مالا يبعث على الاطمئنان في حكومة عبد الإله بنكيران
مصطفى لمودن
الحكومة الثلاثون في تاريخ المغرب، جاءت قبل الأوان، وكان لحراك الشارع و"حركة 20 فبراير" فضل في "مراجعة الدستور"، وإجراء انتخابات قبل وقتها بسنة… لكن ثقة المغاربة لم تترسخ بعد، والدليل مقاطعة غالبيتهم لانتخابات 25 نونبر. الآن ظهر أعضاء الحكومة، لكن هناك من يصر على بعث رسائل عدم الاطمئنان، حتى يتأكد للمغاربة أن تغيير الحال من المحال وأن الأمر مجرد رتوشات للمرحلة، وبما أن السياسة تعتمد كثيرا لغة الإشارات ولو في أعتى الديمقراطيات، وطبعا قد تكون لرئيس الحكومة المعين يد في ما سيأتي ذكره، أو قد يكون مجبرا على ذلك في إطار "سياسة الممكن والتدرج" التي تمرس عليها حزب "العدالة والتنمية"… تعالوا نقرأ بعضا من تلك الإشارات الدالة:
ـ إشراك امرأة وحيدة في الحكومة، وهي بسيمة الحقاوي المكلفة بقطاع النساء داخل "حزب العدالة والتنمية"، وقد عينت في وزارة "التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية"، وكأن المرأة لا تصلح إلا لهذا المجال المرتبط ب"طبيعتها " الأنثوية، وبذلك وقع تراجع في إشراك المرأة على ما دأبت عليه الحكومات المغربية منذ بداية التسعينيات مع عبد اللطيف الفيلالي وعبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي، ويتحمل المسؤولية في ذلك أحزاب الائتلاف الحكومي ورئيس الحكومة والقصر الملكي كل من زاوية تدخله، وفي هذا الصدد ذكر عبد السلام الصديقي عضو الديوان السياسي ل"حزب التقدم والاشتراكية" أن حزبه رشح ثلاث سيدات لمناصب حكومية، وكان يعتقد أن تقبل واحدة على الأقل كما قال في تدخله وهو يشارك في برنامج "مواطن اليوم" الذي بثته "قناة ميدي1" يوم الخميس 5 يناير. وخلاصة الأمر تفسر أن هناك توجها ذكوريا إقصائيا، وعدم اعتراف بمكانة المرأة في المجتمع رغم الكفاءات التي أصبحت تتوفر في الكثيرات منهن، ولن تحدث أية نقلة نوعية في البلاد بدون مساهمة الجميع نساء ورجالا.
ـ لم يقنع رئيس الحكومة أحدا بتنصيبه خليله ونائبه في الحزب عبد الله باها وزير دولة بدون حقيبة، وحزبه ظل منذ البداية يتحدث عن ترشيد النفقات، وعن الوضوح والشفافية، فهل التعيين يعني رئيس الحكومة وحده؟ أي هل وزير الدولة الحالي وهو بدون مهمة واضحة "العقل المفكر" لدى بنكيران؟ بينما هذا الأخير هو فقط "ظاهرة خطابية"، وصاحب مزايدات وانفعالات وردود أفعال؟ وبالتالي لا يمكنه أن يخطو سوى على هدي ساعده الأيمن هذا وزير الدولة! وقد خاب من الأول سعيه من أجل تعيين "نائب رئيس الحكومة" كما ذكرت بعض الصحف، وربما كان المقصود بهذا التعيين عبد الله باها نفسه.
ـ نقل عن رئيس الحكومة قوله إنه سيترك منصبان حكوميان لما يسمى "وزراء السيادة" خارج أي منطوق دستوري واضح في المجال، وحتى هذا الأمر غير مقبول بعد التعديل الدستوري، وغير مستساغ وفق "روح" المرحلة التي تتطلب من المنتخبين تحمل مسؤوليتهم كاملة، عوض الاختباء وراء مثل هذه المبررات الواهية، وإلا ما كانوا يدخلون غمار "المسؤولية".. لكن وقع ما هو أفدح، فبالإضافة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي احتفظ بها أحمد التوفيق، والوزارة المنتدبة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني التي بقي يسيرها عبد اللطيف لوديي، والأمانة العامة للحكومة التي يقودها إدريس الضحاك، انضافت وزارة الفلاحة والصيد البحري التي استمر على رأسها عزيز أخنوش، وتسلم الشرقي الضريس المدير العام للأمن الوطني "مهمة" على رأس وزارة الداخلية إلى جانب امحند العنصر الذي يعتبر بدوره "ابن الدار" رغم قدومه من حزب سياسي هو "الحركة الشعبية"، كما تم استقدام يوسف العمراني من لشبونة وقد أصبح أمينا ل"لاتحاد من أجل المتوسط" ليكون الرأس الثاني على وزارة الخارجية والتعاون إلى جانب سعد الدين العثماني، وهو يعلم منعرجاتها لما كان (العمراني)كاتبا عاما بها قبل شهور، رغم ما قيل عن استوزاره باسم "حزب الاستقلال"، والرجل لم يعرف عنه يوما انتماءه لهذا الحزب. ورغم توضيح رئيس الحكومة كونه هو من طلب استوزار الأسماء المذكورة (جريدة المساء 6 يناير) بسبب "كفاءتها"، فذلك عذر أقبح من الزلة وتراجع عما جاء في وثيقة الدستور التي يهلل لها البعض.
