الجمعة، 25 يوليو 2014

أحاولو على الفن، أهيا تا... ذ العباس جدة

  أحاولو على الفن، أهيا تا...

 العباس جدة
  كيف نفسر هذا الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات والسيتكومات التلفزيونية المغربية خلال شهر واحد، هو شهر رمضان؟ بماذا يمكن تبرير هذه اليقظة الفنية التلفزية المذهلة، بعد شهور من السبات العميق أو على الأقل الكساد الفني والرداءة التلفزيونية ؟ هل لأن تلفزتنا تغار على الفن على الأقل في هذا الشهر الرمضاني وتسعى جاهدة الى إمتاع المشاهدين والدفع بعجلة الفن التلفزيوني الى الأمام؟  
   الأكيد أن التلفزيون المغربي عودنا منذ سنين على دعم الإنتاجات الوطنية وفسح المجال للفنانين المغاربة للإفصاح عن مواهبهم والتعبير عن قدراتهم الفنية. لكن لماذا بالضبط يقتصر هذا التشجيع والدعم المكثفين على شهر رمضان فحسب؟ وما قيمة المنتوجات الفنية التي تقدم للجمهور الواسع؟ وهل يسهم هذا الكم الهائل من الإنتاج في بلورة وتطوير الفعل الفني الإبداعي؟
 أولا، من العبث الادعاء بأن تفعيل العمل الفني قد يقتصر على شهر واحد في السنة. ومن الغباء والتهور الاعتقاد بأن التلفزة تشجع المنتوج الفني الوطني وتسعى الى النهوض بالثقافة والفن. إن الأمر في الحقيقة مجرد ذر الرماد في العيون  ولا يعدو أن يكون كذبا وبهتانا وتضليلا ونفاقا اجتماعيا ليس إلا.
  ثانيا، صحيح أن أغلب هذه الإنتاجات الدرامية تروم الترويح على النفوس بعد يوم كامل من الإمساك، وتهدف الى تسلية المشاهد وإضحاكه، وبالتالي فإن نوع الكوميديا هو المهيمن على هذه الإنتاجات التلفزيونية. إلا أن ما لا يدركه القيمون على التلفزة الوطنية وكذا الفنانون أنفسهم من مؤلفين ومخرجين وممثلين، أن الكوميديا فن والفن يتطلب الموهبة والممارسة والتكوين والكفاءة  والمهنية والمخيلة الخصبة والقدرة على الإبداع والخلق، ويستلزم  الفن أيضا أخلاقيات فنية عالية، من تعاون وتسامح وعدم الهرولة الى الكسب المادي وعدم اتخاد الفن مجرد وسيلة للاسترزاق...
 والواقع أن ما نشاهده على الشاشة الصغيرة ومنذ عقود هو "الحلقة" بمفهومها القدحي وليس فن الكوميديا. والغريب في الأمر أن  المسؤولين على التلفزيون وكذا الفنانين يتمادون في تجاهلهم بأن ما يقدم للمشاهد دون المستوى، بل يصرون كل سنة  على  ممارسة جميع أشكال التعذيب على المشاهد المغربي من "تهراس الراس" و"شقيقة" و"صداع" و"بسالة" وإرهاب كوميدي؛ ويمعنون كل شهر رمضان في الاستخفاف بالمشاهد واستبلاده والضحك عليه. وقبل ذلك فهم يشوهون الممارسة الفنية ويحرفون مفهوم الفن بل يغتالونه ويجهزون على ما تبقى منه، إن كان بالفعل قد وجد "فن الكوميديا"  من قبل في هذه البلاد.
  إن الفنان الذي ينتظر شهر رمضان من أجل العمل ولا يفكر سوى في "الكاشي" والتكسب والتسابق للمشاركة في أكبر عدد من المسلسلات والسيتكومات والأفلام التليفزيونية ويلهث وراء الشهرة ولا يفكر سوى في إبهار الجمهور ويجد لذة في التباهي أمام زملائه الذين لم يحالفهم الحظ، بل يلجأ الى المحاباة والمجاملة وإقامة علاقات مشبوهة مع الفنانين والمسؤولين وجميع أشكال المحسوبية والزبونية، لا يعد فنانا. إنه مجرد "حلايقي" بل مرتزق من المرتزقة الكبار.
يقول المخرج الروسي الكبير ستانيسلافسكي : " عليكم أن تحبوا الفن فيكم لا أن  تحبوا أنفسكم في الفن."  ويضيف قائلا: "إذا كان المسرح  لا يهذب سلوككم ولا يسمو بمشعاركم فعليكم أن تتجنبوه." فالفنان الحقيقي هو الذي يعمل من أجل الفن لذاته وليس من أجل التكسب والاسترزاق، وهو الذي يحترم عمله الى حد القداسة، وهو الذي يحارب فيه الغرور والإغراء والفظاظة.
  لنأخد نموذجا من نماذج الكوميديا كما يتصورها السواد الأعظم من الفنانين المغاربة وتزكيها التلفزة الوطنية، وهو سيتكوم "حاولو على مستور". إن فريق التأليف يتكون من أربعة أشخاص من بينهم دكتور وفنان تلقى فن المسرح بالسوربون كما بلغني مؤخرا، علاوة على أنه المسؤول الأول في النقابة المغربية لمحترفي المسرح. إن هذا الدكتور والفنان المبرز والمسؤول على حقوق المسرحيين وإعادة الاعتبار للفن المسرحي، يشارك يا سادة يا كرام،  في المهزلة بكل أسى وأسف. ألا يدرك فريق التأليف ومن ضمنه الدكتور بأن أزمة الإبداع الفني عندنا تنطلق أولا من الصياغة النصية للفيلم  التلفزيوني أو السينمائي؟ ألا يعلم هذا الفريق أن المشكل يتمثل بالدرجة الأولى في "السيناريو"، إذ يمكن لي أن أجزم بأن كتاب السيناريو لا وجود لهم في بلادنا. كما يمكن لي أن أجزم بأن الشريط التلفزيوني أو السينمائي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مؤثرا وجذابا، إذا لم يستند الى سيناريو مكتوب بمهارة وإتقان وتماسك فني. لنعد الى نموذجنا، فأي تأليف هذا وأية شخصيات وأية وضعيات ساخرة وأية أحداث، أبدعها هذا الفريق واستوحاها من نسيج خياله؟ فالشخصيات مرسومة بشكل سطحي وفج والوضعيات الساخرة مفتعلة ومصطنعة والحوارات سوقية ومبتذلة الى حد الغثيان. ماذا إذن يبقى في السيناريو إذا لم نعتني برسم الشخصيات والعلاقات المتوترة بينها، وصياغة وضعيات ومشاهد فنية سلسة ومتماسكة، وما تتلفظ به الشخصيات من عبارات وحوارات بليغة وذكية ؟
 صحيح أن السيتكوم يروم الترويح عن النفس والتسلية، ولكن هل الكوميديا هي افتعال للوضعيات الساخرة، وإقحام لمشاهد لا مبرر لها، ورسم لشخصيات نمطية فجة لا حياة لها، وجعلها تنطق بألفاظ وعبارات شعبوية ؟ هل فن الكوميديا هو الإصرار على انتزاع الضحكات من أفواه المشاهدين كيف ما اتفق وبأية وسيلة ولو على حساب الفن؟ اعلم أيها الفريق (كتاب السيناريو) بأنه يكفي أن أبتسم وأحس بالانشراح والمتعة وأنا أشاهد موقفا ساخرا أو وضعية مسرحية أو سينمائية أو تلفزيونية، لكي يتحقق الهدف الفني. هل كان شارلي شابلين أو وودي ألين أو الممثلين الإيطاليين كمارسيللو ماسترواني ونينو مانفريدي وفيتوريو غاسمان  يتصنعون ويجهدون أنفسهم، لا أقول لإضحاك المشاهد، وإنما فقط جعله يبتسم ويشعر بالسعادة؟؟؟ إن الكوميديا أيها السادة هو فن والفن منزه عن الافتعال والضحالة والسوقية والارتجال. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. فالأكيد أننا  نعيش أزمة ابداع حادة  في المسرح والتلفزيون والسينما والتي تتجسد بالدرجة الأولى في غياب كتابة نصية درامية مشرقة.
  والإخراج يلعب الدور الحاسم في انجاح الشريط أو فشله، والمخرج عندما يفتقر للموهبة والتكوين وينقصه المراس والتجربة، لا ينتظر منه شيئا. وهذا النموذج يجسده بالذات مخرج هذه السلسلة ، الذي أعرف عنه بأنه إعلامي في القناة الأولى لأكثر من عشرين سنة، وقبل ذلك كان يهتم بالمسرح في إطار رواد الخشبة بمكناس. فكيف للتلفزة المغربية أن تعهد لأناس، لا تجربة لهم ولا دراية لهم بفن الإخراج  التلفزيوني، بمسؤولية جسيمة كهذه ؟
   أما الممثلون فقد جعلونا نصاب بخيبة أمل، خصوصا الممثلين الرئيسيين، من حيث أنهما ممثلان مقتدران ويتمتعان بموهبة وقدرات تعبيرية لا بأس بها. غير أنهما يهدران موهبتهما الفنية في التهريج والأداء المبالغ فيه وفي اللعب النمطي وإجهاد نفسيهما في بلوغ الهدف الفني المنعدم أصلا في الكتابة النصية وفي الإخراج. والحال أن هذا النوع من الممثلين - وهم كثر- يسيؤون للفن ولا يحترمون أنفسهم. ناهيك عن الممثلين الآخرين المشاركين في نفس السيتكوم وبكيفية خاصة ممثلة معروفة منذ الثمانينات من القرن الماضي، التي أدت دورها بشكل مغلوط ومتكلف تماما، حيث كانت "تتقطع" المسكينة  لإضحاك المشاهد. وهذا يثير بالطبع شيئا من الشفقة الممزوجة بشيء من الأسى والحزن . فأين هي اللجنة التي ترخص لهذا النوع من الإنتاجات الرخيصة، المبتذلة والساقطة؟ أقصد فنيا وليس أخلاقيا. وقبل ذلك وهذا هو الأهم أين هم كتاب السيناريو الحقيقيون؟ وأين هم المخرجون المقتدرون الذين يحسنون إدارة الممثلين ويكبحون جماح الممثلين والممثلات المندفعين، لكي لا يتمادوا في التصنع والمبالغة في اللعب وتشويه فن التشخيص والضحك على المشاهد؟
 لكن يبدو بأن فنانينا (عفوا غالبيتهم) يفضلون المشاركة  في هذه الإنتاجات/ المهازل فقط من أجل الهروب من الاحتياج والفقر بالنسبة للبعض ومن أجل تنمية الرصيد البنكي بالنسبة للبعض الآخر. وفي كلتي الحالتين يضيع الفن ويغيب لتحضر المصلحة الشخصية الضيقة الكابحة للفعل الفني بل القاتلة لكل محاولة خلق وإبداع. وهذا يثير الحسرة والحزن العميق في النفوس الغيورة.

