دروس الديمقراطية الحديثة، التداول السلمي على السلطة
البرلمان الإيطالي
مصطفى لمودن
تحل المجتمعات الحديثة خلافاتها حول السلطة بطرق ديمقراطية، وقد رأينا درسا آخر من ذلك قادم من إيطاليا، فأمام المشاكل الاقتصادية التي دخلت في دوامتها هذه الدولة الأوربية/المتوسطية، اضطر رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني تقديم استقالته يوم السبت 12 نونبر الحالي، بعدما فقد أغلبيته البرلمانية في تصويت على الثقة جرى يوم الثلاثاء، ومن المرتقب أن يكلف الرئيس جورجيو نابوليتانو المفوض الاوروبي السابق ماريو مونتي بتشيكل حكومة من التكنوقراط يوم الاثنين، وقد كان يشغل منصب مفوض أوربي في الشؤون المالية، ومن المنتظر أن تستمر هذه الحكومة التي سميت بحكومة الائتلاف الوطني ثمانية عشر شهرا، لكن مراقبين يستبعدون إتمامها لهذه المدة، بسبب الهزات السياسية المستمرة التي تعرفها إيطاليا وتجديدها للحكومات عقب انتخابات برلمانية منها ما يكون سابقا لأوانه، ثم بسبب الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تعانيها إيطاليا وقد أصبحت تحت وصاية صندوق النقد الدولي ورحمته معا، وقد بلغت ديونها 1900 مليار دولار، ما يمثل 120 % من الناتج االداخلي الخام، ونسبة نمو جد ضعيفة لم تتعد 0.6 % طيلة العقد الأخير، وسيكون من أولويات الحكومة الجديدة تبني سياسة تقشف صارمة، منها حصول تسريحات وفقدان مناصب شغل بالآلاف، ورفع سن التقاعد إلى 67 سنة، وتدابير مالية لإعادة الاطمئنان إلى منطقة الأوري التي تعاني الأمرين جراء أزمات مستفحلة هنا وهناك (اليونان، إسبانيا، البرتغال، السويد، فرنسا…)، وقد وجدت أوربا ودول غربية أخرى نفسها تعيش فوق طاقتها وإمكانياتها مند مدة طويلة، إلى أن استفاقت على أزمات خانقة.
ما يهمنا من الأمر هي العبرة، فقد تمكنت الدول الديمقراطية عبر مخاضات عسيرة من إيجاد حلول جذرية للتداول على السلطة بشكل سلمي انطلاقا مما يقرره الشعب عبر الانتخابات، فرئيس فرنسا نيكولا ساركوزي ينتظره امتحان عسير بعد خمسة أشهر، ليبقى لولاية ثانية بقصر الإليزيه، أو يتركه لغريم آخر، قد يكون فرانسوا هولاند ممثل الحزب الاشتراكي، والأمثلة كثيرة.. بينما في الدول المتخلفة، يستمر الحاكم وحاشيته في السلطة على ظهر الذبابات وفوق الجامجم، ولا يتنحى إلا بانقلاب أو ثورة أو اغتيال.. بعدما تكون الخسائر فادحة في الأرواح والاقتصاد..
تنحى بيرلسكوني وتوعد بأن يعود إلى الحكم، طبعا ليس بواسطة فيالق عسكرية، ولكن عبر الانتخابات، وستكون الكلمة النهائية في ذلك للشعب.