت" الذي حال دون إصابتـه برصاص الشرطي.
               حيـــن مات ويليام بكاه هامت بحرقـة(46)، بكاه  بين امرأتين  ، بكاه مع إيليزابيت ومع الكونتيسـه(47)، لأنـه أدرك بما يشبه الحدس بأنـه يبكي موته الوشيك ونهايتـه القادمـة.
           وحين كاد عياد يقتل، امتدت يده لإنقاذه إيذانا بولادة جديدة . . هي ولادة أحمد. وإيذانـا بالعودة إلى الأصل،، إلى الإسم الأول، الإسم الحقيقي،  والهويـة الحقيقيـة، لقد قام احمـد بطقس مضاد . . لقد خرج من إسم أحمـد بطقس الإخصاء – ذلك ماقامت به الكونتيسة وهي تستقبلـه في قصرهـاـ وعاد إلى إسمـه الأول من خلال طقس آخر، هو طقس العتق – "لقد افتدى نفسه بإنقاذعياد  " وصار من حقه أخيرا أن يسترجع هويته وأن يعيش.
مات أحمد ثم عاد إلى الحياة . . لقد بُعث من جديد –" انبعاث الوعي الوطني"- وعاد إلى الريف ليصل سيرتـه  بسيرة والده
فإذا كان المعلم السي محمد الريفي قد استشهد من أجل الوطن.
فإن أحمد الريفي سيسشهد من أجل العدالـة بين جهات الوطن وبين أبنائـه.
********************
الكتابـــــــــة والتجربـــة
وبعـد،
فإن نــداء الجذور هو ما عــاد بأحمد إلى اسمه وأصلـه وقريتــه بني حذيفــة في الريف.
وهو الذي قــاد الحفيد إلى الصومعــة لينفض الغبــار عن مذكرات جده ويخرجهــا للناس( 222).
وسؤال الهوية لم يكن في سيرتيهما سؤال الماضي فقط  ، بل هو سؤال الحاضر أيضا.
إنه سؤال الجد وسؤال الحفيد.
لقد حاول الجد أن يجيب على هذا السؤال من خلال "التجربة" ( هامت )
 أما الحفيد فقد أجاب عليها من خلال "الكتابة"  ( جنة الأرض )
وأما الرجل الذي يحق له بأن يباهي الناس بتجربة ابنه وكتابة حفيده . . فهو من دون شك المعلم السي محمد الريفي.
الرجل الذي مات ككل الابطال ميتة شريفـة.
ودفن بقريـة بني حذيفـة.
لقد استطاع هذا الشهيد في حرب الريف  بقوة روحه أن يجعل نداءه يتخطى كل الحواجز  ليسترجع الإبن أولا ثم ليصل إلى الحفيد ، ، ،   كما استطاع أن يجعل نداءه يعبر الأجيال. .  وينتقل إلى الناس تحت إسم " جنة الأرض"
فلينم قرير العين بأبنائه وبالشهود والقراء الذين فهموا الرسالـة.
وإذا لم  تكن هذه الرواية العميقة والشيقة  تحمل إهداء خاصا على صفحتها الأولى فإن أجمل ما يمكن أن تقدم به للقراء  هو أن تهدى إلى روحه .
جمال الدين حريفي
القنيطرة في 26/01/2014
الهوامش :
·        الأرقام التي توجد في متن القراءة تحيل على صفحات الرواية .
الكاتب : الدكتور مصطفى الورياغلي:
- أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة.
 - حاصل على الدكتوراه في النقد الروائي من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان سنة 2005
. - المؤلفات:
كتاب نقدي: الصورة الروائية، دينامية التخييل وسلطة الجنس، منشورات العبارة، 2013
 رواية : جنة الأرض، منشورات العبارة، 2013
 مقالات ودراسات نقدية وأدبية في مجلات وجرائد مغربية وعربية.
موجز  عن رواية " جنة اأرض "
      " السي محمد الريفي" سيستشهد في حرب الريف التي قادها البطل " عبد الكريم الخطابي " غير أنه قبل أن يسلم الروح لبارئها راضيا بجهاده واستشهاده في سبيل الله والوطن ، لن ينسى أن يوصي ابنه " أحمد " بالالتحاق بطنجة حيث ستتسلمه اليد الحانية للسي حدو شريك الوالد ، كما لن ينسى أن يوصيه ككل الآباء الصالحين الأتقياء بالصلاة والحيطة والحذر من معاقرة الخمر أو الثقة في المدينة الغول التي لا خيار له إلا أن يقتحم دروبها . مدينة جنةٌ للغرباء / مدينةٌ جحيمٌ لأهلها الذين يكاد لا يأتي لهم ذكر عند التفكير في مصيرها لأن القرار إذاك في يد الأغراب .إسبان /فرنسيون /أنجليز /ألمان ...........ثم الأمريكيون حين آلت المقادير والمصائر إلى يد الأمريكان .كل خيوط الصراعات الدولية كانت تنسج وتحاك هناك لأنهم جميعا جاؤوا إليها واعتبروها جنتهم " جنة الأرض " ....السياسيون والفنانون والصحافيون والمثقفون والانتهازيون والثوريون والأفاقون والجواسيس والوطنيون .....طنجة وحدها من بين المدن كلها كانت قادرة على جمعهم تحت سمائها وفي مقاهيها ومنتدياتها ..طنجة وحدها كانت قادرة على الإصغاء لحواراتهم وخصوماتهم ومكائدهم ودسائسهم ونبضات قلوبهم حين تنبض القلوب بالحب أو بالأحقاد التي لا تموت ..
       هذا هو العالم الذي ستدفع اليد الحانية للسي حدو بالولد إليه بمجرد أن أدخله معه قصر الكونتيسة وعلمه كيف يلقي عليها التحية . سيتعرف الطفل الريفي " الخام "على ويليام ابن الكونتيسة وسيتعلم ويستوعب العالم الجديد ويتأقلم مع أجوائه وطقوسه ونواميسه ..الطفل الريفي سيفهم اللعبة وسر النجاح فيصبح أكثر نضارة وحضارة من أصحاب القصر .. سيصبح نجم المجتمع الطنجي .يجد طريقه إلى حفلات القصر والصومعة بنفس السهولة التي يجد بها طريقه إلى الدروب الخلفية للمدينة الغول ...لا فرق لديه بين الطبقات ..سيصير نجم المجالس يحاور ويناظر ويسهر ...يحلق في سماوات الأفكار ليعصر غيمها بيديه ثم يغطس إلى أعماق الشهوات والنزوات دون أن تنكسر ريشة من جناحه.. لذلك ستحبه الكونتيسة، سيحبه ويليام، ستحبه آنابيلا ، سيحبه فيديريكو ، سيحبه الهادي، سيحبه حدو، سيحبه عياد وإيليزابيت .....ستحبه طنجة كلها ...لأنه يستطيع أن يكون كل هؤلاء جميعا
سينطلق الفتى كالسهم من وتر مشدود إلى أقصاه وسيصل إلى أقصى ما يمكن أن يصله  فتى ريفي  مثله..صعودا إلى سقف سماءالمعارف أو نزولا إلى جحيم أرض النزوات.. سيخترق السماء والأرض في شوق وبعشق لا مثيل له وسيجرب كل ما يمكن لشاب في سنه وثقافته أن يجربه ويختبره.
وسيجرب الموت حين سيخفي الموت ويليام ...ويجرب الفقد ..ويجرب الحب المستحيل حين ستعود إليزابيت إليه ثم ترحل عنه لأنه لم يستطع الاحتفاظ بها .
لكن الفتى الريفي لن ينسى أبدا جذوره وهويته، ترابه الأول وهواءه، لغته ودمه وأرض أحلامه.
ففي لحظة من تلك اللحظات التي يقال عنها بأنها تغير مجرى التاريخ، تغير مجرى حياة أحمد / هامت ( كما أسمته الكونتيسة وهي تهيؤه لدخول عالم ابنها من باب المحبة ) سيصادف أحمد مظاهرة تطالب بالاستقلال ــ هو الذي كان إلى حين يناقش مع رفاقه كيف أن القوى الاستعمارية تتآمر ضد بعضها وتنسج في طنجة الأحداث وتخيطها على مقاس مصالحها  ـــ سيلعلع الرصاص ويسقط الشهداء وسيجد أحمد نفسه وهو يحاول إنقاذ ريفي مثله  من رصاصة شرطي وقد حول الرصاصة إلى صدر الشرطي .....سيموت الشرطي ويهرب أحمد ثم يُهرب خارج المدينة .........سيعود الفتى الريفي أخيرا إلى بلدته عودته الأخيرة .
خرج أحمد وعاد أحمد ، أما هامت فقد عاش في طنجة " جنة الأرض " ومات بها.
عاد أحمد الآخر ..بعد أن تعلم أكثر وفهم أكثر ، عاد يعمل بالنهار ويتأمل ويتفكر ويكتب بالليل .
تزوج وأنجب ثم مات .
قتل أحمد في أحداث الريف سنة 1958ادعى القتلة بأنه كان ينظر للمتمردين ويحرضهم .
كان أحمد ريفيا مسالما .ولا يرضى بالذل. لذلك مات.
...بعد سنوات تكفي لكي يكبر الابن ويتزوج وينجب .
وسنوات أخرى تكفي لكي يكبر حفيد أحمد الريفي.
سيعود هذا  الحفيد إلى الصومعة لينفض  غبار النسيان عن مذكرات الجد وينشرها في الناس تحت عنوان.......( جنة الأرض )
---------------------------------
خص الأستاذ جمال الدين حريفي"مدونة سيدي سليمان" بهذه القراءة