هكذا يبيع الفقراء كرامتهم!!

هكذا يبيع الفقراء كرامتهم!!
 
كتابة مصطفى لمودن
أوقفت السيارة تحت ظل شجرة، وبقيت انتظر رفيقي حتى يتمم أشغالا يقوم بها، طال انتظاري لما يفوق الساعة، لكن، يا هول ما اكتشفت..
لاحظت على غير المعتاد وقبل منتصف نهار رمضاني ساخن مجموعات نسائية تحمن في المنطقة، هناك من تتمشى، هناك من تروح ثم تؤوب، هناك من هن تحت ظل سور أو شجرة.. قلت، لعل هؤلاء ينتظرن الصدقات أو زكاة الفطر.. لكن، من ضمن النسوة من هن على هيأة لا تبعث على الحاجة، واحدة تجر عربة يدوية اعتادت السيدات جرها إلى السواق..
للصدفة، كنت متوقفا مباشرة أمام الجهة التي ينوين قصدها.. تقدمت سيدة، دقت على الباب، لم يخرج أحد، هي تدق على باب بناية قديمة، كانت معملا، وقد اقتناه أحدهم في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وبعد ذلك أغلقه وسرح العمال واكتفى بالعقار في انتظار ارتفاع سومة الأرض..
كدت أتدخل لأقول للسيدة التي تدق، إن هذه البناية مهجورة ولا أحد بها، وفعلا يبدو ذلك، فالباب متسخ وقديم، وكل من يقف امامه يعتقد أنه موصد إلى تاريخ غير محدد..
لكن، وبعد ارتفاع منسوب قرع السيدة للباب، خرج رجل متوسط القامة، واضح انه استيقظ بصعوبة.. مدته المرأة بورقة بيضاء في حجم الكف.. وإذا بالنسوة الأخريات يتسارعن ليمددن الرجل بورقة مماثلة.. كل مرة يدخل اثنتين، فتعودان محملاتان بكيس بلاستيكي أسود (هذه الأكياس السوداء تم توقيف صنعها منذ سنيتين!!).. أسمع ما يدور من حديث، الرجل يبدي مرة تأففا، ومرة يرحب بالنسوة.. رأيت أن كل كيس بلاستيكي به كيس دقيق من 10 كيلوغرامات وقنينات زيت وسكر مسحوق..
قدم رجل نحيف على دراجته الهوائية التي تتكون فقط من إطار وعجلتين ودواسة ومقود.. يبدو على الرجل بؤس واضح.. اشتكى للرجل الذي يدفع للنساء بكونه لم ينل "وصلا"، ويريد رؤية السيد (...)، قال الرجل بصوت مرتفع بما يشبه الغضب "إنه يعطي لمن لا يستحق، يزيد الشحم في..، السنة المنصرمة لم أتسلم شيء..". رد الرجل الأول السبب لآخرين، يبدو أنه يتحدث عن "ممثلي" السيد(..) في الأحياء الشعبية.. وقال إنهم هم من يختارون من يعجبهم، واقترح على مخاطبه البحث عن السيد (..) والحديث إليه مباشرة.. حضرت امرأتان كذلك بدون "وصل"، وشرعتا تشتكيان وضعهما للرجل، لكن رفض مدهما بأي شيء..
قد ينمحي العجب إذا عرفنا أن السيد (..) منتخب مشهور، تسيطر أسرته على المجلس الحضري فيما يشبه الإرث، وتراقب عدة جماعات قروية مجاورة، ولا تمر أي فترة برلمانية دون أن يكون أحد أفراد الأسرة ممثلا في الرباط..
هكذا اصبحت السياسة تجرى في المغرب، حيث يتم "الاستثمار" في الفقر وتوسيع قاعدته، وإشاعة الجهل بين الناس، حتى يتم التلاعب بهم، وبمصالحهم الحقيقية.. وحسب التجارب الانتخابية السابقة، فهذه الأحياء الفقيرة هي المكان المفضل لعائلة السيد (..) حيث منها يكتسحون الانتخابات بنوعيها المحلي والوطني، بينما يزداد التهميش والفقر المنطقة رغم مواردها الكثيرة.. ولا يغرب عن بال أحد، أن هؤلاء هم حلفاء المخزن الأثيرون، حيث يقع تبادل المصالح، فلا يمكن مثلا التدخل لتوقيف هذه "الصدقات"، ودعوة صاحبنا كي يودع أموالا في مؤسسة عمومية مختصة كالتعاون الوطني هي من تتكفل بتوزيع ذلك.. لكن صاحبنا ليس غبيا حتى يفعل ذلك.. الأغبياء هم من مازالوا ينتظرون شيء من هذا "المسلسل الديمقراطي" العقيم.. ولا أظن أن هناك "كرامة" تخص أحدا دون غيره في ظل هكذا أوضاع..

