‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرأي. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 8 يوليو 2013

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني./ ذ. حميد هيمة

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني.
 مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
945024_644447015582803_1710018813_n.jpg
حميد هيمة(*)


ديغول، بما يحمله من رمزية مقاومة النازية، يتنحّى عن السلطة عقب ثورة ماي 1968، ومرسي، بما يحمله من رغبة جامحة لـلجماعة في "التمكين"، يتشبث بالشرعية الدستورية ويكفر بالشرعية الشعبية التي أسقطت المخلوع السابق.
إن الترافع بمضمون الشرعية، وفي أحايين كثيرة الشريعة لدغدغة مشاعر "المؤمنين" المقهورين المتطلعين للخلاص، يشبه إلى حد كبير اغتصاب الزوج لزوجته بناء على عقد "النكاح"، على حد تعبير الصديق عدنان.
فرغم كل نقائص الديمقراطية "البورجوازية"، قياسا إلى الديمقراطية بمضونها العام، فإن المكتسبات الليبرالية ساهمت في ترسيخ الحقوق السياسية والمدنية وتحرير الشعوب من كل أشكال الاستبداد المباشر القائم على تركيز السلط لفائدة الحاكم المستبد.
إن النضال و التضحيات الجسيمة للشعوب في سبيل الحرية ساهم في استعادة الفعل السياسي، كعلاقات ناظمة بين الحاكم والمحكوم في الديمقراطية التمثيلية، من المجال القدسي القائم على اغتصاب تجار الدين لمنصب المتحدث باسم "الله" في الأرض؛ بما يختزنه ذلك من دلالة امتلاك الحقيقة السماوية المطلقة في فضاء سياسي قائم على تنسّيب التقدير في المواقف والاتجاهات إزاء قضايا مرتبطة بالصراع في الأرض لا في السماء.
وبعد  مسلسل ثوري، مسنود بأرضية فكرية تنويرية تنتصر للإنسان، نجحت كل الحضارات الحيُة في إعادة صياغة ثقافتها السياسية بشكل ينتصر للشعوب كمصدر للسلطة في الديمقراطيات التمثيلية. وبعمق أكثر، إسناد النظام السياسي لشرعيته التمثيلية بإشراك المجتمع في بلورة وتنفيذ المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..الخ.
على عكس هذا المسار، تختزل الأنظمة "العربية"، وبتحديد أدق العصابات المتسلطة على شعوب المنطقة، الديمقراطية لشرعنة القهر والغلبة،  وتلتوي على الاستشارات الشعبية لتزكية إجماع قبلي حول حاكم لم يحرّره "الانتخاب" من تقديس الذات أو من الجنوح إلى فعل الغلبة والقهر.
ومناسبة هذا الاستهلال هو ما يقع في مصر. هل ما وقع "انقلاب" على الشرعية والشريعة من منظور المؤيد، أم أن ما حدث "ثورة" شعبية سرقها الجيش من منظور ينتصر للدولة المدنية؟
قبل التفاعل مع السؤال، من المهم أن نشير، في البدء والمنتهى، أن النقاش سينصب على الصراع السياسي، مما يتوجّب علينا أن ننزع عن الفرق المتصارعة فيه كل الأغطية الدينية التي ارتدتها  لتحصين مواقفها السياسية ومنافعها الاجتماعية والاقتصادية بمقولات دينية انتهت مدة صلاحياتها وفعّاليتها حتى مع "الصحابة" الذين تقاتلوا من أجل السلطة السياسية وليس حول مبطّلات الوضوء وفروض الصلاة ..الخ.

طبعا، لن يكون الحديث، هنا، عن تقييم فترة حكم مرسي، مع ما يتستدعي ذلك من خلاف واختلاف حول معايير التقييم، وإنما سنتوجه رأسا إلى مناقشة قضية "الشرعية" المختزلة في الديمقراطية العددية: ديمقراطية العصبية/ الطائفة الغالبة/ الناجية.
إن الانتخابات "النزّيهة" في مصر، كأحد أوجه التعبير عن الإرادة الشعبية، ليست تفويضا نهائيا للحاكم  " محمد مرسي"  لتنفيذ الرغبات الدفينة وغير المعلنة لطائفة من المجتمع، نقصد هنا " جماعة الإخوان المسلمين"، التي ارتدت لبوسا تنظيميا "مدنيا" لإخفاء حقيقتها المتعارضة مع متطلبّات المدنية السياسية: الفصل بين السياسي والدعوي.
إن مرسي المتشبث بشرعية الصناديق، كما يدل على ذلك ترديده لـ "الشرعية" أكثر من 160 مرة في خطاب الوداع، وصل إلى السلطة بعد أن أطاح الشعب المصري بحاكم عسكري، سخّر كل مظاهر الديمقراطية، للاحتفاظ باستمراره حاكما مستبدا على مصر العظيمة بتاريخها وشعبها.
لقد تداعت جماعة "الإخوان المسلمين" في التهليل بالحراك الشعبي، في بداية 2011، لإسقاط الدكتاتور "حسني مبارك"، كما أنها تعجّلت في تزكية الجيش  لتنحية المخلوع !! غير أن الجماعة تحولت إلى "ضحية" لما شرعنته بالأمس: انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الإخواني، وتدخل الجيش لتنحيته "حفاظا على موجبات الأمن القومي"، كما يبرر العسكر ذلك.
لم يراع رئيس الإخوان حساسية اللحظة الانتقالية في مصر، التي كانت تقتضي إشراك كل القوى السياسية الديمقراطية والشعبية، بل قاده جنوحه لركوب ديمقراطية"الغالب" الذي يفرض على الفريق المغلوب إبداع صيغ جديدة للمقاومة حملت شارة " تمرد".
ضحّى الشباب بدمائهم وأرواحهم، في الحراك الجاري، ليس لتفويض مرسي وجماعته فرض دستور على مقاس "التمكين" الاخواني، أو لتوزيع المنافع المادية والرمزية على أعضاء الطائفة، وإنما كانت التضحيات من أجل التأسيس لديمقراطية شاملة قائمة على احترام الإرادة الشعبية والاستجابة للتطلعات الجماعية في العدالة الاجتماعية والكرامة.
يبدو من ردود الفعل البطيئة للرئيس المخلوع، في النسخة الثانية، أنه لم يستوعب ذلك الحشد التاريخي من الشعب المندّد بسياسته اللاشعبية. كما أنه لم يدرك أن سياسة الانفراد المنحازة للطائفة خلقت اصطفافا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ضده وضد جماعته المتطلعة لأخونة الدولة والمجتمع.
وفي مواجهة المشروع الاخواني، وتراكم الأخطاء القاتلة للرئيس، وأثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاض الاحتقان السياسي، انبثقت مبادرة الشباب المبدع لـ"التمرد" على الانقلاب الناعم للإخوان؛ فقد احتشدت الجماهير للمطالبة بإسقاط مرسي وإعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة وإحداث تعديلات ومراجعات دستورية لتجاوز دستور جماعة الغلبة والقهر.
لم تعترف الجماعة أن الحشود اندفعت إلى ميادين التحرير بشعار وحيد: إسقاط نظام الإخوان ! فيما نشبت هؤلاء- الإخوان- بالشرعية الدستورية المنبثقة عن نتائج الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، مقابل غض الطرف عن الشرعية الشعبية في حشد تاريخي أعظم من الحشد المناهض لمبارك! كما لم تستسغ الطائفة الناجية أن المواطن-ة المصري-ة احتج على الحاكم "الإسلامي" لتجبّره وفشله في إشباع الحاجيات اليومية لفئات واسعة من الشعب تناضل من أجل تأمين عيشها؛ الذي بدأ عسيرا في ظل الحاكم الاخواني!
 انضاف إلى جبهة الرفض قطاع واسع من المثقفين الرافضين لعمليات الأخونة الهادئة للدولة والمجتمع، كما انحاز ضدهم الثوار الذين اعتبروا أن ثورتهم سرقت أو حرّفت عن مسارها الطبيعي. لم يبق إلا تدخل الجيش  بمبرر"حماية الأمن القومي" لتنحية الرئيس المنتخب؛ الذي نجح في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي المصري بتنطعه وعدم إنصاته لنبضات شعب اختار الثورة وسيلة لإسقاط الطغاة.
من العسير الحديث، وفقا للتحديدات الكلاسيكية، عن "انقلاب" عسكري باستحضار معطيات تنهض دليلا لا يطاوع كثيرا في قولبة الأحداث الجارية وفقا للتفسير الانقلابي. يكفي أن نشير هنا، مثلا، إلى إسناد الحكم إلى مدني وفق ما تنص عليه الآلية الدستورية، كما أن نهوض الملايين، في حشد غير مسبوق تاريخيا، للمطالبة بإسقاط الرئيس ترفع من الشرعية الشعبية فوق كل الشرعيات القائمة. أليس الشعب هو مصدر السلطة؟!
دائما في سياق التساؤل: أليست الانتخابات هي من حملت " أدولف هتلر" إلى السلطة في ألمانيا؟ ولماذا تنازل "ديغول" عن الحكم رغم أنه مسنود بالشرعية الانتخابية و"الوطنية" في تحرير وطنه من النازية؟
يبدو الجواب المباشر والفوري، في الحالة الألمانية، أن الديمقراطية الآلية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع غير ناضجة بما يكفي لحماية الديمقراطية من الممارسات والأفعال التسلطية للحكام ما دامت لهم القدرة على دغدغة المشاعر الدينية والقومية وتصريفها انتخابيا. كما أن الديمقراطية، في حالة ديغول، لا تمنع الحاكم المنتخب ديمقراطيا من مراعاة تطلعات شعبه واتجاهاته الجديدة.
الرئيس المنتخب ديمقراطيا، قائد تحرير الوطن، يطوي فترة حكمه بإعلانه رسميا، في كلمات تختزل موقف تاريخي، توقفه " عن مُمارسة مهام رئيساً للجمهورية. يصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 نيسان 1969" !
وبالعودة إلى مسرح الأحداث، في نهاية ستينيات القرن السابق، كانت فرنسا قد عرفت غليانا اجتماعيا وسياسيا ترجم في ثورة ماي 1968 فرضت على "ديغول" إجراء استفتاء شعبي حول الإصلاحات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن النتائج كانت مخّيبة لأماله فاضطر إلى إعلان تنحّيه الطوعي، وترك وصيته بألا يحفر على شاهد قبره إلا العبارة التالية: “شارل ديغول 1890-1970!
مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
إن ما يأمله الشعب الثائر هو دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية... دولة فصل السلط، ينبثق ويعبر  قرارها السياسي عن الشرعية  الشعبية، دولة في خدمة الشعب لا الشعب في خدمة الدولة و المافيات الاقتصادية بمختلف ألوانها الدينية والمذهبية.. الخ.
إن الدولة المدنية المنشودة، التي انتهت إليها معظم التجارب الثورية في التاريخ المعاصر، قائمة على قيم التعددية والثقافة الديمقراطية بضمانها للحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الحريات الفردية والعامة.
تستمر الثورة إلى الدولة المدنية في المحطة الأولى.. في انتظار الثورة التاريخية من أجل العدالة الاجتماعية وتحرير الإنسان من الاستغلال والقهر.
جميعا من أجل "التمرد" للمصالحة مع التاريخ... فوقائع التاريخ ترجّح أن العسكر انحازوا إلى صف اليمين!
-------------------