  

الأحد، 2 فبراير 2014

الفن فعل حر وتلقائي/ العباس جدة

الفن فعل حر وتلقائي
       
  العباس جدة      
          كثر الواعظون والموجهون والمرشدون والفقهاء وحراس الأخلاق في كل المجالات، اجتماعية كانت أو السياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو فنية وثقافية. وهذا الزخم من النصائح والإرشادات في كل الاتجاهات وكيف ما اتفق ومن أناس غير مسلحين بالعلم والمعرفة، ويتجاهلون ضوابط الحوار الديمقراطي الحر، يكشف عن حالة الفوضى الفكرية والثقافية التي تشهدها البلاد العربية. لكن الذي يثير السخرية والتقزز وينم عن جهل وتحجر فكري وبؤس روحي، هو عندما تعترضنا وجوه فنية وفعاليات سينمائية، تدافع عن الحياء والحشمة والعفة وكل القيم الأخلاقية السائدة وكأنها أضحت في خطر.. هذا الدفاع الذي لا يخلو من نفاق وازدواجية في الخطاب. والمثال الذي استرعى اهتمامي وأثار ذهولي، هو مهاجمة، المخرج السينمائي محمد عسلي لفيلم "ماروك"؛ وكذا دروس ومواعظ  المخرج الشاب، محمد الكغاط ( سلسلة البعد الآخر) الذي أتحفنا بها مشكورا، في مقال نشر في إحدى الأسبوعيات وهو بعنوان: " الجنس ومشاهد الإغراء في السينما المغربية". لقد ورد في المقال- الفتوى ما يلي: "...إن للمبدع خاصيات ترقى به إلى مستويات أكبر من أن تضعه في مواقف حرجة مع جمهوره، خاصة وأن ثقافتنا الإسلامية وخصوصياتنا المغربية، ترفض بتاتا التطرق صراحة لهذه الجوانب من الحياة ( الإثارة، الإغراء، العري) بالرغم من أنها طبيعية..."، وفي مكان آخر من المقال: "...في نظري، إن المبدع مطالب باحترام مشاعر المتلقي... فهو ملزم بوضع علامات قف وإشارات المنع بخصوص كل ما من شأنه أن يخدش الحياء ويبعث على التقزز لدى المشاهدين..."، إلى غير ذلك من التصريحات التي يمارس فيها وهو- الفنان المبدع- الرقابة على الفن والإبداع ويأمر وينهى ويحدد ما ينبغي فعله، في مجال الفن، وما يجب تركه، وكأن هذا الفنان الشاب يملك الحقيقة وله الحق في ممارسة الوصاية على الفنانين وعلى الفعل الإبداعي.
       ألا يعلم هذا الشاب المخرج وقبله محمد عسلي، بأن الفن فعل حر؟ وأن تكون فنانا حقيقيا، يعني أن تمارس الفعل الفني بحرية وتلقائية ؟ وأن الممارسة الفنية تقتلها القوالب الجاهزة والأفكار المسبقة؟ ألا يعلم هؤلاء المخرجون ( حراس الأخلاق) أن الفن السابع هو – على عكس
. ما يتصورونه- نقد وتساؤل ومراجعة وتحطيم للطابوهات؟ وأن الفن هو أولا وقبل كل شيء مغامرة وجرأة وشجاعة؟ أليس في علم هؤلاء الواعظين، أن الإبداع الفني لا يقبل الوصاية وأنه يشكل عالما خاصا قائما بذاته ومنزها عن أحكام القيمة؟
-------------------                                            

 خص الأستاذ العباس جدة "مدونة سيدي سليمان" بهذا المقال

الـمـــتــلـــبّــــــس/ شعر محمد رحــو

الـمـــتــلـــبّــــــس

محمد رحو

..وضبطوه يبذر
ملء كوابيس الناس أحلامه
وضبطوه ينشر
بين(الموتى)عشق الحياة !
وضبطوه يقترف ابتسامة
تجرمها طقوس القبيلة
و ضبطوه يُغير على وكر العتمات
بشمعة قلبه النحيلة
وضبطوه يقيم الليل
عسى أن يقوم المقيمون بجحيمه
فجر القيامة!
و ضبطوه يحرر بيان الانتماء
لجذور الألم/الإنسان
وضبطوه يكتب عنوان الأمل
لامرأة على شفير الفقدان
وضبطوه يهذي
باسم شمس الغرباء
وضبطوه..
يوغل في الهوى و الهذيان!
--------------------
خص الشاعر الأستاذ محمد رحو "مدونة سيدي سليمان" بهذا العمل الإبداعي.



قراءة في رواية محمـد صولة "صحراء جانوس بين المابين"بسيدي سليمان

قراءة في رواية محمـد صولة "صحراء جانوس بين المابين"بسيدي سليمان
 
 مصطفى لمودن
تنظم جمعية "أفق للثقافة والإبداع" وجمعية "النبراس للتنمية والنهوض بالتمدرس" لقاء ثقافيا يخصص لتقديم قراءات في آخر رواية للأستاذ محمد صولة، والتي تحمل عنوان " صحراء جانوس بين المابين"، وذلك مساء الجمعة 7 فبراير 2013 بدار الشباب بسيدي سليمان..
 يشارك في تقديم القراءات نقدية في الرواية كل من الأساتذة، عبد الهادي الزوهري، عبد الحق الشنوفي، خالد زروال، عبد السلام العبيسي، مصطفى لمودن، عزوز بودقة، عماد أحيطور..
 ويقدم شهادات في حق الكاتب كل من الأساتذة محمد ناصر العلْوي، محمد الشايب، المصطفى كليتي، حسن خلي..

 ومعلوم أن أستاذ اللغة العربية بثانوية مولاي عبد الله بسيدي سليمان محـمد صولة يزاول أنشطة جمعوية وثقافية متنوعة، حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، عضو اتحاد كتاب المغرب وعضو النقابة المغربية لمحترفي المسرح، من إصدارته؛ ديوان "اشتعال الدم"، لهاث الذاكرة (سيراوية)، تمجيد المسرح في النقد المسرحي، "اللعب مع العمق، قصص قصيرة جدا، "تضاريس الهواء المر. أول التيه" وهي عمل روائي، بالإضافة إلى " صحراء جانوس بين المابين"، في إطار عمل روائي متسلسل سيصدر الجزء الثالث منه لاحقا.. وتحت الطبع كتابه الثاني في النقد المسرحي "مظاهر الكتابة المسرحية بالمغرب، من هاجس التنظير إلى انجاز العرض".