الخميس، 10 يوليو 2014

ما لم تقله جماعة العدل والإحسان في مؤتمرها الصحفي.

ما لم تقله جماعة العدل والإحسان في مؤتمرها الصحفي.

حميد هيمة.

لماذا انسحبت جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير في أعقاب تسمية عبد الإله بنكيران وزيرا أولا لحكومة الواجهة؟


   يبدو بشكل ملموس وعياني أن الجماعة، التي نجحت سابقا في تنويم قطاع واسع من المغاربة بمخدرات زائدة من الأوهام الدينية/ الصوفية، تعيش تدحرجا غير مسبوق في وضعيتها التنظيمية نحو الترهل، وتدبدبا ملحوظا في مواقفها السياسية تجاه النظام، وتراجعا في البنية الاستقطابية، وهجرة قواعدها نحو حركات أصولية أكثر "مرونة" في تعاطيها مع التوابث المخزنية.. إن هذه الجماعة تفكر مليا في البحث عن "مخارج" لأزمتها، ومن غير المستبعد أن المخرج هو معانقة العدالة والتنمية عبر ذراعها الدعوية: حركة التوحيد والإصلاح  للعمل الثنائي بين الإخوة على تضخيم الصراعات ذات الطابع الأخلاقوي لتعبئة الأتباع والأنصار وصرف انتباه الشعب المغربي عن الفشل المدوي والذريع للإسلاميين في حكومة الواجهة على صعيد إفقار المواطنين وتعميق الريع الاقتصادي ودعم الاستبداد السياسي.

 بداية، من المهم  إثارة الانتباه، أيضا، للرسائل السياسية من انسحاب الجماعة "المعارضة" بالتزامن مع مؤتمر الحزب الاشتراكي الموحد؟
من المحتمل، كفرضية أولى، أن الحزب الاشتراكي الموحد، ومعظم المثقفين الديمقراطيين، قد وضع الجماعة في وضعية إحراج عندما انبرى للسجال معها فكريا وسياسيا حول مواقفها الحقيقية والفعلية من الديمقراطية وحقوق الإنسان وأفق الوطن الذي نريد.
فهذه المسائل  عند الجماعة في علم الغيب ولا يدرك عمقها إلا أولو الألباب في الجماعة لا عامتها/ أنصارها! وليست الجماعة مطالبة بالوضوح مع الشعب المغربي في مواقفها فيكفيها أنها وصية على المجتمع بكامله ودون انتداب أو تفويض من أحد، ما دام التفويض الانتخابي منبثق عن الفكر الأنواري اللائكي الإلحادي!!

مبررات هذه الأسئلة/ القضية مرتبطة بعودة الجماعة، في كل المناسبات، لتبرير "انسحابها"، والحقيقة تخاذلها، في حركة 20 فبراير في عز تنامي المد الاحتجاجي  والمطلبي المتطلع للديمقراطية والإنصاف والعدالة.

عادت الجماعة، مؤخرا، للحديث المكرور عن "انسحابها" بمبررات لن تقنع حتى أتباعها الأذكياء، لكن من الظاهر أن وصول إخوتها في العدالة والتنمية لقيادة حكومة الواجهة جعل الجماعة، التي تجمع في إيديولوجيتها بين الإسلام السياسي الحركي والطرقية الصوفية بشكل تلفيقي وهجين، تخذل حراك الشعب المغربي حتى تمكن إخوتها في الحزب وحركة التوحيد والإصلاح من مناخ مناسب لترتيب العملية السياسية تحث إشراف السلطة المخزنية وبتنسيق تام مع السفارة الأمريكية؛ كما يظهر جليا من "الزيارات"/ الحج المنتظم لزعماء العدل والإحسان لمقر سفارة زعيمة الاستكبار العالمي!!

إن الجماعة التي زعمت إيمانها العميق بالدولة المدنية والديمقراطية في الحراك الاجتماعي، سرعان ما انقلبت عن "مواقفها" وجددت مطالبها اللاهوتية القديمة بعد الانسحاب من حركة 20 فبراير.. عادت لتؤكد على رسالتها في هداية المجتمع "المفتون" من خلال ممارسة وصايتها على المجتمع بكل أطيافه، كما استمرت في الهجوم والتشنيع العقائدي/ الإيديولوجي ضد خصومها الفكرييين والسياسيين وتناست أنهم "الفضلاء الديمقراطيين"؛ الذين لم تتوان في مراودتهم من أجل الحوار على أرضية ما تسميه "الميثاق الإسلامي" الذي ستصيغه الجماعة وفق رؤيتها ومحدداتها للتاريخ وللمستقبل.. وعندما رفضت المنظمات الديمقراطية هذا "الحوار" الاستعلائي اعتبرت نادية ياسين أن الأحزاب المغربية مجرد قبور!


