الاثنين، 16 سبتمبر 2013

مأزق النقابة




مأزق النقابة
 لن يصلح حال النقابة إلا بإصلاح بيتها الداخلي أولا، وإصدار قانون  ينظم عمل النقابات

مصطفى لمودن
 تعيش النقابة كمؤسسة تضم الأجراء مأزقا فعليا؛ انخفضت مصداقيتها بشكل مريع، قل عدد المنخرطين فيها عن طواعية بقدر لا يستهان به، كما تعرف أزمة خانقة على مستوى الحكامة والتدبير الذاتيين..
  من الطبيعي أن يكون للنقابة خصوم متعددون؛ من طرف كل من يسعى للتقليل من قيمتها حتى لا تقف فعلا بجانب الأجراء، حتى لا ترفع مطالبهم وتدافع عنهم، لأن في ذلك "خسارة" عند دافعي الأجور والتعويضات.. لكن الموضوعية تقتضي أن تكون النقابة شريكا، بينما مناوئوها يجعلون منها خصما، وإذا لم يكونوا ضد تأسيسها، فغرضهم المستمر هو إضعافها للتحكم في قراراتها، أو إبعادها بالمطلق..
 لكن الواجب يقتضي كذلك الإشارة إلى سوء التدبير الداخلي، فالنقابات بالمغرب عرفت تشظيا وانقساما مستمرين منذ زمن بعيد يعود لمنتصف الستينيات (نواة الانقسام سنة 1959).. النقابة تعرف تكالب فئة من مسؤوليها على إفراغها من كل فعل ديمقراطي ومن كل آلية ممكنة لاحتواء الخلافات.. وفي ظل توطد أشكال من "الريع" النقابي، أصبح تشبث تلك الفئة الانتهازية بتملك (المِلْكية) المسؤوليات والمهام شكلا مرضيا يصعب علاجه، فالمتفرغ النقابي يكاد "يقاتل" كل من يدعو لدمقرطة التفرغ وجعله شفافا وفق تعاقد واضح، بينما أغلب المسؤولين في النقابات وعلى مختلف الأصعدة أسميهم بدون ترددا"امبراطوريون"  على "امبراطورية" من ورق.. فقد يكتفي الواحد من هؤلاء ب"حظوة" مجالسة بعض المسؤولين هنا وهناك، ودعوته بصفته "النقابية" للحضور في بعض المناسبات، وإشراكه في بعض "المفاوضات" الوهمية، التي يراد منها الحفاظ على توهج وحضور كاذب للنقابة.. إن أخطر عدو للنقابة هم هؤلاء الانتهازيون الذين سيطروا على "صناعة القرار" بالنقابة عبر أشكال مشبوهة واعتمادا على زبانية مقربين منهم.. بينما الكثير من الشرفاء فضلوا الانزواء بعيدا عن هذه "المعارك الدونكيشوطية" التي لا نفع فيها حسبهم.. يكفي الانتهازيين المسيطرين على النقابة أن تبقى النقابة هيكلا فارغا على الورق لدى السلطة المحلية، ولا يهم الباقي..
 في نهاية السنة الدراسية المنصرمة أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة رسمية تمنع بموجبها حضور النقابات في عدد من العمليات التي تجري على المستوى المحلي والجهوي والوطني كمتابعة الحركة الانتقالية، عكس ما كان يعمل به سابقا، فعلت الوزارة ذلك لأنها تعرف مستوى الضعف الذي وصلت إليه النقابة بفضل "امبراطورييها" العظام، وبالتالي فهي غير قادرة على الاعتراض على مثل هذه القرارات التي تبعدها عن المشاركة، لأنها فقدت مصداقيتها ولن يلتفت إليها أحد أثناء أي محاولة للاحتجاج على ذلك. ولهذا لم يتعد الاحتجاج إصدار البيانات التي لم تثر حتى زوبعة في فنجان.. بينما فئة كبيرة من نساء ورجال التعليم تنفسوا الصعداء جراء ذلك بسبب ما أصبح ينسب للنقابيين من مشاركتهم في التلاعبات التي تحصل بموافقتهم وبحضورهم !!..
 أما على مستوى القطاع الخاص، فمجال النقابة يضيق باستمرار، لأن الفعل النقابي يحارب على قدم وساق داخل المقاولة الخاصة في غياب أية حماية من طرف الدولة، علما أن المغرب لم يصادق بعد على الاتفاقية الدولية الخاصة ب "الحرية النقابية"..
 لن يصلح حال النقابة إلا بإصلاح بيتها الداخلي أولا، وإصدار قانون  ينظم عمل النقابات كما صدر شبيه له يخص الأحزاب، يقرن الاعتراف بالنقابة بمدى حرصها على التناوب لتحمل المسؤوليات بشكل ديمقراطي داخل هياكلها التنظيمية.. مادامت النقابة مؤسسة ضرورية في أي مجتمع يهدف إلى فصل السلط وتكاملها والحفاظ على حقوق الجميع..
------------------

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

محمد بنسعيد آيت يدر: المواطن تكون له قيمة ويواجه الفساد والاستبداد (فيديو)

لمشاهدة الفيديو اضغط/ي هنا




تكريم المناضل المقاوم محمد بنسعيد آيت يدر..