الجمعة، 17 يناير 2014

تنظيم قراءات في رواية ذ. محمد صولة "صحراء جانوس بين المابين" بسيدي سليمان

نشاط ثقافي بسيدي سليمان 
تنظيم قراءات في رواية ذ. محمد صولة "صحراء جانوس بين المابين"

صورة: ‏نشاط ثقافي بسيدي سليمان: 
 قراءة وتقديم رواية ذ. محمد صولة "صحراء جانوس بين المابين" من تنظيم "جمعية أفق للثقافة والابداع" و"جمعية النبراس للتنمية والنهوض بالتمدرس"  مساء الجمعة 7 فبراير بدار الشباب.. (التفاصيل على الملصق)‏

 تنظم جمعية "أفق للثقافة والإبداع" بالاشتراك مع "جمعية النبراس للتنمية والنهوض بالتمدرس" نشاطا ثقافيا يمثل في تقديم قراءات في رواية ذ. محمد صولة المعنونة ب "صحراء جانوس بين المابين" والصادرة في الأسابيع االماضية.. يساهم بالقراءات الأساتذة عبد الهادي الزوهري، عبد الحق الشنوفي، خالد زروال، عبد السلام العبيسي، مصطفى لمودن، بنعزوز بودقة، عماد أحيطور. ويلقي شهادات في حق الكاتب الأساتذة محمد ناصر العلْوي، محمد الشايب، المصطفى كليتي، خشان حلي.. وذلك مساء الجمعة 7 فبراير 2014 بدار الشباب 11 يناير..

 ومعلوم أن محمد صولة أستاذ اللغة العربية له عدة مؤلفات في المسرح والنقد االمسرحي وصدرت له عدة روايات وديوان شعر.. وهو وجه ثقافي معروف بكتاباته ومساهماته الثقافية والفكرية. كما كتب وأخرج بعض المسرحيات ويمارس أنشطة جمعوية بتفان ونكران الذات.. 

الأربعاء، 15 يناير 2014

عبد الله العروي: لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير.. في حوار عن مجلة "زمان".

عبد الله العروي: لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير، المغرب الكبير هو إمكانية بعيدة..
كان الحسن الثاني يتصرف بناء على حدسه
 

حوار شامل مع المفكر المغربي عبد الله العروي في هذا الحوار الذي أجراه الأساتذة مصطفى بوعزيز، المعطي منجب، وسليمان بنشيخ، لمجلة «زمان»، يتحدث المفكر والمؤرخ عبد الله العروي عن قضايا راهنةٍ: عن الملكية والإسلام السياسي وحركة 20 فبراير والمغرب الكبير.

