الأربعاء، 20 مايو 2009

ماذا يجري بسجن وزان؟


ماذا يجري بسجن وزان؟ 


وزان : محمد حمضي
  ماذا يجري بسجن وزان؟
أفادتنا مصادر مطلعة ، أن السجن المدني لمدينة وزان عرف في بداية شهر ماي حركة غير عادية، تمثلت في عملية فرار غير عادية لأحد نزلاء المؤسسة السجنية. وتظيف نفس المصادر بأن عملية البحث التي تجند لها حراس السجن انتهت بإلقاء القبض على الفار على بعد سبعة كيلومترات من مدينة وزان.
 نفس المصادر كشفت بأن إدارة السجن حاولت الالتفاف على الموضوع بطمس معالمه، وبدل أن تنوه بالمجهود الاستثنائي الذي قام به حراس السجن باعتقال الفار في ظرف قياسي، صبت جام غضبها عليهم، الأمر الذي خلف استياء وتذمرا في صفوفهم.
   وبالمناسبة فإن السجناء ومعهم أقاربهم يلتمسون من السيد المندوب السامي لإدارة السجون وضع تدبير هذه  المؤسسة تحت المجهر لتتصالح من جديد مع وظيفتها الإصلاحية وإعادة إدماج السجين في المجتمع. فالأخبار المتسربة من بين سراديبها لا تدعو إلى الاطمئنان.
نداء مهرجان ربيع إعدادية عبد الخالق الطريس
تحت شعار :"من أجل حياة مدرسية هادفة ونشيطة" عرف فضاء إعدادية عبد الخالق الطريس الواقعة بقرية مصمودة، عدة فعاليات ثقافيةوفكرية وإبداعية ورياضية، التي نظمت في إطار المهرجان الربيعي الأول للمؤسسة، وذلك أيام5/6/7 ماي الجاري.
  فعاليات المهرجان كسرت الرتابة، وفتحت عيون الطاقمين التربوي والإداري على ما يختزنه المجتمع التلاميذي من طاقات إبداعاية  في مختلف المجالات ،لا تحتاج إلا إلى الانتباه والتوجيه وصبغها بلمسات المدرسين ،كما ساهم المهرجان في تجسير العلاقة بين المؤسسة وحوضها التربوي .
  المتدخلون في ندوة حول الهدر المدرسي ، وبعد ملامسة الموضوع من مختلف جوانبه قرروا توجيه النداء التالي إلى مختلف الجهات لحثها على التدخل العاجل من أجل المساهمة في وضع حد للنزيف الذي تعرفه المدرسة العمومية بالقرية(إبتدائي وإعدادي)
نــــــــــــــــداء
في إطار محاربة الهدر المدرسي والحد من التسرب الذي يحاصر المتعلمين ويجهز على حقهم فيالتعليم ، يدعو المجتمعون بإعدادية عبد الخالق الطريس في إطار المهرجان الربيعي الأول كل الجهات المسؤولة بالمنطقة إلى تضافر الجهود للقضاء على هذه الآفة انسجاما مع البرنامج العام الذي يروم حماية الحق في التعلم. وبما أن فعاليات المهرجان قد صادفت الإعداد للانتخابات الجماعية فإننا نتوجه إلى كل المرشحين هيآت وأفرادا من أجل تقعيد محاربة الهدر المدرسي على رأس برامجهم الانتخابية وذلك بالالتزام بتوفير النقل المدرسي والمساهمة في برنامج الدعم الاجتماعي (توسيع دار الطالبة وتحسين خدماتها) وتوفيرفضاءات للأنشطة الثقافية (فتح أبواب  دار الشباب)
  من خلال شراكات فاعلة ومنتجة لصالح المتعلمين بالقرية . كما تهيب كل هذه الفعاليات التربوية والمدنية المجتمعة في إطار هذا المهرجان  بآباء وأمهات التلاميذ من أجل تضافر جهودهم/جهودنا للتغلب على هذه الآفة التي تقتل مستقبل المنطقة وتزج بالمتمدرسين/أبنائنا جميعا في متاهة لا مخرج منها .



البـــوليـــــتيكـــوفـــوبيـــا


البـــوليـــــتيكـــوفـــوبيـــا
 
أمــــيـــن جـــوطــي
aminmoon20@yahoo.fr 
  يمكن تعريف "البوليتيكوفوبيا"أو ما يمكن تسميته برهاب السياسة، على أنها ذلك الخوف المـرضي من السياسة، بمعنى أن  ذلك الخوف ليس له، أو لم تعد له بتاتا أية أسباب وجيهة أو منطقية تدفع الفرد إلى استمرار التوجس المبالغ فيه من عالم السياسة.
 وإذا كانت بعض الدول قد مرت بمراحل تاريخية صعبة، طبعت الحقل السياسي بميسم الصراعات الدموية والاعتقالات مما خلف لدى الناس خوفا شديدا من عواقب الممارسة السياسية، وبالتالي الهروب من ساحة الفعل العمومي، فإن هذه الدول تخضع بشكل أو بآخر لموجة الديمقراطية العالمية، والضغوط الخارجية والاكراهات الداخلية، بل منها من بدأ يقتنع  بأن الديمقراطية ليست ترفا، بل هي وسيلة لتدبير الصراع وآلية من آليات التنمية. وهو الأمر الذي يزيح أسباب التخوف من السياسة، بل يدعو إلى الانخراط لتعزيز المكتسبات الديمقراطية مهما كانت بسيطة.
  والمتفحص للنفسية السائدة لدى أعداد غفيرة من جموع الشعوب العربية يلفت انتباهه التجهم الحاد والنفور الشديد، والتصور المرعب المرتبط بالسياسة وكل ما يحوم في فلكها من مواضيع. الأمر الذي يجعل الأغلبية الساحقة من مواطني الدول العربية بعيدة عن مجال النضال السياسي، وبالتالي التأثير في مجرى الشأن العام.
  تزداد صورة السياسة قتامة وقبحا في ذهنية العربي، حينما تنقصه المعرفة الــحـــق بأصول الساسة ومبادئها، حينما تختلط عليه بما يلاحظه في المشهد السياسي من سلوكيات تصدر عن "السياسيين" الذين يمتطون صهوة السياسة لأجل مصالحهم، ويوجهون السلطة التي يصلون إليها عبر الدهاليز المظلمة لتخدم أهدافهم الأنانية وإن كانت تدمر الصالح العام (الانشقاقات الحزبية وتفريخ الأحزاب بحثا عن المناصب والحقائب الوزارية ، نهب المال العام ….)
  وإذا كان الإنسان عدو ما يجهل، كما جاء على لسان أرسطو، فإن جهلنا بأســـــــــس السياسة ومبادئها وأهدافها الأصيلة قد يتضافر مع عامل آخر، هو السلطوية، ليشكلا معا العاملان الرئيسان اللذان يؤديان إلى الخوف من السياسة، فالفكرة المسبقة عن"فن الممكن" المشوبة بعدة صفات ذميمة من جهة، والممارسات المتسمة بالشطط والتعسف وخرق القانون من جهة أخرى، تؤديان إلى خلل في المنطقlogoneurose  ،هذا الخلل يولد خوفا غير خاضع لأسباب عقلية وجيهة من عالم السياسة، بل كثيرا ما يعتز الأفراد في الوطن العربي بطهريتهم لأنهم لاينتمون إلى ذلك العالم، وهي طهرية وهمية pureté illusionaire لأن هؤلاء يعيشون في نفس البيئة مع المشتطين والمتسلطين، وترك مجال الشأن العام بأيديهم ليفعلوا ما شاؤوا به، لن يزيد البيئة السياسية إلا تلوثا، وسيكرس أكثر فأكثر جدلية السيد والعبد، وعلاقات الخضـوع والإخـضــاع.
و إذا كانت نسبة الانخراط في الحياة السياسية ترتفـع أو تنخفـض حســب الظرفــية  السياسية والاقتصادية لكل مجتمع، فإنه لابد أن نحذر من ســقوط المجتمع في هوة اللامبــالاة  السياسية، الأمر الذي يدعو كل مثقف وسياسي ومناضل إلى العمل على علاج الأمراض السياسية التي يعاني منها الجسد السياسي العربي، ومن بينها البوليتيكوفوبيا .
 في هذا الباب لابد من الإشارة إلى أهمية  بعض العلاجات التي قد يكون لها أثرها الشفائي :
 أولا: العمل على خلق مناخ من الثقة والأمان الاجتماعيين، وذلك عبر إعلاء سيادة القانون.
 ثانيا: جعل الديمقراطية - التي وصفها عدد من المفكرين السياسيين دواء ناجعا للعديد من الأمراض السياسية- منهجا لتدبير الخلافات، عوض اللجوء إلى العنف والتطاحنات والدسائس السياسية.
 ثالثا: العلاج بالتعويد عبر إشراك الناس(خاصة الشباب)، شيئا فشيئا، في تدبير الشأن العام، مع التسامح مع الهفوات والأخطاء (لا مع الخطايا طبعا)

