الحكام العرب يسعون لإبادة شعوبهم من أجل البقاء في السلطة!
دول الخليج تقمع بجيوشها انتفاضة البحرين
جيوش السعودية تدخل البحرين
مصطفى لمودن
تصل قوات عسكرية من دول الخليج إلى البحرين لدك انتفاضة الشعب هناك، وقد كانت أولى "الطلائع" من السعودية، وتليها قوات أخرى من الإمارات العربية المتحدة، والبقية ستأتي… كما حصلت البحرين على 20 مليار دولار من جيرانها من أجل "المساعدة على تكلفة إطفاء الانتفاضة"، ولعل جزء من ذلك المال سيكون ضمن "صفقة" داخلية من أجل شراء الذمم، ودفع علاوات ومنح من طرف الدولة للشعب أو لمن يريد التوصل بذلك خارج الأعراف الجارية من قبيل تأدية الأجور أو الإنفاق العام من أجل البنية التحتية أو غيرها كما يقع في الدول الحقيقية حيث لا تحكم المافيات التي تستولي على الثروة والحكم خارج كل الشرائع والأعراف الراسخة في الدول الديمقراطية، وهو نفس الأمر الذي مارسه العقيد القذافي على الأقل مع سكان طرابلس؛ فكل من يرغب في تسلم حصص مالية يتقدم لينال ذلك من أقرب مصرف، فمال النفط متراكم في خزائن الحكام، وهذا المال يصلح كذلك لأداء "أجور وتعويضات" المرتزقة والبلطجية، وحتى "خبراء وتقنيو" الاتصال والتداريب العسكرية وجلب المرتزقة… لقد وجدت في تونس بعد رحيل بنعلي خزائن سرية كانت "صندوقا أسود" للرئيس يستعمله في "وقت الشدة"، إنه نفس أسلوب اللص علي بابا وبقية عصابته. وبعد عودة عاهل المملكة العربية السعودية من فترة نقاهة قضاها بالمغرب، وزعت الدولة 35 مليار دولار على المواطنين، والمناسبة ليست هي "رفع" الضائقة المالية على مواطنين في حاجة ماسة لذلك كما قد يتصور البعض، ولكنها محاولة إرشاء الشعب كي يصمت، لكن من المال العام طبعا، وكيفما كانت قيمة هذه "المساعدات" فهي لا تمثل شيء من الثروة الشخصية للحكام وأفراد عائلاتهم، وفي حالة عدم "نجاح عملية الإرشاء" يتم الانتقال على العملية الأخرى الأكثر حسما، وهي الهجوم العسكري بالأسلحة الثقيلة من طائرات راجمة وذبابات تقذف الموت في كل مكان، كما هو الحال الآن في ليبيا، وكما يمكن أن يقع في دول أخرى كدول الخليج، وهي دوليات صغيرة ذات أنوية قبلية وعشائرية بما فيها السعودية رغم اتساع مساحتها، تحكمها أوليغارشيات ترتبط بعصبية دموية، "دول" غنية بسبب بيع النفط والغاز وليس نتيجة شيء آخر كاستعمال التكنولوجيا المتطورة في الاقتصاد أو المساهمة في دورة الإنتاج العالمي انطلاقا من مقدرة الشعوب الذاتية الصرفة، وغالبا ما تكون إرادة الشعوب هذه أصلا مكبلة ومراقبة حتى "لا تفوت وتتعدى" حدودا مرسومة لها مسبقا، لتتحول إلى المطالبة بالحرية والاحتكام إلى دساتير ديمقراطية مكتوبة تسمح بوضع حكومات تنبثق عن صناديق الاقتراع، مما سيسمح بمحاسبة الحكام المتسلطين على الشعوب وعلى الثروة… لهذا يحاول حكام الخليج الآن نهج خطة تمارس في عالم كرة القدم، ألا وهي "خير دفاع هو الهجوم"، فقبل أن تنجح الثورة في البحرين، وقبل أن تتكرس الديمقراطية الحق في بلد جار عضو في "مجلس التعاون الخليجي"، وحتى لا تنتقل "العدوى"، وجد الحكام الذريعة في حق "الدفاع المشترك" على كافة دول الخليج كما هو في "اتفاقية" خاصة بهم، وكأن البحرين تتعرض لعدوان خارجي، وليس مجرد مواطنين حالمين بالديمقراطية والعدالة والمساواة يتجمعون