  ـ كتابك «L’Histoire du Maghreb»، هل كان رد فعلٍ على تسمية شمال إفريقيا، التي أطلقها المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان؟ من ناحية أخرى هل كانت رؤيتك للمغرب هي تلك الرؤية الفدرالية التي كان يحملها الطلبة المغاربيون في فرنسا، أم كانت رؤيةً اندماجيةً من قبيل تلك التي كانت سائدةً في القاهرة؟
ـ لإزالة كل التباس، أؤكد بأنه لو طلب مني اليوم كتابة تاريخ المغرب الكبير سأرفض، بل سأتحدث عن المغرب وحده، تاركاً للآخرين أن يتحدثوا عن بلدانهم. لماذا مثل هذا الاختيار اليوم؟ لأن فكرة إقامة مغرب عربي متحد، والرغبة في ذلك، والدعوة إلى إقامة الوحدة، كل هذا لا يثبت وجود مغرب عربي في الوقائع، ولا يجعل المغربي يتحدث عن الجزائر وتونس كما يمكن أن يتحدث عنهما جزائري أو تونسي. غالباً ما نخلط بين تجانس نخبة معينة وبين تجانس الشعوب. هذا صحيح بالنسبة إلى مناطق أخرى وليس بالنسبة إلى المغرب الكبير. انظروا إلى ما يحدث في أوروبا اليوم. الخطاب الأوروبي للنخب السياسية أصبح مطعوناً فيه في كل مكان، لأسباب معقولة أو غير معقولة، من قبل الشعوب. أنا مثلاً يمكنني أن أحس بأنني أقرب إلى مثقف تونسي، لأننا قمنا بدراسات مقارنةً، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يحس شخص من مدينة آسفي بنفسه قريباً من مدينة سوسة التونسية. لطالما تأسفت لعدم توفرنا على سوسيولوجيا حقيقية تعنى بالنخب المغاربية. إذ كان من الممكن أن تقوم بتنوير رجال السياسة عندنا. لكن الفضاء المغاربي الذي تتحدث عنه لم يكن مغلقاً. إذ كان بالإمكان التنقل داخله بكل حرية. هذه هي الصورة التي يحلو لنا أن نعطيها لأنفسنا. في الواقع، في الوقت الذي كان ليوطي، لم تكن الحدود بين المغرب والجزائر سهلة العبور. ليوطي الذي سبق أن اشتغل في الجزائر، وكان عارفاً بشهية المستوطنين في وهران، قام بكل شيء ليبقي المغرب معزولاً. وعندما تم استبدال ليوطي بحاكم عام سابق للجزائر، تيودور ستيك، الذي أراد تسوية الوضعية المغربية، بمعنى جعل المغرب جزائرياً، وجد الكثير من عدم الرغبة عند فرنسيي المغرب. نحن شاهدون على أن الحدود مع الجزائر لم تكن أبدا حدوداً، بل كانت هناك علاقات ومصالح مشتركة من الجانبين. لنكن أكثر تحديداً، فلم تكن التنقلات مراقبة.  نعم، لكن هذا لا يعني شيئاً. حتى يومنا هذا فالتنقلات غير مراقبة. لكن في تلك الفترة لم يكن عبور الحدود يعتبر تسللاً؟ هذا لا علاقة له بالواقع السياسي. يمكننا أن نتخذ قراراً سياسياً دون أن نكون قادرين، ميدانياً، على مراقبة ما يحدث. الوضعية نفسها توجد على الحدود مع موريتانيا. حتى نختم هذه المقدمة الصغيرة، أؤكد أن الإطار الذي كتبت فيه كتابي عن المغرب العربي، سنة 1969، كان مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم. الدول الوطنية لم تكن مهيكلة بشكل قوي.
ـ هل تظن أن وطنية الدولة تساهم في تطوير الرؤى حول الهوية المغاربية؟
ـ فكروا في هذا الواقع البسيط؛ هل يمكن أن تكون لنا نفس الرؤية عن أنفسنا وعن الآخرين في نفس البلد حينما ينخفض معدل الأمية من 70 في المائة إلى 30 في المائة؟ البلد كان يبدو أكثر استقراراً وتجانساً في الحالة الأولى. كما كانت فكرة الوحدة مع شعوب أخرى أكثر انتشاراً. هذا هو السبب، حسب رأيي المتواضع، في ضعف المثال النموذجي العربي. الأمر نفسه عند الفلامانيين. إذ حينما كانوا أقل تعلماً كانوا يقولون عن أنفسهم بكل عفوية إنهم بلجيكيون. بالتعليم يدرك الناس الفروق بينهم وبين الآخرين. يقولون إذن إنهم يعيدون اكتشاف هويتهم. في وضعية الأمية، تكون الأسطورة ملِكاً. هذه حجة للاعتراض على ما قاله المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف. في القرون الوسطى لم يكن الأوروبيون يحسون بأنفسهم أوروبيين، بل كانوا يحسون بأنفسهم مسيحيين، لأن المعتقد المسيحي كان ثقافتهم الوحيدة. عندما يقال إن فكرة المغرب الكبير نابعة من الشعب، أتساءل: في أي وسط يوجد هذا؟ الإبقاء على علاقات متواصلة في شعاع ممتد على 30 كيلومتراً على جانبي الحدود لا يعني وجود رؤية موحدة للمستقبل. هذه ظاهرة تتسم بها كل الحدود؟ بالفعل. مخافة أن نقع في التكرار أؤكد مرة أخرى بأنني إذا كنت كتبت كتابي حول المغرب الكبير في سياق معين، فإن هذا السياق تغير تماماً اليوم... هذا مفهوم. المغرب الكبير كان في تلك الفترة ممكناً في التاريخ.