(*) أستاذ الاجتماعيات بنيابة سيدي سليمان

الأربعاء، 29 مايو 2013

صراع الشيعة والسنة المتجدد

صراع الشيعة والسنة المتجدد


التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي ونرجع القهقهرى 1200 سنة، يؤكد ذلك تحالف الاتجاهات السنية وعلى رأسها السعودية وتركيا وبقية دول الخليج، في مقابل التيارات الشيعية تقودها إيران متحالفة مع شيعة العراق الحاكمين والعلويين في سوريا وحزب الله اللبناني. هل هي "موقعة الجمل" جديدة لكن بخلفيات متجددة... مع السنة حلف الناتو وكثير من دول الغرب، ومع الشيعة روسيا والصين.. لا تحرك هؤلاء دوافع عقدية وانتقامية ولكن مصلحية مباشرة ذات قصدية اقتصادية واستراتيجيه.. فهل ستقبل المنقطة على حرب مدمرة ونحن نسمع عن المناورات والاستعدادات العسكرية الجارية في زمن العولمة والاحتكام إلى الديمقراطية والتحييد النسبي للدين في المجتمعات الغربي.. وخاصة إذا غاب العقل والحوار والنزوع إلى السلم، وإذا سقط "المتنازعون" في الفخ، فالغرب المتأزم يبحث عن بؤر توثر يصدر عبرها أزماته الخانقة ويبيع أسلحته ثم يعرض "خدماته" لإعادة الإعمار بعد حدوث الخراب.. ولعل حوار جنيف رقم 2 المرتقب فرصة ناذرة لذلك.. فهل ستتجنب المنطقة جولة جديدة ومتجددة من تاريخها الطويل في سفك الدماء منذ عهد الآشوريين وصراعات الفرس والروم وغزوات التتار والاحتلال الصهيوني لفلسطين.. 

الجمعة، 3 مايو 2013

ما أسهل أن يتم خداع الشعوب! من يتذكر مذبحة تيميشوارا؟ ومن يطلع على تفاصيل الحروب؟

 ما أسهل أن يتم خداع الشعوب!
من يتذكر مذبحة تيميشوارا؟ ومن يطلع على تفاصيل الحروب؟
مصطفى لمودن
  عندما قامت "الثورة" في أوربا الشرقية انطلقت شرارتها من بولونيا، وبالضبط من كدانسك، حيث كان لنقابة "التضامن" ووزعيمها ليش فاليزا ودعم الغرب يد طولى في ذلك، دون نسيان مساهمة البابا جون بول الثاني باسم الكنيسة وهو من بولونيا بدوره.. وقاد رولاند ريغان رئيس أمركا (حكم ما بين 1981- 1989) وماركريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا حينذاك حملة شعواء ضد روسيا وحلفائها بدون هوادة .. من ذلك إشعال الحرائق في البؤر المحيطة بروسيا وفي مجالها الحيوي، ما حدث في رومانيا مع رئيسها نيكولاي تشاوسيسكو في بداية تسعينيات القرن الماضي  يوضح جزء من اللعبة..
  كل أشكال الحروب الممكنة كان يستعملها الغرب لإزاحة المعسكر الشرقي من الوجود كإيديولوجيها جاءت لتجرب أشكالا أخرى للحكم وتدبير الدولة.. وطبعا لا يمكن القفز عن أخطاء "الشيوعيين" ولا ممارساتهم الديكتاتورية ضد شعوبهم.. ومن اللائق الوقوف عند "مذبحة تيميشوارا" التي عجلت بسقوط تشاوسيسكو ونظامه كحدث له معنى واستلهامات لها ما بعدها، لقد نقلت قنوات العالم التلفزية والصحف صورا عن "مذبحة" شنيعة في مدينة صغيرة اسمها تيميشوارا، حيث شوهدت الجثة ملقاة في الشوارع والدماء تنزف منها..وقع "الحدث" بالضبط في 16 من ديسمبر من العام 1989،  ليصدق العالم هذه المجزرة، وليتم بسرعة خارقة إعدام تشاوسيسكو وزوجته إثر محاكمة مستعجلة، فذلك مصير "المنهزم" حيث لا عدالة سوى ما يفرضه المنتصر، والمنتصر هنا ليس سوى الغرب وريكان وتاتشر.. وليعيد التاريخ محاكمة نوربورك (1946- 1949) مع فارق وهو أن الحرب العالمية الثانية خلفت ملايين الضحايا على مسؤولية كل المشاركين في الحرب، ليظهر فيما بعد أن "المجزرة" في تيميشوارا لم تكن سوى شريطا هوليوديا أخرج بعناية فائقة.. وليظهر للشعب الروماني أن بلاده ليس في ذمتها أي  دولار كقرض خارجي وأنها غير مكبلة لا من طرف صندوق النقد الدولي ولا من قبل صندوق البنك الدولي، وليتضح للشعب أن تمدرس جميع الأبناء كان مضمونا وكذلك السكن والتمريض، وقد خرجت رومانيا من عهد التخلف القروسطي، خاصة بواديها التي عرفت تنمية لا قبل لرومانيا بها.. لكن دون أن يكون في البلد أغنياء كبار حد التخمة، ولا استغلالا مفرطا لأقلية أوليغارشية أو تيوقراطية، وطبعا دون إغفال بعض التجاوزات التي كانت تحصل من طرف المحيطين بتشاوسيسكو وحتى من قبل أحد أبنائه الذي اتهم باغتصاب إحدى الرياضيات حينذاك.. ومثل تلك التجاوزات وغياب الديمقراطية لظروف تاريخية معروفة كانت من أخطر معضلات أوربا الشرقية..
  الآن أصبحت رومانيا مدينة للغرب بالملايير، وشعبها يكدح ليرد الديون والفوائد كعدد من الشعوب المقهورة، و"استثمارات" شركات الغرب "مزدهرة" في استغلال لقدرات البلد ويده العاملة، رغم انخراط رومانيا في الاتحاد الأوربي ابتداء من سنة 2007. ولم يعفها ذلك من تراكم القروض عليها ودخولها مرحلة الأزمة الاقتصادية..
     وبالمناسبة يجب أن نتذكر ليش  فاليسا قائد نقابة التضامن في بولونيا فقد كانت قضيته النقابية في مدينة صناعة السفن حق أريد بها باطل، لقد انهزم في انتخابات موالية وأصبحت كل "مجهوداته" جزء من التاريخ، بعدما لم يفلح في أن يجلب "النعيم" من الغرب لبولونيا.. لا أحد يتساءل الآن عن من المسؤول عن "مسرحية تيميشوارا"، فما أبسط أن يتم تضليل الشعوب في ظل وسائل الإعلام الحديثة كما هو عليه الأمر الآن..
     إن مناسبة هذا الحديث ما يتناسل اليوم بكثير من البؤس من أجل "خداع الشعوب"، خاصة مع تنامي وسائل الاتصال الحديثة، حيث تحضر الصورة والصوت.. من استطاع من "المشاهدين" عبر العالم متابعة ما جرى بالعراق قبل سقوط نظام صدام حسين وإعدام هذا الأخير؟ من تحقق من كل مجريات المعارك التي جرت بليبيا قبل انتهاء نظام العقيد القذافي؟ بل من رأى عبر ذات القنوات التي كانت تختار ما تنقله بعناية من المعارك شيء من الخراب الذي لحق البشر والحجر؟ وقد نستطرد في ذكر المزيد من الأمثلة، والخلاصة هي أن صناعة الإعلام والتأثير على الرأي العام أصبحت جزء قويا وبارزا من الحرب الآن مادام أن "صناعة" القرار على المستوى الدولي تتم بشكل غير ديمقراطي ويتحكم فيها الكبار لمصالحهم الضيقة.. ولن يقلل من التأثير السلبي لذلك غير تنامي الوعي وتحصيل الثقافة والعلم والديمقراطية لدى كافة الشعوب.
--------------
نشرت كذلك في موقع لــكــم

