الجولة الأخيرة
مصطفى لمودن
كانت للسماء كبد مجوفة
كسقف بيتنا المحدودب
كحلمة ترنو
كعين تذرف رمانا وزيتونا مخضبا
كشحوب مساء يطول
كجوف أبي سفيان
يلتهب ويلهب، ويجمع الحطب
كانت الشمس في كبد السماء
وكان صراخ جرونا يعلو
ونباح أمه/كلبتنا لا يتوقف
وكان التتار قد أولجوا
أولجوا مفتاحهم في الثقب
وظل الباب موصدا
وعنقاء اليمامة تمد يدا
وتبسط خدا، وتلعق الدينار
والدرهم والدولار
كانت عقارب الساعة تشرئب
تنتظر، تستغيث،
ولما طال بها الأمد
ولما لم يعد للزمن مذاق
ولا للصبح رونق
ولا لشمس الظهير حنق
ولا لعيني حبيبتي ومض
ولا ليد بودا عضد
حينها تراقصت العقارب
ووزعت لسعاتها بالمجان
كانت أمي ترضع كل أولاد الجيران
وكان لحليبها طعم التراب
كانت أمي طيبة ككل الأمهات
كانت تلتقف الدمع
كانت كالشجرة الوارفة
وكان تمرها من طين الأرض
لكن أنا وأولاد الجيران
تسللنا إلى عمق القمر
وتهنا في عمق السفر
بلا حطب أو مجد
بلا بطولة أو نهد
كلنا يا أمنا سرنا نحو جبنا
سرنا طويلا
وكان الجب ينتظرنا
جبننا الذي لفنا في كفن
جبننا ما ظهر منه
وما بطن..
كانت أحلامنا كالبراغيث
تلسعنا..
كان الاتساع ملء المقلة
وكان الأمل
يركبنا...
كان الليل بعيدا يلوح
كان لا يبارح مكانه
وكان البرق يلفنا
وكنا كحبات الرمل
ننزلق من قبضة
الزمن
وكنا نبعث حروف جراحنا
لأقرب مقبرة
وكنا نبعثر سواد عيوننا
على أغرب مزبلة
وكنا نحضن الرماح وبلاغة الحكمة
وكنا نحضن الجمر وبسالة الرغبة.
إلى أن انشقت الأرض
وغار حليب أمي
في مستنقع البترول
وانزوت ناقة جدي في ركن قصي
وجيء مرة أخرى بسواد الليل
وبعسس السلطان
ومكس الحكومة
ولف الغبار سالف الحبيبة
وجيدها المورد
وسعفها وكحلها وساقها الممدد
وسقت وإياها نحو السياف
أطل من وراء ظلمته
أسنانه تصطك،
ورعد يسبقه وزلزال
قال" ها قد جئتما!!
حللتما سفكا
ونزلتما سردابا"
وحدث أن قمت
متصببا غبطة
فقد انزاح الحلم
لملمت بقايايا
وانصرفت مستعجلا
في أقصى الأفق
أسنام وسروج
ومعاول، وجنود، وحشود،
وسواعد، وحبر لامع،
وجلال موْقف
وحب معتق
وجولة أخيرة..
---------
ملحوظة: هذا الشيء لا علاقة له بالشعر ولسنا مسؤولين عن
أي تشابه