المقاوم والمناضل محمد بنسعيد آيت يدر


حضر محمد بنسعيد آيت يدر حفل التكريم الذي نظم على شرفه صبيحة الأحد 8 شتنبر 2013 من طرف "حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية" بمصيف الهرهورة قرب الرباط.. وقد ألقى بنسعيد أحد أشد مقاومي الاستعمار الفرنسي والإسباني ومنسق جيش التحرير كلمة بليغة ومؤثرة قارب زمنها الأربعين دقيقة أمام الشباب المشارك في فعاليات الجامعة الصيفية الثالثة المقامة هذه السنة، وقد فضل إلقاءها واقفا، مما يعني تقديره للشباب.. وقد بدى منشرحا أمام الاستقبال الحار والاحاطة الإنسانية به، حيث التف حوله الشباب من كل جانب، وهم يرددون سيلا من الشعارات الحماسية والمؤثرة.. ذكر بنسعيد آيت يدر بمواقف الشباب من جيله أثناء المقاومة، وما قدموه من تضحيات لصالح الوطن، وربط الماضي بالحاضر متحدثا عن "حركة عشرين فبراير"، حيث انخرط الشباب فيها بقوة للتعبير عن طموحاتهم.. كما أثار في كلمته رؤيته للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ببلاغة ووضوح أثارت اهتمام كل الحاضرين من شباب وأعضاء من الحزب الاشتراكي الموحد (ننشر فيديو لاحقا)، تقدمتهم الرفيقة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب، حيث ركز على جانب المسؤولية لدى الشباب وحرصهم الواعي على الانخراط في صيرورة نضالية لتحقيق "الملكية البرلمانية"... كما ألقيت كلامات تقدير وامتنان في حق المناضل والمقاوم محمد بنسعيد آيت يدر ساهم بها كل من المختار العروسي عضو المكتب الوطني لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية ومدير الجامعة الصيفية ومصطفى لمودن تذكيرا بجزء من التاريخ المشرق للرجل الهرم الشامخ والعلم المنيع والمقاوم بنسعيد آيت يدر، وكلمة من طرف محمد الصلحيوي تركزت حول جوانب سياسية ساهم فيهابفعالية بنسعيد، ونيابة عن الشباب ألقى أبو عمار تافنوت كلمة تحدث فيها عن تقديره للمكرم وقد سرد جملة من المواقف النضالية والإنسانية والتربوية وقعت له معه، أو كان شاهدا عليها.. وألقى محمد العويني الكاتب العام الأسبق لحركة الشبيبة الديمقراطية تحدث فيها عن علاقة بنسعيد بالشباب إذ يفضل دائما أن تكون لهم استقلالية الفعل، وبدورها تحدثت نبيلة منيب عن خصال بنسعيد الإنسانية العميقة.. كما ألقى بعض الشباب تساؤلات على بنسعيد، وأحد الشباب المشاركين تقدم بقصيدين شعريتين بالمناسبة، وفي الختام تسلم المقاوم محمد بنسعيد هدايا رمزية اعترافا بتقدير الجميع واحترامهم له.. وقد التف الحاضرون حول المناضل محمد بنسعيد لأخذ صور تذكارية بهذه المناسبة..

وتجدر الإشارة أنه تم تكريم الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب في أمسية ليلة السبت.. وما تزال أشغال الجامعة الصيفية مستمرة ببرنامج تكويني وثقافي إلى يوم الأربعاء، كما نظمت نفس الجمعية خلال هذا الصيف جامعتين مماثلتين بكل من سيدي إفني وفاس..
---------------------
الصورة: محمد بنسعيد آيت يدر أثناء رده عن التساؤلات..
تحية نضالية للمناضل والمجاهد محمد بنسعيد آيت يدر..