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

"العدالة والتنمية" والدين


"العدالة والتنمية" والدين

 مصطفى لمودن
بكل صراحة لم يطمئن قلبي للآتي إلا إذا ألطف الله بعدما نقلت تقارير صحفية أن أحدهم كان يقاطع خطبة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة  وهو  يدعم مرشح حزبه أثناء آخر حملة انتخابية جزئية قبل أيام وبالضبط في مولاي يعقوب بناحية فاس وهو يقول (أي صاحب البوق): "تــكـــبير"، فيرد عليه آخرون "ألله أكبر".. فما الأمر في ذلك؟
 إنه خلط للأوراق وإدخال الدين في غمرة السياسة، وحتى نوع من التدليس أمام بسطاء الناس.. فلنفترض لا قدر الله أن بنكيران وحزبه بكامل خبرائه  فشلوا في الحكومة وحلت معهم الكوارث، فماذا سيكون عذر بنكيران حينذاك وعذر صاحب البوق الذي كان بجانبه؟ قد يردون الآمر للمناوئين وللمعارضة وللظروف وقد يفهم البساط الذين كانوا يرددون الشعارات أن وراء الفشل ذلك "أعداء الدين"..
إن الدين أسهل طريق يمكن بها الوصول إلى نيل "ثقة" البعض، وبالتالي النجاح في الانتخابات، لكن ذلك لعب بالنار يستهدف الدين أساسا من حيث لا يدري هؤلاء.. إن الدين قاسم مشترك بين المغاربة (إلا لمن لم يرد ذلك)، والدين علاقة ٌ للفرد مع ربه، والدين ملجأ للأنفس تحتمي بظله ليحصل الاطمئنان والقناعة والعيش في كامل الهدوء بالنسبة للمؤمنين المعتنقين أي دين..
 لكن السياسيين الذين يركبون الدين لأغراض ضيقة يسيئون لهذه الرغبة المشروعة لدى الكثيرين في تحصيل الألفة مع الذات في نسق خاص مبعثه اعتقاد راسخ، كما يثيرون لديهم الحيرة والبلبلة التي يكونون في غنى عنها.. حينما يقترن الدين بأي انتكاسة أو فشل" في المجال الذي تختص به السياسة والدين برئ من ذلك..
 ورغم ذلك فقد طلب مؤخرا بنكيران في خلوة مع برلماني حزبه في نهاية شهر مارس المنصرم الثبات على اختياراتهم المعروفة عنهم.. فما القصد من ذلك؟ هل يريد الاستمرار في نفس النهج القائم على نوع من الاستغلال للدين؟ أم عليه أن يعي أن الحزب الفاعل في السياسة من موقع "الحكم" وما يتطلبه من حلول تهم الاقتصاد والعلاقات الدولية والتعامل مع مختلف أطياف المجتمع والفاعلين الوطنيين في مواقع مختلفة.. عليه أن يبدع الحلول الموضوعية للمعضلات انطلاقا مما هو محسوس وعقلي وتدبيري، وإلا ما كان على بنكيران أن يتحالف مع أحزاب أخرى وما كان ليلجأ إلى الاقتراض من الخارج، بل وحتى لربط علاقات دبلوماسية مع دول العالم.. 
أما نزول رئيس الحكومة إلى دعم مرشح حزبه وهو مسؤول عن حكومة من المفترض أنها تسهر على مصالح الشعب برمته وليس حزبا بعينه فتلك قصة أخرى، في الدول الدول الديمقراطية التي  تحترم فيها الأحزاب نفسها، يتحول شبيه بنكيران إلى ممثل للشعب ويترك الحزب لمسير آخر يتفرغ له ويجادل باسمه..

السبت، 2 فبراير 2013

ما السبب الذي يجعل الدين حاضرا في أمور تتطلب غير ذلك؟


ما السبب الذي يجعل الدين حاضرا في أمور تتطلب غير ذلك؟

مثلا، هذا الطاوسي مدرب المنتخب لكرة القدم، عوض أن يفكر في حلول تكتيكية، يل طول الوقت فاتحا كفيه يطلب النصر من الله تعالى، ذلك سيعطي انطباعا سيئا لدى اللاعبين، حيث يظنون أنهم في ورطة ولا منجي منها غير الله تعالى.. سبق أن ظهر هذا المدرب بالسبحة في الملعب ويحمل أحيانا مصحفا، ثم بعد تسجيل الإصابة يسجد، إن الأمر مجرد لعبة، والمدرب يعرف أن هذه اللعبة خطيرة جدا، فبواسطتها  يحصل على أجر جد جد سمين، وتعويضات لا تخطر على البال، وفي نفس الوقت لجهات أخرى مآرب شتى في ذلك.. كتلهية الناس ومحاولة بعث "رسائل اطمئنان" لهم في ظل الأزمات، وتغطية على الكبوات التي تلحق الرياضة وسوء التسيير الذي ينخرها، حيث تورث وتمنح المسؤوليات في ذلك كما هو الحال مع رئيس الجامعة الذي لم ينافس أحدا ولم يقدم أي برنامج وصعد بالتصفيق..
في مقابلة المغرب مع الرأس الأخضر تابعت المقابلة عبر راديو "مارس" الخاص.. وقد لاحظت كيف يتذرع إلى الله المذيع كي ينتصر الفريق الوطني، طول المقابلة يطلب كأنه على باب جهنم... كيف يفكر هؤلاء؟ بل كيف يخولون لأنفسهم الحق كي يقف الله بجانبهم ضد الآخرين؟
إن مدرب المنتخب رشيد الطاوسي متعلم وصاحب شهادة عليا وعليه أن يعرف أن الكرة صناعة، تتدخل فيها عدة معطيات يجب ألا تغيب عن باله.. وإذا كانت نفسيته متدهورة إلى هذا الحد، فالأجدر به أن يعتزل الكرة ويتفرغ للأوراد في زاوية من الزوايا وما أكثرها في المغرب..

الخميس، 20 ديسمبر 2012

إغراق المغرب بالديون الخارجية سيؤدي إلى أزمة خانقة


 إغراق المغرب بالديون الخارجية سيؤدي إلى أزمة خانقة

مصطفى لمودن
تسير الحكومة الحالية نحو إغراق المغرب بالديون، فبالإضافة إلى الستة مليارات التي وضعها صندوق النقد الدولي رهن إشارة المغرب يمكن أن يلجأ إليها في لحطة تقع فيها أزمة خانقة، وطبعا ليس ذلك بالمجان، حصل المغرب على مليار ونصف دولار، بواسطة شراء السندات، يرجع المليار على عشر سنوات مع أرباح خدمة الدين، والنصف على مدى ثلاثين سنة، وهذا المال يكفي لاقتناء مشتريات المغرب لمدة خمسة أشهر فقط، .. اليوم كذلك نقلت الأخبار منح البنك الإفريقي للتنمية للمغرب قرضا آخر.. وتوصل المغرب بقروض أخرى ذكرت قبل أسبوع قيل لوضع منشآت منها الطريق السيار بين الجديدة وآسفي.. والغريب أن ذلك يقرن "بالثقة" في اقتصاد المغرب حسب وجهة نظر الرسميين، يحدث هذا ضدا على ما صرح به رئيس الحكومة عندما زاد في أثمنة الوقود، نتذكر أنه قال إن الزيادة من أجل حماية السيادة المغربية، وعدم رهن مستقبل المغرب بالقروض، لكن الذي حدث فيما بعد هو العكس تماما، فهل يضحك السيد رئيس الحكومة على المغاربة؟ وأين التنمية التي وعد بها أثناء حملته الانتخابية ونسبة ارتفاع النمو التي حددها في  7%؟، والمشكلة التي لا يريد إثارتها رئيس الحكومة ووزارءه وهي أن غالبية القروض تصرف لتسديد العجز في الميزانية وآداء ثمن السلع المستوردة..
إن الحكومة الحالية تقود المغرب نحو أزمة خانقة، ونحو "سياسة التقويم الهيكلي" التي طبقها المغرب في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت وبالا على جيل بكامله.. بحيث انتشر الفقر، وعجزت الدولة عن الوفاء بعهودها المالية، وبذلك أصبحت عرضة لتدخل المؤسسات المالية ووراءها الدول الغنية في شؤون المغرب..
ما يهم أكثر من كل هذا، هو عندما يتيقن بعض المواطنين بشكل عملي ولا لبس فيه، أن السياسة بعيدة عن الدين، والدين لا دخل له في السياسة، بل يجعل بعض الانتهازيين الدين "مطية" للتغرير بالبعض، قصد الوصول إلى كراسي الحكم، وهم بذلك لا يسيئون لأنفسهم فقط، بل إلى الدين كذلك.. 