 رابعا: فسح المجال أمام حرية التعبير وممارسة المعارضة البناءة لأجل إصلاح كل اعوجاج يلحق بالممارسات الحكومية، وردع كل شطط قد ينجم عن سلطتها التنفيذية أو عن أي شخص يتحمل مسؤولية تمثيلها.  

الثلاثاء، 19 مايو 2009

البكاء خلف الميت…! رسالة إلى مترشح(ة)


البكاء خلف الميت…!
رسالة إلى  مترشح(ة)
 
مصطفى لمودن  
    أخي المترشح أختي المترشحة، نعرف أن وقتك ضيق ولا تجد من فرط انشغالك ثانية فارغة لتحك رأسك، فأنت غارق حتى الأذنين في الاستعدادات للحملة وبعدها ستدخل غمارها فتنقلب بين ثنايا أمواجها كقشة في سيل جارف.. ولكن مع ذلك لنقلب لعبة التخاطب، ونوزع نحن عليك ورقتنا هاته، قبل أن تبعثر أنت الملايين، من الأوراق طبعا، وليس ملايين السنتيمات، فقد حددتها السلطات في خمسة فقط، لك أن تختار كيف تنفقها (أنت ونيتك والنية أصدق من العمل !).
   هل تساءلت عن سبب ترشحك؟ 
  هل تريد فعلا وصدقا خدمة جماعتك الحضرية أو القروية؟ هل ستساهم في تنمية الاقتصاد وتوفير فرص الشغل للعاطلين؟ هل ستضع تدابير عملية للمحافظة على البيئة ليتنفس المواطنون هواء نقيا ويتخلصون من نفاياتهم بأسهل الطرق وأسلمها؟ هل لك رؤية ثقافية ورياضية تلبي الحاجيات الملحة لأجيال تائهة بين ما تزخر به فضاءات العولمة الجديدة من إغراءات وما يشد إلى "تقليدانية" يسوق لها البعض باعتبارها خلاصا؟ هل لك خطة لتنمية موارد جماعتك دون حد التضييق على دافعي الضرائب أو الحد من قدراتهم الشرائية والاستثمارية؟ بل هل ستكون أشد مدافع عن ترشيد النفقات ووضع كل درهم فيما يفيد المواطنين؟ علما أن هؤلاء هم من يدفعون حتى تعدّون أنتم الميزانيات، وكيف ستنظر في النقص الهائل الذي تعانيه جماعتك من المرافق العمومية لتلبية حاجيات المواطنين الكثيرة؟ لا تدعي أن كل شيء متوفر، أو تقول أننا لسنا في السويد ليكون لكل حي ملاعب رياضية وقاعات عروض ومستوصف ومكتبة وحدائق غناء وشوارع فسيحة بدون حفر تكلل جوانبَها أشجارٌ وورود..! هل تعرف معنى "العولمة" وكيفية "الدخول" فيها؟ وهل سمعت بالأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية في العالم بأسره وهل ستواجهها من جماعتك الصغيرة؟ إذا لم تكن لك العزيمة للنظر في كل ذلك فالأجدر بك أن تسخن كراسي المقاهي عوض كراسي الجماعات المحلية.
    أم ستدخل غمار الحملة وأنفك مرفوع يتشمم "الميزانيات" وما سيصلك من علاوات؟ أم ستلج الانتخابات وسيفك مسلول لتكون "الرئيس" الذي سيدفع يمينا وشمالا من أجل ذلك؟ وهل تنوي الدخول في "غمرة الفيضانات"، عفوا الانتخابات ليكون لك صوت مسموع في كل عمليات المزايدات، ليس مزايدات ذات النقاشات والمرافعات العقيمة، بل مزايدات "البورصات أو الجوطيات" (بحال بحال) من أجل عدة "واجهات" أو "فيترينات" سلعتها بائرة وسنداتها فقدت بريقها؟
 لعلك تفكر وتحصي من الآن بكم سيعود عليك النجاح في الانتخابات؟
   كم سيدفع لك المتسابقون من الأسود والنمور الورقية في صراعهم من أجل الرئاسة؟ وكم ستأخذ أثناء تشكيل مجلس الجهة ووضع رئيس منتخب/معين على "قمتها"؟ وما هو المقدار الذي ستنال من أجل المصادقة على المكتب الإقليمي "المنتخب"؟ و"الهمزة" الكبيرة التي تنتظرك طبعا ويسيل لها لعابك من الآن هي انتظار القرعة (نعم القرعة بضم حرف القاف حتى لا تظنها الكرعة) يومها ستصبح عريسا من جديد تشنف أسماعك الزغاريد والطبول، أو ضيفا "يكرم" في أفخم الفنادق، حينها ستحس بأنك أحسنت "الاستثمار" في السياسة وأن ما دفعته من مال لم يذهب "سدا"، أكيد ستضع "صوتك" في الصندوق وأنت مغتبط لتختار عضوا جديدا(قديما)  في مجلس المستشارين، وستفرح أكثر إذا كنت على غير اطلاع أن هذه "القرعة" تدار كل ثلاث سنوات، لتبقى "الحركة" دايرة في البلاد..! ناهيك على ما يوفره لك حصولك على تفويض من الرئيس ل"قضاء" بعض المصالح كأن تقضي وقتك في التوقيع على عقود الازدياد (مهمة جسيمة حقا!)… مما يتيح لك "الارتباط الفعلي" بالجماهير، إذا لم تكن أنت هو سعادة الرئيس بشحمه ولحمه فتقتني لك كرسيا دوارا وتجدد أثاث مكتبك ولا تنسى سيارة جديدة تليق ب"مقامك" تفوق سيارة "العامل" حجما ورونقا فأنت "المنتخب" أولى.
   وإذا كنت "خوايضيا " عفوا " محظوظا " فستنال الحظوة لعضوية إحدى الغرف المهنية، وإذا كنت لا ترغب في السباق من أجل رئاسة أحد مكاتبها، ننصحك فقط برفع "السومة" لأن الدفع المسبق كبير ومهم في هذا المجال لتساند أحدهم كي يصفي حساباته القديمة مع أحدهم أو معهم جميعا.
    أختي المترشحة أخي المترشح ، لقد مل المواطنون من مثل هذه الصور البئيسة ومن مثل هذه التصرفات الهجينة، وضاع المغرب في ترسيخ تجربة "ديموقراطية" محلية حقيقية، لا أحد من ذوي النفوذ وأصحاب القرار يريدها أن تتركز في ذهن المواطن وعقليته وسلوكه ، لتكون صناديق الاقتراع مفتاحا حقيقيا لحل مشاكله اليومية، وتكون الجماعات المحلية مشتلا للديمقراطيين وفضاء للحوار والإبداع المحلي، وقد فضلت الكثير من الأحزاب (والمترشحين) ممارسة هواية "تبادل المنفعة"، واضعة مصالحها الضيقة فوق مصلحة الوطن والمواطنين، فلا تيأس أخي المترشح أختي المترشحة حينما لا تجد آذانا صاغية ل"حملتك الضارية"، وفكر فيما ينتظرك من "مجد"، وأعلم أن السبب وراء عزوف المواطنين عن الانتخابات هو ما تواتر من تزوير منذ مدة طويلة، وكل مرة كانت حليمة تعود لعادتها القديمة، كما أن زملاءك السابقين (وربما كنت واحدا منهم) كانوا يوزعون الوعود وأحلام اليقظة بغد جديد، وهم يخادعون (أو هم المخدوعون) ولا يتحدثون عن الإمكانيات الحقيقية للجماعات المحلية، سواء ما تتوفر عليه من موارد مالية ومن طاقات بشرية، ناهيك عن "الحصار"القانوني و"ثقل" سلطة الوصاية، وهو ما يتطلب نقاشا وطنيا حول الموضوع، ولنا مقترحات متواضعة في ذلك، منها ما سبق نشره… إن التاريخ لن يرحمك والأجيال القادمة ستحاسبك على الوقت والطاقة التي أهدرت بدون طائل.
   ورغم ذلك ليس لنا من بديل غير الانتخابات لاختيار ممثلين عنا نزهاء صالحين قد يفوا بالغرض، ولن نعدم مناضلين خلص يرتقون بالمسؤولية من مجرد "منصب انتهازي" إلى منبر للصدح بهموم الكادحين والشباب والنساء والأطفال والمقاولة المواطنة والبيئة السليمة والخدمات العمومية التي لا امتيازات  خاصة فيها… في انتظار أن تكون يوما لمختلف الأجهزة المنتخبة مسؤولية حقيقية حتى يلتف حولها الشعب.
     ————————
  نشر بجريدة “الشعاع القاسمي، العدد 23 ، ماي 2009، ضمن عمود اقترحت هيئة التحرير أن أشارك به في كل عدد.
 ——————–
    ما رأيك أيها القاريء الكريم ؟

