" لُوكْليزْيو" في المتحف الإنساني.
ـ أَعَدَّ الترجمة: جواد المومني
أستاذ اللغة العربية ـ پيرپينيان، فرنسا
ـ عن: ليبيراسيون لُوماڭ. السبت/الأحد 12و13 نونبر
2011.
تقديم لا بد منه :
في تقليد سنوي، دأب متحف "اللوفر" بباريس على استضافة وجوه من الفكر والأدب العالميين، حيث يعرض المستضافما استطاع تخزينه من موروثات أو تحف ومنحوتات أو مسكوكات مختلفة وكذا ما تَجَمَّع لديه من أعمال عريقة متنوعة، تخص ثقافاتالشعوب وحضاراتها القديمة. وتكون بالتالي المناسبة سانحة لولوج الحوار المباشر مع الزوار والمهتمين، بعيداً عن " الصنعة " والتحضير المسبقين.
وما سأقوم به هنا، ليس ترجمة كليةً إجمالية للجلْسَة الحِوارية التي أَنْجَزَتْها الصِّحافية "بياترتس فالايس" لصالح مجلة"ليبيراسيون لُومَاڭْ " الفرنسية؛ وإنما " ترجمة عاشقةً " ـ إنْ صح التعبيرـ لبعض الآراء والأفكار التي بثَّها " لوكليزيو" في مداخلاته وردوده، حيث ـ وَجَبَ التنويه ـ كانت الأسئلة متنوعةَ المشارب، و بالتالي تداخلتْ أيضا التعقيبات، ولم تتقسّم إلى أبواب أو مَحاورَ بعينها.
فالتقرير التالي عبارة عن ترجمةٍ لِ "كلامِ" لُوكْليزْيو، يكنز بين طياته "متعة " المحكي، مثلما لا يُخفي" لذة " التصور، كمالا يتوانى عن إبراز المواقف المبدئية من جملة قضايا؛ وسيتم تجزيئه إلى خمس فِقْرات.
يقول جان ماري كوستاف لوكليزيو في معرض هذا الحوار المطول:
" أحْببتُ كثيرا " أندري مالرو" صاحب " الأمل" ولم أحبَّ " مالرو" وزير الثقافة، الذي صدمني كثيراً.
(…) عند إقامتي ب "تايلاند" أثناء خدمتي المدنية، درَّستُ في الجامعة البوذية لبانْكوك، تعرَّضتُ لمجموعة مضايقات. فضمن المقررات الجامعية وَردَ اسم ماو تسي تونغ دون الإدراك أنه كان ممنوعاً تداوله؛ وقد رغب بعض الطلبة في التعرف على " الكتاب الأحمر الصغير"
فأَقْرَأْتُهُمْ مجموعة مقاطع، إثر ذلك تم طردي من البلاد، لم أقل لِطلبتي إني متشبع بهذه الأفكار، أو إني أنخرط في تيارها، و لكني كنت أوضحأنه يتعين معرفتها قبل الحكم عليها، وفي الواقع، ما يحصل هو المنع قبل المعرفة!!
الإنسانية بِرُمَّتِها تتواصل، و من الحُمق أن نتخيلَ أن ثمة ثقافة مفصولة عن غيرها. قد تكون مختلفةً، وهذا حقيقي، أو غريبة، لكن أن تكون " نقيةً " خالصةً صافيةً، فهذا غير معقول تماماً.
(…)أَمْرٌ صادمٌ حقا أنْ نعتبر شعباً ما بدون تاريخ !! (في إشارة إلى خطاب ساركوزي بالسينيغال) فالسَّاسةُ يُخطئون كثيرا في ذلك،وستكون للأمر تبعات خطيرة. يجب أن يتوقف بعض رجال السياسة عن احتقار الشعوب الأخرى أو تبخيسها حقها !! فالقارة الإفريقية تعطينا أمثلة قوية عن نماذج في الحكم جد متقدمة، فمملكة " بُورْنُو "، تُعْتَبَرُ المجموعة السكانية الأولى بالعالم التي أنْجَزَتْ " دستوراً "
و" ديمقراطْيَا " جد متقدمين ومتطورين في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية، قبل الإغريق! نَحْن في حاجة بالتالي إلى التواصل مع كل التراث الإنساني.
وخلاصة القول، إننا نمتلك تقنياتٍ كبيرة ورائعةً، لكننا نفتقد التدابير السياسية الفذة..