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

ملاحظات على ضوء الاحتجاجات

ملاحظات على ضوء الاحتجاجات
مصطفى لمودن
أقصد بالاحتجاجات التي انطلقت منذ يوم الجمعة 2 غشت 2013، وقد عرفت أولى تجلياتها بالرباط حيث تعرضت للقمع المفرط، كما أعني بها كذلك بقية الاحتجاجات التي عرفتها مناطق أخرى في اليومين الموالين السبت والأحد، وما قد يلحق من خرجات واحتجاجات موالية..
أما الملاحظات التي سأدلي بها حسب وجهة نظري فتهم بعض الحيثيات والنتائج المترتبة عن الاحتجاجات المشار إليها وبعض الدروس والعبر.
 الغالبية الآن من الشعب على بينة من الواقعة، وهي العفو عن إسباني مغتصب إحدى عشر طفلا حوكم بثلاثين سنة سجنا، غير أنه حصل على العفو الملكي وأطلق سراحه وانتقل إلى إسبانيا..
في غياب أي حديث عن واقعة العفو بالإعلام الرسمي بمختلف أشكاله، وحتى من طرف الإعلام المكتوب قبل انطلاق الاحتجاجات، لكن الريادة في ذلك حصل عليها الإعلام الالكتروني من مواقع ومدونات ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفايسبوك والتويتر الأكثر استعمالا في المغرب..
إذاً، ظهر من جديد فعالية ما يصطلح عليه بالإعلام البديل، أي الذي يعتمد الحوامل الالكترونية، وهو لا يكتفي بالإخبار فقط، بل بفعاليته التفاعلية، حيث يكون آنيا، وبدون رقابة، ويتيح المناقشة والرد والتطعيم في نفس الوقت.. كما أنه وسيلة تواصل للاتفاق على أشكال النضال الممكنة..  
 وتأكد من جديد أن الإعلام العمومي الممول من المال العام ليس له من دور سوى التضليل أو الإلهاء أو التركيز على الأنشطة الرسمية وكل ما يوحي للمتتبعين أن البلد بخير وأن كل "مسؤول" يقوم بدوره كما يجب، أما الحديث عن المشاكل لتشخيصها وإيجاد الحلول لها، أو الاستماع لنبض الشارع، فذلك آخر ما يشير إليه القائمون على هذا الإعلام إذا لم يكونوا يمنعونه بالمطلق..
أوضحت قضية العفو عن مغتصب الأطفال أن اتخاذ القرار كيفما اتفق هي القضية المغتصبة في المغرب.. إن مسألة العفو كمثل ملموس يبين إلى أي حد مازالت غير واضحة ولا تخضع لمساطر مضبوطة كما وضح ذلك ذ. عبد الرحيم الجامعي في مقالة له صدرت بجريدة "المساء" يوم الإثنين 5 غشت 2013  وضع لها عنوانا جامعا وبليغا هو "العفو والدستور والضحايا.. ومغرب الفوضى؟" ، من ضمن ما جاء فيها "ولم يعد من المقبول اليوم الإبقاء على المقتضيات الحالية لقانون العفو الصادر منذ 1958 لما فيه من تناقض واضح وخطير مع الدستور، ومع مبادئ المساواة أمام القانون ومع منظور استقلال السلطة القضائية ومع هيبة وقوة القرارات والأحكام القضائية النهائية، وما فيه من تعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان..".. ولهذا ارتفعت من جديد الأصوات تلح على الإقرار الفعلي والواضح لاستقلال القضاء في المغرب، وللفصل بين السلطات، وأن تتحمل كل جهة مسؤولة كامل صلاحياتها...
  ظهر بالمناسبة أن قوى اليسار ومن يوصفون بالعلمانيين، رغم أن البعض يسعون دائما للتدليس على هذا المصطلح وتشويهه (العلمانية)، بينما هو في الأساس يقوم على الإقرار بحرية الاختيار وضمان الحقوق للجميع.. هذه القوى المشار إليها هي التي تفاعلت من موقع المسؤولية مع الحدث، وعبرت عن رأيها بقوة وخرجت للاحتجاج.. واضح كذلك تواجد قوى أخرى من ليبراليين في طور جنيني غير منظم، ومتدينين معتدلين يؤمنون بالحق في الاختلاف..
 غابت عن الاحتجاج مختلف تيارات "الإسلام السياسي"، ويبدو أن هناك ثلاث توجهات لتفسير ذلك، هناك من هم مرتبطون بشكل من الأشكال مع "حزب العدالة والتنمية" الذي يرأس الحكومة، وهؤلاء لا يرغبون في التشويش على أول "تجربة في المشاركة في الحكم"، ولو كان ذلك ضد "المبادئ" التي كانوا يتدافعون من أجلها سابقا.. الاتجاه الثاني يقول إن هؤلاء غالبا يتفرغون للعبادة في أواخر رمضان، ومنهم من يختلي بنفسه أو بجماعة ينتسب إليها وينقطع عن العالم والمحيط.. واتجاه ثالث يرى أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال الحديث عن قرار صادر عن الملك أو ينسب إليه كالعفو عن السجناء..
 تجلى الأمر لدى التيارات الدينية في تضارب الآراء والمعلومات المتسربة أولا عن وزراء "العدالة والتنمية"، فالناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي نفى في تصريح مسؤول أن يكون على علم بخروج مغتصب الأطفال من السجن أو مغادرته المغرب.. كان ذلك في البداية. بينما تتضارب الأخبار المنسوبة لوزير العدل والحريات مصطفى الرميد، فإذا كان البعض يقولون إنه هو المسؤول إداريا عما وقع، فهو قد نفى أي مسؤولية له عن إيراد اسم المغتصب ضمن قائمة المعفى عنهم، وقال إن وزارته تتكلف "بالتنفيذ"، لتظهر أخبار أخرى تتحدث عن أن الوزير نبّه الديوان الملكي على الجرائم المقترفة، ثم يتم بعد ذلك نفي هذا الأمر.. 
 ولعل أبرز من وهت له انتقادات قوية هو التيار السلفي في شخص الزمزمي صاحب "الفتاوى" الغريبة، فقد نسب إليه نعثه المحتجين ضد العفو عن المغتصب بأوصاف قدحية لم يستح من النطق بها.. 
 ظهر أن "خطة" الدولة لمراقبة المساجد و"ضبط" المجال الديني قد أعطى "أكله"، بحيث أن أي خطيب جمعة لم ثر موضوع العفو عن المغتصب، فإذا كان "الضبط" المشار إليه واجب ضد كل أشكال التطرف، فإنه من جانب آخر يلجم المبادرة وتنوير الرأي العام..
 بعد القمع المفرط لوقفة مظاهرات مساء الجمعة بالرباط ظهر من جديد خلل فادح على مستوى الحكامة الأمنية، فلحد الساعة لا أحد يعرف من المسؤول عن إعطاء الأوامر بسلخ المحتجين، نظريا دستور 2011 يجعل رئيس الحكومة في الواجهة، وهو المسؤول الأول، لكنه وللغرابة الفاضحة قال إنه لا علم له! ليظهر أن هناك "قوة" أخرى غير معلنة هي من تحكم في الأمن وتوجهه وتعطيه الأوامر، وهذا يتنافى بالمطلق مع دولة الحق والقانون..
 لقد ترتبت عن احتجاجات "شعب الفايسبوك" والخروج إلى الشارع قرارات تعتبر سابقة ويجب ألا يستهان بها، من ذلك سحب العفو عن مغتصب الأطفال، وإعفاء مسؤولين ينسب إليهم "ضلوعهم" في عدم التدقيق في اللائحة المقدمة للملك واستثناء المغتصب لفداحة جرمه.. كما تفاعل الديوان الملكي عبر بلاغات تساير المستجدات وجزء من مطالب الشارع المحتج.
 وباستثناء نخب حزبية قليلة كنبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد التي لم تركن للصمت منذ أول يوم، وكالنقيب عبد الرحمان بن عمرو الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، فإن الباقين لاذوا بصمت مريب، ولم تنطلق ألسنتهم حتى توضح لهم الخيط الأبيض من الأسود، وهم في الغالب يردون نفس ما تأتي به البلاغات الرسمية دائما.. ليظهر الفراغ المهول في شأن التأطير الحزبي، والذي يتحمل مسؤوليته المخزن الذي لا يريد أن تكون هناك أحزاب مؤثرة لأن ذلك يعني حضور النقيض، أي بداية بناء الديمقراطية، وتساهم كذلك "النخب الحزبية الانتهازية" في تقويض حتى أحزابها أمام الرأي العام، وهي لا يهمها ذلك، لأنها تعرف أن الشعب مزاحا عن القرارات الكبرى.. كما تساهم في ذلك "نخب بيروقراطية" توجه الطعنات للحزب كمفهوم في أي فرصة تتاح لها كالندوات المتلفزة، وهي تعرف أن حصولها على "التعيينات" مباشرة أسهل من خوض غمار الاستحقاقات الحزبية الداخلية المكلفة بالنسبة إليها..
 إن شرارة الاحتجاجات قد انطلقت في المغرب من جديد على ضوء ما حدث، لكن المطالب تزيد في توسعها، حيث هناك مطلب "تقنين العفو" واستقلال فعلي للقضاء، وإعفاء مسؤولين آخرين كوزير العدل والحريات وأحد المستشارين واسع النفوذ.. مادام أنه أصبح من الواضح أن كثيرا من القرارات التي تكون في صالح الشعب لا تأتي إلا بعد الخوض في غمار الاحتجاج..