سيمكن هذا الخيار الجماعة والعدالة والتنمية من:

1- العدالة والتنمية تجري تسخينات دائمة لتعبئة الشارع من أجل قضايا الدفاع عن الإسلام والأخلاق بعدما داست كل هذه المرجعيات والقيم في ممارستها السياسية في التجربة الحكومية: إفقار المواطن..القمع...الخ. وبالتالي ستتمكن من التغطية عن فشلها في التدبير الحكومي؛

2- العدل والإحسان ستنخرط في هذه المعارك الأخلاقوية لقياس وضعيتها التنظيمية وللتنفيس من أزمتها البنيوية.

لذلك، فمن المفهوم الآن أن الجماعة انسحبت من الحراك حتى تجنب إخوتها في العدالة والتنمية/ حركة التوحيد والإصلاح من مناخ التوتر القائم، كما أنها جنبت أعضاءها "عدوى" انغراس الممارسة الديمقراطية، كما كانوا يشاركون فيها في صناعة القرارات والمواقف في الجموع العامة بعيدا عن المواقف الجاهزة لمجالسها المغلقة المحصورة قطعا عن "أولي الأمر"!!

كيف تدخلت السفارة الأمريكية لتليين مواقف الجماعة،كما أومأت إلى ذلك التقارير الإعلامية، في علاقة بتخلخل النظام في عز الحراك الاجتماعي، وما الصفقة التي انتهى اليها ذلك؟ للأسف، فإن الندوة الصحفية لزعماء العدل والإحسان تجنبت بشكل مقصود الإشارة إلى ذلك.


الثلاثاء، 8 يوليو 2014

ليلة حقوقية بسيدي قاسم..ليلة حقوقية بسيدي قاسم..

ليلة حقوقية بسيدي قاسم..

حضرت ليلة الاثنين 7 يوليوز ندوة من تنظيم المجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي قاسم، وقد عرضت فيها على العموم بالخزانة البلدية جملة من الملفات الحقوقية التي اشتغل عليها الفرع في الشهور السابقة، كما تم الاستماع لعدد من المشتكين والمتضررين من خروقات طالتهم كما يقولون، وبعد قضاء ما يقارب ثلاث ساعات، أريد أن أسجل الملاحظات التالية
ـ لحسن الحظ أنه يوجد بين المواطنين من يضحي بوقته وبماله ليدافع عن حقوق الإنسان، ويخصص زمنا وجهدا للاستماع للآخرين وتسجيل شكواهم وطلبات مؤازراتهم والقيام بما يلزم في حدود المتاح.. 
ـ فعلا المغرب عرف تحولات، فهو لم يبق كما عشته على الأقل بالنسبة لي في طفولتي وما رأيناه رأي العين من شبه تسيب للسلطة.. لكن، وللحقيقة لم نقطع بالمطلق مع مثل تلك الممارسات.. 
ـ لم يعد يجد المواطنون أي مشكلة في الاحتجاج عندما تتعرض حقوقهم للدهس، فما شاهدته اليوم وما سمعته هو عنوان مرحلة جديدة، تتسم بسعي المواطنين بجرأة وقوة إلى ترسيخ الكرامة والعدالة والقانون.. 
ـ نحن كمغرب، أمام خيارين، إما أن نضع آليات تحقيق العدالة ومحاسبة كل من يخل بالقانون، فنخلق أجواء السلم الاجتماعي والإيمان بدولة الحق والقانون، أو ننفتح على المجهول، حينما يشعر أي مواطن بعدم الأمان وبأنه ضحية، ووقع فريسة للشطط، ولو كان ذلك مجرد حالات قليلة.. 
ـ أمام بعض الحالات التي تحدث أصحابها، وواضح أن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد بلغ بها الجهات المعنية، والتي عليها التحقيق في ذلك واتخاذ ما يلزم لضمان الحقوق.. وقد تحدث متدخل عن تلقيه جوابا عن حالته من طرف وزارة العدل للنظر فيما يقول.. 
ـ يبدو لي أنه لم تعد هناك مشاكل حقوقية تخص خيارات الدولة كما كان يقع في زمن "سنوات الرصاص"، هذا ما استنتجته من غالبية المداخلات، ولكن، ما هو بارز الآن استغلال النفوذ، مساعدة بعض الجهات النافذة لتحصل على منافع، حدوث مشاكل أثناء التدخل لتنظيم الفضاءات العامة.. الخ.
إن الجمعيات الحقوقية تقوم بعمل نبيل، عندما يتوجه إليها أي مظلوم أو من سلبت حقوقه، وعلى الجهات المسؤولة التعامل بجدية مع الملفات المعروضة عليها، لقد حز في نفسي كثيرا مجمل تلك المداخلات التي تعتبر نفسها وجدت بإقليم يتميز بالشطط.. وحسب المنظمين، حضرت بعض المنابر الإعلامية، سواء الورقية أو الإلكترونية، من واجبها نقل ما حدث بأمانة.. كما وجهت أصابع الاتهام من قبل متدخل للأحزاب والنقابات وبقية المجتمع المدني بسبب تخليهم كما رآه عن واجبهم تجاه السكان..

طواف فرنسا للدراجات بالمغرب؟ مصطفى لمودن لعل الكثيرين يعرفون طواف فرنسا للدراجات الهوائية، هذه السنة فاق رقم مائة بدورة واحدة، ويعتبر الطواف أهم تظاهرة رياضية في العالم خلال الصيف، وذلك بفضل النقل التلفزي المباشر، حيث يمكن للمشاهدين في العالم ليس فقط متابعة حركات الدراجين وسعيهم المحموم لخط الوصول، بل كذلك مشاهدة الطبيعة الخلابة والمدن والقرى والآثار والحدائق من كل الجوانب، بما في ذلك الرؤية من أعلى، حيث يرافق الطواف طائرتان مروحيتان بكاميراتها..وتقديم شروحات حول كل ذلك.. هذا الطواف كذلك مؤسسة اقتصادية ضخمة، وقد لا يعرف الكثيرون أن الجماعات والمدن التي يمر منها الطواف تؤدي، نعم، تساهم بالمال مع الطواف، لأن مرور قافلة الدراجين عبرها فرصة لا تقدر بثمن من أجل خلق الإشعاع للجماعة أو للمنطقة ككل، ومن أجل جلب السياح.. ويجب الا يغيب هنا عن أحد، التنظيم الجيد، وإظهار الصور المبهرة، حيث البنايات منظمة وتامة التشييد، والنظافة في كل مكان، ولا يشوب تلك الصور الرائعة أية شائبة ممكنة... ونظرا لأهمية هذا الطواف، أصبحت دول بجانب فرنسا تحرس على أن يقطع ترابها هذا الطواف العجيب.. فقد سبق ان وقع نفس الشيء مع بلجيكا وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا.. وهذه السنة قطع الطواف نهر المانش، ليعبر انجلترا، حيث هناك كذلك طبيعة خلابة وقرى ومدن منظمة.. هل يمكن لهذا الطواف أن يقطع مستقبلا البحر الأبيض المتوسط ليحل بالمغرب؟ ذلك ممكن جدا، حيث يعبر الطواف الجارة الشمالية إسبانيا، ثم يمكن أن تجرى في المغرب مرحلتين على الأقل وهما كافيتين، تكون الأولى من طنجة إلى فاس، والثانية من فاس إلى الناظور.. لكن، ذلك يتطلب دفع المال، ثم المساهمة في الاعداد والتنظيم، والأهم، توفير الصور المناسبة، بحيث يجب إبعاد كل مظاهر التلوث وخاصة قطع البلاستيك المتشرة عندنا في كل مكان.. وطبعا سيكون العائد الاشعاعي جد مهم على المغرب.. نعم، يمكن لطواف فرنسا أن يحل بالمغرب.