ـ ما الذي كان يمثله بالنسبة إليك في تلك الفترة؟ عندما نقرأ عن مواقفك المتعلقة بالتعريب، نفهم أنها كانت تندرج ضمن إطار رؤية عالم عربي متحد، حيث لغة التواصل هي العربية الكلاسيكية. ما هي الرؤية السياسية التي تقف خلف هذا التصور؟ وهل رؤيتك اندماجية أم فدرالية؟
ـ لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير. في تلك الفترة كانت مثاليتي الوحدوية، عربية أو مغاربية، أقلّوية، (minoritaire) كانت رغبة، وتوجها شخصياً. تمنيت تلك الوحدة، لكنني لم أناضل من أجل تحقيقها. ككل جيلي، كنت واعياً بالسياسة التي ينبغي اتباعها حتى نتمكن من تحقيق رغباتنا، وفي نفس الوقت كنا نعلم بأن الواقع كان ضدنا، وكان اختيار المحافظة مريحاً أكثر. كان الأمر يستدعي إذن إرادة. كان يجب تعنيف الواقع. ومن هنا كان انتظارنا لقائد. أما فيما يخص التعريب، فقد كنت أدافع عنه لأنني كنت أفكر بأنه الطريق الأقصر لمحاربة الأمية وسط الساكنة؛ ولهذا كنت أطلب كذلك تبسيطاً، على جميع المستويات، لهذه اللغة المشتركة السيارة غير أنه، حتى في هذا المستوى، كنت أتوقع أنه في مرحلة معينة ستؤدي محاربة الأمية تلقائياً إلى خلق تنوع ما، وأن اللغة العربية المغربية ستصبح مختلفة عن مثيلاتها العربية. بعد ذلك تم اتخاذ اختيارات أخرى خلال أربعين سنة. اختيارات كانت لها عواقب ينبغي الحكم عليها بناء على ما تستحقه، وليس بناء على النتائج الافتراضية التي كانت ستنتج اختياراتنا المفضلة. الاختيارات التي تم اتخاذها كانت تحت ضغط عوامل داخلية وأخرى خارجية بالأساس. أنا أتحفظ على إعطاء حكم لأنني واع تمام الوعي بهذه العوامل الخارجية. ولكن الأمور أخذت مجراها...  
ـ هل الحركات الإسلامية، التي صعد نجمها في بلدنا المغرب الكبير، تؤكد أن مجتمعاتنا المغاربية متقاربة وتتطور في نفس الاتجاه؟
لكن، ماهي مميزات هذه الحركات الإسلامية، كل واحدة في إطارها الوطني؟ إلى حدود الآن لا أرى أي شيء إسلامي في أداء الحكومة المغربية، التي يجب التذكير بأنها نتاج تحالف. لقد ارتكبنا نفس الخطأ الذي ارتكبناه تجاه حكومة اليوسفي، حينما نسينا بأنها هي الأخرى مشكلة من تحالف. يجب الحكم على هذه الحكومة بناء على أدائها وليس بناء على ما تقوله أو ما قالته في الماضي. ينبغي الاحتراس من الخطابات المهيمنة. لنأخذ كمثال؛ خلال حكم بورقيبة، عندما كنت أزور تونس، كان لدي انطباع بأن المغربيات، من الناحية النفسية، أكثر تحرراً من التونسيات. مع أن الكل كانوا يقولون إن التونسيات كن الأكثر تحرراً ضمن النساء العربيات. أنا أقتصر على مراقبة الوقائع والأفعال. هذا ليس تواضعاً زائفاً، لكنني أعترف بأنه في كل حدث يقع في المغرب أكون متفاجئاً. فخلال كل هذه السنوات التي كنت أحاول فيها فهم النظام (le système) لازلت في كل مرة أجدني مندهشا. هذا هو ما يصنع التاريخ. التاريخ موجود لأن لا شيء متوقع.
ـ هل تقول كذلك إنك متفاجئ بقرارات الدولة؟
نعم، في كل مرة أجدني مندهشا بسرعة اتخاذ القرارات. مثلاً، تتبعت خطوة بخطوة، على الأقل، النصف الثاني من حكم الحسن الثاني، الذي كان يتصرف بناء على حدسه. وليس هناك واحد من أفعال الحسن الثاني لم يثر اندهاشي، بسبب أنه لم يكن متوقعاً. هل تشكل ملكية الدولة عائقا أمام بناء مغرب كبير موحد، بالمعنى الذي يتم فيه النظر إلى الملكية كوريث لنوع من السيطرة؟ إذا كان جيراننا يفكرون هكذا، لا يمكننا أن نغير رأيهم. الآن المغرب الكبير يتقدم حسب السرعة التي تسير بها الدول التي تشكله. كل بلد عليه أن يلتزم بجدليته الخاصة. فيما يتعلق بالمغرب، في وضعيته الحالية، أنا متأكد أن السلطة الملكية لها دور ضامن للاستقرار، خصوصا أنها تسمح بتفريق الديني عن السياسي.
ـ هل تنادي بملكية برلمانية؟
   رؤيتي هي رؤية لملكية دستورية بالفعل، دورها هو حماية الحداثة ضد القوى التقليدية والمحافظة. على الملك أن يهتم بالأسئلة الدينية، لتفادي استئثار شخص آخر بها، ثم تحريف اللعبة السياسية. في النظام المثالي كما أراه، الملك هو المؤهل الوحيد لحل المسائل الدينية، وتلك التي يمكن أن تنشأ من الهيكلة الجهوية الجديدة. لقد أتيحت لي الفرصة لاقتراح أن تكون الغرفة الثانية غرفة مستشاري الملك لتحل محل مختلف المجالس الاستشارية. لكن يبدو أن هذا الاقتراح لم يسترع أي اهتمام. مع أن الاقتراح كان سيساهم في تقوية سلطة مجلس النواب حتى تكون له الصلاحية لمناقشة كل المسائل باستثناء المسائل الدينية والبين جهوية (interregionale) .