الاثنين، 5 أغسطس 2013

لماذا كل هذا الجحود ولمصلحة من يا جريدة "المساء"؟

لماذا كل هذا الجحود ولمصلحة من يا جريدة "المساء"؟

 مصطفى لمودن
  في زاوية "مع قهوة الصباح" التي لم تنقطع عنها جريدة "المساء" طيلة شهر الصيام! جاء في سياق الحديث عن بلاغ الديوان الملكي في شأن سحب العفو عن الإسباني مغتصب الأطفال، ذكر في صيغة الجمع لغياب "كومة الأحزاب"، "ومعها شلة من الجمعيات.." التي اختارت دس رؤوسها في الرمال كما جاء على لسان الجريدة، وأضافت" لم نسمع أو نر أي مسؤول حزبي خرج إلى العلن ليضم صوته إلى صوت الذين وقفوا في عدد من المدن المغربية احتجاجا على الغموض الذي ظل يكتنف تمتيع الاسباني بالعفو..". سبحان الله!
 إما أن الجريدة أو من كتب تلك الزاوية لا يتابع، وخاصة ما نشرته أهم المواقع الالكترونية في المغرب، وإذا كان لا يتابع فتلك معضلة لا يجب أن يتصف بها أي منتم للصحافة.. أما إذا كان الغرض هو التجاهل والطعن في مصداقية جميع الأحزاب جملة وتفصيلا، والتشكيك في مناضليها، فتلك طامة كبرى لا ندري ما الهدف أو الجهة التي تخدمه.. فهل اتصلت الجريدة بجميع مسؤولي الأحزاب لتستقصي رأيهم؟ ولتجد أنهم مجمعون على الصمت.. على الأقل نبيلة منيب الكاتبة العامة للحزب الاشتراكي الموحد أدلت بأكثر من استجواب حول ذلك، ولم تكتفي بالاستنكار والإدانة، بل طالبت بمراجعة مسطرة العفو وباستقلالية القضاء، فهل هذا لا يعجب المسؤولين عن "المساء"؟
 كما بادرت جمعيات حقوقية لإصدار بيان أو الدعوة لوقفة يوم السبت بالرباط.. من المفترض أن يكون الإعلامي الحقيقي محايدا، ينقل الحقائق والأخبار أولا، كما تحدث آخرون في نفس القضية من مشارب مختلفة كحالة فؤاد عبد المومني الذي دعا بالصوت والصورة إلى توقيع عريضة قصد تقنين العفو.. إن الأحداث تسارعت بقوة منذ ظهور خبر العفو، ولإصدار بيان حزبي من طرف الأحزاب الديمقراطية يتطلب ذلك اجتماعا مسؤولا بكامل النصاب القانوني والمناقشة وإبداء الرأي، لأنه بهذه الطريقة تعمل الأحزاب الحقيقية، وهذا ما وقع إذ أصدر "تجمع اليسار الديمقراطي" ومن ضمنه الحزب الذي تنتمي إليه نبيلة منيب بيانا في شأن القضية التي استحوذت على الرأي العام..

أسأل هيأة تحرير جريدة "المساء" باعتبارها منبرا مسؤولا و"مستقلا"، ما الغرض من الانتقاص من جميع الأحزاب في مثل هذه القضية رغم أن هناك استثناءات؛ لماذا تطعنون في النخبة المناضلة وتتجاهلون من لا يصمتون على أقل تقدير؟ إن "الفراغ" الذي ترغبون فيه لا يخدم حتى نشر وانتشار الإعلام المسؤول ويفقده مصداقيته.. 