السبت، 6 أكتوبر 2012

الخطاب المتهافت لأحمد الريسوني


الخطاب المتهافت لأحمد الريسوني
مصطفى لمودن
غريب بعض الإسلاميين، وكيف ينظرون إلى أنفسهم وإلى الآخرين، في نظر ذ. أحمد الريسوني أن الإسلاميين لهم "قدرتهم على تقديم القدوة في النزاهة والاستقامة ونظافة اليد"، حتى أن درجة "الالتزام الأخلاقي" حسبه (..) "تتسم قيمها وأحكامها بدرجة قصوى من الوضوح والحسم"، أما الآخرون في نظره فكل شيء قابل عندهم للتأويلات والحيل والتمييع والتبرير والتمرير.. (نفس المصطلحات المستعملة من طرف الكاتب) كما جاء في افتتاحية له بجريدة "المساء" (الجمعة 5 شتنبر 2012)، وهو بذلك يؤكد كغيره هذه النظرة القاصرة والمتعالية عن بقية الناس الذين لا يسيرون في ركب هؤلاء "الإسلاميين"، حيث هم "النزهاء والنظفاء والجادين"، والبقية مجرد عاقين وفاسدين.. وهو يستعرض ما سماه "المشروع الإسلامي على المحك"، في إشارة إلى وصول أحزاب "إسلامية" إلى السلطة في العالم العربي، دون أن يدرك أن ذلك كان نتيجة حراك شعبي، لم يلتحق به "الإسلاميون" إلا في آخر لحظة كحالة مصر وتونس، بينما في حالة المغرب من وصلوا إلى السلطة من المحسوبين على التيار "الإسلامي" كانوا ضد هذا الحراك جملة وتفصيلا، أما في تركيا فجاء وصول "حزب العدالة والتنمية" التركي إلى الحكم ضمن صيرورة تناوب على السلطة انطلاقا من صناديق الاقتراع… ألا يدري هذا الشيخ "المقاصدي" أن أكبر غش هو استخدام الدين لأغراض رخيصة منها الوصول إلى السلطة، وكل سلطة بطبيعتها تنزع نحو القوة والسيطرة والاستغلال، إلا إذا توفرت بعض الشروط الموضوعية والمؤسسية، منها إعمال القانون، توازن السلط ومراقبة بعضها البعض، حرية الإعلام، قوة المجتمع المدني، ومنه معارضة يتاح لها العمل والتواجد.. وهذا لا يدخل ضمن المنظومة الذي يافع عنها ابن مدينة القصر الكبير الرئيس السابق "لحركة التوحيد والإصلاح" (الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية المغربي)، وإنما نتيجة اجتهاد بشري احتدم حوله التدافع منذ عصور إلى أن انوجدت الدولة الحديثة، والتي لا تنفي العمل ضمن مؤسساتها كل الفرق والنحل الإسلامية على الأقل في حدود اللحظة.
أخيرا هناك مسلمة لا تقبل الجدل وهي، لا يمكن رهن تدبير الدولة للنية الحسنة، ولمن يدعون "حسن السلوك".

الجمعة، 10 أغسطس 2012

بيض الدجاج الحزبي في المغرب!


  بيض الدجاج الحزبي في المغرب!

مصطفى لمودن

بين الفينة والأخرى تنفضح بعض أسرار أحزاب المخزن وأحزاب الأعيان؛ فقد ذكر مثلا حميد شباط في خضم صراعه حول الأمانة العامة لحزب الاستقلال وهو عضو قيادي أنهم لم يطلعوا يوما على حقيقة مالية الحزب، وما ينفق في الحملات الانتخابية، ومقدار الدعم المحصل عليه من  الدولة وما تبقى منه.
وذكر حسن أوريد والي جهة مكناس تافلالت السابق أن "حزب الأصالة والمعاصرة" صناعة مخزنية، وقد تلقى الدعم المالي الوفير، وجرت تغييرات في العمال والولاة لخدمة هذا الحزب..
وقبل ذلك قال امحند العنصر الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" في استجواب مطول بجريدة "الأحداث المغربية" عقب وفاة الحسن الثاني إنهم في أحزاب الإدارة كانوا يتلقون المال من وزارة الداخلية ف الخناشي.. ويقال لهم اذهبوا إنكم تدافعون عن أنفسكم ومصالحكم..
 وذكر محمد عبو الأب أنه مد "حزب الأحرار" بحقيبة مالية غداة الانقلاب الذي خاضه صلاح الدين مزوار ضد خصمه مصطفى المنصوري، وقدمت عائلة عبو وحدها لهذا الحزب 700 مليون سنيتم. ليبدو كم هم أسخياء بعض أغنياء المغرب في مثل هذه الأمور، وذلك للدفاع عن مصالحهم، ولعل أهمها التهرب الضريبي وتحصيل منافع في إطار اقتصاد الريع وعدم أداء مستحقات مستخدميهم لدى الصناديق الاجتماعية وتقديم أجور هزيلة لهم.. 

كما لا يمكن أن نقفز عن مخالفة عبد الإله بنكران أمين عام "حزب العدالة والتنمية" لعوده من أجل "محاربة الفساد والمفسدين" كما جاء في حملته الانتخابية، ولجوء الحكومة إلى الاقتراض، بينما كان مبرره للزيادة في أثمان المحروقات هو تفادي الاقتراض! كما ظهر أن له تفسيرا جد ضيق ولا يتماشى مع الخط الديمقراطي فيما يخص تفسير الدستور ووضع القوانين التنظيمية… لتطرح مصداقية السياسيين على المحك ومسألة ثقة المواطنات والمواطنين بهم..
  مثل هذا هو ما كرس بُعد المواطنات والمواطنين عن السياسة والمشاركة في الشأن العام، والإدلاء بالأصوات أثناء الانتخابات، مادام الغالبية يعتقدون أن كل شيء مخدوم سلفا.. بينما في الواجهة الأخرى أحزاب مناضلة تغلق ضدها أبواب القاعات العمومية والإعلام العمومي ويجرجر مناضلوها، وتنتزع لافتاتها من الشارع.. والغرض معروف، ألا وهو إبعاد كل من له عزف يخالف معزوفات الإدارة التي تهدف إلى التحكم في كل صغيرة وكبيرة.. لكن مصير الوطن يهم كافة المواطنين وليس حفنة من الأحزاب لا تنتج غير البيض الفاسد.. ولم يبق من المستساغ بقاء فئات اجتماعية كثيرة أخرى على الهامش تمارس هواية التفرج والتبرم والتشكي..

الجمعة، 13 يوليو 2012

هل ستقع مصر بين يدي "الإخوان" والوهابية؟


هل ستقع مصر بين يدي "الإخوان" والوهابية؟


م.لمودن
 الدكتور محمد مرسي يتراجع عن قراره بإعادة مجلس الشعب (البرلمان) والذي حلته المحكمة الدستورية.. بدأ الرئيس بقرار يطعن في حكم محكمة ! وهو شيء مخالف لقسمه باحترام "المؤسسات"..وهاهو يتراجع، فكيف يتخذ قرارا ويلغيه؟ هل كان متعجلا أو يعمل تحت الضغط، أم أنها طبيعته، حيث سننتظر سلوكا مماثلا في المستقبل؟ مما سيؤثر سلبيا على مؤسسة الرئاسة
ـ حينما انعقد مجلس الشعب يوم الثلاثاء ضدا على  القانون عاد بكل "الفرح الطفولي" الأعضاء المنتمون للإخوان المسلمين والسلفيون وقاطعه الآخرون (حزب الوفد..إلخ) ، ومن هؤلاء من أصدر بيانا يقول فيه إنهم يحترمون القانون. الإخوان والسلفيون عقدوا جلسة طارئة، قرأ فيها الرئيس بيانا، يؤكد على عدم شرعية حل المجلس.. ثم انفضوا على عجل، في انتظار ما سيأتي..
ـ عقد مجلس إرشاد الإخوان المسلمين (وليس حزب الحرية والعدالة خودوا بالكم) اجتماعا لمساندة الرئيس في صراعه الجديد.. وذلك قبل أن يتراجع هذا الأخير.
ـ اكتفى العسكر في بيانهم بالدعوة إلى احترام القانون، أي حكم المحكمة.. ليخرجوا كالشعرة من العجين… وقد بدأت بعض التيارات مضطرة تعتبر المجلس العسكري صمام أمان ضد اكتساح الإخوان والسلفيين..
ـ لجنة صياغة الدستور المشكلة من برلمانيين تنتظر حكم المحكمة الإدارية لتستمر في عملها أم تنحل بدورها.. قريبا سيصدر الحكم، وقد يكون منسجما مع ما جاءت به المحكمة الدستورية… في ظل وضع قضائي يتسم بالاحترام، وقد برهن عن ذلك في مناسبات عدة، كما أن القضاة في مصر كانوا من الأوائل الذين ساهموا في الثورة.
ـ تنتظر مصر تشكيل حكومة جديدة، وقد وعد الدكتور محمد مرسي بأن يعين شخصية مستقلة على رأسها.. وكما هو حال نوابه الذين سيعينهم من تيارات مختلفة ومنهم الأقباط وآمرة،  فهل سيفي أم سيستسلم لضغط الإخوان؟
ـ هل سيقع تحالف للإخوان والرئيس مع الوهابية السعودية؟ بحيث اختار الرئيس زيارة السعودية في أول سفر له، وبذلك ستقبض كماشة المتشددين على المصريين، وستتزايد الدعوات لحصار الثقافة والفن، وحتى هدم الاهرامات كما قال أحد "الدعاة" السعوديين… في انتظار أن تستجمع باقي القوى الوطنية جهودها وتنتظم، حتى تتأسس قوى مضادة تحقق التوازن في الشارع وفي صناديق الانتخابات.
  لقد وعدت السعودية الرئيس برفع قيمة استثماراتها بمصر، وطبعا لا تقوم السعودية بذلك بدون عائد، منه محاصرة كل ما هو حداثي وديمقراطي…  تعتبره مهددا لها، ولنظامها القائم على الطاعة العمياء.. لقد نشرت السعودية صورة للزعيم المؤسس لحركة الإخوان المسلمين حسن البنة وهو يقبل يد الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، وفي ذلك رسالة بالغة الدلالة لمصر ولرئيسها..