طواف فرنسا للدراجات  بالمغرب؟
 مصطفى لمودن
لعل الكثيرين يعرفون طواف فرنسا للدراجات الهوائية، هذه السنة فاق رقم مائة بدورة واحدة، ويعتبر الطواف أهم  تظاهرة رياضية في العالم خلال الصيف، وذلك بفضل النقل التلفزي المباشر، حيث يمكن للمشاهدين في العالم ليس فقط متابعة حركات الدراجين وسعيهم المحموم لخط الوصول، بل كذلك مشاهدة الطبيعة الخلابة والمدن والقرى والآثار والحدائق من كل الجوانب، بما في ذلك الرؤية من أعلى، حيث يرافق الطواف طائرتان مروحيتان بكاميراتها..وتقديم شروحات حول كل ذلك..
هذا الطواف كذلك مؤسسة اقتصادية ضخمة، وقد لا يعرف الكثيرون أن الجماعات والمدن التي يمر منها الطواف تؤدي، نعم، تساهم بالمال مع الطواف، لأن مرور قافلة الدراجين عبرها فرصة لا تقدر بثمن من أجل خلق الإشعاع للجماعة أو للمنطقة ككل، ومن أجل جلب السياح.. ويجب الا يغيب هنا عن أحد، التنظيم الجيد، وإظهار الصور المبهرة، حيث البنايات منظمة وتامة التشييد، والنظافة في كل مكان، ولا يشوب تلك الصور الرائعة أية شائبة ممكنة...
ونظرا لأهمية هذا الطواف، أصبحت دول بجانب فرنسا تحرس على أن يقطع ترابها هذا الطواف العجيب.. فقد سبق ان وقع نفس الشيء مع بلجيكا وإيطاليا  وسويسرا وإسبانيا.. وهذه السنة قطع الطواف نهر المانش، ليعبر انجلترا، حيث هناك كذلك طبيعة خلابة وقرى ومدن منظمة.. 
 هل يمكن لهذا الطواف أن يقطع مستقبلا البحر الأبيض المتوسط ليحل بالمغرب؟ ذلك ممكن جدا، حيث يعبر الطواف الجارة الشمالية إسبانيا، ثم يمكن  أن تجرى في المغرب مرحلتين على الأقل  وهما كافيتين، تكون الأولى من طنجة إلى فاس، والثانية من فاس إلى الناظور.. لكن، ذلك يتطلب دفع المال، ثم المساهمة في الاعداد والتنظيم، والأهم، توفير الصور المناسبة، بحيث يجب إبعاد كل مظاهر التلوث وخاصة قطع البلاستيك المتشرة عندنا في كل مكان.. وطبعا سيكون العائد الاشعاعي جد مهم على المغرب..
نعم، يمكن لطواف فرنسا أن يحل بالمغرب.

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

أشــــــــواق/ شعر ذ. محمد رحو

أشــــــــواق
محمد رحو
تقتضي الوقت
أن نتلو ندوب الممر
أن نجلو مرايا السفر
ثم نجثث جذر العلل!
تقتضي الوقت
أن نُجَفّفَ مستنقعات الخديعة
أن نكشف أسرار الفجيعة
ثم ننساب نحو عيون الأمل!
تقتضي الوقت
أن نَعُدَّ ضروب حبسنا
أن نَهُدَّ صروح يأسنا
ثم نهتف ضد سماء من وحل!
تقتضي الوقت
أن نعجن أحلامنا الممزقة
أن ندفن أوهامنا العالقة
ثم نصلي لشمس من دم و عسل!
تقتضي الوقت
تقتضي الوقت
تقتضي الوقت
أنا الذي بحبر شوقي كتبت
هل تراني أدركت
ما الذي تقتضي الوقت!
--------------------

خص الشاعر مدونة سيدي سليمان بهذه القصيدة

هذا تكلم الفقيه وسكت الجميع..

هذا تكلم الفقيه وسكت الجميع..

كنت راكبا سيارة أجرة كبيرة بين مدينتين، تأخذ الرحلة ما لا يقل عن ساعة ونصف، أطلق السائق المسن المذياع، فكان على موجة إذاعة وطنية رسمية متخصصة في الدين.. كان فقيه يبدو أنه محنك في علمه يتحدث وهو يرد على أسئلة من صحفي يسرد الأسئلة والفقيه يرد، ويظهر من الأجوبة والإحالات أن كل شيء مخرج ومعد سلفا.. طال الحديث، الصمت يعم بين الركاب، سوى راكبين كانا يتبادلان الحديث بين الحين والآخر.. تمتمت، ولم ألق بأي كلمة.. أتصور لو كنت تكلمت، أو تكلم أحد الركاب، أن يعرج السائق على أقرب مركز للسلطة.. في الحقيقة، استفدنا كثيرا، ومما تكلم عليه  وفيه الفقيه الأقلام الخمسة التي تسجل للبشرية أفعالها.. ولا أعرف كيف يستحضر الفقيه المحنك استشهاداته بسهولة ويـُقـوّلها ما يبتغيه.. كنت أتصور كم من مستمع (ة) في ربوع الوطن وفي الخارج، قد استخرج قلما وكراسة وهو يسجل تفاصيل هذه الأقلام الخمسة.. تأسفت أني لم أستعد بدوري لهذه المناسبة ولم أستحضر ورقة وقلما.. في منتصف الطريق، ولما بدأ الفقيه يتحدث في موضوع نزول المطر وتفسيراته الخاصة.. غير فجأة السائق المسن المحطة.. وبعد تجوله على ثلاث، اختار محطة كانت تتحدث فيها سيدة باللغة الفرنسية.. لاحظت أنه لا أحد احتج، أو طالب بالإبقاء على المحطة السابقة، خاصة وأن الفقيه يعالج الآن إشكالية مهمة تهم كافة الناس. قلت مع نفسي، لماذا لم يتدخل أحد ليرجع السائق إلى الإذاعة الأولى؟ هل فعلا أن الجميع لم يكن يرغب في الحديث السابق؟ في هذه الحالة سيكون الجميع عاقون ولا حول ولا قوة إلا بالله.. أو يمكن اعتبارهم عينة ممن توجه لهم هذه الإذاعة، وهم غير راضين عن محتواها، أو على الأقل على جزء من محتواها.. ويبدو أن السائق بدوره قد انتفخ رأسه مما كان يسمع، كدت أحكم عليه بالسوء في دماغي طبعا.

