محمد بنسعيد آيت يدر نضال مستمر
رفقة محمد بنسعيد آيت يدر مصطفى لمودن ونظيرة رفيق الدين في ختام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد
مصطفى لمودن
الأول من صعد منصة المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد ب"سينما الملكي" مساء يوم الجمعة 16 دجنبر 2011، حريص على احترام المواعيد، ما أن ظهر حتى صدحت الحناجر "بنسعيد يا رفيق ما زلنا على الطريق"، ولما وصل لم يأخذ الكرسي ليراقب الحضور الذي غصت به القاعة، بل ظل واقفا يبادل التحية بأحسن منها.. كان المناضل والعضو البارز في جيش التحرير ومنسقه الوطني في الجنوب أيام "المقاومة" الغراء حاضرا بقوة في الشريط الذي قدم بالمناسبة حول "حياة الحزب الاشتراكي الموحد"، وعبره تذكر الجميع أن بنسعيد هو أول من فجر "قنبلة تازمامرات" داخل قبة البرلمان، في وقت "كان الحسن الثاني يرفض أن يقول أن هناك تازمامرات" كما قال محمد الساسي وهو يقدم الرجل ليلقي كلمة أمام المؤتمرين والضيوف والمتتبعين، وأضاف الساسي مخاطبا من يقول أن بنسعيد اعتزل السياسة".. لم يعتزل السياسة، فهو عضو المجلس الوطني، ويشارك في مهام تنظيمية، ومن آخر عمله رئاسته للجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين والمطالبة بإطلاق سراحهم كما هو الحال مع الصحفي رشيدي نيني، كما ساهم في النقاش الحزبي الداخلي حول الدخول في الانتخابات أو مقاطعتها، ورغم أن رأيه كان هو المشاركة في الانتخابات الأخيرة، لكن الأغلبية ارتأت العكس، فانساق لقرار الأغلبية"…
حافظ بسعيد أثناء مداخلته على توهجه النضالي ومواقفه الصريحة، لقد خاطب الجميع بموقف سديد بعدما رأى وسمع الحماس الفياض خارج القاعة وداخلها، وقرأ مغزى الحضور المكثف لرموز اليسار المغربي، بحيث قال " نرجو أن يكون لها ما بعدها"، وأن يتوحد اليسار على الوضوح والشفافية وأن يضع ميثاقا أمام الشعب، والغريب أن الرجل لا يلتفت كثيرا إلى الماضي، بل أغلب كلامه يركزه على الحاضر والمستقبل، فقد رأى أن "المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد ينعقد في شروط مهمة، سواء بالنسبة للتحولات التي يعرفها العالم العربي أو المغرب، وظهور "حركة 20 فبراير" التي اعتبرها "حدثا جديدا"، وقد كان لها ما بعدها، سواء خطاب 9مارس، أو الانتخابات، وتعيين رئيس الحكومة من "التيار الأصولي"، وقال "هذه فرصة ليبينوا وجههم الحقيقي"، وقد عبر عن احترامه لنتائج صناديق الانتخابات، وذكر أن الفترات السابقة اختلطت فيها الأوراق مما سبب خلطا في الرؤية لدى الجماهير… ولعل رجوعه الوحيد نحو الماضي القريب عندما ذكر أن "الكتلة قد ماتت منذ استفتاء 1996"، والجميع يعلم حينذاك كيف صوتت ثلاث أحزاب سياسية لصالح الدستور، بينما رفضت "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" ذلك، وقد كان يرأسها محمد بنسعيد آيت يدر نفسه، ما جعلها تنال "عقابا" صارما؛ من الحصار والانشقاق وإغلاق جريدة "أنوال".. وقال محمد بسعيد آيت يدر وهو يتطلع إلى الوجوه الشابة التي ملأت القاعة عن آخرها وهي تقاطعه بشعارات جديدة أملتها المستجدات بعد 20 فبراير مثل "عاش الشعب"، "إن الكتلة لم تعد تلعب الدور الذي أسست من أجله، والأمل افتقد حينذاك"، ليؤكد بحسه النضالي أن كل تنظيم أو حركة كي ينجح يجب أن يحمل معه الأمل للشعب، ولهذا يرى بصراحته أن "اليسار لم يعد يلعب الدور الطليعي لتحقيق برنامجه"، لكن أمام المستجدات الحاصلة قال "هذه فرصة بالنسبة لليسار"، لكن حسبه، على هذا اليسار أن "يعترف بالأخطاء التي ارتكبها"، حتى تعرف الأجيال ما حصل، كما أن القمع الذي تعرض له المغاربة من الستينيات إلى الثمانينيات "، أعطى الثقة للنضال"، لكن لم تتحقق مطامح الشعب، والخوف الذي كبل النخبة التي ليست لها الجرأة… لهذا "يجب أن يستفيد اليسار من هذه الأخطاء، ويقدم نقدا ذاتيا، وهذا يقدم الثقة للأجيال الجديدة".
وفي آخر مداخلته وجه دعوة صريحة إلى "كل اليساريين والديمقراطيين"من أجل "وحدة حقيقية وليست عاطفية"..
منذ نزول بسعيد من المنصة في نهاية الجلسة الافتتاحية وهو يتلقى المصافحات والعناقات، وهناك من يريد أن يأخذ معه صورة رغم الزحام، إنها مناسبة لا تعوض، والرجل لا يضجر أو يقلق، بل يبتسم ويعبر ويسمع لهذا ولتلك، وعندما تقدم أمامه شاب يحمل كاميرا خفيفة وسأله عن موقفه مما يحدث، ظهرت فجأة صرامة على محيا الرجل وهو يتساءل عمن المستوجب ولمن يقوم بذلك، وقد انطلق يجيب لما قال المصور "من أجل شباب 20 فبراير"..
بالنسبة إلي كانت أول مرة أتشرف فيها بالوقوف قرب معلمة حية كبيرة وعظيمة اسمها المناضل محمد بنسعيد آيت يدر، ولم أفوت الفرصة لأتخلى عن مصورتي وأطلب من أقرب واقف أن يأخذ لنا صورة للذكرى والتذكر..
رغم تاريخ الرجل وإشعاعه، تخلى عن دائرته الانتخابية التي كان باستمرار يجد فيها الالتفاف الشعبي حوله لصالح مرشح آخر من حزبه في انتخابات 2007، كما ترك الكتابة العامة للحزب في 2002 لمناضل آخر شاب وهو محمد مجاهد حينما تشكل "اليسار الموحد" ذات صيف حار بالدار البيضاء..
العظام دائما يخلقون بمواقفهم ونضالاتهم بما تتذكرهم الأجيال.