الأحد، 28 يوليو 2013

الكراهية والعنف ليس حلا للصراع المحتدم بالعالم العربي

الكراهية والعنف ليس حلا للصراع المحتدم بالعالم العربي

مصطفى لمودن
ودعت تونس يوم السبت 28 يوليوز 2013 أحد أبنائها البررة الفقيد محمد البراهمي نائب في المجلس التأسيسي عن "حزب الشعب" في جنازة مهيبة (الفيديو) والذي قتل أمام بيته بالعاصمة تونس يوم أمس حيث اخترقت جسده أربعة عشر رصاصة حاقدة..  واتهمت وزارة الداخلية التونسية في ذلك أحد المنتسبين للتيار السلفي التكفيري باعتباره المتهم الرئيسي، وهو تاجر سلاح مبحوث عنه دوليا، سبق أن شارك في "حروب جهادية" بالعراق وسوريا، وحكم عليه سبع سنوات سجنا.. وذكرت أوساط أمنية أن السلاح المستعمل هو نفسه الذي قتل به قبل شهور  شكري بلعيد اليساري.. هذا وقد رفعت أثناء الجنازة شعارات تطالب باستقالة الحكومة وحل مجلس الشورى الذي استقال منه لحد الآن 52 عضوا.. ولا يتوانى البعض في توجيه أصابع الاتهام لحزب "النهضة" الإسلامي خصوصا وللترويكا الحاكمة في تونس عامة..
 وفي علاقة بموضوع القتل، فقد رُمي بالرصاص قبل ثلاثة أيام في بنغازي المحامي عبد السلام المسماري أثناء خروجه من المسجد وهو حقوقي وقيادي بالثورة التي أطاحت بالقذافي.. كما قتل بنفس المدينة ضابطان في الجيش والشرطة.. واليوم عرفت طرابلس وبنغازي مظاهرات حاشدة، رفعت خلالها شعارات ضد "حزب العدالة والبناء" وهو فرع من "حركة الإخوان المسلمين" العالمية، كما اقتحم المحتجون مقر هذا الحزب في بنغازي وأتلفوا وثائقه وهم يحملونه مسؤولية الاغتيال.. ويرى المراقبون أن ليبيا تفقد يوما عن آخر "مقومات الدولة"، فهي لحد الآن بدون نظام أمني وقضائي، وتعيش في فوضى عارمة، إذ تتحكم الملشيات المسلحة في بقاع تقاسمتها فيما بينها.
 يحدث هذا في نفس الوقت التي تعرف فيه مصر منعطفا خطيرا، وقد بدأت الدماء تسيل وعدد القتلى يرتفع خاصة من جانب تيار "الإخوان المسلمين" الذين يتهمون الجهات الأمنية في ذلك.. بينما وزير الداخلية قال إن الشرطة أطلقت فقط الغازات المسيلة للدموع وأن الرصاص انطلق من وسط المحتجين.. وقد أعطى الجيش للمعتصمين برابعة العدوية مهلة لفض الاعتصام والانتظام إلى "العملية السياسية".. وفي نفس الوقت  حبس المدعي العام المصري محمد مرسي الرئيس المطاح به لمدة 15 يوما ووجه له عدة اتهامات، منها التخابر مع قوى أجنبية (يقصد بها حماس) والهروب من السجن  أثناء ثورة 25 يناير.. وهي التهم التي رد عليها الإخوان بالاستغراب.. لا أحد يستطيع تحديد مآل الأحداث بمصر، خاصة بعدما طلب عبد الفتاح السيسي القائد العام للجيش من الشعب الخروج في مسيرة مؤيدة أمس الجمعة، وهو ما يتعبره البعض بداية لشد الحبل بين الإخوان والجيش على مستوى أخطر لا أحد يستطيع تحديد عواقبه على مصر ومحيطها..
في نفس السياق كذلك، تتوالى أحداث القتل والتفجيرات بالعراق، ومن أخطر ما وقع قبل أيام يبين سقوط هيبة الدولة إلى  الحضيض هروب السجناء من سجنين كبيرين، وذكرت الأخبار أن العملية من تنفيذ تنظيم "القاعدة"، وعلم قبل أيام كذلك استقدام القاعدة لأعداد كبيرة من أعضائها إلى العراق وتجنيد شباب من نفس البلد ليقوموا بما سموه "غزوة رمضان"؛ وهي ليست سوى زرع الرعب عبر التفجيرات، ويتبادل الشيعة والسنة كذلك التهم فيما بينهم أما القتل المستمر والانتقامات المضادة...
 أما في سوريا حيث القتل والانفجارات هي "الخبز" اليومي هناك، فأهم ما يميز الأحداث ما قيل عن نية الأكراد في شمال سوريا الإعلان عن "الاستقلال الذاتي" على غرار الإقليم العراقي بكردستان، وهو ما أرهب الجار التركي الذي يخشى من انتقال العدوى إلى تركيا.. كما انفجر الوضع بين "الجيش الحر" السوري وبقية "الحركات الجهادية" التي حلت بسوريا من أجل "تشكيل جزء من الخلافة" الموعودة حسبهم.. حقق الجيش السوري بعض الانتصارات الأسبوع المنصرم في حمص، وهو يحاصر معارضيه هناك ويضيق عليهم الخناق.. في ظل تردد الدول الغربية في مد الجيش الحر بالسلاح، فقد أكد مثلا ممثل فرنسا في مجلس الأمن يوم الجمعة الفائت أثناء اجتماع مع "قيادة الثورة" في نيويورك شارك فيه ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن حيث اعتبر أن الحل يجب أن يكون "سياسيا"، أي التوجه نحو التفاوض، وهو يعبر عن مخاوف الدول الغربية في انتقال الأسلحة إلى المتشددين ك"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" في حالة دعم "الجيش الحر".
 يبدو أن الأحداث تتفاعل بشكل ينذر بالأسوأ، خاصة أن هوة الخلافات والنزاعات تتوسع بين مختلف الأطراف في العالم العربي، وقلة من ينادون بالحوار وبحق الآخر في التواجد وبالاحتكام لصناديق الانتخابات.. إلى أي مدى ستستمر هذه الموجة من العنف والكراهية؟