الأحد، 17 مايو 2009

المتضررون من الفيضانات بسيدي سليمان يطالبون بمراجعة طريقة منحهم المساعدة المالية وحصولهم على وصل إيداع ملف وداديتهم


المتضررون من الفيضانات بسيدي سليمان يطالبون بمراجعة طريقة منحهم المساعدة المالية وحصولهم على وصل إيداع ملف وداديتهم
       طالب أفراد من المنكوبين بفعل الفيضانات والذين تهدمت منازلهم بحصولهم على الجزء الثاني من المنحة المالية المقدمة لهم إلى ما بعد وضع الأساسات، وليس إلى ما بعد بناء السفلي، كما جاء في "التزام" وقعوا عليه أثناء توصلهم بشيك يتضمن النصف الأول من المنحة المالية يوم السبت المنصرم 16 ماي 2009، حيث طلب منهم ليلة الجمعة الحضور إلى البلدية في اليوم الموالي.
    ذكر حسن بنروان أحد المستفيدين أن توقيعهم على "الالتزام" كان يتم على عجل، ودون أن يطلعوا على فحواه، لكن بعدما سرت همسات بين المستفيدين قرأ أحد المسؤولين المحتوى، وذكر حسن بنروان الذي يحمل كذلك صفة رئيس ودادية "بهت الخير" أنهم يعترضون على البند الثاني من "الالتزام" الذي بصم عليه كل واحد(ة) بأصبعة! وقد جاء فيه:" عدم المطالبة بالشطر الثاني من المساعدة المالية إلى غاية إتمام بناء الطابق السفلي وإقرار اللجنة المختصة بتتبع أشغال البناء". وقد طرد حسن بنروان من قاعة الاجتماع بعد احتجاجه كما ذكر، وهُـدد زميل له بالطرد كذلك عندما بدأ الحديث إلى ثالث بجانبه كما أكدوا جميعا.
   وذكر أعضاء من مكتب ودادية "بهت الخير" التي أسسوها منذ 13 مارس 2009 بدار الشباب أن مليون ونصف المليون سنتيم كدعم أولي غير كاف لبناء سفلي، وبالتالي حسب اعتقادهم لن يحصلوا على الشطر الثاني من الدعم.
 وتجدر الإشارة أنهم قد أودعوا ملف جمعيتهم كاملا لدى السلطات في 19 مارس ستة أيام بعد تأسيسها كما يقولون، لكنهم لم يتوصلوا إلى حد الآن بوصل الإيداع، وأضاف رئيس الودادية أن الجمع العام حضره 165 متضررا من مختلف الأحياء.
    وقد وقع نفس الشيء بالنسبة لودادية حي أولاد مالك، التي تأسست قبل أسابيع بدار الشباب في جمع عام مستوف لجميع الشروط، لكن بعد وضع ملفهم لم يتوصلوا بوصل الإيداع إلى الآن.
   وللتذكير فقد عرفت منطقة سيدي سليمان فياضانات مهولة ابتداء من 3 فبراير 2009، أدت إلى هدم منازل عديدة بالمدينة والعالم القروي، ونزوح جماعي نحو ملاجئ خصصت لاستقبال المنكوبين، وإذا كان أزيد من 2560 منكوب في العالم القروي بجهة الغرب الشراردة بني احسن قد وعدوا بمنحة مالية حددت في 15000 درهم، من أجل إعادة بناء مساكنهم، لكن في سيدي سليمان استفاد 204 متضرر من بقعة للسكن، تختلف مساحتها ما بين أزيد من ستين وأقل من سبعين مترا مربعا في الغالب، ومواكبة تقنية و3 ملايين سنتيم على دفعتين،  وذلك في شرق سيدي سليمان قرب ثانوية علال الفاسي، ضمن مشروع أطلقت عليه مؤسسة "العمران" التابعة لوزارة السكنى والتعمير والتهيئة المجالية اسم: "عملية الخير الشطر الأول". ومن المرتقب أن يتم تحديد بقعة كل مستفيد يوم الثلاثاء القادم 19 ماي بمكان التجزئة المعدة للمنكوبين بحضور عدة مسؤولين.
    وفي نفس الموضوع تتابع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ملف منكوبي الفيضانات سواء بالمدينة أو بالعالم القروي، وقد أصدرت عدة بيانات حول ذلك، وراسلت عدة مسؤولين، وعقدت اجتماعا مع باشا سيدي سليمان في 20 مارس الفائت، ومع رئيس دائرة سيدي سليمان حول العالم القروي في 31 مارس كذلك، كما نظمت لقاء جماهيريا بالبلدية في 19 أبريل المنصرم حضره حشد من المتضررين، لتقديم حصيلة تحركات فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي سليمان، وقد أعطيت أثناءه الكلمة لبعض ممثلي المتضررين  قصد التعبير عن مشاكلهم، واختتم اللقاء برفع رسالة إلى الوزير الأول حول معالجة مخلفات نكبة الفيضانات وتفادي تكرار المأساة.
   ختاما، سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي سليمان مجموعة من الملاحظات المدرجة في اللقاء الجماهيري المشار إليه، من ذلك استثناء البعض من الاستفادة رغم توفرهم على نفس الشروط، وقد أودع مكتب الفرع قائمة للمتضررين لدى مصالح الباشوية بتوافق مع المسؤول الأول أثناء الاجتماع المشار إليه، ولعل أشهر المتضررين هي فاطنة القرشي  من حي "السوق القديم" التي لا يجادل أحد في أحقيتها، وقد استفاد كل جيرانها وبقيت هي في الوسط، بعدما تهدم منزلها الطيني بفعل نهر بهت عن آخره، وظلت تشتكي لفترة طويلة دون أن يلتفت إليها أحد.