يبدو مع هذه الإذاعة أننا قريبا سنصل إلى الكشف العظيم، ورفع الستائر والحجب عن حقائق لا تعرفها البشرية هي في حاجة ماسة إليها لرفع القيود والأغلال وإزالة كل لبس وضلال.. أخيرا، ذكرت إحصائيات رسمية أن هذه الإذاعة هي المسموعة الأولى، دامت في تألقها إذا..

إفراغ الجهة بالمغرب من كل نفس ديمقراطي/ مصطفى لمودن

إفراغ الجهة بالمغرب من كل نفس ديمقراطي

م. لمودن
وقع ما كنت خمنته، وطبيعي أن يقع..
ـ لقد وقع تراجع عما كان قد جاء في مقترحات لجنة عمر عزيمان حول "الجهوية الموسعة"، والتي كانت قد دعت لانتخاب رئيس الجهة بشكل مباشر من طرف السكان، لقد وقع إلغاء هذا الانتخاب المباشر لرئيس الجهة، وعوض بالانتخاب غير المباشر حسب مسودة قانون الجهة الجديد!! وكما يحدث في الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والجهوية (بصيغتها السابقة) حيث يرافق فساد خطير وشراء ذمم "الناخبين الكبار"، والتحكم في النتائج التي ستتمخض عنها الرئاسة وبقية المسؤوليات في المكاتب المسيرة. فلماذا كل هذا التراجع؟ 
ـ في نظرنا ليس ممكنا في ظل الشروط الراهنة أن تخلق هكذا ممارسة ديمقراطية راقية، حيث يختار الناس رئيس جهتهم. ذلك يعني تكريس توجه ديمقراطي داخل المجتمع..
ـ لا يمكن منح رئيس الجهة هكذا سلطة مستمدة من الشعب مباشرة.. لان ذلك سيعطيه سلطة حقيقية تتفوق على بقية سلطة الوصاية (الوالي).
ـ لا يمكن التخلي عن الممارسات السابقة حيث يتسيد البيع والشراء وإفساد الأخلاق في مجال السياسية، ودفع الناس لعدم الثقة في هذه المسلسلات الديمقراطية.. والنظر إليها كأنها شر لا بد منه، أو أنها لا تنفع المواطنين في حياتهم اليومية عن طريق تهميش كل سلطة متأتية من الانتخابات..
ـ التخلي عن مثل الفساد المشار إليه، يعني التخلي عن نوع من الريع تستفيد منه فئة تمثل الوساطة بين الشعب والدولة.. هذا الريع بمثابة أجر وتعويض، لكن بشكل فاسد.. 
وفي نظري، لو لم يكن واضعو المشروع الجديد على بينة من تحكمهم في "النخبة" التي تحتل واجهة التشريع الآن لما تصرفوا بمثل هذا التصرف الذي تراجع عن مكتسب (مقترح لجنة عزيمان). 
ثم، لو لم يكونوا يعرفون ضعف ردة فعل الاتجاه الديمقراطي في المجتمع الذي ضعف لمستوى غير مسبوق.. 
لكن، هذا التصرف، سيقود لنتيجة سيئة على المدى المتوسط كما قالت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد أثناء مشاركتها في آخر حلقة حول نفس الموضوع في برنامج "مباشرة معكم" خلال الأسبوع المنصرم، لأن عددا من النخب المحلية ستجد نفسها مبعدة عن تسيير شؤون الجهة بشكل فعلي، وذلك يدفع إلى المزيد من اليأس داخل فئات اجتماعية مختلفة وخاصة الشباب.. كما أن حزب الاستقلال يرى في المقترحات تراجعا لا يوافق توجهاته.. 
فهل ستتحرك النخب المغربية لتغير المسار، كي نؤسس لديمقراطية فعلية ومسؤولة من داخل الجهة..؟

السبت، 28 يونيو 2014

مخزنة الديمقراطية ودمقرطة المخزن./ ذ.حميد هيمة

مخزنة الديمقراطية ودمقرطة المخزن.
حميد هيمة.
تعرضت المعارضة لحملات قمع واجتثاث ممنهجة، لكنها استطاعت الحفاظ على وجودها وتأمين استمراريتها التنظيمية والسياسية في بؤر النضال المناهض للنظام. وواجه هذا الأخير، بدوره، محاولات أكيدة لتصفيته من خلال المحاولات الانقلابية والتحركات الشعبية والتنظيمات الثورية.
استحكم الإرهاق والتعب بالطرفين، فكان من الضروري بلورة قواعد  جديدة للصراع تنبني على العيش المشترك وتنهي حالة التناحر التصفوي. النظام المغربي، بمبرر استحقاقات قضية الصحراء المغربية، وسع من هامش الفعل السياسي في إطار ما سمي بـ"المسلسل الديمقراطي". وبالمقابل، اجترحت المعارضة استراتيجية "النضال الديمقراطي" حتى تهيئ ذاتها لظروف مرحلة "المسلسل الديمقراطي".
بيد أن"المسلسل الديمقراطي" خضع لتجاذب رهانين أساسيين، في تقديري، وهما:
1- مراهنة النظام المغربي على "مخزنة" المعارضة، مما يجعل إرادتها في معارضة ثوابته مشلولة وغير ذات فعالية ؛
2- مراهنة المعارضة، أيضا، على "دمقرطة" المخزن من خلال النفاذ إلى مؤسساته القائمة والعمل على تطويرها / تطويعها تدريجيا حتى تصبح قادرة على استنبات الديمقراطية بمواصفاتها الكونية وغير المتعارضة مع الخصوصية المغربية.
من المهم جدا التساؤل عن مآلات هذا المسار: هل تمخزنت المعارضة أم تدمقرط المخزن؟
من المؤكد أن إشراك المعارضة في هوامش السلطة، بدون ضمانات سياسية ودستورية، وقيادة حكومة دون صلاحيات حقيقية، كما سيعترف بذلك الأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، هو توريط لها وتنفيس للنظام من أزمته الخانقة./ السكتة القلبية.
و أكيد، أيضا، أن الوطن، ككيان متعال عن الفاعل السياسي، ربح رهان تخفيض تكلفة الصراع. لكنه، بالمقابل، خسر رهان دخوله لنادي الديمقراطية