الجمعة، 26 يوليو 2013

مع محمد شكري في خلوده

مع محمد شكري في خلوده

محمد شكري 


مصطفى لمودن
دخلت إحدى المكتبات أبحث عن كتاب بعينه لم أجده، وفي نفس الوقت أتصفح العناوين، فقد أتصادف مع كتاب أحتاجه أو يروقني.. وإذا بي أجد بضعة نسخ من "الخبز الحافي" وهي تحمل الطبعة الحادية عشر، جميل فعلا أن تطبع في المغرب مثل هذه الرواية التي خلفها الفقيد محمد شكري أكثر من عشر مرات في مجتمع يقال عنه إنه غير قارئ!.. شكري انتصر على خصومه، انتصر على كل "المحافظين" الذين يتقمصون شخصية القرصان الذي يغطي عينا بالسواد.. فلا يرون إلا جانبا واحدا من الوجود، لا يرون إلا ما يرغبون في رؤيته، وينكرون أن يكون العالم مختلفا ومتنوعا.. انتصر شكري على كل الذين ضايقوه وحاصروه.. كان شكري يطبع كتبه من جيبه، وأي مال يتوفر عليه شكري؟!
مرة شارك شكري في برنامج ثقافي متلفز وقد وصف "ناشر" ما يكتبه شكري بأبخس وأقذح الأوصاف دون أن يرف له جفن، وقال إنه لن ينشر مثل هذا الأدب في إشارة لما يكتبه شكري.. ها نحن الآن يا شكري شهود على هزمك لذلك الناشر الذي لا يفرق بين نشر الغسيل على السطح ونشر الكتب.. وكتباك "الخبز الحافي" على رأس قائمة الكتب المغربية المترجمة للغات العالم، فقد ترجم إلى ما يناهز أربعين لغة حسب ما جاء في غلاف الرواية نفسها في طبعة "الفنك" ماي 2007.. لقد ظل شكري (1935ـ 2003) يحمل معه مسودة الرواية في جيبه لأزيد من عقد، ولم يجد من ينشرها. ولما ظهرت أولا مترجمة إلى الفرنسية على يد الطاهر بنجلون في أوربا، ولما توالت الترجمات والدراسات والتنويهات والنقد لهذه الرواية "المفازة" في شساعة بيداء تحمل الغموض الواضح والوضوح المبهم.. حينها ظهر "لزوما" نشر الرواية الأصل بالعربية!
سأظل ممتنا لأحد أساتذتي في مادة الفرنسية بالثانوي وهو منحدر من أصل بلجيكي وقد أمدني بنسخة من رواية الخبز الحافي بعدما قبل طلبي، لكنه اشترط علي أن التحق به في داره ليمدني بها.. ف"الخبز الحافي" بمثابة علبة الهيروين ممنوع تصفحه أو حمله علانية.. وقد بقي الكتاب ممنوعا تداوله في المغرب لسنوات طوال، لنتصور فداحة الأمر، دولة بكاملها تشن الحرب على كتاب!.. إلى أن جاءت "حكومة التناوب" فأفرجت عن الكتاب. وانتصر من جديد محمد شكري على كل خصومه.. قرأت شكري ابن بلدي في وطني المغرب بالفرنسية أولا.. يا للفداحة وقد بقينا صامتين على ذلك، كما ما نزال صامتين على فداحات ترتكب هنا وهناك.
شكري بحسه النافذ جاء برواية قبل زمانها، ليس ذلك مرتبطا بما قد يعتقده البعض عرضا بورنوغرافيا (Pornographique) حينما يتحدث عن المغامرات الجنسية وعن علاقاته مع خادمات الجنس، أو أن يتحدث بكل تلك القساوة عن والده حيث كتب "كثيرا ما كان أبي يباغتني في الشارع من الخلف ويقبض علي من ياقة قميصي أو يلوي ذراعي إلى ظهري بيد وباليد الأخرى ينهال عليّ ضربا حتى يسيل دمي.." (نفس المرجع ص 75)، أو أن يثير كل تلك المأساة التي لاقتها أسرته وهي ترتحل بين مدن المغرب والجزائر (وصلنا إلى وهران ليلا . ص:53)، قبل أن تستقر في طنجة وكيف يرى إخوته يتضورون جوعا أو يموت أحدهم والمتهم هو أب شكري؛ "يلوي اللعين عنقه بعنف. أخي يتلوى. الدم يتدفق. أهرب خارج البيت تاركا إيّاه يسكت أمي باللكم والرفس." (ص9).. ليس في كل هذا التوصيف القاسي فقط، بل في تلك المحاكمة التي رفعها ضدنا، ضد كل المجتمع.. هنا تكمن عبقرية شكري في "الخبز الحافي"، إنه يوجه رسالة قوية إلى كل من يدعي العفة والنزاهة والمسؤولية أن ينظر في هذه الرواية (البيان) بكل ثقلها التعبيري الواضح حول تحدي الجميع، تحدي القيم التي تمجد النفاق دون أن تفصح عنه، من خلال الرواية (السيرة الذاتية) شكري ليس ممتنا لأحد، حتى تعلمه حروف اللغة وقع في السجن.. وليس خارجه، لنتصور هذه المفارقة، تعليم اللغة بما تعنيه من بحث عن الحرية والانطلاق والرغبة والتواصل تتم بين جدران مغلقة.. لولا طموح شكري بذاته لما وصلنا كاتب في قيمة شكري.. تلك هي الخلاصة الثانية.. عصامية الرجل في كل شيء، لهذا سعى أن يقيم محاكمة ضدنا عبر معاناة أسرته ونذوب جسده وطموحاته وإخفاقاته، بل حتى عبر طبعه لكتبه من ماله الخاص..  شكري ليس حالة فريدة في المعاناة، لكنه تخلص من معاناته بالكتابة، وبذلك خلد بيننا وبين الأحياء اللاحقين.
ألف تحية لك أيها الريفي البدوي الذي شق له في سماء الأدب اسما لامعا.
أيها الشباب اقروا أدبكم، أدب المغاربة، أدب شكري ولا تلتفتوا لمن يرفع لواءات التحجير على عقول الناس، ولا ينفك يفصح عن غيرته من الفن لما يحمله من إبداع وحرية وتواصل وانطلاقة..
-----------

وبجريدة "فضاء الحوار" عدد 335 بتاريخ 23 يوليوز 2013

الأربعاء، 17 يوليو 2013

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

مصطفى لمودن
قال حميد مجدي: "مسؤوليتي اتجاه وطني تفرض علي الانخراط في النضال من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. ورغم كل الضغوطات والتهديدات ومحاولات سجني بقضايا ملفقة، فلن أنساق أبدا مع سرب الإجماع." ذلك جزء من حوار أجرته معه فاطمة الإفريقي في سلسلة مقالات تحمل عنوان "الخارجون عن الإجماع" بجريدة "أخبار اليوم" في العدد 1117 الصادر يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013. ومعلوم أن حميد مجدي النقابي والعضو بالحزب الاشتراكي الموحد حصل على حكم بالبراءة من المحكمة الابتدائية بمراكش قبل أسابيع، وذلك إثر وضع مجهولين مخدر الشيرة والكوكايين في سيارته.. وقد لقي مجدي مساندة وتضامنا واسعين، وأرجع سبب مضايقته إلى نضاله النقابي بإقليم ورزازات قائلا في نفس الحوار المشار إليه:" .. أدافع كنقابي وحقوقي في إطار القانون، على العمال في مؤسسات الدولة وفي المناجم والفنادق المصنفة وغيرها من الشركات الكبرى التي ينتهك بعضها أبسط الحقوق والقوانين بشكل صارخ، فلا يوجد فرق كبير في المغرب ـ بكل أسف ـ بين ان تكون عاملا وأن تكون عبدا. لقد حاولوا في البداية إغرائي كي لا أساند عمال شركة مناجم، ولما فشلت محاولاتهم غيروا الخطة بالتضييق عليّ". وأضاف أنه "لازال مهددا لحد الآن بسبب" مواقفه..ويتهم في ذلك عامل إقليم قلعة السراغنة حيث انتقل للعمل بها، وقد دفع للعمل خارج دائرة اختصاصه في إحدى القيادات بعيدا عن المدار الحضري.. كما أشار إلى استغرابه من عدم تضامن الجهاز النقابي المركزي المسير لنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خصوصا أن ما تعرض له كان سببه نضالاته النقابية كما قال.. بخلاف هيئات أخرى مختلفة تضامنت معه.. وذكّر في خضم حديثه بالمضايقات بحالة محمد ياسر اكميرة بسيدي سليمان الذي حصل على حكم بالبراءة في الثاني شهر يونيو المنصرم..