الأربعاء، 13 مايو 2009

فعاليات مهرجان سيدي سليمان للسينما والتربية تقديم الضيوف وانطلاق مسابقة الأفلام القصيرة


فعاليات مهرجان سيدي سليمان للسينما والتربية
تقديم الضيوف وانطلاق مسابقة الأفلام القصيرة
    وسط جمهور متعطش للفرجة ومشاهدة السينمائيين عن قرب انطلقت فعاليات المهرجان السينمائي الخامس بسيدي سليمان مساء الأحد 8 ماي، وقد اتخذ كشعار له هذه السنة " السينما وثقافة التضامن"، كما اختير الممثل والمخرج إدريس الروخ ليكون الضيف المكرم. 
لجنة التحكيم: خالد شهبون، إدريس الإدريسي (الرئيس)، العمراني الحبيب، محمد رؤوف المصباحي، إدريس مجاهد( قيل في تقديمه للجمهور أنه لا يعرف العربية)، وتغيبت إيمان بونجارة.
     بعد ترحيب الجيلالي حمقات رئيس النادي بالجمهور الحاضر والضيوف، تمنى "أن يمحو هذا المهرجان أحزان الفيضانات"، في إشارة إلى مخلفات فيضانات شهر فبراير الأخير، وبدوره أخذ الكلمة المحتفى به إدريس الروخ وقد عبر عن سعادته بهذا الاحتفاء وبتواجده مع الممثلين والفنانين والصحافيين، وكان قبل ذلك قد قدم عبد الواحد بوجنان مجاهد إلى الجمهور الحاضر أعضاء لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة الفيلم القصير، وكوكبة من الممثلين والممثلات والمحسوبين على قطاع السينما، يتقدمهم محمد الرزين الذي تمنى في كلمته أن يكبر المهرجان ويتوفر على فضاء أرحب، وضيوف آخرون مثل زكي رشيد، يوسف بريطل، عبد القادر بوزيد، نجاة الواعر، هشام حيدر… وقبل عرض أربع أفلام مشاركة ضمن المسابقة استمع الجمهور إلى موسيقى الراب المقدمة من طرف ثلاثي شاب ضمن فرقة اختاروا لها اسم ليكوص. 
 
      الممثل والمخرج إدريس الروخ
 
   الممثل محمد الرزين
      في قراءة أولية للأفلام القصيرة المعروضة، ورغم ظروف العرض غير المناسبة في قاعة تنعدم فيها شروط العرض السينمائي، نجد فيلم "حلم امرأة" ليوسف عفيفي كصدمة جميلة لمتلقي مدعو ليفرك عينيه حتى يتأكد أنه لا يحلم، ليرى مشاهد لم يستعد لها الكثيرون في المجتمع، وهي قلب الأدوار بين المجتمع الذكوري والنسائي بشكل مطلق، بحيث تخطب الفتاة الشاب الذي ترغب في الزواج منه، أو يتعرض الرجال لمعاكسات من قبل النساء، أو أن يتكفل الرجال بأعمال البيت، أو أن يدعو أبوي سيدة متزوجة أن تتزوج على زوجها العاقر… لكن إدراج كل ذلك في مجرد حلم امرأة يفقد القيمة الفنية للفيلم وقوة الخطاب المستفز الذي يجعل المشاهد يطرح أكثر من سؤال عن الأدوار الاجتماعية بين المرأة والرجل.
     الفيلم الثاني لجيهان البحار يحمل عنوان: " مراقبة وحذف"، وهو يعرض بأسلوب فني كيف تتحكم كاتبة من وراء حاسوبها في ذوات سبع أشخاص مسافرين على متن طاكسي، بحيث كل مرة تشكل أحداثا وشخوصا متميزين من نفس المممثلين، في ثلاث قوالب غير منتهية، وفي الأخير لم تتطمئن لأي قصة/قالب، والفيلم يعني –ربما-  أن الحياة يمكن تعاش بطرق مختلفة، مع طرح تساؤل كبير، وهو من يتحكم في مصائرنا وأقدارنا، هل نحن، أم آخرون لا نراهم؟  
  "مينوي" أو منتصف الليل ليوسف الركاب، تحضر فيه كذلك الأدوار المتبادلة بين الرجل والمرأة، الزوجة تروح كل ليلة لعملها الليلي، والرجل يبقى في المنزل، لكن المخرج جعل الجميع يعتقد أن الزوجة كل ليلة تقضيها مع أحد "زبنائها" بعدما يجلبها من "سوق" العهارة بزقاق نصف مظلم تعرض فيه الأجساد، أما الرجل فتوهمنا نحن المتفرجون أنه يبقى في المنزل، مما جعل الزوجة تكتشف لباسا داخليا نسويا في بيتها، وهوما دفعها كي  تثور ضد زوجها "الخائن"، وبعد انتحار سعيد الزوج، نكتشف في الأخير عن طريق "فلاش باك" غير موفق فنيا أن الزوج هو من يتزين ويرتدي ملابس نسائية، ويذهب كل ليلة مع "زبون". 
   
    بطل فيلم "مينوي" يوسف بريطل
     آخر فيلم عرض ضمن المسابقة في اليوم الأول هو "إزوران"(الجذور) وقد قدمه مخرجه عز العرب العلوي، قائلا أن فيلمه حاز على عدة جوائز في أمريكا والجزائر والمغرب، مدته 21 دقيقة، صامت، مرفق بموسيقى وتعابير جسدية وتصويرية، وأضاف أنه عميق ويحكي مأساة طفلة صغيرة… قوة الفيلم في شاعريته كما ذكر البعض، وفي تأويلاته المختلفة، مادام يعرض شيئا من سيكولوجيا وسيوسيولجيا وانتربولوجيا مشتركة بين سكان الأرض، من ذلك حضور الخوف والرهبة من الموت، وقلق فقدان الحبيب، والمخيال الجمعي، كحضور فارس الأحلام والعروس باللباس الأبيض، والجمع بين الموت والحياة والانسياب من قبضة الماضي والموت والخوف (لقطة انفلات ثوب العروس من دفة الباب)، وحضور تيمات تقليدية كالتداوي بالإيحاء والأعشاب والبخور، ويحضر الرمز الأمازيغي بقوة سواء عبر الأهازيج والوشم واللباس، واختيار أوقات وزوايا تصوير موفقة لا ينجح فيها إلا محترفو الفن السينمائي. 

  المخرج عز العرب العلوي
   الأفلام المعروضة تحتاج إلى وقفة أطول وإلى أكثر من مشاهدة، وهي تعكس القوة التعبيرية القوية التي أصبح يمتلكها سينمائيون مغاربة، بحيث يتأكد يوما بعد آخر  أن هناك "صنعة" يتوفر عليها هؤلاء، وهم يحرصون على توفير كل متطلبات الجودة لأفلامهم، في انتظار أن تتاح لهم الفرصة للإشراف على أفلام مطولة، وأن تعود للسينما عموما قوة حضورها، خاصة على مستوى توفير قاعات العروض.
      في انتظار أهم فقرة مساء السبت وهي حفل التكريم وعرض فيلم "كازا نيكرا"، كنا نتمنى من نادي الطليعة السينمائي إيجاد "مخرج" لاستفادة أكبر عدد ممكن من ساكنة المدينة من بعض فقرات المهرجان، كأن تعرض بعض الأفلام في أمكنة عامة قرب الأحياء السكنية في غياب قاعة مناسبة، أما مساهمة المهرجان في كفكفة دموع المنكوبين من الفيضانانت ومسح أحزانهم فلا ندري كيف سيتم ذلك.  
                              إعداد مصطفى لمودن 

   



 ثلاثي فرقة ليكوص

——————————–
 رسالة إلى المقرصنين: يحق لكل واحد إعادة نشر هذه المادة لكن على الأقل الإشارة إلى المصدر.