الخميس، 7 يونيو 2012

بنكيران رئيس الحكومة يلقي بيانه!


 بنكيران رئيس الحكومة يلقي بيانه!
مصطفى لمودن
اضطر عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة إلى طلب اقتطاع جزء من بث ثلاث قنوات تلفزية، الأولى والثانية وقناة العيون، ليدلي ببيان إلى الشعب يوضح فيه رأيه ليلة الأربعاء 6 ماي 2012، بعدما أشعل بنفسه النار في تلابيبه جراء انطلاق سلسلة متتالية في أسعار المواد والخدمات مباشرة بعد رفع أثمنة الطاقة (البنزين، الكازوال، غاز الطبخ، الفيول الصناعي..)، وحتى أكون صريحا مع نفسي، فأنا أتعاطف مع بنكيران رئيس حكومتنا ياحسرة والذي توجه بطلب ليمر عبر التلفزة، لا نعرف لمن توجه بطلبه وكيف ذلك، هل لأقسام التحرير أم لفيصل العرايشي مدير "القطب العمومي؟ (المغرضون يسمونه المتجمد غفر لهم الله ذلك!)، وقد وصف رئيس الحكومة الزيادة الأخيرة بأنها في صالح المحتاجين! فوعد المطلقات ب 21 ألف ريال، والطلبة ب 8000 ريال والفقراء بالخير الوفير.. لقد أثار مشاكل صندوق المقاصة والأموال الضخمة التي يحتاجها، ولن توفر الحكومة من الزيادة الأخيرة سوى 5 مليارات درهم لسد عجز بقيمة 21 مليار درهم.
من غرائب بنكيران:
-      وصفه حزب "العدالة والتنمية" ب"الحزب ديالي"، هكذا، عوض الحزب الذي أنتمي إليه، وهي زلة لسان لها معاني عديدة، منها نزعة التملك والرغبة في السيطرة على الآخرين..
-      يوقف الصحفي الذي يقوم بمهتمه الإعلامية في طرح الأسئلة ومراعاة الحصة الزمنية والمحاور المتفق عليها في إطار مهنيته واختصاصه، لكن بنكيران يرفض ذلك، ويقف الصحفي بسلطة تعني القهر والتسلط، وكأنه أمام خصوم وليس مجرد صحافي يتساءل نيابة عن الرأي العام، فقال له "ما يمكن ليك تسولني حتى نكمل".. ولولا هدوء وصبر جامع كلحسن المتسم به دائما لقام وغادر المكان محتجا.. وظهر أن رئيس الحكومة تحول إلى طارح للأسئلة عوض أن يجيب عنها، وهو بذلك نسي "دروس الدعم" في التواصل التي تلقتها قيادات من حزبه في فترة سابقة كما نشرت ذلك إحدى الصحف..
-      بنكيران يتق في التقارير التي ترفعها له الإدارة، لقد استعرض أثمنة مواد غذائية متعددة وفي مناطق مختلفة، لكن الأرقام تثير الاستغراب، نعطي مثلا بمطيشة التي قال إنها في الرباط ب 52 ريال للكيلو.. كما ركز على الموز كثيرا وقد سماه البنان وذكر أثمنته في عدة دول من العالم وكأن هذه الفاكهة قد أصبحت من "قوت غالبية أهل البلد"! إن تقارير الإدارة تكون دائما غير مضبوطة في المغرب.
-      قال إن الملك هو من قرر تعميم "راميد" (التغطية الصحية)على مختلف ربوع المغرب، مما يطرح التساؤلات عن دور الحكومة، ألا يمكن أن يكون هذا الطرح تملصا من المسؤولية تجاه برنامج/ مغامرة لقلة الموارد وصعوبة الضبط الإداري أمام الفساد المتفشي في الإدارة والمستشفيات..
-      يقول "إل جاب الله ولقينا البترول اعلاش أنا غادي نزيد على المواطنين)، يعني أن الحكومة بدون تخطيط وتحديد الأفق، وأنها تنتظر المعجزات التي نتمنى بدورنا أن تتحقق (النفط)، ولكنه نفس المسار الذي انتقده لما قال إن هناك من كان يعد الناس بتقديم 6000 ريال لكل مواطن.. وهو كلام غير صحيح، ويشير إلى مقولة كانت تردد عند بداية الاستقلال تتحدث عن 10 دراهم كعائد لكل مواطن من تصدير الفوسفاط، وهو الرقم الذي فاق ذلك الآن.
-      أعلن عجزه عن مواجهة اقتصاد الريع، وإن كان قد وعد بالكشف قريبا عن لائحة المستفيدين من مقالع الرمال. أما رخص نقل سيارات الأجرة فلم يستطع حتى تحديد رقمها رغم قوله بأنها 130 ألف، لكنه أضاف "ما قدرناش نحسبوهم"، ويرى الحل في منح تعويضات لأصحابها في أفق تحرير القطاع، لكنه لا يوافق على امتلاك رخص كثيرة للمستفيد الواحد دون أن يحدد إجراء عاجلا لعلاج المشكلة.
-       ينقل إلى وزير المالية الحديث في موضوع الضرائب والأجور المرتفعة للوزراء، وهو يعتبرها عادية ويدافع عن دفع "تقاعد" للوزراء السابقين، وهو لا يريد ان يكونوا كحراس السيارات (يقول: واش بغيتي الوزير السابق يولي كارديان")، وهو بذلك يهين هذه الفئة الاجتماعية التي لا تجد الرعاية في ظل فوضى الأجور وعدم احترام كرامة الإنسان، والحكومة مسؤولة عن ذلك ولو من باب وضع القوانين والسعي لاحترامها من طرف الجميع.
-       يعلن عن توقيف الإعلانات عن التشغيل إلى أن تنتهي لجنة من اتصالاتها بجميع الوزارات لضبط المباريات حسب قوله، دون تحددي أفق زمني لذلك.
-      لم يحدد موعدا للانتخابات الجماعية، وقال إن ذلك يحتاج لثلاثين قانون ووقت طويل، لكنه تطرق لمقترح وزارة الداخلية التي ترى يونيو 2013 موعدا لإجراء الانتخابات الجماعية.
ختاما نؤكد على فائدة التواصل مع الشعب بطرق وحوامل إعلامية مختلفة، لكن لكل حوار شروطه، وهو إحضار أصحاب الرأي الآخر، ضمان حرية الصحافيين في أن يطرحوا ما يرغبونه من تساؤلات، ولا بأس أن يكون ذلك ضمن محاور متفق حولها مسبقا، أن يكون الحوار جدي يتطرق لكل شيء ولكل ما يهم الوطن، بجرأة وشفافية وبدون لغة الخشب أو طابوهات، ولا يكون الحوار مجرد طرح "بيان" للرأي العام كما حصل اليوم مع رئيس الحكومة دون أن يكون متمكنا من ملفاته، بل وحتى الأرقام التي طرحها في البداية ظهر أن كثيرا منها من إنتاج "مجلس المنافسة"!!
————–

الأحد، 13 مايو 2012

من مستشاري "العدالة والتنمية"! بيع الخبرة أم تغيير المبادئ؟


 من مستشاري "العدالة والتنمية"!
بيع الخبرة أم تغيير المبادئ؟


مصطفى لمودن
أخبرتنا جريدة "الاتحاد الاشتراكي" (عرضا) عبر "الملحق الثقافي" ليوم الجمعة 4 ماي أن السيد مصطفى المسناوي "المثقف اليساري" والذي كم كتب من موضوع ساخر في عمود صحفي تحت عنوان " يا أمة ضحكت.." (البقية هي لجهلها الأمم)، كان يسخر فيه من كل شيء "يتحرك" أو "لا يتحرك".. قد أصبح مستشارا لمصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بل وقد دافع في نفس الملحق عن "دفاتر التحملات" التي أصبحت "مشهورة"، وأطاحت بزعماء الهاكا مؤخرا، وفي نفس السياق ناصر الوزير كما جاء في ملحق الجريدة.. بكل بساطة نقول من حقه، فهو الآن مستشار ينال أجرا وامتيازات من أجل ذلك، لكن أين هي "الكتابات العنترية" السابقة؟ هل يمكن أن يتحول أي إنسان رأسا على عقب لمجرد تعيينه في منصب؟ كيف يستسيغ "هذا المثقف" مثلا أن تلزم "دفاتر التحملات" مذيعا كي يحضر فقهاء لبرنامجه؟ لماذا لا تلزم هذه الدفاتر القنوات الدينية والبرامج الدينية بإحضار عالم اجتماع وعالم النفس وعالم انتربولوجيا وعالم تاريخ وعالم بيولوجيا ومتخصص في علم مقارنة الأديان.. لتلك البرامج؟ إذا كان حزب "العدالة والتنمية" الذي ينتمي إليه وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة يريد تأكيد توجهاته لناخبيه، وهذا من حقه، لكن كيف يمكن أن يجد من يصطف خلفه ممن كان يحسب لزمن قصير على توجهات أخرى وراءه؟.. هل تباع التقنية والخبرة أم المبادئ؟ وإلى أي حد يمكن الفصل بين ذلك؟ فالإنسان كائن مركب وليس آلة طيعة تستجيب للرغبات،  نفس الملاحظة كذلك تصدق على المخرج السينمائي محمد بكريم الذي أصبح بدوره مستشارا للوزير حسب الجريدة المذكورة، وقد كان قبل ذلك محسوبا على مجموعة فندق حسان الذين انسحبوا من "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" سنة 1996.. شخصيا لست حتى ضد أن يغير الإنسان توجهاته وقناعاته، لكن في إطار الوضوح، فالمسناوي ما زال على نفس "النبرة" يكتب أعمدته في إحدى الجرائد.. وبكريم يشتغل بالسينما هذا الفن الذي يأتي في آخر اهتمامات حزب بنكيران،  فهل ستكون لمثل هؤلاء المستشارين تأثيرات على سياسة الوزارة حتى لا تميل نحو المحافظة والتقليد؟ وحتى لا تتجاهل باقي التوجهات القائمة في المجتمع؟ فالمغرب منذ قرون يوجد في موقع تلاقحت فيه الحضارات، ولم يكن في يوم من الأيام ربعا خاليا نزلت عليه طائفة وفرضت توجهات لها على الآخرين..