1- ديمقراطية إلغاء النقيض.
شعرت الحركة الوطنية، وخصوصا جناحها التقدمي السياسي والمسلح، بالغبن بعد حصول المغرب على استقلال 1956. فكل التجارب التحررية، بصيغها المختلفة، أثمرت وصول حركة التحرر الوطنية إلى السلطة معززة برصيد نضالي وكفاحي ضد القهر والاستغلال الاستعماريين ومتحفزة، كشرط موضوعي، بالمد التحرري الذي كان يعم دول العالم الثالث. بيد أن التجربة المغربية كانت مخالفة لهذا المسار العام؛ حيث انفردت الملكية، التي لم تلتحق بالحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال إلا في النصف الثاني من الأربعينيات، بالسلطة السياسية والدينية والاقتصادية. كما أن الملكية، مسنودة بمحيطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الداعم، سارعت إلى ترتيب الأوضاع السياسية للمغرب الجديد بما عزز قوتها وقلص من وزن قوى الحركة الوطنية بتعبيراتها السياسية والنقابية.
في هذا السياق، تأجل الاستحقاق الدستوري للمغرب مدة 8 سنوات عن استقلال 1956، كما تعاظم الاتجاه التقليدي في النظام المغربي على قاعدة شرعيات دينية وتاريخية وثقافية ممزوجة بطلاء حداثوي عزز، في نهاية الأمر، شرعية النظام القائم؛ الذي عمل جاهدا من أجل إفشال استرتيجيات القوى السياسية الفاعلة. ونستحضر هنا إفشال تجربة أول حكومة وطنية بقيادة المرحوم عبد الله ابراهيم، وحل الحزب الشيوعي المغربي، و الزج بالمعارضين في المعتقلات، وتصفية جيش التحرير…الخ.
كما أن الأجنحة المعارضة، التي عبرت عن نفسها سياسيا بعد بروز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة1959، جربت خيارات سياسية، وليدة منطق الصراع الدموي، تتكئ على الإجهاز على النظام المغربي باعتباره لا شرعي ولا ديمقراطي. وسيتعزز معسكر المعارضة برافد سياسي جديد ولد من صلب القوى اليسارية والشيوعية، لكنه يحمل منسوب عداء ورفض أكبر للنظام: يتعلق الأمر، هنا، باليسار الجديد، الذي ظهر في سبعينيات القرن السابق، والذي آمن أن الثورة هي الحل الوحيدة لإزاحة النظام المغربي.
ما يهمنا،هنا، هو أن الديمقراطية، في تصور المعارضة المغربية، لا يمكن أن تتأسس إلا بإلغاء النظام غير الديمقراطي. وأن استنباتها يمر حصريا بتصفية نقيضها. كما أن الحكم، من جهته، عمل على الاستدماج التدريجي للآليات الديمقراطية، بصيغة شكلية لا تمس جوهره الثابت، بما يحول دون تمكين نقيضه(المعارضة) من الوصول إلى السلطة.
 إنها ثنائية ضدية تقوم على تأكيد الذات بنفي الآخر، تغترف مبرراتها، بالنسبة للمعارضة، من الشرعية النضالية والشعبية أو بمسوغات دينية تستمد مضمونها من قراءات فقهاوية بالنسبة للنظام. إن مقومات بناء الديمقراطية، في هذه المرحلة، تتأسس، حسب المنطق السائد للمعارضة، على إنهاء النظام المغربي. وبالنسبة لهذا الأخير، فإن الديمقراطية يجب أن لا تسمح للمعارضة بالوصول إلى الحكم، غير أنها-الديمقراطية- مطلوبة لتطعيم شرعيته؛ وهو ما جعل كل الاستحقاقات الديمقراطية، في صيغتها الانتخابية مثلا، مناسبة لتجديد "البيعة" وتأكيدا لإجماع قبلي بطرق "حديثة".
لم ينته الصراع، كما لم ينجح أي معسكر في تصفية نقيضه، وهو ما سيعبد الطريق لتبلور قناعات جديدة لـ"العيش المشترك"، في إطار "المسلسل الديمقراطي"، برهانات متناقضة ستؤطر المرحلة إلى حدود الخروج عن "المنهجية الديمقراطية ".
2- رهانات المخزنة والدمقرطة في"المسلسل الديمقراطي".
تعرضت المعارضة لحملات قمع واجتثاث ممنهجة، لكنها استطاعت الحفاظ على وجودها وتأمين استمراريتها التنظيمية والسياسية في بؤر النضال المناهض للنظام. وواجه هذا الأخير، بدوره، محاولات أكيدة لتصفيته من خلال المحاولات الانقلابية والتحركات الشعبية والتنظيمات الثورية.
استحكم الإرهاق والتعب بالطرفين، فكان من الضروري بلورة قواعد  جديدة للصراع تنبني على العيش المشترك وتنهي حالة التناحر التصفوي. النظام المغربي، بمبرر استحقاقات قضية الصحراء المغربية، وسع من هامش الفعل السياسي في إطار ما سمي بـ"المسلسل الديمقراطي". وبالمقابل، اجترحت المعارضة استراتيجية "النضال الديمقراطي" حتى تهيئ ذاتها لظروف مرحلة "المسلسل الديمقراطي".
بيد أن"المسلسل الديمقراطي" خضع لتجاذب رهانين أساسيين، في تقديري، وهما:
1- مراهنة النظام المغربي على "مخزنة" المعارضة، مما يجعل إرادتها في معارضة ثوابته مشلولة وغير ذات فعالية ؛
2- مراهنة المعارضة، أيضا، على "دمقرطة" المخزن من خلال النفاذ إلى مؤسساته القائمة والعمل على تطويرها / تطويعها تدريجيا حتى تصبح قادرة على استنبات الديمقراطية بمواصفاتها الكونية وغير المتعارضة مع الخصوصية المغربية.
هذه الرهانات المتجادبة أوجدت لها مساحة للتعايش بين الطرفين. لأن المخزن في حاجة، كشرط سياسي للخارج، إلى معارضة في الداخل تأكيدا، أولا، على انخراطه في المشروع الليبرالي(التعددية الحزبية و السياسية). وثانيا، تطعيما لشرعيته الدينية والتاريخية برتوش من الشرعية الديمقراطية. لكن المعارضة، حسب مواصفات السلطة القائمة، يجب أن لا تنازع في شرعية المخزن، بل تناوشه فقط في بعض خياراته. أما المعارضة، من جهتها، عملت بشكل ملموس على توسيع هامش تحركها السياسي والجماهيري بشكل يخدم رهانها القائم على إرهاق المخزن. طبعا، فالمعارضة الخارجة عن طوق التوافقات استمرت في منازعة شرعية السلطة بشكل جزئي، كما أنها واصلت صراعها التناحري مع السلطة، صراع قائم على إلغاء الآخر.
