أي دور للصحافة المغربية؟؟
الدافع لكتابة هذا الموضوع، نشر الغسيل الذي يتبادله بعض الصحفيين المغاربة فيما بينهم، مجرد أمثلة؛ نثير ما يجري الآن بين رشيد نيني مدير نشر "المساء" وصاحب عمود "شوف اتشوف" وبين أحمد بشمسي صاحب جريدتي"نيشان" و"تيل كيل"، وقد وصل بهما الأمر إلى تبادل السباب والنعوت الشخصية، وما وقع في فترة قريبة بين نيني نفسه ومغادري سفينته (المساء) أعني بهما علي أنوزلا وتوفيق بوعشرين… وما كان يدور سابقا من نعوت قدحية بين مصطفى العلوي صاحب "الأسبوع الصحفي" و"الأسبوع" بعد ذلك وعبد اللطيف جبرو الكاتب المعروف الذي كان ينشر في صحافة "الاتحاد الاشتراكي" ثم "الأحداث المغربية"… كما أن نشر رسالة استعطافية مزعومة إلى الملك موقعة من طرف رشيد نيني وتوفيق بوعشرين وسمير شوقي لإعفاء "المساء" من "الغرامة المالية المحكوم بها من طرف المحكمة، البالغة 600 ملايين سنتيم."… لنتساءل عن أي دور للصحافة في مغرب اليوم.
عن الرسالة الإستعطافية:
هذا جزء من جبل الجليد، وستظهر الأيام حائق أخرى، أولا الضغط الخفي من جهات قوية حتى تدخل بعض المنابر السكة، سكة السمع والطاعة والمجارات، وذلك يتطلب تقنيات جديدة، ليست المنع مباشرة، وتوقيف الصحف "المناوئة" (غير الطيعة) عن الصدور، ولكن أصبح ذلك عبر توقيف صنبور الإشهار، سواء من المال العام عبر مؤسسات عمومية أو شبه عمومية، أو استغلال "بعض الهفوات" لدفع جهات "متضررة" قصد المطالبة بحق القصاص، وغالبا لا يكون "الجرم" في مستوى التعويضات التي يطالب بها "متضررون"، إن نشر بعض الأخبار العادية والتي يقدر البعض أنها مسيئة لهم، لا يتطلب "إصلاحها" سوى نشر بيان حقيقة أو توضيح من المحرر، أو نشر مقالات مؤدى عنها في صحف أخرى، وليس تلك الغرامات الثقيلة، التي تقدر بالملايين، والتي يكون الغرض الحقيقي من ورائها هو لجم هذه الأفواه الجديدة التي أصبحت تجرؤ على الحديث.
التخوف من صحافة جريئة
ثانيا، ضرورة توجيه رسالة غير مشفرة، ليقرأها الجميع ويعملوا بها، وهي أن للحرية حدود، وأن التعبير يجب ألا يتجاوز خطوطا محددة، وقد بدأ بعض المستفيدين من الوضع ينزعجون فعلا من كتابات تراكم يوما عن آخر بعض المكتسبات، وتفتح بعض المناطق المغلقة، عبر الكتابة عنها، وذلك قد يمس بعض المنافع العينية والرمزية لمنتفعين جدد، وهنا نذكر مثلا قضية كراء أملاك الأوقاف…
إن للإعلام دورا حيويا وقويا في صناعة الرأي العام، خاصة إذا كان من قبل مشرفين عليه متمكنين من صنعتهم، قادرين على التقاط نبض الشارع والتجاوب معه، لكن الدور الأكبر الذي حاول بعض الصحفيين القيام به، وهو ملء فراغ سياسي مفترض، له نكهة "معارضة"، يغازل رأي عام رافض، يعاني تبعات الأزمة وغياب ديمقراطية تشاركية…. هذا الدور الذي حاول البعض تلمسه لا يليق بالصحافة، غرض بعضهم منه هو تحقيق الربح عبر اقتناء الجريدة وفرض اسم (علامة تجارية) لها "صولة" يركبها المستشهرون، وهي في نفس الوقت أداة ابتزاز ضد كل من "لا يفهم راسو"، قد تنزل عليه مقالات التشهير الكيدية عوض الإشهار، إلى أن يأتي صاغرا، لنشر إشهاره بعد تأدية أظرفة سمينة، وهاهو جمال براوي، يقول أن بنكا كان يؤدي لجريدة يكتب فيها مليون درهم سنويا كمقابل الإشهار!(المساء عدد 888).
