يحدث هذا بسيدي قاسم:
من أجل شهادة الولادة تحرق أعصابك وتنتظر الوقت الطويل
إذا لم تكن لك معرفة سابقة بأحدهم ليمدك بالورقة الخضراء بعد حين، فعليك الانتظار نصف يوم أو يوما كاملا، كما قد يكون من نصيبك القدوم في اليوم الموالي، لتقف ضمن صف طويل، وتتسمع وسط الجلبة علك تلتقط اسمك، فتحصل على ورقتك وتغادر سالما…
طلب مني أحد أبناء عمومتي من مدينة بعيدة أن أعد له نسخا من شهادة الولادة، وذلك قصد إعداد الوثائق لتجديد بطاقة التعريف الوطنية، كما قال، وكأن المعلومات التي أدلى بها في السنين السابقة حول تاريخ ومكان ازدياده قد شابها التغيير أو المراجعة! (ومن يدري؟)، وهكذا لأبسط وثيقة يجب إحضار"عقد ازدياد"، وهناك من يطالب بالأخضر الذي يؤخذ من محل الولادة، وليس الأبيض الذي يمكن للمواطن أن يتسلمه من أقرب مقاطعة أو جماعة… وكأن الإدارات لا تثق في بعضها البعض، ولم يتم العمل ببعض المقتضيات التي بموجبها يمكن للمعلومات المتضمنة في بطاقة التعريف الوطنية أن تغني عن تلك الوثائق، فهاهي بعض الإدارات تطالب بها (ما في عقد الازدياد) من أجل المشاركة في مباريات التوظيف و متابعة الدراسة… لهذا ما تزال "الحاجة" إلى عقود الازدياد قائمة، وما تزال الجماعات "المنتخبة" تشغل العشرات من أجل هذه الوثيقة، عوض أن يعمل جيش الموظفين المكلف بهذا "الشغل" فيما يفيد الساكنة فعلا، أما الحديث عن إدخال الإعلاميات إلى هذا المجال فسيبقى مؤجلا إلى ما لانهاية… والدرهمان اللذان تتسلمهما الجماعات المحلية عن كل وثيقة تكلفتهما أكثر منهما باحتساب الجهد الضائع وعدم تحويل الموظفين إلى أشغال أخرى، كالمواكبة الاجتماعية والتمريض والأنشطة الثقافية والرياضية والبستنة والبيئة ومختلف أشغال تهيئ المجال الحضري المتخلف في أغلب المدن المغربية…
تسليم عقود الازدياد والمصادقة على نسخ الوثائق والإشهاد على العقود من أهم ما بقي للجماعات المحلية… في انتظار أن يأتي في يوم من الأيام الدور على ذلك في إطار "تدبير مفوض"، الصورة من داخل بناية تابعة للبلدية في سيدي قاسم
الطامة الكبرى هي عندما يكون عدد الموظفين حسب ما يبدو للعيان كاف ويفي بالغرض كما هو عليه الحال بالنسبة لسيدي قاسم، في أهم مركز لتسليم عقود الازدياد، عندما تلج المكان تظهر "حركة" وعمل دؤوب من أجل تلبية حاجة المواطنين، لكن لنا ملاحظات يجب تسجيلها بكل تجرد.
1-ضعف الاستقبال؛ موظف واحد يتسلم الطلبات، وهو نفسه من يوزع المستخلص من السجلات.
2-تسبيق المعارف بشكل يثير الخنق والقلق والإحساس ب"الحكرة" لدى المواطنات والمواطنين الآخرين.
3-كثرة" الحركة" في الداخل وتناقل السجلات من مكان لآخر، وبحث البعض عن سجلات تائهة، وتعامل الموظفين فيما بينهم وبين المواطنين بتضايق ونرفزة، كل ذلك يبعث الشفقة على من يسير بلدية سيدي قاسم، قبل أن يثير واجب التضامن مع سكان يفقدون أعصابهم لمجرد دخول المكان، وموظفون يعمل بعضهم في ظروف غير مناسبة…
4-لقد قضيت بالمكان ما يقارب اليوم، وتتبعت تفاصيل "سير الأعمال"، وأهم ما يثير الانتباه، طول فترة "تناول وجبة الغذاء"، بحيث يغادر جل الموظفين عملهم في اتجاه منازلهم، وهناك يمكثون إلى حدود الثالثة بعد الزوال، ومنهم من لم يعد.
طول فترة "الغذاء" وسجلات تنتظر من يسجل منها نسخ عقود الازدياد
5-دخول غرباء إلى المكان المخصص لحفظ الأرشيف، وبحثهم بأنفسهم عن السجلات التي هم مقيدون فيها، مع ما يمثله ذلك من خطر على هذه الوثائق المهمة والمشتركة بين عدد كبير من الناس.
لا يهم من في الصورة، المهم هو دخول البعض بدون صفة والبحث بين البسجلات، وقد لاحظنا عدة حالات
ختاما، يظهر أن عدد الموظفين المخصصين لتأدية هذه الخدمة كاف لذلك، ما ينقص هو التنظيم والجدية وخدمة الصالح العام بتفان، أما عن التوقيت المستمر والذي بموجبه تخصص "نصف ساعة" لتناول وجبة الغذاء، ومغادرة العمل على الساعة الرابعة والنصف، هذا الخيار لا يناسب المدن الصغرى، لسبب واحد هو سوء تدبيره، إما أن تطول فترة الغذاء فتصبح ساعتين، أو يغادر البعض مكان العمل ولا يعود إليه بعد ذلك، ونحن هنا نعمم الحالة على عدد من الإدارات خاصة في المدن الصغرى والمتوسطة كما وقفنا على ذلك مرارا، مما يكون له تأثير سلبي على الزمن الفعلي للعمل، خاصة أن المواطنين تعودوا مكرهين على عدم التشكي و التبرم مما يقع، تفاديا لكل عاقبة وخيمة قد تجرهم إلى ما لا يحمد عقباه، وهذه إشكالية أخرى تخص التواصل والثقة والإحساس بالمواطنة الكاملة والأمان الشخصي والجدية في النظر إلى الشكاوى، وعدم وضع آلية لاستقبال هذه الشكاوى نفسها…
إن الإدارات العمومية والجماعات المحلية عموما ليست ضيعة أحد، بل وجدت لخدمة الوطن والمواطنين، ومن يعملون فيها لا يقدمون" صدقة" لأحد.
—————-