ـ لكن هل تظن أن الملك سيقبل الاكتفاء بحصر سلطته في هذين المجالين؟
    لقد كان محمد الخامس يقول إنه لا يريد أن يحصر نفسه في دور مدشّن المساجد. هذا ليس بالدور الصغير بتاتاً. لا يجب أن ننسى أن المظاهر الجهوية أساسية. إذ سيتعلق الأمر، مثلا، بتسوية بعض المسائل التي تمس بالهوية الوطنية. كذلك، فإن الجيش والديبلوماسية سيبقيان بيد الملك. يجب التأكيد هنا بأنني أتحدث عن إمكانية بعيدة جداً. بالنسبة إلي، بكل صدق، المغرب الكبير هو إمكانية بعيدة. لا أريد أن أٌعاد إلى حلول لا أعتبرها فحسب متجاوزة، بل كذلك غير قابلة للتطبيق. ينبغي أن يقبل المغرب الكبير، في مجمله، بالتوجه نحو فصل السلط السياسية عن الدينية، كما تحدثت، وإذا لم يرد الآخرون ملكاً، فليتخذوا على الأقل سلطة دينية لا يكون حولها نزاع.
ـ لماذا لم يبدأ مشروع الوحدة المغرب الكبير من الاقتصاد؟
   هو ما أتحدث عنه بالضبط. يجب البدء بتسوية المشاكل التجارية والاقتصادية، والعمل على تنقل فعلي للأموال. أنا لا أتحدث عن تحرير تنقل الأشخاص، الذين من شأنهم أن يخلقوا مشاكل حقيقية، بل عن تنقل مجموعات محددة. يمكن أن نفكر أيضا في خلق منظمات دولتية مشتركة مثل غرف التجارة والفلاحة والصناعة، أو حتى نقابات، عبر خلق مكتب مغاربي للعمل. وأيضا خلق المؤسسات التقنية المحضة، التي ينبغي أن تكون بالأساس محايدة، من قبيل مكتب للإحصاء، أو مجلس اقتصادي واجتماعي، يمكن أن تكون مشتركة. لنقل في كلمة واحدة إنه بإمكاننا مغربة كل ما يتعلق بإدارة الأمور، ولنترك، مرحلياً، ما يتعلق بسياسة الأشخاص، أو «السياسة» بمعناها في اللغة العربية الكلاسيكية. للأسف هذا لا يقنع أبداً مناشدي الوحدة؛ فهؤلاء عندما يبدؤون الحديث عن المغرب الكبير، يفكرون مباشرة في برلمان جامع، وفي انتخابات عامة، مع أن هذا صعب المنال في الوقت الحالي.
ـ من الذي يعرقل هذا التطور الذي تدافع عنه؟
حسب علمي، ليس النظام الملكي المغربي، ولكنها ثقافة النخب السياسية، التي تختلف كثيراً من بلد لآخر.
 ـ أحياناً تبدو كمن يعطي تصوراً عن التاريخ آت من فوق، وأحيانا كثيرة لام عليك البعض كونك لم تجعل القبيلة تتكلم، أليس للقبيلة دور في تاريخ المغرب؟
  ـ هل هو خطئي إن كانت القبيلة خرساء. من السهل أن نجعلها تقول كل ما نريده. أنا لم أرد أبدا أن أخوض في هذه اللعبة. نفس المشكل يطرح بخصوص مفهوم الطبقة. ولهذا كان الراحل المأسوف عليه أبراهام السرفاتي يخون نفسه مرتين، عن حسن نية بدون شك، بحديثه عن القبيلة-الطبقة. ليست القبيلة من يصنع، إيجابياً، التاريخ، لكن يمكن للقبيلة أن تصنع التاريخ سلبياً. يعلم الجميع جيدا بأن الاكتشاف الكبير في العلوم الفيزيائة هو أن «القصور» ليس بدون تأثير. الأمر نفسه متعلق بالتاريخ. لقد رأينا ذلك للتو مع شباب 20 فبراير. ليسوا هم من كتب الدستور الجديد، الذي سيكون الوثيقة الوحيدة التي سيدرسها المؤرخون القادمون. مؤرخو الثورة الفرنسية يؤكدون على دور الحشد (la foule)، ودور تجمعات الأحياء... لكنهم يتوقفون أكثر عند أثر الدستور، لأنه ترك العديد من الوثائق، بينما تكلم الحشد وكلامه ذهب في مهب ريح التاريخ.
ـ كيف تنظر إلى مسألة الصحراء من خلال المغرب العربي الذي تأمله؟     إلى حدود الآن، لم تكف الجزائر عن استعمال الصحراء كوسيلة ضغط سياسي. ولم تكن الوحيدة في ذلك. لقد كانت الجزائر ولازالت تتكئ على قواعد دولية، وعلى وضعية جيو سياسية جد صعبة بالنسبة إلى المغرب. موقف المغرب غير مفهوم بالنسبة إلى البلدان الأخرى، لأن القليل من هذه البلدان لها نفس البنية ونفس التجربة التاريخية. لكن السياسة الجديدة القائمة على الجهوية، وخصوصا الطريقة التي تفسر بها من طرف الهيئات الدولية تغير المعطى. يتعلق الأمر الآن بالدولة المغربية والمجموعات السكانية المحلية، وهذا الآن مكتسب. لنفترض أن الجزائر تبنت جهوية تقترح نفس المنطق التاريخي الذي اختاره المغرب، فإننا سنتمكن حينها من رؤية ظهور تدريجي لمنطقة صحراوية عابرة للحدود، ولِمَ لا مغربا كبيرا مكونا من جهات تقتسم نفس المصالح التنموية. بفضل الجهة، يمكن للدولة القومية (l’état –nation) أن تتفوق وتعيش في انسجام مع تنظيم أكثر أو أقل فيدرالية. [عن”مجلة زمان“.]