الاثنين، 11 مايو 2009

الشباب و السياسة بالمغرب: عزوف أم تعصب؟


الشباب و السياسة بالمغرب:

عزوف أم تعصب؟
 



إنجاز: أمين جوطي

     تقديـــــــم:
       تطرح إشكالية " الشباب والعزوف عن السياسة" نفسها كإحدى القضايا الشائكة في المجتمع المغربي، فهذه الإشكالية التي استحالت أو قد تستحيل مشكلة، تستوجب تفكيرا سياسيا عميقا وأن تطرح بجدية بالغة ، وعلى نحو مستمر من لدن الباحثين الجامعيين والمفكرين على تنوع مشاربهم المعرفية والمنهجية ، لما لهذا الموضوع من حساسية بالغة، فعزوف الشباب المغربي الذي يمثل الشريحة العمرية الأوسع في الهرم السكاني عن مجال السياسات العامة ، سيؤدي إلى اتساع فضاء اللاتسيس مما يضعف درجة التعبئة والتوعية وحس المواطنة، الشيء الذي ينجم عنه ضعف مؤسسات الدولة ،  ويسم المجتمع بالشهامة والتضعضع.
إن اتساع فضاء اللاتسيس قد يخضع لعملية مد وجزر في كل المجتمعات، حسب الظرفيات السياسية والإقتصادية، وتتبين ملامحه من خلال عدد المنخرطين في المنظمات السياسية أو المساهمة في الحملات الإنتخابية أو القيام بواجب التصويت، هذه العناصر الثلاثة الأخيرة كمظاهر للممارسة السياسية الديموقراطية، عرفت بالمغرب تراجعا ملحوظا، وكانت أبرز سماته نسبة التصويت الضعيفة في الإنتخابات التشريعية لـ : 9  سبتنمر 2007.
       ويمكن القول  بأن نتائج هذه الإنتخابات والتي جاءت في مرحلة تاريخية حاسمة يمر بها المغرب ، جاءت لتظهر ملامح لخطر الطلاق الذي لا رجعة فيه بين الشباب والسياسة، ولتبين حجم النفور الكبير للمواطن المغربي من " السياسة وأخواتها ".
       وإذا كان العديد من متتبعي الشأن السياسي المغربي ، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، يشهدون بأن شروط الممارسة السياسية الديموقراطية أصبحت أكثر توافرا: خفض سن التصويت إلى 18 سنة، اتساع مجال الحريات العامة، فسحة أكبر لحرية التعبير، مناخ يوفر أكثر فأكثر حظوظا متساوية لجميع الأطياف السياسية لتحمل مسؤوليات الشأن العام …. إلخ ، إلا أن نسبة التصويت الضعيفة تطرح على الفاعلين السياسيين، وعلى كل مهتم بشؤون الوطن أكثر من علامة استفهام عن أسباب النفور من عملية التصويت .
       فهل السبب لا يتعدى كون أنه جاء في سياق زمني يعانق كل من العطلة الصيفية ومرحلة الدخول المدرسي واقتراب حلول شهر رمضان ؟ أم ان الأمر الأكثر تعقيدا من ذلك ويستوجب طرح أسئلة أكثر عمقا وجرأة ؟ 
       أفلا يجدر بنا عوضا عن تطمين الذات بتقديم تبريرات وأجوبة سهلة، لحدث قد لا يكون عابرا، كالنفور الذي حصل في انتخابات 2007، أن نفتح باب القراءة لإحتمالات أخرى؟  فلماذا لا نقول بأن ما حصل وقد يكون له سوابقه ولواحقه، جاء يحمل مؤشرات تومض بنور غير خافت ينذر بخطر اتساع رقعة اللامبالاة السياسية للمواطنين بالمغرب ؟ وإن كان الأمر كذلك  فما هي الأسباب التي استبعدت المواطنين، وبخاصة منهم الشباب من ميدان المشاركة السياسية ؟ أليس من الممكن الحديث عن تكون اتجاه يتسم بتعصبه ضد السياسة ؟
لن أختار اتجاه تطمين الذات، وسأحاول طرح المسألة كظاهرة إجتماعية ذات طبيعة مركبة تتداخل  فيها السياسية مع الإقتصاد مع الثقافة ، وما لتفاعل المكونات السابقة من آثار نفسية وذهنية على الفرد وعلى الجماعة.
       فبما أن شهادات عديدة للأحزاب المغربية وللملاحظين الدوليين تؤكد على أن الإنتخابات السابقة هي الأنزه في تاريخ المغرب ، فإنه بإمكاننا اتخاذها مقياسا لحجم اللاتسيس بين المغاربة ، ومطلبا لإستقراء الأسباب الكامنة وراء ذلك بطريقة بانورامية وغير مغدقة في التفاصيل في آن معا.
       إن استقراء موضوعيا لهذه المسألة من شأنه أن يوضح الأمور، ويرفع اللبس الذي يلف واقع علاقة المواطن بالممارسة السياسية، كما من شأنه أن يظهر الجهات التي تتحمل مسؤولية هذا الإبتعاد عن الشأن العام، هل هي الدولة وحدها ؟ هل هي الأحزاب فقط ؟ وأي أحزاب ؟ هل تلك التي أطلق عليها إسم " الأحزاب الإدارية ؟ أم أن الأحزاب جميعها في خانة واحدة في نظر المواطن ؟ أو لا يتحمل المواطن بدوره جزءا من المسؤولية ؟ أم أن هناك عوائق اجتماعية تحول بينه وبين المشاركة السياسية ؟
       تلك أسئلة من بين أخرى نطرحها لكي يتحمل كل طرف عند الحاجة نصيبه من المسؤولية، وسأقدم تفسيري لإبتعاد المغاربة، والشباب منهم على وجه الخصوص من ساحة الشأن العام معتمدا عدة مداخل، هي :
الفصل الأول :   مدخل التنشئة الإجتماعية : واقع تاريخي وتكريس ذهنية .
الفصل الثاني :  المدخل الاقتصادي :  عوائق إجتماعية وآثار نفسية .
الفصل الثالث :   مصادر التعصب ضد السياسة .

الفصل الأول : مدخل التنشئة الاجتماعية: واقع تاريخي وتكريس ذهنية.
       رغم أن الدولة المغربية قامت بمجهودات جبارة لطي صفحة الماضي السياسي المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة  لحقوق الإنسان، والاعتقالات السياسية الناجمة عن صراعات حادة بين بعض القوى السياسية بالبلاد وبين المخزن، وكانت الدولة جريئة عندما قررت البحث في هذا الماضي لأجل المكاشفة والمصارحة وإنصاف المتضررين أو ذويهم مما لحقهم من تعسفات ومن تم المصالحة مع الماضي ، للاتجاه قدما لتكريس مفهوم جديد للسلطة، ورغم ما سبق ذلك من إصلاحات وتعديلات سياسية للوصول إلى إجماع وطني بين الدولة والأحزاب السياسية الديموقراطية والفاعلين الأساسيين في المجمتع المدني، بدأت بدستور 1996 وكللت بحكومة التناوب التي عرفت مشاركة أحزاب سياسية معارضة، وذلك سنة 1998 ، فإن عدد لا بأس به من المغاربة لم يستطع التخلص من فكرة أن السياسة مجال خطر، تلفه صراعات وتحركه المصالح الشخصية، طالقين العنان للتعميم.
زاد طين تصور المغربي  للسياسة بلة، ما ساد من فساد في تسيير شؤون الجماعات المحلية من لدن أفراد اشتطوا في استغلال السلطة ونهبوا المال العام، إضافة إلى الإنشقاقات الحزبية وتفريخ الأحزاب.
كل ما حدث وتفاصيله عديدة ومتشعبة، كان يؤثر بشكل كبير في المواطنين ليكون لدى المغاربة فكرة خاطئة عن السياسة بتقديمها بوصفها لوثة تفسد كل من يقترب منها، ومجالا للألاعيب والمؤامرات والأفخاخ ، وهو ما يتغلغل عبر التنشئة الاجتماعية في أوساط الأجيال اللاحقة. وهذا ما يوصلنا إلى طرق باب عوامل التنشئة الإجتماعية التي   تفسر الابتعاد عن المشاركة السياسية.