الأربعاء، 25 أبريل 2012

برامج تلفزية تشجع الإجرام وتكوّن المجرمين


 برامج تلفزية تشجع الإجرام وتكوّن المجرمين
 مصطفى لمودن
قال ممثل إدارة الأمن الوطني في البرنامج الحواري "قضايا وآراء " الذي يشرف عليه عبد الرحمان العدوي ليلة الثلاثاء 24 أبريل 2012 حول ظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم، قال المسؤول الأمني إن القوانين في أوربا تمنع نقل أفعال الشغب التي تحدث في الملاعب، لأنها بمثابة محفز على تقليدها من طرف الجمهور، وقد عرضت التلفزة المغربية صورا لذلك من ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء يوم السبت 16 ابريل ، وبغض النظر عن الأسباب المختلفة للشغب في الملاعب، فإن كلام المسؤول الأمني صحيح نسبيا، من حيث المبرر الذي ذكره، ولكن في نفس الوقت تلك الصور تبين الحقائق حتى يقع علاج للمشكل. لكن، ووفق نفس السياق، يجب توقيف برنامج "أخطر المجرمين" بصيغتيه، سواء التي تعرض بقناة ميدي 1 أو القناة الثانية، لأن ذلك العرض هو بمثابة تحفيز حقيقي على اقتراف الجرائم، إن "البطل" (المجرم) التي تتحدث عنه التلفزة باعتباره "عبقريا" يستطيع أن يؤتي أعمالا لا تعرف من طرف الشرطة بسرعة، ثم عرض الأساليب المختلفة التي يتبعها المجرمون سواء للقيام بالجرم أو التخفي والتهرب من المحققين، ويتفاقم الوضع مع بقية "التنميقات" التي "تبدع" فيها التلفزة من أجل رفع نسبة المشاهدة وبالتالي الحصول على الإشهار دون تحديد العواقب الخطيرة من عرض تلك الحلقات التي تلعب دور "المدرسة" للمجرمين، إن غالبية متتبعي حلقات "أخطر المجرمين" هم القاصرون، الذين يكونون في مرحلة تشكيل النموذج الحياتي الخاص بهم.
يتذرع المدافعون عن البرنامج بقولهم إن كل حلقة تعرض النتيجة الحتمية التي يؤول إليها المجرم، وهي دخوله السجن، لكن ذلك غير كاف، والمجرم لا يهمه السجن في الغالب، وقد لا يفكر فيه أثناء قيامه بجرمه، وتأثير السجن السلبي لا يعرض في البرنامج، بل شيء يعاش بعد التجربة..
إن الخسارة المجتمعية التي يسببها مثل هذا البرنامج من تشجيع على الجريمة أكبر بكثير من كل حديث عن "التربية القانونية"، ومناقشة قضايا المجتمع.. لم يكن يوما الباطل يخدم الحق أبدا.
متى يتحرك على الأقل المجلس الأعلى  للاتصال السمعي البصري في المغرب لتوقيف هذا العبث غير المسؤول بالإعلام العمومي؟   

السبت، 25 فبراير 2012

هل سيفعلها بنكيران بدوره؟


 هل سيفعلها بنكيران بدوره؟

مصطفى لمودن 

وأنا أتحدث مع رجل "أمي" ـ لم يدخل مدرسة ولكنه يتعلم في مدرسة الحياة ـ حول الوضع والحكومة، فقلت له بدون أن أؤثر عليه بشيء، هل تظن أن بنكيران سيقضي على الفساد؟ وبكل تجرد أنقل الحقيقة التالية، قال "لا يمكنه، حتى لو كانت له الرغبة، فليست له الاستطاعة، يمكن أن يشعلوا له النار بين قديمه، فيظل مشغولا بها"، وأضاف وهو واثق من نفسه:" إن ارتفاع الأسعار هي أهم نار ستواجه بنكيران." 
وطرحت نفس السؤال على رجل آخر من عامة الشعب، ويبدو أنه متعاطف مع بكيران، فكان رده " لن يتركوه المسكين يتصرف…" 
استدرك شيئا؛ أضاف الرجل الأول بنبرة جادة وبصوت مرتفع، ألم تر أنهم وضعوا له بنهيمة؟ فتعجبت كيف يكون بنهيمة التكنوقراطي المسؤول عن شركة الطيران منذ ثماني سنوات قد وُضع لبنكيران، ربما قد فاتتني أخبار أو أصبح هو كذلك مستشارا! تذكرت آخر حضور له في مجلس المستشارين خلال الأسبوع الحالي وهو يدافع عن تدبيره لشركة تعيش أزمة خانقة، وتسرح مستخدميها بالمآت… أعدت طرح الاسم عليه، فظهر لي أن الرجل وقع في التباس بين بنهيمة والهمة.. لا نعتبرها عثرة لسان أو زلة مواطن، ولكنها حقيقة تشابه رموز المخزن.. فالهمة صديق الملك كما تنعته الصحف تحول من "مهمة" على رأس حزب سياسي إلى مستشار. 
مع الرجلين المتحدثين عن "أحوال" المغرب و"أوحاله" بعفوية وحكمة تذكرت ذ. عبد الرحمان اليوسفي مع "جيوب المقاومة" التي ذكرها أثناء "التناوب التوافقي"، وتذكرت "الاتحاد الاشتراكي" الذي كان قبل ذلك "متنطعا" وفي أوج جماهيريته، وكيف تم تذويب كل ذلك كقطع السكر في براد المخزن (المثل مأثور عن المقاوم والفاعل السياسي محمد بنسعيد آيت يدر)، وكيف غادر اليوسفي إلى "كان" بفرنسا، والبقية معروفة… وقد توسعت بعد ذلك قاعة الانتظار، إلى أن جاءت "حركة 20 فبراير"، فخلطت الأوراق من جديد. 
قد يكون المغرب الآن في فترة زمنية أخرى، لكن يبقى التساؤل مشروعا حول إعادة التاريخ لمآسيه، مادامت الشروط لم تتغير كثيرا. ويلاحظ المتتبعون أن رئيس الحكومة تتبدل مواقفه وخرجاته يوما بعد آخر، فكما نسي وعوده الانتخابية، وتغيرت نبرته وعلت صيحات توعده ووعيده، قد يفاجئ الجميع  يوما بقرارات "غريبة".. فهل سيفعلها عبد الاله بنكيران؟

كي تكون قطر دائمة العضوية في مجلس الأمن!


 كي تكون قطر دائمة العضوية في مجلس الأمن!

مصطفى لمودن
لا بد أن تحصل "دولة قطر" الشقيقة على عضوية دائمة في مجلس الأمن، أنا أدعو لذلك.. ألا ترون أنها تحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة ، وإذا لم تتوفر أي بؤرة توثر تسعى لإيجادها.. إنها ساعية لتغيير "أنظمة" كثيرة أصالة عن نفسها ونيابة عن "أصدقاء" غـُـرّ مقربين… أدعو لتحصل على هذه العضوية الدائمة، ولتفعل لذلك ما تستطيعه كما فعلت مع كأس العالم، هل أعضاء الفيفا أقل صلابة من باقي مبعوثي الدول في الأمم المتحدة؟  وطبعا الأمر جد بسيط، فلمفاوضي قطر  خبرة كبيرة في ذلك.. ثم أليست قطر من الدول العظمى؟ إنها تتربع على "عرش أكبر امبراطورية" في التاريخ، امبراطورية لم يحدث مثلها قط، اسمها "الجزيرة" بوديانها وفروعها وجبالها وبحارها ولواءاتها… وهي بمثابة هرواة كبيرة، تنزل بها على كل من سخن رأسه من الدول طبعا.. ليس من الضروري أن تكون الدول الآن ممتدة على سطح الأرض ولها مساحة جغرافية هائلة حتى تسمى بالكبيرة (انظر الخريطة)، وليست الدول الكبيرة بتوفرها على أعداد ضخمة من السكان، بل تكفي ملايير الدولارات في حسابات مصارف غربية.. لقطر امتداد في أعماق الأرض، وأي امتداد، إنه الغاز الطبيعي… أفلا تستحق في نظركم قطر عضوية دائمة في مجلس الأمن..؟
 بدوري كنت متشككا في ذلك، وترددت كثيرا في طرح المسألة، أي الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، إلى أن جاءني "اليقين" اليوم السبت 25 فبراير 2012 من إحدى  "قنوات الجزيرة"، نفسها، عندما قطعت "قناة الأخبار" برامجها لتنقل ندوة صحفية لسفير دولة قطر لدى الأمم المتحدة وهو في تركيا رفقة وزير خارجيتها أحمد داود أغلو ، موضوع الندوة حول قضايا ذات أهمية بالغة، على  رأسها طبعا الوضع في سوريا، ويعرف كل العالم أن أغلو يتحدث باسم حكومة منتخبة، وينتظرها حساب عسير في وقت قادم، ولن تمر للسلطة مرة ثانية سوى عبر صناديق الاقتراع، وفي كل حركة تحسب ألف حساب، وهاجسها الأول مع جوارها سواء أكانت سوريا أو غيرها، هي مصلحتها الوطنية، وما تمثله لها قضية الأكراد وسعيهم وراء الاعتراف بهم كدولة مستقلة أو إقليم له صلاحيات واسعة.. وقضية الأكراد هؤلاء  استطالت وعرفت مدا وجزرا منذ أن كانت "عصبة الأمم" التي انتهت صلاحياتها بانطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى، والتي حصلوا في زمنها عن "الحق في تشكيل دولة مستقلة"، لكن الأطماع والحسابات المختلفة جعلتهم مشتتين عبر عدة دول.. لتركيا مخاوف من لجوء آلاف السوريين لترابها،  وهو الأمر الحاصل فعلا، وهي تسعى للتقليل من خسائرها وضبط كل القاطعين للحدود.. لكن ماذا يحرك دولة بعيدة كقطر في كل هذا؟ يبقى الجواب معلقا، ولن يصدق أحد أن الأمر "إنساني محض".. لنتصور وزير دولة ذات شأن كتركيا يقف في عاصمته، إلى جانب سفير دولة خليجية! بدون أي تقدير للبروتوكول الجاري به العمل بين الدول.. وللجميع أن يتخيل مستقبلا رئيس أي دولة معينة كيفما كان شأنها، يستقبل على البساط الأحمر مجرد موظف في إدارة دولة أخرى… فما السر وراء كل هذا؟
قبل رفع القلم، نقول لسنا مع الاستبداد كيفما كان لونه.