الثلاثاء، 14 يناير 2014

الدراما في التلفزيون المغربي/ذ. العباس جدة

الدراما في التلفزيون المغربي
إن العمل الفني هو أولا وقبل كل شيء مسؤولية واجتهاد وعمل متواصل ومكثف وليس ارتجالا ونزهة و وحبا في الظهور وكسب الرزق.
 
ذ. العباس جدة(*)
     لا يمكننا إنكار المجهود الذي تضطلع به التلفزة المغربية، سواء الأولى أو الثانية والمتمثل أساسا في محاولة تشجيع الفنانين المغاربة على إبراز مواهبهم والإفصاح عن ذواتهم وقدراتهم، من خلال إنتاج وترويج أعمالهم الفنية، سواء كانت أفلاما أو مسلسلات أو مسرحيات. لا يمكن إلا أن نثمن هذا الفعل الجليل، إذ في ظرف ست سنوات، تعرف المغاربة على العديد من الفنانين والمخرجين الشباب وعلى انتاجات درامية مغربية متنوعة بعد أن كنا مثقلين ومتخمين حد الغثيان بالإنتاجات المصرية السخيفة.
    رغم أني أشجع المنتوج  الوطني وأتلهف إلى مشاهدة أفلام مغربية، إلا أن غيرتي على الفن دفعتني إلى التساؤل حول قيمة ومدى جودة  الإنتاجات الدرامية: هل تعبر بشكل عميق وجوهري  عن الواقع المعيش؟ وما هي القيمة الفنية والجمالية للأعمال التي تعرض علينا تقريبا كل ليلة؟ هل تسهم فعلا في بلورة ذوق الناس والرقي بمشاعرهم وأفكارهم؟
    لقد سررنا  وفرحنا للمنتوج الدرامي المغربي في السنوات الأولى من ظهوره على الشاشة الصغيرة، لكن سرعان ما أخذ عدم الرضا بل الملل يتسرب إلى قلوبنا والذي تبلور إلى خيبة أمل قاسية. لماذا؟
    لأن جل الإنتاجات الدرامية باهتة، شاحبة، لا لون ولا ذوق لها. فإذا كان الفن أداة للتعبير عن الحقيقة ومجالا للبوح وطرح الأسئلة الجوهرية، وإذا كان الفن أيضا نظرة عميقة، أصيلة وخاصة للعالم وللأشياء، فإن أعمالنا التلفزيونية لا تعدو أن تكون نظرة سطحية، ساذجة واختزالية للواقع الاجتماعي المعقد والمركب. وإذا كان الفن هو خلق لواقع جديد أو على الأقل صياغة تركيبة مكثفة للواقع بكل مستوياته وبمختلف تناقضاته، فان الإنتاج الدرامي المغربي ليس سوى تقليد باهت ومحاكاة خادعة له.
    وإذا كان الفن هو إنتاج للجمال ويسعى إلى تحقيق المتعة الفنية والجمالية الخالصة، كما يسهم في الرفع من مشاعر الإنسان وتطوير ذوقه وتهذيب سلوكه، فان الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عندنا، تفتقد عنصر الجمال وتفتقر للفرجة الفنية النبيلة. إنها مملة ورديئة، تخلو من الإبداع والخلق وبالتالي لا علاقة لها بفن الصورة ( سينما، تلفزيون). فالحوارات في الغالب ما تقوم على التهريج، سطحية ومبتذلة، التركيز على النكت واللعب بالكلمات السوقية من أجل إضحاك المتلفي، أحداث غير متماسكة، سلوكات الشخصيات غير مبررة وغير مقنعة، تشخيص عتيق تقليدي ومتجاوز. بل هناك من الممثلين الذين لا تتوفر لديهم حتى الشروط الأولية والضرورية لفن التشخيص، فلا يملكون طبقات صوتية سليمة، يتعثرون في كلامهم، لا يجيدون النطق ومخارج الحروف، فتخرج الألفاظ من أفواههم بصعوبة وبشكل مقيت. كما يبدو أنهم لا يدركون حواراتهم جيدا ولم يتمرنوا بما فيه الكفاية، فينساقون إلى الارتجال البغيض والاستخفاف من المتلقي. إن العمل الفني هو أولا وقبل كل شيء مسؤولية واجتهاد وعمل متواصل ومكثف وليس ارتجالا ونزهة و وحبا في الظهور وكسب الرزق.
    ختاما، أقول، إن هذه الأعمال الدرامية تسئ للفن وللممارسة الفنية وتستخف بذوق الجمهور وتطعن في ذكائه. وفي هذا الإطار، أحمل المسؤولية، في إشاعة الرداءة وتكريس النمطية والسوقية إلى المسؤولين على التلفزة المغربية، كما أحمل المسؤولية إلى بعض الفنانين المرتزقة، الذين لا يهمهم سوى حب الظهور والاسترزاق على حساب الفن وعلى حساب المغاربة.
-------------------------------------