هذه الديناميات المتعارضة هي التي ستؤسس، لاحقا، لمسلسل التنازلات الثنائية وتبادل الإشارات الودية، التي تندرج في منطق "حسن النية"، بما سيقود إلى إعادة صياغة الرهانات الأولى، ديقراطية تصفية النقيض، وفق منطق جديد يقوم على "العيش المشترك".
من المهم جدا طرح التساؤل عن مآلات هذا المسار : هل تمخزنت المعارضة أم تدمقرط المخزن؟
فقدت المعارضة السابقة، التي كانت الكتلة الديمقراطية قوتها الدافعة، معاقلها النضالية، وانخفض، بشكل ملموس، وزنها السياسي، كما فقد الشارع ثقته فيها، وتعرضت لحالة من التذرية السياسية والتنظيمية. بالمقابل، مكنت مرحلة "التعايش المشترك"، التي لم تتزعزع رغم الخروج عن "المنهجية الديمقراطية "، المخزن من إعادة تأهيل ذاته لتأمين استمراره على أرضية ثوابته الأصلية. وباتت الأحزاب مجتمعة ودون تمييز، في نظر عامة المغاربة، قنوات للانتهازية والوصولية والتموقع السريع في صدارة السلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. يؤكد قطاع واسع من مغاربة اليوم على أن الأوضاع العامة، خصوصا الجانب السياسي، قد تغيرت، غير انه تغيير غير كاف وهش. المعارضة السابقة تآكلت تنظيميا ولم تعد تعبر، حسب نفس الرؤية، عن هموم شعبها. والواقع أن تآكل المعارضة الديمقراطية عزز من قوة النظام المغربي. فالحلول، التي ينتظرها المغاربة لمشاكلهم، لا تأتي من "الأحزاب" بقدر ما ستحملها الإرادة الملكية، لأن الأولى لم تف بوعودها لحظة إشراكها في السلطة سنة 1998 وما أعقبها، حسب تصور قطاع واسع من الشعب المغربي.
أكيد أن إشراك المعارضة في هوامش السلطة، بدون ضمانات سياسية ودستورية، وقيادة حكومة دون صلاحيات حقيقية، كما سيعترف بذلك الأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، هو توريط لها وتنفيس للنظام من أزمته الخانقة.
و أكيد، أيضا، أن الوطن، ككيان متعال عن الفاعل السياسي، ربح رهان تخفيض تكلفة الصراع. لكنه، بالمقابل، خسر رهان دخوله لنادي الديمقراطية. 
والحال، أن السلطة القائمة في المغرب نجحت، في تقديري الخاص، في استراتيجيتها وحققت جزءا معتبرا من أهدافها. لأنها، أولا، توفقت في استدراج المعارضة، المنخرطة في توافقات 1998، من وضع الصراع التناحري وجرها  إلى صراع خيارات لا تمس جوهر النظام السياسي القائم. وثانيا، انحدار الخط السياسي لأطراف المعارضة، المشار إليها، دون مواقف النظام ذاته إزاء العديد من القضايا المطروحة للنقاش، مما يوحي، وهذا ما تحاول تأكيده الدوائر الرسمية وامتداداتها الحزبية، أن للمخزن نفس إصلاحي أكبر من الأحزاب الإصلاحية .
استطاعت السلطة في المغرب، لحظة 1998 العابرة، تنفيس أزمتها الخاصة بالإدماج الحكومي للمعارضة في تدبير الأزمة العامة للبلاد (السكتة القلبية)، بما أعانها -السلطة- على تصريف جزء من أزمتها إلى الأحزاب السياسية التي عارضتها قبل نهاية عقد التسعينيات.
راهنت المعارضة السابقة والحالية، بقوة، على الإصلاحات الدستورية والاجتماعية القمينة بدمقرطة النظام المغربي. غير أن هذا الأخير يجري، كعادته، الإصلاحات/ البريكولاج الذي يعزز مكانته ويمتص من قوة باقي القوى الفاعلة ذات الروح التنافسية. 
كانت المعارضة، ستنجح  نسبيا في "اختراق" المخزن لو قعدت  توافقاتها بقاعدة دستورية وإطار سياسي جديد. كما أنها بالتأكيد كانت ستنجح، على الأقل رمزيا، لو أبعدت رموز ثقيلة في النظام؛ كما هو الحال بالنسبة لشرط "محمد بوستة" على وزير الداخلية الدموي. صحيح أن "لو" لا تغير اتجاه حركة التاريخ، غير أنها تسعف في فهم سيناريوهات أخرى لحركة التاريخ معاكسة للنهاية المأساوية لتاريخ معارضتنا.
إن الخلاصات الأساسية، من هذه الاستعادة التاريخية المستمرة في حاضرنا، يمكن تركيزها في:
1- بنية المخزن، بمحموله التاريخي والسياسي، متصلبة وعصية عن الاختراق الديمقراطي؛
2- تأسيسا على ذلك، فالمجهود النضالي يقتضي ملامسة جوهر بنية الدولة: النضال من أجل دولة ديمقراطية حديثة تتعايش فيها الشرعيات التاريخية والدينية والديمقراطية، وجميع هذه الشرعيات يخضع للشرعية الأخيرة؛
3- إن فشل خيار "دمقرطة المخزن" ليس بالضرورة نتيجة لضعف التنظيمات الحاملة لهذا المشروع، وإنما مرتبط، في تقديري، بغياب السند الشعبي الداعم لهذا الخيار؛
4- إن التغيير العميق يجب أن يصاغ في قلب المجتمع وبالمجتمع (…).
سيعلن رسميا عن نهاية حلم "دمقرطة المحزن" لحظة الخروج عن "المنهجية الديمقراطية" بتعيين جطو وزيرا أولا خلفا للأستاذ "عبد الرحمان اليوسفي"، دون أن تمتلك المعارضة السابقة القدرة الكافية على رد الفعل المناسب مع استحقاقات اللحظة السياسية. بيد أن الشارع المغربي، في إطار ديناميته المستمرة، سينتج آليات أخرى في مطالبته بالديمقراطية؛ ستمثل حركة "20 فبراير" إحدى تعبيراته الناصعة.
توفق النظام المغربي، إذا، في الالتفاف على الديمقراطية، كما توفق في تمييع الوسائل والآليات الديمقراطية، ونجح، أيضا، في اختراق الصف الديمقراطي، غير أنه فشل في التحكم و ضبط المطالب الديمقراطية للمجتمع المغربي؛ كما عبرت عنها، مثلا، حركة "20 فبراير ".
04/07/2011