السبت، 7 يناير 2012

مالا يبعث على الاطمئنان في حكومة عبد الإله بنكيران


مالا يبعث على الاطمئنان في حكومة عبد الإله بنكيران
 
مصطفى لمودن
 
الحكومة الثلاثون في تاريخ المغرب، جاءت قبل الأوان، وكان لحراك الشارع و"حركة 20 فبراير" فضل في "مراجعة الدستور"، وإجراء انتخابات قبل وقتها بسنة… لكن ثقة المغاربة لم تترسخ بعد، والدليل مقاطعة غالبيتهم لانتخابات 25 نونبر. الآن ظهر أعضاء الحكومة، لكن هناك من يصر على بعث رسائل عدم الاطمئنان، حتى يتأكد للمغاربة أن تغيير الحال من المحال وأن الأمر مجرد رتوشات للمرحلة، وبما أن السياسة تعتمد كثيرا لغة الإشارات ولو في أعتى الديمقراطيات، وطبعا قد تكون لرئيس الحكومة المعين يد في ما سيأتي ذكره، أو قد يكون مجبرا على ذلك في إطار "سياسة الممكن والتدرج" التي تمرس عليها حزب "العدالة والتنمية"… تعالوا نقرأ بعضا من تلك الإشارات الدالة:
ـ إشراك امرأة وحيدة في الحكومة، وهي بسيمة الحقاوي المكلفة بقطاع النساء داخل "حزب العدالة والتنمية"، وقد عينت في وزارة "التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية"، وكأن المرأة لا تصلح إلا لهذا المجال المرتبط ب"طبيعتها " الأنثوية، وبذلك وقع تراجع في إشراك المرأة على ما دأبت عليه الحكومات المغربية منذ بداية التسعينيات مع عبد اللطيف الفيلالي وعبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي، ويتحمل المسؤولية في ذلك أحزاب الائتلاف الحكومي ورئيس الحكومة والقصر الملكي كل من زاوية تدخله، وفي هذا الصدد ذكر عبد السلام الصديقي عضو الديوان السياسي ل"حزب التقدم والاشتراكية" أن حزبه رشح ثلاث سيدات لمناصب حكومية، وكان يعتقد أن تقبل واحدة على الأقل كما قال في تدخله وهو يشارك في برنامج "مواطن اليوم" الذي بثته "قناة ميدي1" يوم الخميس 5 يناير. وخلاصة الأمر تفسر أن هناك توجها ذكوريا إقصائيا، وعدم اعتراف بمكانة المرأة في المجتمع رغم الكفاءات التي أصبحت تتوفر في الكثيرات منهن، ولن تحدث أية نقلة نوعية في البلاد بدون مساهمة الجميع نساء ورجالا.
ـ لم يقنع رئيس الحكومة أحدا بتنصيبه خليله ونائبه في الحزب عبد الله باها وزير دولة بدون حقيبة، وحزبه ظل منذ البداية يتحدث عن ترشيد النفقات، وعن الوضوح والشفافية، فهل التعيين يعني رئيس الحكومة وحده؟ أي هل وزير الدولة الحالي وهو بدون مهمة واضحة "العقل المفكر" لدى بنكيران؟ بينما هذا الأخير هو فقط "ظاهرة خطابية"، وصاحب مزايدات وانفعالات وردود أفعال؟ وبالتالي لا يمكنه أن يخطو سوى على هدي ساعده الأيمن هذا وزير الدولة! وقد خاب من الأول سعيه من أجل تعيين "نائب رئيس الحكومة" كما ذكرت بعض الصحف، وربما كان المقصود بهذا التعيين عبد الله باها نفسه.
ـ نقل عن رئيس الحكومة قوله إنه سيترك منصبان حكوميان لما يسمى "وزراء السيادة" خارج أي منطوق دستوري واضح في المجال، وحتى هذا الأمر غير مقبول بعد التعديل الدستوري، وغير مستساغ وفق "روح" المرحلة التي تتطلب من المنتخبين تحمل مسؤوليتهم كاملة، عوض الاختباء وراء مثل هذه المبررات الواهية، وإلا ما كانوا يدخلون غمار "المسؤولية".. لكن وقع ما هو أفدح، فبالإضافة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي احتفظ بها أحمد التوفيق، والوزارة المنتدبة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني التي بقي يسيرها عبد اللطيف لوديي، والأمانة العامة للحكومة التي يقودها إدريس الضحاك، انضافت وزارة الفلاحة والصيد البحري التي استمر على  رأسها عزيز أخنوش، وتسلم الشرقي الضريس المدير العام للأمن الوطني "مهمة" على رأس وزارة الداخلية إلى جانب امحند العنصر الذي يعتبر بدوره "ابن الدار" رغم قدومه من حزب سياسي هو "الحركة الشعبية"، كما تم استقدام يوسف العمراني من لشبونة وقد أصبح أمينا ل"لاتحاد من أجل المتوسط" ليكون الرأس الثاني على وزارة الخارجية والتعاون إلى جانب سعد الدين العثماني، وهو يعلم منعرجاتها لما كان (العمراني)كاتبا عاما بها قبل شهور، رغم ما قيل عن استوزاره باسم "حزب الاستقلال"، والرجل لم يعرف عنه يوما انتماءه لهذا الحزب. ورغم توضيح رئيس الحكومة كونه هو من طلب استوزار الأسماء المذكورة (جريدة المساء 6 يناير) بسبب "كفاءتها"، فذلك عذر أقبح من الزلة وتراجع عما جاء في وثيقة الدستور التي يهلل لها البعض.
ـ لم يعد يقبل المشهد السياسي تغيير بعض المسؤولين السياسيين لصباغتهم الحزبية بين عشية وضحاها، كما وقع مع عبد العزيز أخنوش الذي كان وزيرا في الحكومة السابقة باسم "حزب التجمع الوطني للأحرار"، ليدخل التجربة الجديدة ك"مستقل"! ما يطرح التساؤل عن مصداقية مثل هؤلاء وهل فعلا كان في الحكومة السابقة بلون سياسي أم كان معارا كما أعير الكثير من التكنوقراط؟ ولمن سيقدم مثل هؤلاء "الحساب" عند انتهاء الولاية التشريعية (على افتراض أنها ستسير حتى لنهايتها)، ماداموا غير منتخبين ولم يصوت على أحزابهم وبرامجهم مواطن؟
ـ وقع تعيين الحكومة واستقبالها من طرف الملك، وتم المرور في نفس اليوم عند غالبية الوزراء إلى "تسليم" السلط، وانتهاء مهمة الوزراء السابقين، ودخول الجدد لمكاتبهم دون المرور أمام البرلمان، الذي يمثل نظريا الشرعية الشعبية، فلا يصح أن يسمى أي وزير في مسؤوليته إلا بعد المصادقة من طرف النواب المنتخبين، وعرض برنامجهم الحكومي، وإلا لمَ تجرى الانتخابات أصلا؟..
ـ وصل عدد وزراء الحكومة إلى 31 وزيرا ووزيرة وحيدة، بينما إمكانيات المغرب الاقتصادية والظرفية الحالية وعدد السكان والمساحة الجغرافية لا تتطلب هذا العدد الكبير، فالجارة إسبانيا لديها حكومة من 13 وزيرا ووزيرة، وقد وعد رئيس الحكومة بنكيران عند أول خرجة إعلامية له بعد الانتخابات بالاكتفاء بخمسة عشر وزيرا، ثم انطلقت سلسلة التراجعات ممتدة إلى 25 ثم 28، ليستقر الأمر على31 !!
ـ ما تزال أجواء عدم الثقة في المشهد السياسي المغربي بين مختلف الفاعلين السياسيين من أحزاب فيما بينها، وفيما بين بعضها وبين القصر، ويمكن أن نستنتج ذلك من وضع وزير سياسي على رأس بعض الوزارات وإلى جانبه وزير آخر معين مباشرة من طرف القصر، فهل جيء به لمراقبة الوزير الحزبي؟ وحتى لو افترض أنه يتوفر على "خبرة" خاصة، فكان عليه أن يكون عضوا في حزب سياسي أولا، أو ليعين كاتبا عاما للوزارة مثلا، ويرى الشارع المغربي من خلال أصوات المحتجين أن المسؤولية السياسية يجب أن يتحملها منتخبون حضوا بالثقة الشعبية، علما أن للقصر الكثير من وسائل التدخل لمراقبة الحكومة أقرها الدستور، منها صلاحيات "المجلس الوزاري" الذي يرأسه الملك، وحق الملك إعفاء الوزراء.. الخ.
 ـ ما تزال "النخبة السياسية" تحتفظ ببعض الممارسات غير اللائقة، منها عدم الوضوح والتهرب من ممارسة الشفافية كما يحصل في "حزب الاستقلال" مثلا، وقد خلف دخول بعض أعضائه الحكومة سخط أعضاء آخرين، وهم يصرحون ويتوعدون عباس الفاسي بأشد الحساب كما يقول عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية للحزب، ولا غرو في ذلك ما دام عباس الفاسي حرص على استوزار صهره وزوج ابنته أولا، وأحد أصهار علال الفاسي نفسه، أي من يدورون في فلك العائلة الواحدة، والغريب هو حصول محمد الوفا على حقيبة التربية الوطنية وهو الذي ظل غائبا عن أجواء المغرب لمدة 12 سنة كسفير بالخارج، فهل سيبدأ من أول يوم في تعلم ما يجري ويدور في الوزارة والمجتمع والدولة وما تراكم من مشاكل.. أم سيعتمد رأي مستشارين وخبراء كان من الأولى أن يكون أحدهم وزيرا حقيقيا لوزارة ترهن مستقبل المغرب وتكبل حاضره.. ولم يفلح جل المحللين في تبيان "التهافت" الذي وقع على وزارة النقل والتجهيز من طرف حزب الاستقلال، فهل من أجل "الامتيازات" الانتخابية التي تتيحها باعتبارها "واجهة للمنجزات"؟ أو للعلاقات التي تنسج في دواليبها بين عدة متدخلين في القطاع العام والخاص؟ وكل ما يحاك هنا وهناك على ربوع الوطن في مختلف المندوبيات؟.. ويعتبر تقسيم وزارة الاقتصاد والمالية إلى جانب أخرى مكلفة بالميزانية أكبر عربون عن سوء التفاهم والتوجس الحاصل بين فرقاء الحكومة، فمن يضبط المداخيل (العدالة والتنمية)، يعرف كذلك بقية شؤون المالية التي يشرف عليها "حزب الاستقلال"، ومن هنا قد يبدأ الوهن ينخر عظام الحكومة منذ ولادتها، وظهر أن العقليات القديمة ما تزال متواجدة في كل مكان، لتحدد من "لنا ومن معنا" دون أن تقدم ما للوطن وما يخدم المواطنين أولا.
ختاما وكمواطن أتمنى للحكومة كامل النجاح والوفاء بالوعود.
   