ذ. العباس جدة مدرس الفلسفة مخرج وكاتب مسرحي.. وقد خص مدونة سيدي سليمان بهذه المقالة..

الاثنين، 13 يناير 2014

بصدد الفساد: النقد المزدوج. حميد هيمة

بصدد الفساد: النقد المزدوج.

حميد هيمة

يجب الإقرار، بداية، على أن الاستبداد أصل لكل فساد؛ ذلك أن المستبد الذي يتوهم نفسه إلاها، حسب الكواكبي، في حاجة إلى جيش المُتمجدين العاملين له والمحافظين عليه، كما أن هؤلاء- المتمجدون- لا يهمهم الكرامة وحسن السمعة وإنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته. من الواضح، إذن، أن الفساد صناعة سياسية بامتياز ترمي إلى تأبيد استمرارية نظام/ وضع شاذ يعاكس الحاجة الطبيعية والملحة لشروط ومتطلبات الاجتماع الإنساني- المدني. غير أنه يجب الإقرار، أيضا، إلى تسرب الفساد، السياسي الأصل والصناعة، إلى الفضاء الاجتماعي والاقتصادي بما يجعله "ثقافة" سائدة و"حية" تعيد إنتاج ذاتها في مستويات أدنى لضمان استمرارية أصل الفساد(= الاستبداد). يبدو من المهم، في هذه الحالة، استعارة النقد المزدوج للراحل عبد الكبير الخطيبي، ليس لتناول "المهمة الأساسية للسوسيولوجيا في العالم الثالث"بل من أجل القيام بعمل نقدي مزدوج لمواطن الفساد والإفساد في مستويين: أ- لم يعد هناك مجالا للتغطية على فساد السلطة بعد نهوض الشعوب المغاربية والعربية، في ما سمي بالحراك الاجتماعي والسياسي، إلى المطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد كشعار مكثف للمطالب المرفوعة، وكتعبير عن الوعي الجماعي والحاد بنمو الفساد في أحضان الأنظمة الاستبدادية؛ ب- يجب الاعتراف، بكل وضوح، أن الفساد لم يعد مقتصرا، فقط، على المجال السياسي، حاضنته الطبيعية، بل أنه تمدد إلى المجال الاجتماعي وأُعيد إنتاجه في مستويات مختلفة حتى تحول إلى سلوك سائد ومقبول اجتماعيا، بل تسنده ثقافة لا تتوانى في إضفاء الشرعية على أفعال الفساد وممارسات الإفساد. وبالنتيجة، فإن السلطة أوجدت لها ما سماهم الكواكبي "جيش المتمجدين" في قلب المجتمع، مقابل استفادة هؤلاء من ريع غير مستحق نظير انخراطهم في أنشطة لا تقلق السلطة القائمة أو مقابل صمتهم عن فسادها. فإذا كان الفساد السلطوي، في تجلياته السياسية، واضحا وظاهرا، فإن الفساد، الذي تغلغل في المجتمع نتيجة لفعل سلطوي مقصود، أكثر خطورة لأنه:
 1- يمنع نمو المقاومة الذاتية في قلب المجتمع للتصدي للفساد السلطوي؛
 2- يضمن استمرار الفساد السلطوي من خلال إعادة إنتاجه اجتماعيا وثقافيا....الخ؛
 3- "التباس" حالة الفاعل الاجتماعي المستفيد من الفساد، واجتهاده في تمييع الصراع والمعركة ضد معسكر الفساد. لقد تنبهت بعض القوى السياسية، بشكل مبكر، إلى "تفاعلات" الفساد والاستبداد بصياغتها لأطروحة سياسية لا زالت تحافظ على راهنيتها وحيويتها الاجتماعية والسياسية: دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع! وهو نفس الشعار الذي هيكل مطالب الشعوب المغاربية والعربية؛ إسقاط الفساد والاستبداد.