(…) خلال كلمة تسلُّمي جائزة نوبل 2008 للأدب، أكَّدْتُ أن من بين أحلام الكاتب " المبادرة "، فالحركية والفعل لا يَتِمّان إلا بالمساهمة في عمل صالح و نافع للآخرين،
وليس فقط بالكلمات أو بالكتب، ولذلك تكلمتُ في " ستوكهولم " عن " غُربة الكاتب ".
وحتى في آخر مؤلفاتي:( الأقدام و أَمْزِجةٌ أخرى ) المليء بالقصص المؤلمة والجارحة، فأنا أُحبذ " النهاية السعيدة " غير التراجيدية، أظن أن الحياة أمْرٌ هائل ورائع يجب أن نعيشه.لا أن نتهيَّأهُ، كما أفضل الرؤية والتفكير الساحريْن/الحالمَين ولعل لذلك ارتباطاً
بالهَوَس " الإفريقي " الذي يحيا بداخلي.
كانت مجموعة:" الكوكب لِلْإِبحار" أوّل أعمالي ( وأنا يافع ) وشخصياًّ ما أبحث عنه الآن هو تلك " النظرة " الغريبة، الحنون،العاطفة من والدتي بخصوص ما كنت أكتب. فبكل حب كانت تعمل على تجميع مخطوطاتي، وتَخيطُها، وتضع لها غلافاً، ثم تَقْرأها.
تلك هي " الغربة " التي أبحث عنها.
في " ستوكهولم " كَرَّمَ ألبيرْ كامو في كلمته " النوبيلية " مُعَلمَه، السيد " جيرمان "، بينما أنا أردتُ ردَّ الإعتبار لِ " إيلْفيرا "، تلك المرأة الأمريكية من الهنود الحمر، من غابة " إيمْبِيرا "، حكواتية، ساردة وروائية.في الحقيقة، كنت عاشقا لهذه الشخصية الفذة، المتفردةِ
القادرة على العيش متحررةً بدون رجل وسط مجتمع ذكوري. كانت تنسج الأساطير وتمنحها روحاً عذبة حين تُرخي عليها ظِلالا من حياتها. إنها فنانة بكل المقاييس.. وأنا أعتبر نفسي " عَبّاراً " أو بالأحْرى " شاهداً ".. فبالكتابة نتحرك على الأقل.
معركة المرأة صعبة جداً؛ فليس عليها أن تقاوم ما يُقاومُه الرجل فحسب، بل أن تجابه الرجلَ كذلك ، أن تتحرر منَ: المراقبة، من السلطة،من العَسْف الذكوري . فشجاعة المرأة مضاعفة بالتالي.تحدثتُ عن الهنود الحمر، وقلتُ إنهم يعيشون في عالم أُسَمّيه ب " شُيوعية الضَّرُورَةِ "، فهم يرفضون بالمطلق كل " سلطة " ويميلونأكثر إلى " الفوضى الطبيعية المُعقْلنة ". ما يُدهشهم هو حاجتنا إلى الوزراء وإلى رجال الشرطة… فحين يرتكب أحدهم جُرما ما فهم لا يُلقون عليه القبض، و إنما يراقبونه عن قرب ويرصدون تحركاته اللاحقة حتى لا يتكرر الفعل. وفي مراتٍ يقومون بمراقبة الذين يُشْتَبَهُفيهم القدرة على ارتكاب جُرمٍ ما، فيكون الضغط بالتالي أخلاقياًّ، لتفادي الخطإ. إنه تنظيم إحتياطي داخل المجتمع. فليس ثمة سجون ولا جدران عالية، إلا أن " نظرة الآخر" تبقى فاعلةً وذات مصداقية، و ليس ثمة فروق اجتماعية بين من يملك ومن لا يملك. وهذالا يعني أنه لا وجود للصوص، غير أن المغزى عميق: فلِلْأخطاء حقُّها في الإدماج، إما بإيجاد الحلول لها، وإما بإمكانية العفو والصفح.
بكل أسف، أجدُني مصدوماً حُيال النظرة الدُّونية التي يُعامَلُ بها المهاجرون في أوروبا عموما. فعلى العكس مما هو حاصل، يجب استقبالهم ومدُّ يد العون لهم، مع محاولة التخفيف من الآلام التي يفرون منها.
***************
تمت الترجمة ب: پيرپينيان/فرنسا في: 6/12/2011