بشكل سلمي في "دوار اللؤلؤة" من أجل "ملكية دستورية" كما يطالبون بذلك. ولعل "درع الجزيرة" وهي التسمية التي أطلقت على هذه العملية العسكرية لن تكون بدون موافقة قوى خارجية تراقب المنطقة وتعتبرها مجالها الحيوي، بل والخاص، منذ عملية "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء" و"ثعلب الصحراء"، وما جاء بعدها من استعمار العراق واحتلاله عبر سفك الدماء والتخريب بقوة عسكرية لم يحدث مثيل لها في التاريخ، ويظهر أن دول الخليج قد أقنعت الغرب بهذه "الغزوة العسكرية" برفع فزاعة إيران المجاورة للبحرين، وإمكانية التأثير على الشيعة هناك، وتلفيق صور مفزعة لإسرائيل وتخويفها من مغبة إحاطتها بشيعة منظمين ومسلحين في شمالها "حزب الله"، وفي شرقها شيعة إيران الذين "لا يسلم جانبهم" ولا يمكن الثقة في ما يبيتون، وبالتالي قد يكتمل الطوق عندما يستولي الشيعة على الحكم في البحرين.. هذه هي خلفية الصورة التي لا يتحدث عنها أحد، لقد أصبح الحفاظ على أمن إسرائيل شغلا شاغلا للحكام العرب، ألم يكن حاكم مصر حسني مباركا تلميذا بارعا في ذلك؟ وهو يؤدي خدمة جليلة لحلفائه الإسرائيليين عن طريق مراقبة الحدود مع غزة، ووضع سور من الأسلاك دعما للحصار الغاشم على مليون شخص في بقعة جغرافية ضيقة، إن مبارك الذي كان يتلقى مساعدات من أمريكا تصل إلى مليون أو مليونين من الدولارات في السنة كأسلحة وتداريب وخبرات، غير أنه كان يؤدي مقابل ذلك خدمات أغلى بكثير، فخدماته "الجليلة" كانت توفر من ورائها إسرائيل 13 مليار دولار في السنة كتخفيض من ميزانية الأمن ومراقبة الحدود التي تكلف بها النظام الموؤود لمبارك.. وقبل أيام نسى القذافي كل عنترياته وخطبه النارية الطويلة والمملة و"طوزّاته" في وجه أمريكا ليقول إنه هو من يستطيع حفظ أمن إسرائيل المهدد، وذلك من أجل البقاء في السلطة، مادام الشعب يرفضه وينبذه، وهذا هو حال الحكام المستبدين، فهم يعيشون بدون مبدأ، وابسط امتحان يكشفهم عن حيته وحقيقة بغضهم لشعوبهم، والاستماتة من اجل السلطة ولو أدى ذلك إلى إبادة كل الشعب، فهو قادر بعد ذلك على انتقاء شعب آخر كما جاء في قصيدة "الديكتاتور" للراحل محمود درويش.
إن فزاعة الشيعة سواء كانت حقيقية أو وهمية ترفعها كذلك دولة السعودية ودول أخرى في الخليج باعتبار نسبة السكان الشيعة المتواجدين في هذه الدول وهم محط ريبة وتشكك باستمرار، دون مبرر معقول، بل إن بعضهم يوضع في درجة أدنى بالمقارنة مع بقية المواطنين، حيث يمنعون من وظائف حساسة على سبيل المثال. فلو أن هذه الدول كانت ديمقراطية فعلا، فسيكون عامل المواطنة هو القاسم المشترك بين كل أفراد الشعب، وليس القبيلة أو المذهب الديني. لكن حكام هذه الدول مازالوا متنطعين يرفضون الإيمان بالقدر المحتوم، وهو انتشار الديمقراطية في أغلب دول المعمور، باستثناء هذه المناطق التي ما تزال أقلية متسلطة ترفض ذلك حفاظا على مصالحها الضيقة والمتناقضة مع المصالح المشروعة للشعوب.
فهل سيسمح المجتمع الدولي بمجرة أخرى في البحرين؟ وهل سيغض الطرف كما كان دائما عن تجاوزات حكام ديكتاتوريين مقابل خدمات كضخ النفط بدون شرط أو قيد؟ هل سيجنح الحكام مرغمين الآن أو مستقبلا نحو الديمقراطية؟ أم سيجرون المنطقة كلها لحرب مدمرة يعتقدون عن خطأ أنها في صالحهم؟