- التنشئــة الإجتماعيــــة:
       لكل مجتمع سماته التي تميزه من قيم ومعتقدات ومثل … تتعلق بالحياة في شتى جوانبها، والحياة السياسية كجزء هام منها، ونخص بالذكر القيم والرموز الخاصة بالنظام السياسي، وكيف يفترض أن يعمل، وحول ما قد تفعله الحكومة، وحول نظرة الشعب إلى السلطة والتزاماته إزاءها – والأمور السابقة تشكل ما نسميه بالثقافة السياسية – وهي تختلف بشكل ملحوظ من أمه إلى أخرى، وتكون جزءا مما نكون على وعي به أو على غير وعي.
تلكم السمات، وإن كانت قابلة للتغيير، فتغييرها يتسم بالبطئ. وهي تنتقل من جيل إلى جيل عبر احتكاك الأفراد خلال نموههم بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والسياسية،  حيث يكتسبون كثيرا من الأفكار والاتجاهات والقيم تمكنهم من لعب أدوار اجتماعية بالطريقة التي تتماشى مع المعايير المجتمعية.
       وأعتقد أن عملية التنشئة الاجتماعية بالمغرب لم تلعب دوارا إيجابيا في تكوين ناشئة تنظر إلى السياسة بعين الرضا، و لنبدأ بأهم مؤسسة اجتماعية وهي الأسرة .

أ‌-  الأســــــــــــــــــرة:
   ورثت الأسرة المغربية نظرتها للسياسة المختلجة بالريبة والخوف والشك لأبنائها، وأسقطت بذلك وبشكل غير واع الماضي على الحاضر . وهو أحد أسباب اضمحلال عدد المنخرطين بالأحزاب ، بل وسبب في نفور المواطن عن السياسة . هذا النفور كرسه وساهم في امتداده بشكل كبير ، الموجة الجديدة للصحافة .

ب- الإعـــــــــــــــــــلام:
   يدخل الإعلام في عصرنا الحالي كأحد أهم أقطاب التنشئة الاجتماعية، خاصة بعد الطفرة التكنولوجية المذهلة التي حدثت ولا زالت تحدث لتجعل من العالم قرية فعلا. حيث يمكن اعتبار الثورة المعلوماتية التي يقوم بها الإعلام عبر أرجاء المعمورة فصلا رئيسا من تاريخنا المعاصر.
   وقد سمحت هذه الثورة الإعلامية عبر جميع وسائطها الاتصالية من اتساع موجة الديموقراطية اختلفت سرعتها  و وظيفتها حسب كل مجتمع ، وذلك مع إقرار حرية التعبير وحرية النشر وإنشاء القنوات الفضائية.
   وإذا كان للإعلام دور هام في كل مجتمع فإنه لا ينجو بدوره من منزلقات قد يكون السبب من ورائها مصالح شخصية، والاستفاضة في موضوع الإعلام مسألة هامة، غير أنها لا تجد لها مقاما هنا إلا بقدر ما ترتبط بمجال التنشئة الاجتماعية السياسية ، وفي بلد كالمغرب.
اختار المغرب طريق الإنفتاح والسير قدما في مسار تجسيد الديموقراطية ، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في السنوات الأخيرة ، إذ اتسعت فسحة الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير ، ويقدم لنا عدد الجرائد المتعددة الأطياف والاتجاهات دليلا على ذلك ، كما يقدم تحرير المجال السمعي البصري حجة أخرى دامغة على أن المغرب عازم كل العزم على إتمام جميع أوراشه الديموقراطية.
إلا أن فتح مجال الحرية لكل أطياف المجتمع كي تعبر عن آرائها  لم يسلم من منزلقات، حيث ظهرت مجموعة من الجرائد سمت نفسها مستقلة، واستغلت دمقرطة الفضاء الإعلامي لخدمة مصالحها الذاتية، وذلك عن طريق خلق مواضيع للإثارة لا هدف لها إلا الربح التجاري. متناسية دورها الحقيقي المتجلي تنمية الإدراك والوعي السياسي لدى الأفراد، وزرع حس المواطنة، وتجنيد المواطنين للمشاركة السياسية، وتقديم اقتراحات وبدائل مبنية على الموضوعية والعقلانية. غير أنها وللأسف ساهمت بشكل كبير في رسم صورة بشعة للسياسة وأهلها، فانهالت بازدراءاتها لكل مبادرة ، وتحقيرها لكل مجهود.
إن ما سبق حرك في الأفراد ما يسميه علماء النفس بالمجال العدواني للإنسان، إذ يتم تغييب التحليل المنطقي مقابل إعلاء اللاجدوى والنظرة العدمية والظلامية ، وهو ما يدفع إلى تكوين اتجاهات تعصبية ضد السياسة وأخواتها.
إن الدور السيئ الذي تقوم به بعض الصحف يشوه معنى الأشياء، وإذا كنا كتقدميين ديموقراطيين قد تضررنا فيما مضى بما سميناه بالصحافة الصفراء، فاننا اليوم كتقدميين ديمواقراطيين نعاني بما يمكن أن نطلق عليه : الصحافة السوداء ، التي يمتد تأثيرها السلبي في التنشئة الاجتماعية مع عامل آخر يسهم في عملية التطبيع الاجتماعي ، وهو ما يسمى القابلية  للاستهواء .

ج- القابليــة للاستهـــواء:
   ويقصد بها سرعة تصديق الفرد وتقبله للآراء والأفكار دون نقد أو مناقشة أو تمحيص، خاصة إذا كانت صادرة من منبر إعلامي، أو من شخصية معروفة، وتأخذ مصداقيتها من خلال التداول بين الأفراد.
   وهكذا فالجماعة تتشرب دون قصد أو نقد أو تحليل، العديد من الاتجاهات والآراء عن طريق القابلية للإستهواء، والتي تزيد حدة تأثيرها في المجتمعات كلما كان مستوى الوعي ناقصا ونسبة الأمية مرتفعة.
وتسهم القابلية للإستهواء من خلال التفاعل الاجتماعي لأعضاء المجتمع في تكوين نواتج اجتماعية، من ضمنها بعض الأفكار النمطية اتجاه الجماعات والموضوعات ، وللأسف ، يبدو أن السياسة كفن نبيل هدفه تحقيق مصلحة المجمتع وتسيير أموره العامة تحقيقا للخير العام ، قد تعرضت، وتتعرض في بلادنا إلى تنميط صورتها من خلال العوامل السابقة لتصبح في لا وعي الكثير فضاء لصراع المصالح الذاتوية وللوعود التي يتبعها جحود،  وللضحك على أذقان المواطنين . كما أن تنميط الصورة ذاك وضع عند البعض جميع الساسة والأطياف السياسة التي ينتمون إليها في خندق واحد…

الفصل الثاني: المدخل السوسيو ثقافي:

عوائق اجتماعية وآثار نفسية 
لا شك في أن السنوات الأخيرة التي يمر بها عالمنا المعاصر، وخاصة بعد سقوط جدار برلين أتت وهي تتدفق  بسرعة، حاملة معها تغييرات ضخمة وغير عادية، لتداهمنا بزخم من الأحداث خرافية السرعة، متعددة الاتجاهات، صعبة الاستيعاب، لتبقى الأحداث بذلك متقدمة زمنيا على تفكيرنا وتفسيراتنا.
ورغم أن التغييرات المتلاحقة خلفت تقدما على مستوى الصناعة أدى إلى نمو الاستهلاك، وازدهار في الشغل، وتعدد في مجالاته، إلا أن المكننة وتطور التكنولوجيا أديا إلى الاستغناء أو التقليل من الاعتماد على اليد العاملة، مما ساهم في تفاقم درجة البطالة، وكرس ظاهرة الفقر كما أدى النظام الرأسمالي بشكله المتوحش إلى تكدس الثروة في يد فئة قليلة داخل كل مجتمع، (بل وبين الدول الغنية والدول الفقيرة).
ويشهد علماء الاجتماع بأن الفقر والبطالة، إضافة إلى الأمية وسوء الأحوال الصحية، وانعدام شروط السكن اللائق هي عوائق اجتماعية تؤدي إلى استبعاد الأفراد الذين تحيق بهم من المشاركة في الحياة العامة، فكيف إذا ما اجتمعت كل هذه العوائق الاجتماعية وبشكل كبير في بلد يواجه تحديات جسيمة كالمغرب؟
يعيش عدد كبير من المغاربة تحت عتبة الفقر، مما يجعلهم يفتقدون لشروط العيش الكريم، يعانون حرمانا ماديا  يتجلى في عدم قدرتهم تحصيل متطلبات معيشتهم اليومية من غذاء وكساء وسكن لائق، مما يجعلهم يدورون في دوامة من القلق وانعدام الاطمئنان النفسي، وعدم الإحساس بالأمن الاجتماعي، الشيء الذي يؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية، وكذا على سلوكهم وتفكيرهم، حيث أن الإحساس بالحرمان يرفع الإحساس بالقلق والتوتر النفسي، ويدفع إلا الاكتئاب والإحباط واليأس، فيتجه الفقراء بالتالي إلى الابتعاد عن المجتمع وقضاياه العامة.
يمكن إذن اعتبار الفقر نذيرا مبكرا للاستبعاد الاجتماعي، فالعلاقة الديالكتية بينه وبين العوائق الاجتماعية الأخرى جلية جدا، فالفقر لا يعطي للفرد إمكانية الاستفادة من سكن لائق، وعدم توفر هذا الأخير يسبب مشاكل صحية، كما يؤثر على الأسرة بحيث تعاني من مشاكل عائلية متعددة، مما يؤثر بدوره على التحصيل الدراسي، وبالتالي فالأفراد الذين يعيشون في كنف ظروف صعبة إما تتوقف مسيرتهم الدراسية مبكرا، أو يتخرجون من الدراسة بمستويات منخفضة، وهو ما يجعلهم عرضة للبطالة أو للعمل المنخفض الأجر، مما يعني تكريسا لحالة الفقر وتوسيعا لقاعدته، وبالتالي المزيد من الابتعاد عن المشاركة الفاعلة داخل المجتمع،  بل سيخلق في نفسية الأفراد إحساسا بالنقمة الاجتماعية.
ولا يمكن أن يفوتنا القول بأن الدولة المغربية بذلت في السنوات الأخيرة مجهودات كبيرة للحد من العوائق الاجتماعية التي سبق ذكرها، إلا أن الوضع الاجتماعي لا زال في حاجة إلى المزيد من الجهد والسرعة، للقضاء على آفة الأمية، وتكييف التعليم مع سوق الشغل، مع تطبيق عادل لمفهوم المساواة في كليهما –أي التعليم والشغل- على حد سواء، وكذا لتوفير الخدمات الطبية والعلاجية بتكلفة معقولة، وأن تنتشر مراكز الخدمات العلاجية بشكل متكافئ في كافة مناطق المملكة… إلى غير ذلك من سياسات اجتماعية فعالة، وذلك لأجل خلق مجتمع متوازن وسوي، قادر على التواصل الخلاق بين أفراده وجماعاته، منخرط في صلب الشؤون السياسية العامة.
ذلك أن اتحاد عامل التنشئة الاجتماعية الذي تمت الإشارة إليه في الفصل الأول، مع مجموعة العوائق الاجتماعية التي وردت في هذا الفصل، من شأنها أن تخلف آثارا نفسية حادة، هذه الأخيرة تفرز لنا بدورها أنواعا من السلوكات التعصبية في مجتمعنا، لعل "التعصب ضد السياسة" هو أحد هذه الاتجاهات التعصبية التي ربما بدأت تتجسد في بلادنا.
وسأحاول أن أوضح ارتباط ما سبق بنشوء السلوك التعصبي، معتمدا على نظريات علم النفس الاجتماعي المستندة إلى بحوث تجريبية.