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

محمد بنسعيد آيت يدر نضال مستمر


 محمد بنسعيد آيت يدر نضال مستمر
 
رفقة محمد بنسعيد آيت يدر مصطفى لمودن ونظيرة رفيق الدين في ختام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد
مصطفى لمودن
الأول من صعد منصة المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد ب"سينما الملكي" مساء يوم الجمعة 16 دجنبر 2011، حريص على احترام المواعيد، ما أن ظهر حتى صدحت الحناجر "بنسعيد يا رفيق ما زلنا على الطريق"، ولما وصل لم يأخذ الكرسي ليراقب الحضور الذي غصت به القاعة، بل ظل واقفا يبادل التحية بأحسن منها.. كان المناضل والعضو البارز في جيش التحرير ومنسقه الوطني في الجنوب أيام "المقاومة" الغراء حاضرا بقوة في الشريط الذي قدم بالمناسبة حول "حياة الحزب الاشتراكي الموحد"، وعبره تذكر الجميع أن بنسعيد هو أول من فجر "قنبلة تازمامرات" داخل قبة البرلمان، في وقت "كان الحسن الثاني يرفض أن يقول أن هناك تازمامرات" كما قال محمد الساسي وهو يقدم الرجل ليلقي كلمة أمام المؤتمرين والضيوف والمتتبعين، وأضاف الساسي  مخاطبا من يقول أن بنسعيد اعتزل السياسة".. لم يعتزل السياسة، فهو عضو المجلس الوطني، ويشارك في مهام تنظيمية، ومن آخر عمله رئاسته للجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين والمطالبة بإطلاق سراحهم كما هو الحال مع الصحفي رشيدي نيني، كما ساهم في النقاش الحزبي الداخلي حول الدخول في الانتخابات أو مقاطعتها، ورغم أن رأيه كان هو المشاركة في الانتخابات الأخيرة، لكن الأغلبية ارتأت العكس، فانساق لقرار الأغلبية"…
حافظ بسعيد أثناء مداخلته على توهجه النضالي ومواقفه الصريحة، لقد خاطب الجميع بموقف سديد بعدما رأى وسمع الحماس الفياض خارج القاعة وداخلها، وقرأ مغزى الحضور المكثف لرموز اليسار المغربي، بحيث قال " نرجو أن يكون لها ما بعدها"، وأن يتوحد اليسار على الوضوح والشفافية وأن يضع ميثاقا أمام الشعب، والغريب أن الرجل لا يلتفت كثيرا إلى الماضي، بل أغلب كلامه يركزه على الحاضر والمستقبل، فقد رأى أن "المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد ينعقد في شروط مهمة، سواء بالنسبة للتحولات التي يعرفها العالم العربي أو المغرب، وظهور "حركة 20 فبراير" التي اعتبرها "حدثا جديدا"، وقد كان لها ما بعدها، سواء خطاب 9مارس، أو الانتخابات، وتعيين رئيس الحكومة من "التيار الأصولي"، وقال "هذه فرصة ليبينوا وجههم الحقيقي"، وقد عبر عن احترامه لنتائج صناديق الانتخابات، وذكر أن الفترات السابقة اختلطت فيها الأوراق مما سبب خلطا في الرؤية لدى الجماهير… ولعل رجوعه الوحيد نحو الماضي القريب عندما ذكر أن "الكتلة قد ماتت منذ استفتاء 1996"، والجميع يعلم حينذاك كيف صوتت ثلاث أحزاب سياسية لصالح الدستور، بينما رفضت "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" ذلك، وقد كان يرأسها محمد بنسعيد آيت يدر نفسه، ما جعلها تنال "عقابا" صارما؛ من الحصار والانشقاق وإغلاق جريدة "أنوال".. وقال محمد  بسعيد آيت يدر وهو يتطلع إلى الوجوه الشابة التي ملأت القاعة عن آخرها وهي تقاطعه بشعارات جديدة أملتها المستجدات بعد 20 فبراير مثل "عاش الشعب"، "إن الكتلة لم تعد تلعب الدور الذي أسست من أجله، والأمل افتقد حينذاك"، ليؤكد بحسه النضالي أن كل تنظيم أو حركة كي ينجح يجب أن يحمل معه الأمل للشعب، ولهذا يرى بصراحته أن "اليسار لم يعد يلعب الدور  الطليعي لتحقيق برنامجه"، لكن أمام المستجدات الحاصلة قال "هذه فرصة بالنسبة لليسار"، لكن حسبه، على هذا اليسار أن "يعترف بالأخطاء التي ارتكبها"، حتى تعرف الأجيال ما حصل، كما أن القمع الذي تعرض له المغاربة من الستينيات إلى الثمانينيات "، أعطى الثقة للنضال"، لكن لم تتحقق مطامح الشعب، والخوف الذي كبل النخبة التي ليست لها الجرأة… لهذا "يجب أن يستفيد اليسار من هذه الأخطاء، ويقدم نقدا ذاتيا، وهذا يقدم الثقة للأجيال الجديدة".
وفي آخر مداخلته وجه دعوة صريحة إلى "كل اليساريين والديمقراطيين"من أجل "وحدة حقيقية وليست عاطفية"..
  منذ نزول بسعيد من المنصة في نهاية الجلسة الافتتاحية وهو يتلقى المصافحات والعناقات، وهناك من يريد أن يأخذ معه صورة رغم الزحام، إنها مناسبة لا تعوض، والرجل لا يضجر أو يقلق، بل يبتسم ويعبر ويسمع لهذا ولتلك، وعندما تقدم أمامه شاب يحمل كاميرا خفيفة وسأله عن موقفه مما يحدث، ظهرت فجأة صرامة على محيا الرجل وهو يتساءل عمن المستوجب ولمن يقوم بذلك، وقد انطلق يجيب لما قال المصور "من أجل شباب 20 فبراير"..
  بالنسبة إلي كانت أول مرة أتشرف فيها بالوقوف قرب معلمة حية كبيرة وعظيمة اسمها المناضل محمد بنسعيد آيت يدر، ولم أفوت الفرصة لأتخلى عن مصورتي وأطلب من أقرب واقف أن يأخذ لنا صورة للذكرى والتذكر..
رغم تاريخ الرجل وإشعاعه، تخلى عن دائرته الانتخابية التي كان باستمرار يجد فيها الالتفاف الشعبي حوله لصالح مرشح آخر من حزبه في انتخابات 2007، كما ترك الكتابة العامة للحزب في 2002 لمناضل آخر شاب وهو محمد مجاهد حينما تشكل "اليسار الموحد" ذات صيف حار بالدار البيضاء..  
  العظام دائما يخلقون بمواقفهم ونضالاتهم بما تتذكرهم الأجيال.