الاثنين، 8 يوليو 2013

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني./ ذ. حميد هيمة

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني.
 مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
945024_644447015582803_1710018813_n.jpg
حميد هيمة(*)


ديغول، بما يحمله من رمزية مقاومة النازية، يتنحّى عن السلطة عقب ثورة ماي 1968، ومرسي، بما يحمله من رغبة جامحة لـلجماعة في "التمكين"، يتشبث بالشرعية الدستورية ويكفر بالشرعية الشعبية التي أسقطت المخلوع السابق.
إن الترافع بمضمون الشرعية، وفي أحايين كثيرة الشريعة لدغدغة مشاعر "المؤمنين" المقهورين المتطلعين للخلاص، يشبه إلى حد كبير اغتصاب الزوج لزوجته بناء على عقد "النكاح"، على حد تعبير الصديق عدنان.
فرغم كل نقائص الديمقراطية "البورجوازية"، قياسا إلى الديمقراطية بمضونها العام، فإن المكتسبات الليبرالية ساهمت في ترسيخ الحقوق السياسية والمدنية وتحرير الشعوب من كل أشكال الاستبداد المباشر القائم على تركيز السلط لفائدة الحاكم المستبد.
إن النضال و التضحيات الجسيمة للشعوب في سبيل الحرية ساهم في استعادة الفعل السياسي، كعلاقات ناظمة بين الحاكم والمحكوم في الديمقراطية التمثيلية، من المجال القدسي القائم على اغتصاب تجار الدين لمنصب المتحدث باسم "الله" في الأرض؛ بما يختزنه ذلك من دلالة امتلاك الحقيقة السماوية المطلقة في فضاء سياسي قائم على تنسّيب التقدير في المواقف والاتجاهات إزاء قضايا مرتبطة بالصراع في الأرض لا في السماء.
وبعد  مسلسل ثوري، مسنود بأرضية فكرية تنويرية تنتصر للإنسان، نجحت كل الحضارات الحيُة في إعادة صياغة ثقافتها السياسية بشكل ينتصر للشعوب كمصدر للسلطة في الديمقراطيات التمثيلية. وبعمق أكثر، إسناد النظام السياسي لشرعيته التمثيلية بإشراك المجتمع في بلورة وتنفيذ المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..الخ.
على عكس هذا المسار، تختزل الأنظمة "العربية"، وبتحديد أدق العصابات المتسلطة على شعوب المنطقة، الديمقراطية لشرعنة القهر والغلبة،  وتلتوي على الاستشارات الشعبية لتزكية إجماع قبلي حول حاكم لم يحرّره "الانتخاب" من تقديس الذات أو من الجنوح إلى فعل الغلبة والقهر.
ومناسبة هذا الاستهلال هو ما يقع في مصر. هل ما وقع "انقلاب" على الشرعية والشريعة من منظور المؤيد، أم أن ما حدث "ثورة" شعبية سرقها الجيش من منظور ينتصر للدولة المدنية؟
قبل التفاعل مع السؤال، من المهم أن نشير، في البدء والمنتهى، أن النقاش سينصب على الصراع السياسي، مما يتوجّب علينا أن ننزع عن الفرق المتصارعة فيه كل الأغطية الدينية التي ارتدتها  لتحصين مواقفها السياسية ومنافعها الاجتماعية والاقتصادية بمقولات دينية انتهت مدة صلاحياتها وفعّاليتها حتى مع "الصحابة" الذين تقاتلوا من أجل السلطة السياسية وليس حول مبطّلات الوضوء وفروض الصلاة ..الخ.