أي دور للصحافة؟
مشكلة ما يسمى الإعلام المستقل هو لعبه على حبلين، من جهة يريد ضمان قراء مفترضين، عن طريق ضغضغة عواطفهم، وتلهيبهم عبر مواد صحفية تنحو نحو الشعبوية والإثارة وتضحيم بعض الحوادث، وتقديم حوادث على أخرى، ونفهم ذلك عبرمقارنة الصفحة الأولى وما ينشر بداخل هذه الصحف، وربط ذلك بسياقات وخط تحريري معين… ومن جهة أخرى لا يريد هذا "الإعلام المستقل" أن يظهر أمام الجهات المسؤولة كمن يركب نوعا من التحدي والمطاولة، لهذا قد تغفل بعض الصحف عمدا عن التطرق لبعض الأخبار التي تصلها، ومنها من ينهي صحافييها عن معالجة موضوع معين، بل من الصحافيين من لا يفهم إلغاء نشر موضوع له يكون قد كلفه تعبا وجهدا! كل ذلك يدخل في لعبة غير مكشوفة تجري داخل كواليس الصحف لا يعلم بها إلا القليل من القراء.
المشكلة الثانية عندما تصبح الصحف حصان طروادة بالنسبة لقطاعات اجتماعية واسعة، منها لسوء التقدير حتى بعض الهيئات السياسية والجمعوية… عندما يركن بعض هؤلاء الفاعلين للخمول والصمت، وينتظرون من الصحافي أن يتحدث عن همومهم ومشاكلهم وطموحاتهم، بل وأجندتهم وشكاويهم…
وهو ما يستسيغه بعض الصحافيين، فيتحولون من مجرد ناقلي الأخبار ومعلقين عليها، إلى أصحاب "رسالة ومواعظ وبرنامج تحديثي أو محافظ أو…"
عوض التحرك والممارسة المنتظرة من قبل "الفاعلين" المشار إليهم، ينتظرون الصحف والجرائد كي تتحدث عن أحوالهم… عند صدور مقالات عنهم، وقد تكون مدفوعة الأجر(نقدا أو عبر العلاقات…) ينتظرون مرة أخرى ردود الفعل بعد النشر وما ستقوم بها السلطات لصالحهم، أصبحت لديهم الصحف معوضا عن النضال والتضحية الحقيقية، والتواجد في قلب الأحداث وصناعتها، ولا يعرفون أنه حينها فقط ستأتي الصحف باحثة عن الحدث لنشره، بل لتسويقه… ستكون الصحف تابعة وليس هي من يجر العربة، كما يحلو لبعض "المشرفين" على الصحف أن يستمروا في ذلك، حتى أن منهم من أصبح يكتب بعنترية لا معنى لها.
بينما المطلوب من الصحافة مواكبة التحولات المختلفة التي يعرفها البلد، سلبا أو إيجابا، نقل الأخبار والتنقيب عليها في ظل الشح المفروض والكتمان التي تسير عليه دواليب الدولة، تقريب وجهات النظر المختلفة وعرضها على العموم لمقارنتها، تنوع الخدمة الصحافية من تحقيقات ومقالات ومواكبة أنشطة وشرح وتوضيح خلفيات الأحداث، ونشر الثقافة بالمفهوم المعرفي الشامل، والانفتاح على تجارب الشعوب، وتتبع المستجدات العلمية والأدبية والفنية… وليس من الضروري أن يقوم الصحافيون بذلك، بل في غالب الأحيان هم يكونون فقط مجرد"ناقلة" مختصة لها خبرة في حسن التنظيم والعرض… بينما المختصون هم من يتكلف بذلك، لا يمكن أن يكون عندنا الصحفي الموسوعي الذي يتحدث عن كل شيء وفي كل شيء!
خاتمة للتدبر
وهنا أتذكر بعض التجارب الإعلامية الموؤودة التي كانت تصدر عن اليسار، وقد أبيدت نظرا لسوء التسيير، فكانت العاقبة أوخم، وهي ضياع صوت معبر عن مؤسسة، كما وقع في تجربة "اليسار الموحد" الذي كان تابعا للحزب الاشتراكي الموحد… (مجرد مثل). يمكن الآن لأطراف مناضلة وفاعلة في المجتمع، ذات توجهات متقاربة، أن تشرف على إصدار بدائل إلكترونية متقدمة من حيث الإخراج والتفاعل… وهذا هو المجال الذي يجعل بعض الصحف ترتعد خوفا على فقدان عائداتها من المبيعات الورقية.
مصطفى لمودن