الفصل الثالث: مصدر التعصب ضد السياسة
يمكن تعريف التعصب على أنه مرض اجتماعي يولد  الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية، حيث يمد التعصب صاحبه بأسباب وهمية تفوت عليه فرصة حل إشكالاته ومشاكله بطريقة واقعية.
وقد عرفت البشرية عبر التاريخ بروز صور للتعصب، مما شكل أساسا لحلقات من الصراع كانت مصدرا لتعاسة البشر، وحاجزا للتفاهم بينهم، فالتعصب ونظرا لما يخلقه من صعوبات نفسية واجتماعية، فإنه يعوق النمو النفسي للأفراد ويدفعهم إلى الاضطراب، وهو ما دفع غالبية علماء  النفس الاجتماعي  إلى الاتفاق على أن: "صاحب الشخصية التعصبية هو نفسه صاحب الشخصية المضطربة".
ونادرا ما نجد سببا مسؤولا عن التعصب بمفرده، فهو يرجع لعوامل متشابكة ومتداخلة، لهذا  فمن المهم تبني رؤية شمولية تأخذ في اعتبارها جميع النظريات المفسرة للتعصب.
ينظر إلى التعصب بشكل عام على أنه اتجاه سلبي غير منطقي تجاه جماعة أو اتجاه أعضاء هذه الجماعة، ومن مكوناته بالإضافة إلى التفكير غير المنطقي الجمود، والتعميم المفرط، والظلم، وسيادة الأفكار النمطية، هذه الأخيرة التي تعتبر تطبيقا أتوماتيكيا للتعصب تجاه أعضاء الجماعة التي  تخصها هذه الأفكار النمطية. ومن وظائف التعصب أن المتعصب يجعل له "احتياطيا اجتماعيا" يتمثل في المتعصب ضده، ينسب إليه كل المفاسد ويحمله مسؤولية كل المصائب.
وأعتقد أن ما يفسر ابتعاد المواطنين عامة، والشباب خاصة عن مجال الممارسة السياسية بالمغرب، هو تعصبهم  ضد السياسة، ما يبرهن ذلك ليس هو نسبة العزوف عن التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2007) فقط، بل أيضا الابتعاد الكبير عن جميع أشكال المشاركة السياسية.
وإذا ما أسقطنا تعريف التعصب ونظرياته على الواقع المغربي فإن الخلاصة ربما تقربنا من أن العديد من المغاربة متعصبون ضد السياسة.
ولنبدأ أولا بالتعريف، مقارنين إياه بواقع الحال، جاء في التعريف أن التعصب:
- اتجاه سلبي  غير منطقي اتجاه جماعة أو أعضاء هذه الجماعة؛ ولعل الامتناع عن التصويت الانتخابي، وعدم الانخراط اليومي في الفعل السياسي يشكل موقفا سلبيا، من السياسة وجماعة السياسيين، وهو الأمر الحاصل في المغرب، حيث نسبة الانخراط تبدو ضعيفة جدا بالأحزاب السياسية.
- يتسم بالتعميم المفرط والظلم؛ وهو ما يفسر أن النفور يشمل جل الأحزاب السياسية وأعضاء الجماعات السياسية، دون فرق بين هذا وذاك، بدون قراءة لتاريخ الأحزاب ونضالاتها، دون قراءة للواقع وممكناته… وهو ما يؤدي إلى ظلم البعض على حساب البعض الآخر، كما أن التعميم  المفرط يتجلى في عدم التفاعل والتجاوب من قبل المواطنين مع أي مبادرة تقدمها أية جماعة سياسية بالشكل الذي يجعلها فعالة ومنتجة لثمار إيجابية داخل المجتمع.
- يطبق ويمارس عن طريق أفكار نمطية، وهذه الأفكار النمطية هي صورة عقلية مفرطة في التبسيط تتكون عن بعض فئات من الأشخاص أو المؤسسات أو الأحداث التي يشارك في ملامحها الأساسية عدد كبير من الناس.
فأمام تعقد الأحداث على الساحة العالمية وتأثيراتها على الساحة الوطنية، يلجأ الأفراد إلى التبسيط المفرط، حيث يضعون السياسة وأهلها في "قفص الاتهام"، ليسقطوا عليها كل المشاكل الاجتماعية والفردية التي تواجههم. هذا الإسقاط هو أحد الحيل الدفاعية التي أشار إليها رائد مدرسة التحليل النفسي "سيجموند فرويد"، والإسقاط هو حيلة لا شعورية تتلخص في أن ينسب الفرد عيوبه ومناقصه إلى غيره من الناس أو الأشياء أو الأقدار، تنزيها لنفسه وتخفيفا لما يشعر به من قلق أو نقص. ويتسم هذا النوع من الحيل الدفاعية بطابع الهجوم والاعتداء والقذف.
لكن كيف يتكون التعصب لدى الأفراد حسب نظريات علم النفس الاجتماعي؟
بصفة عامة، يمكن حصر مسألة تكون التعصب في عاملين إثنين:
أولا: التنشئة الاجتماعية:
إذ ترى بعض المدارس بأن التعصب بوصفه اتجاها سلبيا يتكون لدى الفرد من محصلة تجارب وخبرات وتفاعلات اجتماعية تزوده بها عملية التنشئة الاجتماعية، فمن البديهي أن الأطفال لا يولدون ولديهم كراهية لأفراد ينتمون إلى جماعات معينة، لكنهم يكتسبونها من آبائهم وأمهاتهم خلال عمليات التعلم الرئيسية التي يمرون بها. وهو الأمر الذي رأينا في الفصل الأول كيف أن العديد من الأسر المغربية قامت به، إذ كرست لدى الناشئة تخوفا وكرها للسياسة.
كان إلى جانب الأسرة في تكريس هذا الاتجاه التعصبي، العديد من الجرائد التي وجدت في انفتاح المغرب على الديموقراطية بشتى أشكالها مبتغاها، لتسخر أقلامها لا لتملأ الصحف مدادا أسودا، بل لتملأها فكرا أسودا، ضاربة بقدر ما تستطيع كل الرموز السياسية دون تمييز، منتقدة بشكل هدام كل مبادرة يكون مصدرها من أي طيف سياسي، لتكسر كل جسور الثقة بين المواطن والسياسة. وهي تقوم بذلك متاجرة بألم المغاربة، لا لشيء سوى لخدمة مصالحها ومصالح من يرعاها.
إن ما سبق يؤدي حسب كثير من علماء النفس الاجتماعي إلى خلق قيم مشتركة تؤدي إلى تقوية التعصب، الذي سيتفاقم من خلال عملية الاستهواء الاجتماعي، فعندما يكون هناك تشجيع ثقافي واجتماعي للتعصب، سيصر كثير  من الأفراد على اتخاذ الموقف المتعصب سلوكا لهم، كي يجاروا الآخرين.
ثانيا: العوائق الاجتماعية:
جاء في الفصل الثاني أن العوائق الاجتماعية كالفقر والأمية وانعدام السكن اللائق وانتشار البطالة، تؤدي إلى القلق والشعور بعدم الأمان والتوتر وعدم الاستقرار الوجداني لدى من يواجهون تلك المشاكل، وهو ما يوصلهم إلى مستوى عال من الإحساس بالإحباط، الشيء الذي يدفعهم إلى البحث عن كبش فداء ليحملوه مسؤولية ما يعانوه من مشاكل، وهو الأمر الذي تتميز به الشخصية التعصبية.
وتفسر نظرية الصراع الواقعي التعصب على أنه ناجم على المنافسة على المصادر النادرة، خاصة المصادر الاقتصادية وعدم العدالة في توزيع هذه المصادر. أما نظرية الحرمان النسبي فإنها ترى أن المشاعر الوجدانية للواقع والحياة المليئين بالحرمان تكون مصدرا للعداء الاجتماعي وللتعصب.  وأيا ما كان الانحطاط أو الضعف الاجتماعي فرديا يميل الفرد الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية ضعيفة على تكوين تعصبات ضد الجماعات التي ينسب إليها المسؤولية عن انحطاطه أو ضعفه.
وانطلاقا من ملاحظات عديدة فإن عددا مهما من المواطنين المغاربة اختاروا الأحزاب السياسية كي ينسبوا إليها جميع ما يعانوه من مشاكل، ناظرين إلى الأعضاء المنضوين ضمن تلك الأحزاب والذين تمكنوا من تبوء مناصب معينة بعين النقمة الاجتماعية، ليصنفوهم جميعا ودون تمييز ضمن خانة الوصوليين.
و هكذا سيقف التعصب ضد السياسة حاجزا كبيرا أمام أبواب الممارسة الواسعة و الفاعلة في ميدان الشؤون العامة، و ستضمحل نسبة المشاركة في كل ما له علاقة بالسياسة ، الامر الذي لن يؤدي إلى حل المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها ، فعلى العكس من ذلك سيدفع على المزيد من التشاحن و الصراع داخل المجتمع ، سيكسر الثقة و يؤدي الى التباعد الاجتماعي، فيصبح المجتمع هشا. وهو ما يعبر عنه "ابن خلدون" عندما يقول : }عندما تضعف الأواصر الاجتماعية تقط المدينة{.
و بالتالي فإنه يبقى لزاما علينا مقاومة هذا التعصب و علاجه ،و ذلك اعتمادا على بعض الاساليب و منها :
1. الاتصال المباشر بين الجماعات و الافراد: يرى كثير من علماء النفس أن الاتصال المباشر بين الافرا د و الجماعات من الوسائل الهامة لخفض التعصب، بحيث ان دراسات عديدة أثبتث أنه كلما زادت معرفة الفرد بالحقائق و المعلومات عن الجماعات التي يتعصب ضدها قل التعصب، و تزيد فعالية مواجهة  التعصب إذا ما اتسم التصال مع المتعصبين بالتعاون والاعتماد المتبادل من أجل تحقيق أهداف مشتركة ، و أيضا إذا ما  تم  الاتصال معهم بشكل غير رسمي ، فالتعارف الذي يحدث بشك تلقائي بين الأفراد عنصر أساسي في الانصال.
2. البرامج التربوية : إذا كانت الأفكار النمطية و المعتقدات الخاطئة التي تمثل جوهر التعصب ، قائمة على الخطأ وتشويه للمعرفة، فإن التعرف على الوقائع ربما يساعد في عملية تغيير التعصب ، على الاقل لدى المستويات التعليمية المرتفعة.
3. التزود بالمعلومات عن مصادر الافكار النمطية: وهو ما قد يشكل أنجع الطرق بحيث يتم تعليم الناس أن يكونوا أكثر وعيا للخصائص الإيجابية عند تعاملهم مع الآخرين، بدلا من التركيز على الجوانب السلبية، كما يتم تعليمهم أن تبني موقف الاكتراث بالأمور والوقائع قد يعطي ثمارا أفضل من تلك التي يظنون أنهم سيجدونها من تبني موقف اللامبالاة.
و إذا كانت الأساليب السابقة تعتبر من الخطط العملية للاستراتيجيات الطويلة و المتوسطة المدى، فما هي نقطة الانطلاق التي يمكن البدء منها لمقاومة التعصب وبناء مناخ الثقة و التعامل المتبادل؟
إن ما سبق سرده في هذه الصفحات، يحدد لنا بعض معالم البيئةالسياسية و الاجتماعية التي نعمل فيها ، و التي تبين مدى التحديات الجسام التي تواجه العمل السياسي بالمغرب ، تنضاف إلى تلكم التحديات عوامل أخرى تقف حائلا  دون توسيع مجال المشاركة السياسية ، و لايسع المقام هنا لذكرها كاملة و التطرق إليها بشيء من التحليل، كالغزو الاعلامي الغربي ذو الثقافة الاستهلاكية، وانتشار موجات التطرف والتشدد الديني……إلخ.
إن معرفة البيئة التي نعمل فيها سيدفعنا إلى طرح السؤال التالي: "  مع من سنعمل في المرحلة الأولى؟"