طبعا، لن يكون الحديث، هنا، عن تقييم فترة حكم مرسي، مع ما يتستدعي ذلك من خلاف واختلاف حول معايير التقييم، وإنما سنتوجه رأسا إلى مناقشة قضية "الشرعية" المختزلة في الديمقراطية العددية: ديمقراطية العصبية/ الطائفة الغالبة/ الناجية.
إن الانتخابات "النزّيهة" في مصر، كأحد أوجه التعبير عن الإرادة الشعبية، ليست تفويضا نهائيا للحاكم  " محمد مرسي"  لتنفيذ الرغبات الدفينة وغير المعلنة لطائفة من المجتمع، نقصد هنا " جماعة الإخوان المسلمين"، التي ارتدت لبوسا تنظيميا "مدنيا" لإخفاء حقيقتها المتعارضة مع متطلبّات المدنية السياسية: الفصل بين السياسي والدعوي.
إن مرسي المتشبث بشرعية الصناديق، كما يدل على ذلك ترديده لـ "الشرعية" أكثر من 160 مرة في خطاب الوداع، وصل إلى السلطة بعد أن أطاح الشعب المصري بحاكم عسكري، سخّر كل مظاهر الديمقراطية، للاحتفاظ باستمراره حاكما مستبدا على مصر العظيمة بتاريخها وشعبها.
لقد تداعت جماعة "الإخوان المسلمين" في التهليل بالحراك الشعبي، في بداية 2011، لإسقاط الدكتاتور "حسني مبارك"، كما أنها تعجّلت في تزكية الجيش  لتنحية المخلوع !! غير أن الجماعة تحولت إلى "ضحية" لما شرعنته بالأمس: انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الإخواني، وتدخل الجيش لتنحيته "حفاظا على موجبات الأمن القومي"، كما يبرر العسكر ذلك.
لم يراع رئيس الإخوان حساسية اللحظة الانتقالية في مصر، التي كانت تقتضي إشراك كل القوى السياسية الديمقراطية والشعبية، بل قاده جنوحه لركوب ديمقراطية"الغالب" الذي يفرض على الفريق المغلوب إبداع صيغ جديدة للمقاومة حملت شارة " تمرد".
ضحّى الشباب بدمائهم وأرواحهم، في الحراك الجاري، ليس لتفويض مرسي وجماعته فرض دستور على مقاس "التمكين" الاخواني، أو لتوزيع المنافع المادية والرمزية على أعضاء الطائفة، وإنما كانت التضحيات من أجل التأسيس لديمقراطية شاملة قائمة على احترام الإرادة الشعبية والاستجابة للتطلعات الجماعية في العدالة الاجتماعية والكرامة.
يبدو من ردود الفعل البطيئة للرئيس المخلوع، في النسخة الثانية، أنه لم يستوعب ذلك الحشد التاريخي من الشعب المندّد بسياسته اللاشعبية. كما أنه لم يدرك أن سياسة الانفراد المنحازة للطائفة خلقت اصطفافا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ضده وضد جماعته المتطلعة لأخونة الدولة والمجتمع.
وفي مواجهة المشروع الاخواني، وتراكم الأخطاء القاتلة للرئيس، وأثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاض الاحتقان السياسي، انبثقت مبادرة الشباب المبدع لـ"التمرد" على الانقلاب الناعم للإخوان؛ فقد احتشدت الجماهير للمطالبة بإسقاط مرسي وإعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة وإحداث تعديلات ومراجعات دستورية لتجاوز دستور جماعة الغلبة والقهر.
لم تعترف الجماعة أن الحشود اندفعت إلى ميادين التحرير بشعار وحيد: إسقاط نظام الإخوان ! فيما نشبت هؤلاء- الإخوان- بالشرعية الدستورية المنبثقة عن نتائج الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، مقابل غض الطرف عن الشرعية الشعبية في حشد تاريخي أعظم من الحشد المناهض لمبارك! كما لم تستسغ الطائفة الناجية أن المواطن-ة المصري-ة احتج على الحاكم "الإسلامي" لتجبّره وفشله في إشباع الحاجيات اليومية لفئات واسعة من الشعب تناضل من أجل تأمين عيشها؛ الذي بدأ عسيرا في ظل الحاكم الاخواني!
 انضاف إلى جبهة الرفض قطاع واسع من المثقفين الرافضين لعمليات الأخونة الهادئة للدولة والمجتمع، كما انحاز ضدهم الثوار الذين اعتبروا أن ثورتهم سرقت أو حرّفت عن مسارها الطبيعي. لم يبق إلا تدخل الجيش  بمبرر"حماية الأمن القومي" لتنحية الرئيس المنتخب؛ الذي نجح في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي المصري بتنطعه وعدم إنصاته لنبضات شعب اختار الثورة وسيلة لإسقاط الطغاة.
من العسير الحديث، وفقا للتحديدات الكلاسيكية، عن "انقلاب" عسكري باستحضار معطيات تنهض دليلا لا يطاوع كثيرا في قولبة الأحداث الجارية وفقا للتفسير الانقلابي. يكفي أن نشير هنا، مثلا، إلى إسناد الحكم إلى مدني وفق ما تنص عليه الآلية الدستورية، كما أن نهوض الملايين، في حشد غير مسبوق تاريخيا، للمطالبة بإسقاط الرئيس ترفع من الشرعية الشعبية فوق كل الشرعيات القائمة. أليس الشعب هو مصدر السلطة؟!
دائما في سياق التساؤل: أليست الانتخابات هي من حملت " أدولف هتلر" إلى السلطة في ألمانيا؟ ولماذا تنازل "ديغول" عن الحكم رغم أنه مسنود بالشرعية الانتخابية و"الوطنية" في تحرير وطنه من النازية؟
يبدو الجواب المباشر والفوري، في الحالة الألمانية، أن الديمقراطية الآلية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع غير ناضجة بما يكفي لحماية الديمقراطية من الممارسات والأفعال التسلطية للحكام ما دامت لهم القدرة على دغدغة المشاعر الدينية والقومية وتصريفها انتخابيا. كما أن الديمقراطية، في حالة ديغول، لا تمنع الحاكم المنتخب ديمقراطيا من مراعاة تطلعات شعبه واتجاهاته الجديدة.
الرئيس المنتخب ديمقراطيا، قائد تحرير الوطن، يطوي فترة حكمه بإعلانه رسميا، في كلمات تختزل موقف تاريخي، توقفه " عن مُمارسة مهام رئيساً للجمهورية. يصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 نيسان 1969" !
وبالعودة إلى مسرح الأحداث، في نهاية ستينيات القرن السابق، كانت فرنسا قد عرفت غليانا اجتماعيا وسياسيا ترجم في ثورة ماي 1968 فرضت على "ديغول" إجراء استفتاء شعبي حول الإصلاحات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن النتائج كانت مخّيبة لأماله فاضطر إلى إعلان تنحّيه الطوعي، وترك وصيته بألا يحفر على شاهد قبره إلا العبارة التالية: “شارل ديغول 1890-1970!
مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
إن ما يأمله الشعب الثائر هو دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية... دولة فصل السلط، ينبثق ويعبر  قرارها السياسي عن الشرعية  الشعبية، دولة في خدمة الشعب لا الشعب في خدمة الدولة و المافيات الاقتصادية بمختلف ألوانها الدينية والمذهبية.. الخ.
إن الدولة المدنية المنشودة، التي انتهت إليها معظم التجارب الثورية في التاريخ المعاصر، قائمة على قيم التعددية والثقافة الديمقراطية بضمانها للحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الحريات الفردية والعامة.
تستمر الثورة إلى الدولة المدنية في المحطة الأولى.. في انتظار الثورة التاريخية من أجل العدالة الاجتماعية وتحرير الإنسان من الاستغلال والقهر.
جميعا من أجل "التمرد" للمصالحة مع التاريخ... فوقائع التاريخ ترجّح أن العسكر انحازوا إلى صف اليمين!
-------------------

(*) أستاذ الاجتماعيات بنيابة سيدي سليمان

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان

 البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان




  حكمت المحكمة الابتدائية ببراءة كاتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان وعضو مجلسه الوطني، وقد نطق القاضي بتبرئة المتهم صبيحة الثلاثاء 2 يوليوز إثر  جلسات امتدت على عدة شهور بتهمة ” التهديد ومحاولة القتل” في حق سيدة بواسطة سيارته حسب محضر الاتهام. ومعلوم أن الصيدلي ياسر أكميرة يتحمل عدة مسؤوليات حزبية وحقوقية وله مواقف في ذلك يعبر عنها..