ـ لم يعد يقبل المشهد السياسي تغيير بعض المسؤولين السياسيين لصباغتهم الحزبية بين عشية وضحاها، كما وقع مع عبد العزيز أخنوش الذي كان وزيرا في الحكومة السابقة باسم "حزب التجمع الوطني للأحرار"، ليدخل التجربة الجديدة ك"مستقل"! ما يطرح التساؤل عن مصداقية مثل هؤلاء وهل فعلا كان في الحكومة السابقة بلون سياسي أم كان معارا كما أعير الكثير من التكنوقراط؟ ولمن سيقدم مثل هؤلاء "الحساب" عند انتهاء الولاية التشريعية (على افتراض أنها ستسير حتى لنهايتها)، ماداموا غير منتخبين ولم يصوت على أحزابهم وبرامجهم مواطن؟
ـ وقع تعيين الحكومة واستقبالها من طرف الملك، وتم المرور في نفس اليوم عند غالبية الوزراء إلى "تسليم" السلط، وانتهاء مهمة الوزراء السابقين، ودخول الجدد لمكاتبهم دون المرور أمام البرلمان، الذي يمثل نظريا الشرعية الشعبية، فلا يصح أن يسمى أي وزير في مسؤوليته إلا بعد المصادقة من طرف النواب المنتخبين، وعرض برنامجهم الحكومي، وإلا لمَ تجرى الانتخابات أصلا؟..
ـ وصل عدد وزراء الحكومة إلى 31 وزيرا ووزيرة وحيدة، بينما إمكانيات المغرب الاقتصادية والظرفية الحالية وعدد السكان والمساحة الجغرافية لا تتطلب هذا العدد الكبير، فالجارة إسبانيا لديها حكومة من 13 وزيرا ووزيرة، وقد وعد رئيس الحكومة بنكيران عند أول خرجة إعلامية له بعد الانتخابات بالاكتفاء بخمسة عشر وزيرا، ثم انطلقت سلسلة التراجعات ممتدة إلى 25 ثم 28، ليستقر الأمر على31 !!
ـ ما تزال أجواء عدم الثقة في المشهد السياسي المغربي بين مختلف الفاعلين السياسيين من أحزاب فيما بينها، وفيما بين بعضها وبين القصر، ويمكن أن نستنتج ذلك من وضع وزير سياسي على رأس بعض الوزارات وإلى جانبه وزير آخر معين مباشرة من طرف القصر، فهل جيء به لمراقبة الوزير الحزبي؟ وحتى لو افترض أنه يتوفر على "خبرة" خاصة، فكان عليه أن يكون عضوا في حزب سياسي أولا، أو ليعين كاتبا عاما للوزارة مثلا، ويرى الشارع المغربي من خلال أصوات المحتجين أن المسؤولية السياسية يجب أن يتحملها منتخبون حضوا بالثقة الشعبية، علما أن للقصر الكثير من وسائل التدخل لمراقبة الحكومة أقرها الدستور، منها صلاحيات "المجلس الوزاري" الذي يرأسه الملك، وحق الملك إعفاء الوزراء.. الخ.
ـ ما تزال "النخبة السياسية" تحتفظ ببعض الممارسات غير اللائقة، منها عدم الوضوح والتهرب من ممارسة الشفافية كما يحصل في "حزب الاستقلال" مثلا، وقد خلف دخول بعض أعضائه الحكومة سخط أعضاء آخرين، وهم يصرحون ويتوعدون عباس الفاسي بأشد الحساب كما يقول عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية للحزب، ولا غرو في ذلك ما دام عباس الفاسي حرص على استوزار صهره وزوج ابنته أولا، وأحد أصهار علال الفاسي نفسه، أي من يدورون في فلك العائلة الواحدة، والغريب هو حصول محمد الوفا على حقيبة التربية الوطنية وهو الذي ظل غائبا عن أجواء المغرب لمدة 12 سنة كسفير بالخارج، فهل سيبدأ من أول يوم في تعلم ما يجري ويدور في الوزارة والمجتمع والدولة وما تراكم من مشاكل.. أم سيعتمد رأي مستشارين وخبراء كان من الأولى أن يكون أحدهم وزيرا حقيقيا لوزارة ترهن مستقبل المغرب وتكبل حاضره.. ولم يفلح جل المحللين في تبيان "التهافت" الذي وقع على وزارة النقل والتجهيز من طرف حزب الاستقلال، فهل من أجل "الامتيازات" الانتخابية التي تتيحها باعتبارها "واجهة للمنجزات"؟ أو للعلاقات التي تنسج في دواليبها بين عدة متدخلين في القطاع العام والخاص؟ وكل ما يحاك هنا وهناك على ربوع الوطن في مختلف المندوبيات؟.. ويعتبر تقسيم وزارة الاقتصاد والمالية إلى جانب أخرى مكلفة بالميزانية أكبر عربون عن سوء التفاهم والتوجس الحاصل بين فرقاء الحكومة، فمن يضبط المداخيل (العدالة والتنمية)، يعرف كذلك بقية شؤون المالية التي يشرف عليها "حزب الاستقلال"، ومن هنا قد يبدأ الوهن ينخر عظام الحكومة منذ ولادتها، وظهر أن العقليات القديمة ما تزال متواجدة في كل مكان، لتحدد من "لنا ومن معنا" دون أن تقدم ما للوطن وما يخدم المواطنين أولا.
ختاما وكمواطن أتمنى للحكومة كامل النجاح والوفاء بالوعود.